مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
حين يصبح الخيار الركوع أو الموت
هويدي 4-9-2001

خلاصة الرسالة التي بعثت بها إسرائيل إلي الكافة‏,‏ بقتلها لزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‏,‏ أبوعلي مصطفي‏,‏ أن كل من يخاصم إسرائيل ـ وليس من يقاتلها فقط ـ مرشح للموت في أي لحظة‏,‏ مهما علا مقامه‏,‏ ومنطق من هذا القبيل ماكان له أن يبسط هكذا في العلن‏,‏ ويمارس في الحقيقة‏.‏ إلا إذا كان هناك ضوء أخضر من واشنطن‏,‏ الأمر الذي يستغرب المرء معه ألا يسلط الضوء علي الدور الأمريكي في المسألة‏,‏ وألا يحظي ذلك الدور بما يستحقه من غضب‏..‏ هذه قراءة في الصحف الإسرائيلية تتحري المسألة‏.‏

‏(1)‏
كتابات الصحف الإسرائيلية في التعقيب علي قتل أبوعلي مصطفي تراوحت بين الحفاوة والتشجيع‏,‏ وبين التحذير من عواقب استمرار التصعيد‏,‏ فكما هو في مقاليد عصابات المافيا‏,‏ نشرت صحيفة معاريف صور سبعة أشخاص مرشحين للقتل علي غلاف عددها الصادر في اليوم التالي للقتل في‏8/28‏ وكان يتوسط هؤلاء السبعة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات‏,‏ أما الستة الآخرون فهم‏:‏ نائبه محمود عباس أبومازن‏,‏ وعبدالله الشامي مسئول حركة الجهاد الإسلامي في الضفة وغزة‏,‏ ووزير الإعلام في السلطة ياسر عبدربه‏,‏ والشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس‏,‏ وأبوعلي مصطفي زعيم الجبهة الشعبية‏,‏ وأحمد قريع رئيس المجلس التشريعي في غزة‏..‏ وقد شطب علي وجه أبوعلي مصطفي‏,‏ الأمر الذي يوحي للقارئ بالسؤال التالي‏:‏ علي من سيكون الدور في المرة القادمة؟
في الداخل نشرت الصحيفة مقالة أحد كتابها ـ جدعون عزرا ـ قال فيها إنه بقتل زعيم الجبهة الشعبية في‏8/27‏ فإن كل فلسطيني يعتقد أنه يتمتع بالحصانة‏,‏ يجب أن يدرك أن تلك الحصانة قد رفعت ابتداء من أمس‏.‏

عدد معاريف الذي صدر في اليوم التالي‏8/29‏ حمل مقالة أخري‏,‏ قال كاتبها ـ مائير ليغشيتش ـ إن عرفات أصبح هو المشكلة ليس الاحتلال بطبيعة الحال‏!‏ ـ لذلك فإن اختفاءه أصبح مطلبا ملحا‏,‏ ولكن كيف؟‏..‏ هل نبعده إلي تونس أم نخرجه من الدنيا؟‏..‏ وبعد التخلص من علي مصطفي‏,‏ فإن إسرائيل يجب أن تصوب نحو الهدف الآخر‏:‏ عرفات‏..‏
يديعوت أحرونوت حملت نفس التحذير في عددها الصادر في‏8/28,‏ إذ كتب إليكسي فيشمان قائلا إن أبوعلي مصطفي لم يكن خبيرا في الإرهاب‏,‏ وان كل العمليات التي حاولت عناصر الجبهة الشعبية القيام بها أثناء الانتفاضة منيت بالفشل‏,‏ وتمثلت آخرها في وضع سيارة مفخخة بأحد شوارع القدس‏,‏ ولكن توصيل رسالة الجميع في خطر‏,‏ ولا توجد حصانة لأي أحد‏,‏ اقتضي اختيار شخص معروف ليس فقط في المجتمع الفلسطيني‏,‏ إنما أيضا في العالم العربي لتعميم الرسالة‏,‏ وأريد له أن يكون رمزا‏,‏ ينتمي إلي جيل مؤسسي منظمة تحرير فلسطين‏,‏ وله مكانته السياسية والجماهيرية المحترمة‏,‏ وكانت تلك المواصفات تنطبق علي أبوعلي مصطفي‏,‏ فانطلقت طائرتا الأباتشي الأمريكية لقتله‏.‏

دافع الكاتب عن العملية‏,‏ لكنه قال إنها من العمليات التي تنطبق عليها مقولة‏:‏ لا تكن صادقا‏,‏ وكن حكيما‏,‏ إذ اعتبر أنها تفتح الباب لكسر الأواني وإعلان الحرب علي السلطة الفلسطينية‏,‏ وتقريب الانفجار الكبير كأن الانفجار لم يحدث؟‏.‏
التحذير كرره وزير الأمن الإسرائيلي عوزي لانداو‏,‏ الذي قال في حديث له نشرته الشرق الأوسط‏(‏ في‏8/31)‏ ان اغتيال أبوعلي مصطفي ليس سوي البداية‏,‏ الأمر الذي يعني مباشرة أن ثمة قائمة للقيادات السياسية المرشحة للتصفية‏,‏ وهي بطبيعة الحال مختلفة عن قائمة المطلوبين الذين تحملهم إسرائيل مسئولية العمليات الفدائية علي أراضيها‏.‏

‏(2)‏
تتواتر الإشارات في الكتابات المختلفة إلي أن شخص الرئيس عرفات يمثل خطا أحمر‏,‏ وأن واشنطن تعتبره كذلك‏,‏ كما أنها تضع خطا أحمر آخر إزاء إعادة احتلال أراضي السلطة الفلسطينية‏,‏ وهذا الكلام ـ إذا صح ـ فإنه يعني أن كل ما عدا ذلك مباح‏,‏ بما في ذلك إبادة الشعب الفلسطيني وهدم البيوت وتبوير الأرض‏.‏
وحين تم اغتيال أبوعلي مصطفي‏,‏ في مكتبه الذي يبعد‏300‏ متر عن مقر الرئيس عرفات‏,‏ فكأن رسالة التحذير وضعت علي بعد‏300‏ متر من مقر الرئيس الفلسطيني‏,‏ أو أن قرار التصفية أصبح واقفا ببابه‏,‏ ولم يعد في الأمر سر يمكن إخفاؤه‏..‏ أما إعادة احتلال مناطق السلطة فإن الحكومة الإسرائيلية نفسها قد لا تكون متحمسة له‏,‏ لأنه يكلفها بما لا تطيق‏,‏ وهي تستغني عن ذلك بالقيام بعمليات اقتحام لتلك المناطق تضرب أثناءها ما تريده من أهداف ثم تخرج‏,‏ الأمر الذي يحقق لها مرادها‏,‏ دون أن يحسب عليها تجاوز الخط الأحمر وهو ما حدث بالفعل في جنين ورفح ودير البلح وخان يونس وبيت ساحور والخليل وبيت جالا‏.‏

نحن بإزاء طور آخر من أطوار التصعيد الشاروني‏,‏ إذ بعد حملة الاغتيالات وقصف المناطق السكنية بطائرات إف‏16‏ و‏15,‏ وإلقاء قذائف بوزن طن علي الأهداف الفلسطينية التي يمكن إصابتها بقذائف دون تلك بكثير‏,‏ وبعد اقتحام مناطق السلطة‏,‏ تظهر في الأفق عمليات قتل السياسيين‏,‏ وكان جمال منصور مسئول حركة حماس في القطاع وغزة الذي قتل أيضا في مكتبه خلال يوليو الماضي‏,‏ أول أولئك السياسيين‏,‏ ثم جاءت عملية أبوعلي مصطفي لكي تؤكد أن القتل متجه إلي الرتب الأعلي‏.‏
ناحوم برنياع كتب في هاآرتس‏(‏ عدد‏8/28)‏ زاعما أن العالم يحمي عرفات‏,‏ وأن إيران تحمي الشيخ أحمد ياسين‏,‏ ولكن أبوعلي مصطفي كانت الحماية مرفوعة عنه‏,‏ واذا تمني أن تتم عملية قتل الرجل بصورة سرية وقابلة للنفي‏,‏ لكن يبدو أن ذلك كان متعذرا‏.‏

ذهب الكاتب إلي أن إسرائيل بما فعلت انتقلت من العمليات الوقائية والاحباطية علي حد تعبير شيمون بيريز في محاولته تبريرها إلي العمليات الانتقامية‏,‏ وهو ما تجلي أيضا في تصريحات نائب وزير الأمن الداخلي جدعون عزرا‏,‏ التي دعا فيها إلي القضاء علي أقارب الفدائيين وضرب جيرانهم لم يذكر الكاتب عمليات حصار الفلسطينيين وتجويعهم ومنع العلاج والدواء عن مرضاهم‏.‏ واعتبر أن العمليات الانتقامية التي قامت بها الحكومة‏,‏ بعدما يئست من إيجاد حل للانتفاضة‏,‏ كانت بداية تحول الجهاز السياسي في الدولة إلي جهاز بهيمي وحيواني‏.‏
يوسي ساريد نشر مقالة في صحيفة معاريف‏(8/28)‏ قال فيها‏:‏ إن تصفية إنسان بمستوي سياسي رفيع ـ مثل أبوعلي مصطفي ـ يعد تصعيدا حادا في مستوي العنف‏,‏ الذي هو خطير ويتصاعد بطبيعته‏.‏ فتحديد مكان الرجل لم يكن بحاجة إلي عمل استخباري من نوع خاص‏,‏ فقد كان جالسا في مكتبه كعادته‏,‏ الذي له عنوان يعرفه الجميع‏,‏ شأنه في ذلك شأن غيره من السياسيين الفلسطينيين‏,‏ وفي المقدمة منهم ياسر عرفات‏,‏ الذي ظهر يوم قتل أبوعلي مصطفي حاملا مدفعا من طراز كلاشنكوف‏.‏

اعتبر ساريد أن شارون بما يفعل يتبع سياسته التقليدية‏,‏ التي بمقتضاها يطبخ حروبه علي نيران هادئة حتي لا يحرقها‏,‏ ولكي تنبعث رائحة الاحتراق وتصل إلي كل أنف في العالم‏,‏ قبل فوات الأوان‏,‏ وأضاف متسائلا‏:‏ من قال إنه لا توجد لشارون خطة؟‏..‏ ذلك أنه بعد أسابيع أو أشهر سيري الجميع في إسرائيل خطة شارون تتبلور‏,‏ سيرون‏,‏ وسوف تقشعر أبدانهم‏.‏

‏(3)‏
لم يعد أمام عرفات سوي الموت أو الاستسلام‏,‏ هكذا كتب عكيفا ادار في صحيفة هاآرتس‏(‏ في‏8/30)‏ إذ قال إن المسئولين في قيادة جيش الدفاع استوعبوا جيدا رسالة رئيس الحكومة‏,‏ ذلك أن الافتراض الذي يتصرف بناء عليه وزير الدفاع شاؤول موفاز يقضي بضرورة البرهنة للفلسطينيين علي أن العنف ليس مجديا‏,‏ وانه ينبغي ألا نترك لعرفات أي فرصة‏,‏ أو أي فتحة صغيرة تمكنه من الخروج من الانتفاضة بكرامة وشرف‏..‏ ينبغي أن يعرف عرفات أنه لم يتبق أمامه خيار‏,‏ فإما أن يموت وإما أن يستسلم دون قيد أو شرط‏..‏ والإمكانية الثالثة ـ الاستسلام المشروط ـ ليست واردة أو قائمة في أوامر هيئة أركان شاؤول موفاز‏.‏
أضاف أن الجيش الإسرائيلي يتوقع الأسوأ‏,‏ إزاء التصعيد المستمر الذي يتعرض له الفلسطينيون بما في ذلك الإلغاء الرسمي للاتفاقات‏,‏ وانضمام أجهزة الأمن الفلسطينية إلي رجال المقاومة والانقضاض علي المستوطنات‏,‏ ومن السيناريوهات التي وصفها الكاتب بأنها مرعبة انضمام عرب إسرائيل إلي اخوانهم في الضفة‏,‏ وتحريك الجيوش العربية علي حدود إسرائيل‏.‏

الكتابات الإسرائيلية تتحدث عن أن الانتفاضة يمكن أن تستمر مدة سنتين أخريين‏,‏ لكن لفت انتباهي في مقالة نشرتها هاآرتس لكاتب اسمه ميرون بنفنستي في عدد‏8/30‏ قال فيها إن خطط العمل في الجيش الإسرائيلي تقوم علي أساس أن المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين سوف تستمر حتي العام‏2006,‏ الأمر الذي دفعه إلي التساؤل‏:‏ هل سنضطر للعيش في جهنم خمس سنوات أخري؟‏!‏
انطلق الكاتب من أن النصر مكتوب في النهاية للإسرائيليين‏,‏ وأن الفشل الاستراتيجي سيكون من نصيب الفلسطينيين‏,‏ لكنه اعتبر الانتصار خطيرا‏,‏ لأنه سيخلف أمة مهزومة ومهانة‏,‏ تلعق جراحها وتكون خاضعة لفظاظة إسرائيل‏,‏ التي ستري في إنجازها انتصارا للصهيونية الوحشية‏.‏ وتطلق العنان أكثر فأكثر لسياسة الاستيطان والسلب‏,‏ الأمر الذي يعني في حقيقة الأمر أن بذور الانتفاضة الثالثة كامنة في الثانية‏,‏ ولعنة المصير الكردي ستطارد المنتصر والمهزوم علي حد سواء‏:‏ فالإسرائيليون منتصرون دائما في الحرب‏,‏ ولكن المهزومين لن يدعوهم يتمتعون بثمار انتصارهم‏.‏

‏(4)‏
واشنطن راضية عن شارون‏,‏ ذلك ما تبرزه الكتابات الإسرائيلية وتهتم به‏,‏ إذ طالما أن المباركة الأمريكية مستمرة‏,‏ فلا شيء يهم‏,‏ فقد كتب الوف بن في هاآرتس‏(8/30)‏ يقول‏:‏ إن الأصوات التي حذرت في إسرائيل من التصعيد في المواجهة مع الفلسطينيين‏,‏ لم تغير من تقديرات الادارة الأمريكية في أنه ليس ثمة فائدة من تعميق التدخل بين الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط‏(‏ لاحظ الإشارة إلي أنه نزاع‏,‏ وليس احتلالا‏)..‏ ولذلك فإن وزير الخارجية الأمريكية كولين باول يقلل من اتصالاته مع شارون وعرفات‏,‏ مفضلا ترك الأمر للسفير الأمريكي في تل أبيب وقنصل الولايات المتحدة في القدس‏,‏ حيث يتولي الاثنان إجراء الاتصالات والوساطات بين الرجلين‏.‏
أضاف الكاتب أن واشنطن راضية علي الجملة عن شارون‏,‏ وإن كانت بعض تصرفاته لا تحظي بتأييدها‏..‏ ووزير الخارجية الأمريكية لن يأتي إلي المنطقة‏,‏ ولن يستجيب للاستغاثات الصادرة من بعض العواصم العربية‏,‏ إلا إذا اطمأن إلي أن هناك فرصة حقيقية لإنجاز شيء علي الأرض‏,‏ وما لم يحدث ذلك‏,‏ فإنه يفضل أن يحافظ علي وقته وكرامته‏.‏

لخص الوف بن الركائز التي تقوم عليها سياسة بوش إزاء المنطقة في ثلاث نقاط هي‏:‏
‏*‏ أن المسار الوحيد المتفق عليه لحل المواجهة وإحياء المفاوضات هو تقرير ميتشيل وخطة تينيت مدير المخابرات المركزية‏,‏ اللذين يحددان خطوات متبادلة للسلطة الفلسطينية وإسرائيل‏.‏

‏*‏ كخطوة أولي علي الفلسطينيين أن يوقفوا العنف ومن زاوية أمريكية علي عرفات أن يعمل أولا ويليه شارون‏.‏
‏*‏ الولايات المتحدة لا توافق علي الكثير من الردود الإسرائيلية علي العنف الفلسطيني مثل الاغتيالات ودخول الجيش إلي مناطق أ والضغط الاقتصادي علي السكان الفلسطينيين‏,‏ مع ذلك فهم يفهمون في واشنطن أن شارون يحافط علي ضبط النفس‏!!‏ حيث إن إسرائيل لم تستخدم كامل قوتها العسكرية ضد الفلسطينيين‏.‏

لقد اعتبر أوري دان في معاريف‏(8/30)‏ أن نجاح حكومة شارون في تعبئة الحكومة الأمريكية وتجييشها ضد السلطة الفلسطينية‏,‏ هو انجاز تاريخي يحسب لها‏,‏ واعتبر أن تصريحات الرئيس بوش وجهت ضربة إلي عرفات حين طالبته بوقف العنف‏,‏ وقال إن إسرائيل لن تجري معه مفاوضات إلا إذا بادر إلي اتخاذ تلك الخطوة‏.‏ بل وقال إن واشنطن تنظر بالسلب إلي محاولات شيمون بيريز الالتقاء مع عرفات‏,‏ من خلال الوسطاء الأوروبيين‏,‏ وهي التي تبنت موقف شارون القائل بأن الضغط علي عرفات وعزله هو الذي يحمله علي إصدار أمر بوقف العنف‏.‏
مقالة عكيفا الدار في هاآرتس تحدثت عن التعاطف الخاص الذي يبديه وزير الخارجية الأمريكي كولين باول إزاء إسرائيل‏,‏ وأشارت في هذا الصدد إلي معلومتين تلفتان النظر‏,‏ أولاهما أن تصريح الرئيس بوش بأن كولين باول لن يشارك في مؤتمر ديربان المناهض للتفرقة العنصرية المنعقد في جنوب إفريقيا فاجأ حتي المختصين بالأمر في البيت الأبيض‏,‏ أما المعلومة الثانية فهي أن باول أمضي عدة أيام أخيرا في بيت رونالد لاودر‏,‏ الذي كان حتي عهد قريب رئيس مجلس رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية‏.‏

‏(5)‏
شيء مهين حقا أن نقرأ تلك الكتابات التي تتردد في الصحف العربية داعية إلي استبعاد اتخاذ أي موقف من الولايات المتحدة‏,‏ التي يعتمد عليها العرب كمصدر للغذاء والمعونات وكراع للسلام‏..‏ كأنما كتب علي العرب بكل ما يملكون أن يتعاملوا مع الولايات المتحدة لا كدولة كبري‏,‏ ولكن كدولة مقدسة‏,‏ لا يداس لها علي طرف‏,‏ ولا تمس لها مصلحة‏,‏ وهو منطق يشجع واشنطن علي الاستعلاء والاستكبار‏,‏ بل وعلي الازدراء بأولئك العرب الذين أصبحوا عاجزين حتي عن إعلان الغضب‏!.‏
سمعت الفيلسوف الفرنسي جارودي يقول ذات مرة‏:‏ إن العرب لو قاطعوا الكوكاكولا وحدها لاهتز البيت الأبيض ولقامت الدنيا في الولايات المتحدة ولم تقعد‏..‏ ولأعاد المخططون السياسيون هناك حساباتهم إزاء المنطقة‏.‏

إن أنبياء العجز ودعاة الانبطاح في زماننا يروجون لإفلاس الأمة في كل حين‏..‏ ولا يملون من محاولة إقناعنا بأن الركوع هو خيارنا الوحيد‏,‏ ولا أعرف لماذا نفرط في سلاح المقاطعة ونلقي به جانبا‏,‏ بينما هو ورقة مهمة تملكها الجماهير‏,‏ حتي إذا كانت للحكومات حسابات أخري‏.‏ ولعلماء المسلمين أكثر من فتوي تحرم شراء البضائع الأمريكية‏,‏ وأشهرها ما صدر عن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في العام الماضي‏..‏ رغم أن الأمر لا يحتاج إلي فتوي‏,‏ ذلك أنه حين يكون المعروض علي الفلسطيني هو الاستسلام أو الموت‏,‏ فإن أي عقل رشيد يتمتع صاحبه بحد أدني من الشرف والكرامة لا يحتاج إلي فتوي تدله علي ما ينبغي أن يفعله‏,‏ وما يجري علي الفلسطينيين ينسحب علي العرب أجمعين‏,‏ باعتبار أن الجميع في سفينة واحدة‏..‏ وإن فات ذلك علي بعض الغافلين أو المستغفلين‏..‏
أضافة تعليق