مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مصـارحــــات واجــــــبة
هويدي 28-8-2001

إذا كان غاية ما تتمناه الحكومات العربية في هذا الزمان أن تتحرك الولايات المتحدة وتقوم بدور نشيط في التعامل مع الموقف المتفجر في المنطقة‏,‏ أو أن ترسل الأمم المتحدة قوة دولية لحماية الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي‏,‏ فمعني ذلك أن العرب أصبحوا عاجزين عن فعل شيء بأنفسهم‏,‏ وأنهم أوكلوا إلي غيرهم حل مشكلتهم‏,‏ بينما اقتصر دورهم علي المناشدة والرجاء‏.‏ وإذا صح ذلك فإنه يسلط الضوء علي عمق الأزمة‏,‏ ويفسر لنا لماذا يمعن شارون وفريقه في ارتكاب جرائمهم في فلسطين‏,‏ وهم مطمئنون إلي أن الطريق مفتوح أمامهم إلي نهايته‏.‏

ـ 1
لقد أصبح الواحد منا يشعر بالانكسار والخزي حين لم يعد يسمع في العواصم العربية سوي أصوات المناشدة والرجاء‏,‏ التي تتوجه إلي الآخرين وتدعوهم لأن يفعلوا شيئا من أجل خاطرنا‏,‏ والآخرون تتقدمهم الولايات المتحدة بطبيعة الحال‏,‏ التي تملك بالنفوذ والفيتو مفتاح مجلس الأمن‏,‏ وتتحكم إلي حد كبير في موقف الدول الكبري‏,‏ ناهيك عن دول العالم الثالث‏.‏
ومن يقرأ القرارات والتوصيات التي صدرت عن وزراء الخارجية والإعلام العرب في اجتماعاتهم الأخيرة‏,‏ يلاحظ بوضوح ذلك التوجه للآخر‏,‏ والإسقاط المدهش لدور الجبهة العربية ومسئوليتها‏,‏ وهو أمر لا يخلو من مفارقة عبثية‏,‏ فنحن نطالب الآخرين بفعل شيء‏,‏ في حين نعلن علي الملأ أننا غير قادرين علي الاتفاق علي شيء يمكن أن نفعله‏,‏ ونحن أصحاب القضية‏,‏ أو المفروض أننا كذلك‏.‏

كان واضحا منذ اللحظة الأولي في اجتماعات وزراء الخارجية العرب أن هناك اختلافا عميقا في مواقف الدول العربية إزاء التعامل مع إسرائيل‏,‏ خصوصا في موضوع المقاطعة الذي يعد إحدي الأوراق المهمة في أيدي العرب‏,‏ ذات التأثير القوي في الضغط‏,‏ باعتبار أنها موحية بأن استمرار العدوان وبقاء الاحتلال الإسرائيلي من شأنه أن يؤثر علي المصالح والمكاسب التي فازت بها إسرائيل في السنوات الأخيرة‏.‏
بسبب ذلك الخلاف فإن القرارات التي صدرت كانت بالتوافق وليس بالإجماع‏,‏ برغم تواضعها وقلة جدواها‏,‏ ولم أفهم لماذا اعتبرت القرارات سرية‏,‏ وقد نشرت تفاصيلها في الصحف العربية‏,‏ وطالعنا صورة زنكوغرافية لها في صحيفة الشرق الأوسط‏(‏ عدد‏8/24),‏ كذلك فإنه يستعصي علي المرء أن يفهم لماذا عقد الاجتماع أصلا‏,‏ واعتبر طارئا‏,‏ كأن هناك جديدا يراد إعلانه‏,‏ في حين لم يكن ذلك صحيحا‏,‏ حتي أزعم أن الاجتماع ـ وهو بالمناسبة الخامس منذ بدء الانتفاضة ـ كان الضرر فيه أكثر من النفع‏,‏ من حيث إنه ضاعف من الشعور باليأس والإحباط في الشارع العربي‏,‏ وأقنع الناس بأنه لا أمل يرجي من موقف عربي جاد‏,‏ ولو عند الحدود الدنيا‏.‏

ـ 2
لا يقف الأمر عند تباين المواقف العربية إزاء قطع العلاقات مع إسرائيل‏,‏ وإنما يبدو أن هناك تباينا أيضا حول فكرة إرسال مراقبين دوليين إلي الأرض المحتلة‏,‏ أو علي الأقل فهذا ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز‏(‏ في‏8/18)‏ التي أبرزت تصريحا لأحد المبعوثين العرب الذين ذهبوا إلي واشنطن أخيرا قال فيه‏:‏ إننا متفقون مع الإدارة الأمريكية علي أن الولايات المتحدة يجب ألا تفرض تسوية سلمية من خلال إرسال مراقبين إلي الضفة الغربية وغزة‏,‏ وأن أي حل يجب أن يكون مقبولا من الطرفين‏.‏
المعلومات متواترة إذن عن الخلافات بين الدول العربية في التعامل مع الملف‏,‏ ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما ذهب التباين إلي حد وجود أزمة ثقة بين بعض الدول العربية في هذا الخصوص‏.‏ وهذا التعبير ليس من عندي‏,‏ لكني قرأته في صحف يوم‏8/24‏ منسوبا إلي وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني‏,‏ في أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد انفضاض اجتماع وزراء الخارجية‏,‏ وكانت قطر هي التي رأست الاجتماع في هذه الدورة‏.‏

في ظل هذه الأجواء‏,‏ ما الذي نتوقعه من الإدارة الأمريكية التي لم نكف عن توجيه المناشدات لها بالتدخل خلال أشهر الانتفاضة‏,‏ وقد ارتفعت وتيرة تلك المناشدات منذ تسلم شارون السلطة‏,‏ وصار رئيسا للحكومة قبل خمسة أشهر‏.‏
عند الحد الأدني‏,‏ فإن تلك المناشدات ـ إذا قبلنا بها مؤقتا ـ لن تؤخذ علي محمل الجد‏,‏ حتي ليبدو أن مقصودها هو مجرد رفع العتب وإيهام الرأي العام العربي والفلسطيني بأننا نفعل شيئا‏,‏ بأكثر مما يراد بها تنشيط أو تفعيل الدور الأمريكي‏.‏

ـ 3
إذا تحقق المراد وجري التفعيل المنشود‏,‏ فإن الموقف لن يختلف كثيرا‏,‏ وأخشي أن تصبح النتيجة أسوأ وأكثر ضررا‏..‏ لماذا؟
‏*‏ أولا‏:‏ لأن الجميع يعلمون سلفا أن الإدارة الأمريكية منحازة إلي إسرائيل أساسا‏,‏ وما تقدمه من مقترحات أو اجتهادات هو أصلا خارج من المطبخ الإسرائيلي‏.‏ وفي حدود ما نعلم فإن البيت الأبيض ـ في عهد كلينتون ومن بعده الرئيس بوش ـ لم يضغط علي إسرائيل يوما ما‏,‏ وإنما كل ما دعا إليه هو تلطيف ممارستها أي تحسين إخراج الجرائم التي ترتكبها‏,‏ فهي لا تعترض مثلا علي قصف المدن الفلسطينية أو اغتيال ناشطي المقاومة‏,‏ وإنما قد تنصح فقط بعدم استعمال طائرات إف ـ‏16‏ في القصف‏,‏ وطائرات أباتشي المروحية في إطلاق صواريخ الاغتيال‏.‏

‏*‏ ثانيا‏:‏ لأن المطالبة العربية للتفعيل المرتجي في ظل الخلافات العربية الراهنة‏,‏ حتي علي مسألة قطع العلاقات مع إسرائيل‏,‏ ستكون خالية من أي عنصر للضغط من جانب العرب‏,‏ ولن يصدق أحد لا في البيت الأبيض أو غيره أن استمرار العدوان الإسرائيلي يمكن أن يهدد الاستقرار في المنطقة‏,‏ ناهيك عن تهديده لشيء من المصالح الغربية والأمريكية‏.‏ إذ مادام الاستقرار قائما وكل شيء ثابت في مكانه‏,‏ ومادامت المصالح في الحفظ والصون‏,‏ فما الذي سيضطر الأمريكيين أو غيرهم إلي بذل أي محاولة لمطالبة إسرائيل باتخاذ موقف عادل ومنصف‏.‏

‏*‏ ثالثا‏:‏ لأن الإدارة الأمريكية في نظرتها إلي المنطقة لا تعطي أولوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي‏,‏ وإنما تعتبر احتلال الضفة والقطاع مسألة داخلية يحلها الإسرائيليون بالتفاهم مع الفلسطينيين‏,‏ وأولويتها منصبة علي توجيه الأنظار إلي ما تعتبره وزارة الدفاع خطرا مزدوجا يتمثل في إيران والعراق‏.‏ ناهيك عن أن الفريق المؤثر في وزارة الدفاع‏,‏ الذي يقوده وولفويتر نائب الوزير من أكثر المؤيدين لسياسة شارون‏,‏ ولا يطالبه بأكثر من عدم إحراج أصدقاء واشنطن وحلفائها في المنطقة‏.‏

‏*‏ رابعا‏:‏ أن انحياز إدارة الرئيس بوش لإسرائيل‏,‏ وإطلاقها حرية التصرف لشارون من شأنهما أن يعززا موقف الرئيس الأمريكي في الكونجرس‏,‏ الذي يتمتع فيه اللوبي الإسرائيلي بنفوذ قوي‏,‏ الأمر الذي يمكنه من تمرير أولوياته التشريعية‏.‏

‏*‏ خامسا‏:‏ لأن هناك في الإدارة الأمريكية من يري أن إطلاق حرية التصرف لشارون من شأنه أن يؤدي إلي المزيد من تفكيك الجبهة العربية والدولية‏,‏ التي تساند الشعب الفلسطيني في نضاله لتحرير أرضه‏,‏ وهو ما يجعل الولايات المتحدة بمنأي عن مجابهة موقف عربي موحد يمكن أن يكون كابحا أو رادعا للتطلعات الصهيونية‏.‏

ـ 4
لا غرابة والأمر كذلك أن تواصل حكومة شارون جرائمها في الأرض المحتلة‏,‏ وأن تدعو يهود العالم إلي التطوع مع جيشها لقمع الفلسطينيين وسحقهم‏,‏ فلا تكتفي بمجرد الإعلان‏,‏ وإنما تذهب إلي حد فتح مكاتب للتطوع في العواصم الأوروبية‏,‏ بينها ثلاثة في لندن‏,‏ وتنشر صحفها والصحف الغربية صورا للعسكريين الإسرائيليين وهم يدربون المتطوعين علي السلاح في المعسكرات التي أقامتها لهذا الغرض‏.‏
تجمع مختلف الشواهد دالة علي أن إسرائيل أسقطت السلام شعارا وممارسة‏,‏ ولم تعد تكلف نفسها عناء الحديث عنه‏,‏ وإنما أسقطت أقنعتها وبعثت إلي الجميع برسالة تؤكد أن الحرب هي خيارها الوحيد‏,‏ وأنها ماضية في تنفيذ الفصل الأخير من المخطط الصهيوني الذي يستهدف السيطرة علي أرض فلسطين بأكملها‏,‏ وطرد سكانها العرب‏,‏ وهي الفكرة المثارة الآن في ثنايا الحديث الإسرائيلي عن الخطر الديموجرافي الفلسطيني الذي يهدد إسرائيل‏(‏ في فبرابر الماضي عقد مؤتمر كبير ناقش المسألة‏,‏ وشارك فيه عدد كبير من الأكاديميين والعسكريين والسياسيين الإسرائيليين‏).‏

المدهش في الأمر أن الخطاب السياسي العربي لا يزال يكرر بين الحين والآخر تلك الاسطوانة المشروخة التي تتحدث عن السلام كخيار استراتيجي‏,‏ الأمر الذي يبدو ردا عبثيا ـ متخاذلا إن شئت الدقة ـ علي إشهار إسرائيل موقف الحرب كخيار وحيد‏,‏ وتتضاعف الدهشة حين يطالع المرء تصريحات تقول‏:‏ إننا لسنا مع هؤلاء ولا هؤلاء‏,‏ لكننا مع السلام‏,‏ وهي مقولة بائسة تتبني موقفا حياديا في صراع تاريخي تخوضه الأمة العربية منذ قرن من الزمان‏,‏ إزاء خطر يهدد أمنها القومي‏,‏ وسقط آلاف الشهداء علي مدار السنين‏.‏
لست أدعو إلي الرد علي السلوك الإسرائيلي بإعلان الحرب خيارا استراتيجيا‏,‏ لكني فقط أرجو أن نكف عن ترديد شعار ثبت زيفه وفساده ولم يعد له معني‏,‏ متمنيا أن نتبني المقاومة خيارا شريفا‏,‏ لكل طرف أن يمارسه حسب ظروفه وحساباته‏,‏ من الكلمة إلي المقاطعة وحتي الاستشهاد‏.‏

ـ 5
هل لنا أن نقول إن الفلسطينيين ـ من الناحية العملية ـ يقفون وحدهم في ساحة المعركة‏,‏ وإن الأمة العربية مصرة علي أن تدافع عن أمنها القومي‏,‏ حتي آخر فلسطيني؟

قرأت مقالة في هذا المعني كتبها الدكتور فواز جرجس‏,‏ وهو فلسطيني الأصل يعمل أستاذا للعلاقات الدولية بجامعة سارة لورنس في نيويورك‏,‏ ونشرتها صحيفة الحياة اللندنية في‏8/21,‏ قال الدكتور فواز‏:‏ إن المراقبين العرب لا يكفون عن إسداء النصائح والانتقادات إلي القيادة والكوادر الفلسطينية‏,‏ التي تنتقد السلطة أحيانا وتتهمها بارتكاب أخطاء استراتيجية قاتلة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو‏,‏ ويدعو البعض إلي تغيير تركيبة السلطة الفلسطينية‏,‏ أو يحث القيادات الشعبية علي التمرد علي سياسة عرفات‏,‏ كما أن عددا كبيرا من المعلقين العرب يدعون الفلسطينيين إلي الصمود والجهاد والتضحية في المعركة غير المتكافئة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ غير عابئين باختلال ميزان القوي العسكري بين الجانبين‏.‏ ولا غضاضة في تقديم مثل هذه النصائح‏,‏ ولكن الخطأ القاتل يكمن في الامتناع عن مخاطبة الفلسطيني ببعض الحقائق الأساسية المسكوت عنها في المشهد الراهن‏..‏ وهذه الحقائق هي‏:‏
‏*‏ إن الشعب الفلسطيني يقاتل وحده في ساحة المعركة ضد قوة استعمارية جبارة‏,‏ فالدعم العربي الرسمي غير موجود علي أرض الواقع‏,‏ ولا يتعدي التصريحات الرنانة والفضفاضة التي لا تطعم خبزا لأطفال الحجارة ولا تغذي شرايينها الظمأي‏,‏ وعلي الرغم من عقد قمتين عربيتين في القاهرة وعمان واتخاذ مواقف وخطوات وقرارات متواضعة بشأن القضية الفلسطينية‏,‏ فلم يتم تنفيذ معظمها أو تفعيل موقف عربي مشترك محدد ومبرمج يساعد الفلسطينيين في معركتهم غير المتكافئة مع خصمهم العنيد‏,‏ مازالت حكومة أرييل شارون ترتكب المجازر ضد القيادات والكوادر السياسية الفلسطينية وتنفذ خطط ومشاريع الاغتيال العلنية ضدهم‏,‏ وتقتل العديد من المواطنين المدنيين العزل من السلاح‏,‏ وتحاصر قراهم ومدنهم‏,‏ وتنكل بهم يوميا‏.‏ هل تحركت القيادات العربية وقدمت الدعم المالي والعملي وليس المعنوي إلي الفلسطينيين؟ هل حاولت الحكومات العربية وضع قرارات القمتين العربيتين موضع التنفيذ؟ هل تحركت الدبلوماسية العربية الرسمية في خطوة مبدعة جريئة في أخذ زمام المبادرة والضغط علي الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين للجم شارون؟

‏*‏ تقتضي الأمانة التاريخية مصارحة الفلسطينيين بأنهم وحدهم في ساحة المعركة‏,‏ وأن الأقطار العربية عاجزة أو غير راغبة في دفع تكلفة الدخول في مواجهة مكلفة مع الولايات المتحدة دفاعا عن حقوق الفلسطينيين الوطنية‏,‏ من ثم تخطئ السلطة والقيادات الفلسطينية إذا اعتمدت في استراتيجيتها علي الدعم العربي الرسمي‏,‏ لأنه غائب ومغيب ولا يبدو جليا علي شاشة رادار الأحداث‏.‏ صحيح أنه كتب الكثير الكثير عن الإمكانات التي يختزنها النظام الإقليمي العربي بعد عقد القمتين العربيتين الأخيرتين‏,‏ لكن الوقائع الحسية وتركيبة النخبة العربية النافذة وبنية النظام العربي لا تسمح بنقلة نوعية في طبيعة العلاقات العربية ـ العربية‏,‏ أو العربية ـ الدولية‏,‏ لذلك فلايزال العمل العربي المشترك والمؤثر في غيبوبة طال أمدها‏.‏

‏*‏ تساءل الكاتب في موضع آخر‏:‏ ماذا عن الرأي العام العربي؟ ألا يقف الجمهور العربي العريض إلي جانب اخوته الفلسطينيين؟ ألم يلعب الشارع العربي دورا جوهريا في الضغط علي القيادات الرسمية لعقد قمتين متتاليتين دعما لانتفاضة الأقصي؟ يقول البعض‏:‏ إن الولايات المتحدة بدأت أحيانا تأخذ حدة نبض الرأي العام العربي في اعتباراتها‏,‏ وتوقيت اقتراحاتها الخجولة تجاه الصراع في فلسطين‏.‏ كل هذا صحيح‏,‏ ولكن المعطيات علي الأرض تشير إلي ضعف بنيوي في قدرة الجمهور العربي علي التأثير في قرارات قيادته الرسمية‏,‏ يتجاوب الرأي العام العربي وبسرعة فائقة مع تطور الأحداث في فلسطين وتصعيد الانتفاضة‏,‏ إلا أنه سرعان ما يخبو ويخف نبضه ومشاركته الفعلية‏.‏ ففي غياب المؤسسات التي تحتضن الشرائح الشعبية وتثقفها وتوجهها وتعقلنها‏,‏ وفي ظل قدرة النظم العربية علي امتصاص الغضب الشعبي وتفريغه من مضمونه‏,‏ يبقي تأثير الشارع العربي علي المسرح الفلسطيني محدودا وغير فعال‏.‏

ـ 6
موجعة الصورة التي رسمها الكاتب ومغرقة في التشاؤم حقا‏,‏ لكن يظل فيها بعض الحقيقة التي يتعين علينا ألا ننكرها‏,‏ ذلك أن هناك مشكلة في الواقع العربي شلت قدرة الأنظمة علي الحركة‏,‏ وأجهضت حماس الجماهير وفرغته من مضمونه‏.‏ وفي تصوير تلك المشكلة قرأت مقالة نشرتها صحيفة القدس العربي‏(‏ في‏8/21)‏ للكاتب السوري المقيم في لندن محمد الحسناوي‏,‏ كان عنوانها‏:‏ إحجام الجماهير عن دعم الانتفاضة سببه الخوف والقمع‏,‏ وفيها تحدث عن أحد الأقطار العربية التي تعتقل المئات من الفلسطينيين‏,‏ بينما لا يكف الخطاب السياسي المعلن عن الدعوة إلي تحرير الأرض المحتلة من البحر إلي النهر‏,‏ وخلصوا إلي أن تحرير فلسطين‏,‏ بل تحرير الأمة من كل قيود العطالة والتخلف‏,‏ يبدأ من تحرير المواطنين من العبوديات المستحدثة‏.‏
يحتاج تشخيص المشكلة إلي حوار موسع‏,‏ لكني أحسب أن الكاتب السوري وضع يده علي نقطة بالغة الأهمية في ذلك التشخيص‏,‏ الأمر الذي يفسر لنا الفتور السائد في عموم الوطن العربي‏,‏ سواء من جانب الذين يتكلمون كثيرا ويفعلون القليل‏,‏ أو لا يفعلون شيئا علي الإطلاق‏,‏ أو من جانب الذين يمتلئون حماسا في مناسبات بذاتها‏,‏ ثم يتبخر حماسهم بمضي الوقت ويتبدد أثره‏.‏

لقد قرأت أن بعض الوفود العربية سوف تنظم مظاهرة لأجل فلسطين في مدينة دربن في أثناء عقد المؤتمر الدولي للتفرقة العنصرية في نهاية الشهر الحالي‏,‏ وكان أول رد فعل للخبر عندي هو‏:‏ هل يضطر العرب للذهاب إلي أقاصي إفريقيا للخروج في تلك المظاهرة؟ ولماذا لم يفعلوها في عواصمهم العربية؟
أضافة تعليق