هويدي 24-7-2001
أهم ما يميز الصراع العربي ـ الإسرائيلي, في طوره الأخير, أن الأقنعة فيه سقطت, واللعب صار علي المكشوف, وأن حقائقه المريبة التي خضعت طويلا للطمس والتزييف أسفرت عن وجهها, حتي أزعم أن أساليب الصراع ومقاصده لم تبلغ من قبل ذلك القدر من الوضوح واليقين, الذي بلغته الآن, شكرا لمن فعلها, حتي وإن لم يقصد ذلك.
(1)
يوم الثلاثاء الماضي7/17, كان أربعون شخصا من عائلة سعادة وأصدقاؤهم في بيت لحم قد اجتمعوا في منزل الأسرة, للاحتفاء بقريب لهم اسمه خالد سعادة, أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية من سجن مجدو, كان خالد في الطريق إلي البيت, وبينما الأهل والأصدقاء يحتسون الشاي والمرطبات في الحديقة, ظهرت في الأفق طائرتان مروحيتان إسرائيليتان, لم تلبثا أن أمطرتا الجمع المنتظر بالصواريخ, فقتلت أربعة منهم وأصابت14 بجروح مختلفة, ودمرت البيت تماما, فيما وصف بأنه صبرا وشاتيلا جديدة, في الضفة الغربية, وكان بين القتلي عمر سعادة, وهو مسئول محلي في حركة حماس, وطه العروج, أحد أعضاء الحركة.
لم تكن هذه هي المرة الأولي, التي تقصف الطائرات الإسرائيلية بيوتا بذاتها, أو شققا في عمارات سكنية, لكي تقتل أشخاصا معينين, فمثل ذلك القتل له سوابق كثيرة, وأخطر ما فيه أنه يتم بقرار معلن من الحكومة الإسرائيلية, صحيح أن استهداف عناصر المقاومة وقتلهم ليس جديدا علي السلوك الإسرائيلي, حيث دأبت حكومة تل أبيب علي ذلك ـ وبشكل منتظم ـ منذ قيام دولة إسرائيل في عام48, لكن ذلك كله كان يتم بهدوء ودون إعلان, وفي أسوأ أحواله فإن الدور الإسرائيلي في القتل كان يعلن عنه بطريقة غير مباشرة, غير أن إسرائيل ذهبت إلي أبعد في الآونة الأخيرة, حين أعلنت عن قرار للحكومة بقتل رموز وعناصر المقاومة الفلسطينية, حيثما وجدوا في داخل فلسطين, وهي المرة الأولي ـ فيما نعلم ـ التي تقرر فيها حكومة تدعي أنها ديمقراطية ـ وتتباهي بذلك ويصدقها الآخرون!.. قتل مواطنين خاضعين للاحتلال, وتعلن عن ذلك رسميا, ويستقبل هذا الإجراء بحسبانه أمرا عاديا.
إن القانون الدولي يقر بشرعية مقاومة الاحتلال, لكن الصورة انعكست علي نحو مذهل في الحالة الفلسطينية, فالمقاومون أصبحوا إرهابيين, والمحتلون أعطوا لأنفسهم حق قتلهم, وقبل المجتمع الدولي بذلك, آية ذلك أن السفير الأمريكي لدي إسرائيل مارتن إنديك( أول يهودي يعين في ذلك المنصب), سألته صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أن يعود إلي واشنطن منهيا مهمته في إسرائيل, عما إذا كانت سياسة الاغتيالات تعد في نظر الولايات المتحدة جريمة حرب؟ فكان رد السفير المحترم كما يلي: نحن لا نري في ذلك جريمة حرب, وإنما نعتبرها سياسة سيئة( يديعوت ـ2001/7/13).
لم تعد إسرائيل تخفي أمر القتل, أوتتستر عليه, ولكنه أصبح سياسة معلنة للحكومة( ما الفرق بينها وبين العصابة؟) تطبق بمنتهي الصلافة والبجاحة, وتعتبرها الولايات المتحدة مجرد سياسة سيئة!
(2)
ليس ذلك فحسب, وإنما تصبح مسألة التخلص من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, موضوعا للمناقشة العلنية, ويختلف الأطراف حول ما إذا كان التخلص منه مفيدا أو ضارا, وإذا كان مفيدا, فهل يتم ذلك بقتله أو طرده أو منعه من العودة بعد أي سفرة له إلي الخارج.
تجري هذه المناقشة في العلن, بغير دهشة أو استنكار, وتؤخذ علي محمل الجد, ولا يلاحظ أحد أن مجرد طرح المسألة هو جريمة بحد ذاته, تماما كما أن فريقا من الباحثين وكبار الأكاديميين الإسرائيليين يعقدون مؤتمرا لمناقشة احتمالات الخطر السكاني العربي علي مستقبل إسرائيل, ويبحثون بشكل جاد في كيفية التخلص من مليون فلسطيني بطريقة ديمقراطية, عن طريق طردهم خارج إسرائيل باستخدام وسائل وحيل شتي.
لو أن مثل هذه المناقشات جرت في أي مكان آخر في الدنيا, لانتفض الرأي العام العالمي, ولتحركت حكومات ومنظمات بغير حصر لإحباط تلك المخططات, التي لايمكن وصفها بأقل من كونها جرائم ضد الإنسانية, لكن الأمر يختلف مع إسرائيل الديمقراطية فالخطأ مبلوع, والذنب مغفور, مادام بحق العرب والفلسطينيين المستباحة أرضهم ودماؤهم وأعراضهم.
لقد قرأنا خلاصة التقرير, الذي أعده جهاز الأمن الداخلي الشين بيت, وذهب فيه إلي أن التخلص من عرفات أفضل لإسرائيل من الإبقاء عليه, وكأن تحديد مصير الرئيس الفلسطيني أصبح قرارا إسرائيليا, لها مطلق الحرية في حسمه علي الوجه الذي يحقق لإسرائيل مصالحها, بل وذهبت مناقشات الصحافة الإسرائيلية إلي حد تحديد الشخصية التي يمكن أن تخلف عرفات من رجال الصف أو الجيل الثاني, علي نحو يوحي بأن صلاحيات إسرائيل تتجاوز تحديد مصير عرفات لتصل إلي تحديد الشخص الذي يمكن أن يخلفه.
إنهم يتحدثون عن خطة أورانيم الجديدة, مستخدمين ذات الاسم الذي أطلق علي خطة اجتياح لبنان في عام1982, التي أسفرت عن طرد ياسر عرفات ومنظمة التحرير من لبنان, وارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا, وفي تقدير واضعي تلك الخطة أن اجتياح منطقة السلطة الفلسطينية يمكن أن يسفر عن مقتل ألف فلسطيني ومائة إسرائيلي, وقد نشرت صحيفة هاآرتس في(7/11) نقلا عن مجلة فورين ريبورت أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا, أخطرت بتفصيلات الخطة, وأعطت الضوء الأخضر لشارون لكي ينفذها.. هكذا عيني عينك!
(3)
تعذيب العرب في إسرائيل يتم بحكم القانون, واعتقال الأطفال للضغط علي أهاليهم يتم بأمر المحكمة, ومن ثم فقد اكتسبت تلك السياسات شرعية, وأصبحت محمية بالقانون والقضاء, علي نحو لا يكاد يصدق أو يقبل في العالم المعاصر.
في الأسبوع الماضي(7/19) نشرت صحيفة الحياة اللندنية, خلاصة تقرير أعدته المحامية السويدية بيرجيتا الفستروم عن حجم الإرهاب الفظيع الذي تمارسه المحاكم الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين, وكانت السيدة بيرجيتا قد أوفدت من قبل الحكومة السويدية إلي إسرائيل لمتابعة أعمال الجهاز القضائي هناك, وظهرت المحامية السويدية, بعد عودتها إلي ستكهولم علي شاشة القناة الرابعة, أكبر محطة تليفزيون هناك, حيث أبرزت صورا ووثائق جمعتها من السجون والمحاكم في الدولة العبرية, لتثبت تورط الجهاز القضائي في عمليات التعذيب التي تمارسها أجهزة الأمن بحق الأطفال الفلسطينيين, وقالت إنها لم تصدق ما رأت وما سمعت, حتي أنها لم تتمالك أعصابها بسبب قسوة التعذيب الذي يطال أولئك الأطفال.
انتقدت المحامية السويدية المحاكم الإسرائيلية, لسماحها باعتقال فتيات صغيرات لابتزاز أقاربهن وأهلهن, وإجبارهن بطرق وحشية تتنافي مع المباديء الإنسانية, علي الاعتراف بأمور لا دخل لهن بها, وساقت مثلا فتاة في الرابعة عشرة من عمرها, تم احتجازها لمدة ستة أشهر دون محاكمة, ومنع أهلها من زيارتها طيلة مدة الاعتقال التعسفي, وكانت التهمة الوحيدة التي وجهت إليها أنها لم تعترف, بحسب إرادة المحكمة, أن أختها تمارس نشاطات معادية لإسرائيل, وزادت أن الفتاة تعرضت لأبشع أنواع التحقير والتعذيب, التي تتنافي وحقوق الطفل والإنسان والسجين, إذ جلدها المحققون وعرضوها لصعقات الكهرباء والماء البارد, وعروها وقيدوها إلي سرير داخل زنزانة يومين من دون حراك, ثم أبقيت في السجن الانفرادي12 يوما, تعرضت خلالها لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي, إذ كان الجنود الإسرائيليون يقفون خارج باب الزنزانة ويطلقون تهديدات مستمرة بأنهم سيغتصبونها جماعيا. روت الفستروم التي التقت أطفالا فلسطينيين كثيرين بعد إطلاقهم إن ابنة الرابعة عشرة ليست وحيدة, وجميع الأطفال الذين تعتقلهم قوات الأمن الإسرائيلي يتعرضون للتعذيب ذاته, ولا تتاح لهم أي حقوق تنص عليها الشرائع الدولية.
وتمكنت المحامية السويدية, من خلال مراقبتها عمل المحاكم الإسرائيلية, والمقابلات الكثيرة التي أجرتها مع سجناء فلسطينيين ومطلعين علي الجسم القضائي الإسرائيلي, من اكتشاف تفاصيل عن وسائل تعذيب الأطفال السجناء, إذ يعتقلون ذكورا وإناثا في وقت متقدم ليلا, خصوصا بين الأولي والثانية فجرا, وبعد عصب عيونهم وتكبيل أيديهم بسلاسل محكمة, ينهال الجنود بالضرب علي كل جزء من أجسادهم, وأشارت إلي أن الاعتقال والتعذيب يشملان حتي الأطفال المتهمين برمي الحجارة, وتحدثت عن تفاصيل بشعة فيما يتبعه المحققون مع الأطفال الموقوفين مثل وضع رءوسهم في كرسي المرحاض وفتح مياه خزانه عليهم.
ختمت الفستروم بأن جميع الأطفال يعانون أمراضا نفسية وجسدية, بعد خروجهم من المعتقلات الإسرائيلية, وقالت: ما شاهدته وسمعته عن درجة بشاعة أنواع التعذيب والارهاب اللذين تمارسهما إسرائيل في حق أطفال أبرياء, تعجز الكلمات عن وصفه.
ما يهمنا في هذه الشواهد, أن إسرائيل تتصرف كعصابة لا كدولة, وإذا كنا نعرف ذلك منذ زمن, إلا أن الجديد في الأمر, أنها لم تعد حريصة علي الحذر أو المواراة, كما كانت تفعل في السابق, وإنما أصبحت تعلن عن مختلف ممارساتها الشريرة بغير حياء, وتمارس تلك البلطجة بغير تردد, مطمئنة إلي أنها مطلقة اليد, وأنها تتعامل مع عالم عربي قليل الحيلة, وفاتر الهمة ومنزوع الفاعلية.
(4)
في حديثه إلي رئيس وكالة الأنباء الصينية في الأسبوع الماضي, قال الرئيس حسني مبارك: إن شارون لا يعرف سوي القتل والحرب, ولا حل في وجوده(7/19), وهذه خلاصة مهمة يفترض أن تطوي صفحة التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريقه الحاكم, الذي يشاركه في القرار والمسئولية, وشمعون بيريز من أبرز شخصيات ذلك الفريق, ولا ينسي أحد أنه هو الذي يتولي تسويق سياسة شارون لدي العالم الخارجي, برغم أنه يستخدم لغة أكثر توازنا ونعومة, ويزعم أنه ببقائه في الحكومة يقوم بالواجب المقدس بمنع نشوب حرب بين شارون وعرفات... وأنه إذا ما خرج من الوزارة, فإن شارون سيدخل إلي منطقة السلطة الفلسطينية( أ) خلال أشهر قليلة أو أيام ـ( هاآرتس7/11)
إدراك حقيقة شارون وما يمثله, لا ينبغي أن ينسينا أنه يحظي بتأييد واسع من جانب الإسرائيليين, وأنه تولي الوزارة بعدما حصل علي أكثر من62% من أصوات الناخبين, وهذه النسبة تزايدت في الأسابيع الأخيرة, الأمر الذي ينبهنا إلي أن شارون يمثل تيارا له ثقله واعتباره في إسرائيل, ويدعونا إلي القول بأن اليأس من شارون يعني في الوقت ذاته افتقاد الثقة في صدق توجه أغلبية الشعب الإسرائيلي نحو السلام, بمعني أن أغلبية المجتمع هناك غير مؤهل بعد للقبول بسلام حقيقي, وأنها مازالت أسيرة وهم الاستعلاء والقوة, الذي لا يعرف غير سلام المنتصر, والسلام الروماني.
وليس من شك, أن الذين وقعوا اتفاقية أوسلو في عام93, لم يخطر ببالهم هذا المأزق الذي يواجهونه اليوم, ولعلهم الآن أكثر من غيرهم اقتناعا بخطأ اغفال الاتفاق لمسألتي السيادة الفلسطينية والمستعمرات اليهودية في الضفة والقطاع, وافتراضهم حل مسألتي القدس واللاجئين يمكن أن يتحقق في المستقبل, لعلهم أدركوا الآن أن اتفاق أوسلو كان يعطي الفلسطينيين سلطة منقوصة, محملة بالألغام, وأسيرة للقرار الإسرائيلي عسكريا واستراتيجيا, ومن الثابت الآن أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حين التقي والرئيس الأمريكي السابق في كامب ديفيد, بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك, وجد نفسه وجها لوجه, ربما للمرة الأولي أمام حقيقة الموقف الإسرائيلي من السلام النهائي بين الشعبين, الأمر الذي تعذر عليه قبوله, وكان قراره برفض العروض الإسرائيلية والأمريكية هو القرار الصائب والصحيح, وبغير ذلك فإنه كان سيقف علي مشارف خيانة قضية شعبه, وهو الموقف الذي كان من الطبيعي أن يربأ بنفسه عنه.
لقد ثبت للجميع الآن, أن اتفاقية أوسلو أوصلت الجميع إلي طريق مسدود, وأن اعتبارها خطوة مؤدية إلي السلام كان من باب التمني, الذي لم يقم علي قراءة منصفة للاتفاقية, أو لواقع النخبة الإسرائيلية, بل ثبت أن التفاوض مع الإسرائيليين, في ظل توازن القوة الراهن بات مستحيلا, لايمكن أن يحقق السلام المنشود, لذلك بدت الانتفاضة استجابة طبيعية للظرف التاريخي الفلسطيني, إذ بغيرها لم يكن أمام الفلسطينيين سوي الاستسلام والانبطاح, وهما خياران ليسا مطروحين في الساحة الفلسطينية, أما بها وفي أجوائها وتحت ظلالها, فإن إعادة ترتيب جدول عملية السلام أصبح أمرا حتميا, واستمرارها للشهر العاشر, الذي فاجأ الجميع, جاء دالا علي أن عزيمة الشعب الفلسطيني عصية علي الانكسار, وإصراره علي الدفاع عن أرضه وحقه لا نهاية له, الأمر الذي يلقي بكرة التنازل في المرمي الإسرائيلي, بحيث لا يكون هناك من أمل في إقامة سلام حقيقي, إلا إذا قبل الإسرائيليون بتنازلات جوهرية في مسألتي الأرض والمستعمرات من ناحية, والسيادة الفلسطينية علي الأرض التي تقوم عليها السلطة الوطنية من ناحية أخري, وذلك ما لا يستطيعه شارون أو غيره من الزعماء الإسرائيليين الآن, الأمر الذي يرشح الانتفاضة للاستمرار الي ما شاء الله.
(5)
بالتوازي مع تلك المؤشرات والخلاصات المهمة, التي يرصدها المرء في أفق معادلة الصراع والتسوية, فإن ما يلفت النظر أيضا, أن المجتمع الفلسطيني المهدد يوميا بالموت, والذي يريدون أن يحيلوا حياته جحيما, قد تعايش مع الموت, والجحيم علي نحو مذهل, حتي أصبحت لغة الاثنين ومفردات خطابهما جزءا من الحياة اليومية, وظننت أن صديقي الفلسطيني يمزح حين سمعته ذات مرة يتحدث عن أسرة أنجبت ولدا فسمته شهيدا أو صاروخا, وأخري أنجبت بنتا لوحظ وزنها الزائد فسموها دبابة, لكني قرأت تعبيرا لوكالة رويتر في ذات الاتجاه, ذكر أن التجار في غزة أصبحوا يروجون لبضاعتهم في موسم التنزيلات لصيف هذا العام, وسط جمهور يعاني نقصا شديدا في السيولة النقدية, بعبارات من وحي الانتفاضة, مثال ذلك أن التاجر رامي أبو كويك وضع علي متجره لافتة تقول قصف من التخفيضات لجذب انتباه الزبائن في القطاع, حيث تضرر الاقتصاد بشدة بسبب أعمال العنف المستمرة منذ عشرة أشهر.
صورت اللافتة صاروخا يخترق حائطا كتب عليه كلمة الأسعار, وقد تبنت أكثر من عشرة متاجر في غزة أساليب مشابهة في الاعلان, حيث وضع أحدها لافتة تقول خبر عاجل عن تخفيضات الأسعار والعروض الخاصة, وأعلن آخر عن غارة غير مسبوقة علي الأسعار, وقد علقت زبونة علي تلك اللافتة قائلة: ليت كل الغارات والقصف بهذه الطريقة, وليتها تفاجئنا كل يوم.
قال تقرير وكالة رويتر أيضا إن الأصدقاء الفلسطينيين حين يتشاجرون ويسعون لتحسين العلاقات فيما بينهم, فإن الوسطاء يدعون الي وقف اطلاق النار أو الفصل بين القوات, واذا سئل شاب عن صحته فإنه يجيب علي الفور قائلا: بومب بمعني ممتازة, وإذا كان شعره شعثا فإن أصدقاءه يمازحونه قائلين إن رأسه طالع مظاهرة, وإذا قرر الاقبال علي الزواج, فإنهم يعتبرونه مقبلا علي عملية استشهادية, وإذا أثار ضجيجا في المكان شبهوه بالآباتشي, وهي طائرة الهيلكوبتر الأمريكية الهجومية الضخمة.. وهكذا.
لقد أراد الإسرائيليون أن يسربوا الرعب إلي قلوبهم, لكنهم نجحوا في تحويل مشهد الرعب إلي نكتة, بعدما صدروا الخوف إلي إسرائيل ذاتها, من خلال قنابلهم البشرية الضخمة.
أهم ما يميز الصراع العربي ـ الإسرائيلي, في طوره الأخير, أن الأقنعة فيه سقطت, واللعب صار علي المكشوف, وأن حقائقه المريبة التي خضعت طويلا للطمس والتزييف أسفرت عن وجهها, حتي أزعم أن أساليب الصراع ومقاصده لم تبلغ من قبل ذلك القدر من الوضوح واليقين, الذي بلغته الآن, شكرا لمن فعلها, حتي وإن لم يقصد ذلك.
(1)
يوم الثلاثاء الماضي7/17, كان أربعون شخصا من عائلة سعادة وأصدقاؤهم في بيت لحم قد اجتمعوا في منزل الأسرة, للاحتفاء بقريب لهم اسمه خالد سعادة, أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية من سجن مجدو, كان خالد في الطريق إلي البيت, وبينما الأهل والأصدقاء يحتسون الشاي والمرطبات في الحديقة, ظهرت في الأفق طائرتان مروحيتان إسرائيليتان, لم تلبثا أن أمطرتا الجمع المنتظر بالصواريخ, فقتلت أربعة منهم وأصابت14 بجروح مختلفة, ودمرت البيت تماما, فيما وصف بأنه صبرا وشاتيلا جديدة, في الضفة الغربية, وكان بين القتلي عمر سعادة, وهو مسئول محلي في حركة حماس, وطه العروج, أحد أعضاء الحركة.
لم تكن هذه هي المرة الأولي, التي تقصف الطائرات الإسرائيلية بيوتا بذاتها, أو شققا في عمارات سكنية, لكي تقتل أشخاصا معينين, فمثل ذلك القتل له سوابق كثيرة, وأخطر ما فيه أنه يتم بقرار معلن من الحكومة الإسرائيلية, صحيح أن استهداف عناصر المقاومة وقتلهم ليس جديدا علي السلوك الإسرائيلي, حيث دأبت حكومة تل أبيب علي ذلك ـ وبشكل منتظم ـ منذ قيام دولة إسرائيل في عام48, لكن ذلك كله كان يتم بهدوء ودون إعلان, وفي أسوأ أحواله فإن الدور الإسرائيلي في القتل كان يعلن عنه بطريقة غير مباشرة, غير أن إسرائيل ذهبت إلي أبعد في الآونة الأخيرة, حين أعلنت عن قرار للحكومة بقتل رموز وعناصر المقاومة الفلسطينية, حيثما وجدوا في داخل فلسطين, وهي المرة الأولي ـ فيما نعلم ـ التي تقرر فيها حكومة تدعي أنها ديمقراطية ـ وتتباهي بذلك ويصدقها الآخرون!.. قتل مواطنين خاضعين للاحتلال, وتعلن عن ذلك رسميا, ويستقبل هذا الإجراء بحسبانه أمرا عاديا.
إن القانون الدولي يقر بشرعية مقاومة الاحتلال, لكن الصورة انعكست علي نحو مذهل في الحالة الفلسطينية, فالمقاومون أصبحوا إرهابيين, والمحتلون أعطوا لأنفسهم حق قتلهم, وقبل المجتمع الدولي بذلك, آية ذلك أن السفير الأمريكي لدي إسرائيل مارتن إنديك( أول يهودي يعين في ذلك المنصب), سألته صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أن يعود إلي واشنطن منهيا مهمته في إسرائيل, عما إذا كانت سياسة الاغتيالات تعد في نظر الولايات المتحدة جريمة حرب؟ فكان رد السفير المحترم كما يلي: نحن لا نري في ذلك جريمة حرب, وإنما نعتبرها سياسة سيئة( يديعوت ـ2001/7/13).
لم تعد إسرائيل تخفي أمر القتل, أوتتستر عليه, ولكنه أصبح سياسة معلنة للحكومة( ما الفرق بينها وبين العصابة؟) تطبق بمنتهي الصلافة والبجاحة, وتعتبرها الولايات المتحدة مجرد سياسة سيئة!
(2)
ليس ذلك فحسب, وإنما تصبح مسألة التخلص من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, موضوعا للمناقشة العلنية, ويختلف الأطراف حول ما إذا كان التخلص منه مفيدا أو ضارا, وإذا كان مفيدا, فهل يتم ذلك بقتله أو طرده أو منعه من العودة بعد أي سفرة له إلي الخارج.
تجري هذه المناقشة في العلن, بغير دهشة أو استنكار, وتؤخذ علي محمل الجد, ولا يلاحظ أحد أن مجرد طرح المسألة هو جريمة بحد ذاته, تماما كما أن فريقا من الباحثين وكبار الأكاديميين الإسرائيليين يعقدون مؤتمرا لمناقشة احتمالات الخطر السكاني العربي علي مستقبل إسرائيل, ويبحثون بشكل جاد في كيفية التخلص من مليون فلسطيني بطريقة ديمقراطية, عن طريق طردهم خارج إسرائيل باستخدام وسائل وحيل شتي.
لو أن مثل هذه المناقشات جرت في أي مكان آخر في الدنيا, لانتفض الرأي العام العالمي, ولتحركت حكومات ومنظمات بغير حصر لإحباط تلك المخططات, التي لايمكن وصفها بأقل من كونها جرائم ضد الإنسانية, لكن الأمر يختلف مع إسرائيل الديمقراطية فالخطأ مبلوع, والذنب مغفور, مادام بحق العرب والفلسطينيين المستباحة أرضهم ودماؤهم وأعراضهم.
لقد قرأنا خلاصة التقرير, الذي أعده جهاز الأمن الداخلي الشين بيت, وذهب فيه إلي أن التخلص من عرفات أفضل لإسرائيل من الإبقاء عليه, وكأن تحديد مصير الرئيس الفلسطيني أصبح قرارا إسرائيليا, لها مطلق الحرية في حسمه علي الوجه الذي يحقق لإسرائيل مصالحها, بل وذهبت مناقشات الصحافة الإسرائيلية إلي حد تحديد الشخصية التي يمكن أن تخلف عرفات من رجال الصف أو الجيل الثاني, علي نحو يوحي بأن صلاحيات إسرائيل تتجاوز تحديد مصير عرفات لتصل إلي تحديد الشخص الذي يمكن أن يخلفه.
إنهم يتحدثون عن خطة أورانيم الجديدة, مستخدمين ذات الاسم الذي أطلق علي خطة اجتياح لبنان في عام1982, التي أسفرت عن طرد ياسر عرفات ومنظمة التحرير من لبنان, وارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا, وفي تقدير واضعي تلك الخطة أن اجتياح منطقة السلطة الفلسطينية يمكن أن يسفر عن مقتل ألف فلسطيني ومائة إسرائيلي, وقد نشرت صحيفة هاآرتس في(7/11) نقلا عن مجلة فورين ريبورت أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا, أخطرت بتفصيلات الخطة, وأعطت الضوء الأخضر لشارون لكي ينفذها.. هكذا عيني عينك!
(3)
تعذيب العرب في إسرائيل يتم بحكم القانون, واعتقال الأطفال للضغط علي أهاليهم يتم بأمر المحكمة, ومن ثم فقد اكتسبت تلك السياسات شرعية, وأصبحت محمية بالقانون والقضاء, علي نحو لا يكاد يصدق أو يقبل في العالم المعاصر.
في الأسبوع الماضي(7/19) نشرت صحيفة الحياة اللندنية, خلاصة تقرير أعدته المحامية السويدية بيرجيتا الفستروم عن حجم الإرهاب الفظيع الذي تمارسه المحاكم الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين, وكانت السيدة بيرجيتا قد أوفدت من قبل الحكومة السويدية إلي إسرائيل لمتابعة أعمال الجهاز القضائي هناك, وظهرت المحامية السويدية, بعد عودتها إلي ستكهولم علي شاشة القناة الرابعة, أكبر محطة تليفزيون هناك, حيث أبرزت صورا ووثائق جمعتها من السجون والمحاكم في الدولة العبرية, لتثبت تورط الجهاز القضائي في عمليات التعذيب التي تمارسها أجهزة الأمن بحق الأطفال الفلسطينيين, وقالت إنها لم تصدق ما رأت وما سمعت, حتي أنها لم تتمالك أعصابها بسبب قسوة التعذيب الذي يطال أولئك الأطفال.
انتقدت المحامية السويدية المحاكم الإسرائيلية, لسماحها باعتقال فتيات صغيرات لابتزاز أقاربهن وأهلهن, وإجبارهن بطرق وحشية تتنافي مع المباديء الإنسانية, علي الاعتراف بأمور لا دخل لهن بها, وساقت مثلا فتاة في الرابعة عشرة من عمرها, تم احتجازها لمدة ستة أشهر دون محاكمة, ومنع أهلها من زيارتها طيلة مدة الاعتقال التعسفي, وكانت التهمة الوحيدة التي وجهت إليها أنها لم تعترف, بحسب إرادة المحكمة, أن أختها تمارس نشاطات معادية لإسرائيل, وزادت أن الفتاة تعرضت لأبشع أنواع التحقير والتعذيب, التي تتنافي وحقوق الطفل والإنسان والسجين, إذ جلدها المحققون وعرضوها لصعقات الكهرباء والماء البارد, وعروها وقيدوها إلي سرير داخل زنزانة يومين من دون حراك, ثم أبقيت في السجن الانفرادي12 يوما, تعرضت خلالها لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي, إذ كان الجنود الإسرائيليون يقفون خارج باب الزنزانة ويطلقون تهديدات مستمرة بأنهم سيغتصبونها جماعيا. روت الفستروم التي التقت أطفالا فلسطينيين كثيرين بعد إطلاقهم إن ابنة الرابعة عشرة ليست وحيدة, وجميع الأطفال الذين تعتقلهم قوات الأمن الإسرائيلي يتعرضون للتعذيب ذاته, ولا تتاح لهم أي حقوق تنص عليها الشرائع الدولية.
وتمكنت المحامية السويدية, من خلال مراقبتها عمل المحاكم الإسرائيلية, والمقابلات الكثيرة التي أجرتها مع سجناء فلسطينيين ومطلعين علي الجسم القضائي الإسرائيلي, من اكتشاف تفاصيل عن وسائل تعذيب الأطفال السجناء, إذ يعتقلون ذكورا وإناثا في وقت متقدم ليلا, خصوصا بين الأولي والثانية فجرا, وبعد عصب عيونهم وتكبيل أيديهم بسلاسل محكمة, ينهال الجنود بالضرب علي كل جزء من أجسادهم, وأشارت إلي أن الاعتقال والتعذيب يشملان حتي الأطفال المتهمين برمي الحجارة, وتحدثت عن تفاصيل بشعة فيما يتبعه المحققون مع الأطفال الموقوفين مثل وضع رءوسهم في كرسي المرحاض وفتح مياه خزانه عليهم.
ختمت الفستروم بأن جميع الأطفال يعانون أمراضا نفسية وجسدية, بعد خروجهم من المعتقلات الإسرائيلية, وقالت: ما شاهدته وسمعته عن درجة بشاعة أنواع التعذيب والارهاب اللذين تمارسهما إسرائيل في حق أطفال أبرياء, تعجز الكلمات عن وصفه.
ما يهمنا في هذه الشواهد, أن إسرائيل تتصرف كعصابة لا كدولة, وإذا كنا نعرف ذلك منذ زمن, إلا أن الجديد في الأمر, أنها لم تعد حريصة علي الحذر أو المواراة, كما كانت تفعل في السابق, وإنما أصبحت تعلن عن مختلف ممارساتها الشريرة بغير حياء, وتمارس تلك البلطجة بغير تردد, مطمئنة إلي أنها مطلقة اليد, وأنها تتعامل مع عالم عربي قليل الحيلة, وفاتر الهمة ومنزوع الفاعلية.
(4)
في حديثه إلي رئيس وكالة الأنباء الصينية في الأسبوع الماضي, قال الرئيس حسني مبارك: إن شارون لا يعرف سوي القتل والحرب, ولا حل في وجوده(7/19), وهذه خلاصة مهمة يفترض أن تطوي صفحة التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريقه الحاكم, الذي يشاركه في القرار والمسئولية, وشمعون بيريز من أبرز شخصيات ذلك الفريق, ولا ينسي أحد أنه هو الذي يتولي تسويق سياسة شارون لدي العالم الخارجي, برغم أنه يستخدم لغة أكثر توازنا ونعومة, ويزعم أنه ببقائه في الحكومة يقوم بالواجب المقدس بمنع نشوب حرب بين شارون وعرفات... وأنه إذا ما خرج من الوزارة, فإن شارون سيدخل إلي منطقة السلطة الفلسطينية( أ) خلال أشهر قليلة أو أيام ـ( هاآرتس7/11)
إدراك حقيقة شارون وما يمثله, لا ينبغي أن ينسينا أنه يحظي بتأييد واسع من جانب الإسرائيليين, وأنه تولي الوزارة بعدما حصل علي أكثر من62% من أصوات الناخبين, وهذه النسبة تزايدت في الأسابيع الأخيرة, الأمر الذي ينبهنا إلي أن شارون يمثل تيارا له ثقله واعتباره في إسرائيل, ويدعونا إلي القول بأن اليأس من شارون يعني في الوقت ذاته افتقاد الثقة في صدق توجه أغلبية الشعب الإسرائيلي نحو السلام, بمعني أن أغلبية المجتمع هناك غير مؤهل بعد للقبول بسلام حقيقي, وأنها مازالت أسيرة وهم الاستعلاء والقوة, الذي لا يعرف غير سلام المنتصر, والسلام الروماني.
وليس من شك, أن الذين وقعوا اتفاقية أوسلو في عام93, لم يخطر ببالهم هذا المأزق الذي يواجهونه اليوم, ولعلهم الآن أكثر من غيرهم اقتناعا بخطأ اغفال الاتفاق لمسألتي السيادة الفلسطينية والمستعمرات اليهودية في الضفة والقطاع, وافتراضهم حل مسألتي القدس واللاجئين يمكن أن يتحقق في المستقبل, لعلهم أدركوا الآن أن اتفاق أوسلو كان يعطي الفلسطينيين سلطة منقوصة, محملة بالألغام, وأسيرة للقرار الإسرائيلي عسكريا واستراتيجيا, ومن الثابت الآن أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حين التقي والرئيس الأمريكي السابق في كامب ديفيد, بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك, وجد نفسه وجها لوجه, ربما للمرة الأولي أمام حقيقة الموقف الإسرائيلي من السلام النهائي بين الشعبين, الأمر الذي تعذر عليه قبوله, وكان قراره برفض العروض الإسرائيلية والأمريكية هو القرار الصائب والصحيح, وبغير ذلك فإنه كان سيقف علي مشارف خيانة قضية شعبه, وهو الموقف الذي كان من الطبيعي أن يربأ بنفسه عنه.
لقد ثبت للجميع الآن, أن اتفاقية أوسلو أوصلت الجميع إلي طريق مسدود, وأن اعتبارها خطوة مؤدية إلي السلام كان من باب التمني, الذي لم يقم علي قراءة منصفة للاتفاقية, أو لواقع النخبة الإسرائيلية, بل ثبت أن التفاوض مع الإسرائيليين, في ظل توازن القوة الراهن بات مستحيلا, لايمكن أن يحقق السلام المنشود, لذلك بدت الانتفاضة استجابة طبيعية للظرف التاريخي الفلسطيني, إذ بغيرها لم يكن أمام الفلسطينيين سوي الاستسلام والانبطاح, وهما خياران ليسا مطروحين في الساحة الفلسطينية, أما بها وفي أجوائها وتحت ظلالها, فإن إعادة ترتيب جدول عملية السلام أصبح أمرا حتميا, واستمرارها للشهر العاشر, الذي فاجأ الجميع, جاء دالا علي أن عزيمة الشعب الفلسطيني عصية علي الانكسار, وإصراره علي الدفاع عن أرضه وحقه لا نهاية له, الأمر الذي يلقي بكرة التنازل في المرمي الإسرائيلي, بحيث لا يكون هناك من أمل في إقامة سلام حقيقي, إلا إذا قبل الإسرائيليون بتنازلات جوهرية في مسألتي الأرض والمستعمرات من ناحية, والسيادة الفلسطينية علي الأرض التي تقوم عليها السلطة الوطنية من ناحية أخري, وذلك ما لا يستطيعه شارون أو غيره من الزعماء الإسرائيليين الآن, الأمر الذي يرشح الانتفاضة للاستمرار الي ما شاء الله.
(5)
بالتوازي مع تلك المؤشرات والخلاصات المهمة, التي يرصدها المرء في أفق معادلة الصراع والتسوية, فإن ما يلفت النظر أيضا, أن المجتمع الفلسطيني المهدد يوميا بالموت, والذي يريدون أن يحيلوا حياته جحيما, قد تعايش مع الموت, والجحيم علي نحو مذهل, حتي أصبحت لغة الاثنين ومفردات خطابهما جزءا من الحياة اليومية, وظننت أن صديقي الفلسطيني يمزح حين سمعته ذات مرة يتحدث عن أسرة أنجبت ولدا فسمته شهيدا أو صاروخا, وأخري أنجبت بنتا لوحظ وزنها الزائد فسموها دبابة, لكني قرأت تعبيرا لوكالة رويتر في ذات الاتجاه, ذكر أن التجار في غزة أصبحوا يروجون لبضاعتهم في موسم التنزيلات لصيف هذا العام, وسط جمهور يعاني نقصا شديدا في السيولة النقدية, بعبارات من وحي الانتفاضة, مثال ذلك أن التاجر رامي أبو كويك وضع علي متجره لافتة تقول قصف من التخفيضات لجذب انتباه الزبائن في القطاع, حيث تضرر الاقتصاد بشدة بسبب أعمال العنف المستمرة منذ عشرة أشهر.
صورت اللافتة صاروخا يخترق حائطا كتب عليه كلمة الأسعار, وقد تبنت أكثر من عشرة متاجر في غزة أساليب مشابهة في الاعلان, حيث وضع أحدها لافتة تقول خبر عاجل عن تخفيضات الأسعار والعروض الخاصة, وأعلن آخر عن غارة غير مسبوقة علي الأسعار, وقد علقت زبونة علي تلك اللافتة قائلة: ليت كل الغارات والقصف بهذه الطريقة, وليتها تفاجئنا كل يوم.
قال تقرير وكالة رويتر أيضا إن الأصدقاء الفلسطينيين حين يتشاجرون ويسعون لتحسين العلاقات فيما بينهم, فإن الوسطاء يدعون الي وقف اطلاق النار أو الفصل بين القوات, واذا سئل شاب عن صحته فإنه يجيب علي الفور قائلا: بومب بمعني ممتازة, وإذا كان شعره شعثا فإن أصدقاءه يمازحونه قائلين إن رأسه طالع مظاهرة, وإذا قرر الاقبال علي الزواج, فإنهم يعتبرونه مقبلا علي عملية استشهادية, وإذا أثار ضجيجا في المكان شبهوه بالآباتشي, وهي طائرة الهيلكوبتر الأمريكية الهجومية الضخمة.. وهكذا.
لقد أراد الإسرائيليون أن يسربوا الرعب إلي قلوبهم, لكنهم نجحوا في تحويل مشهد الرعب إلي نكتة, بعدما صدروا الخوف إلي إسرائيل ذاتها, من خلال قنابلهم البشرية الضخمة.