مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين.. تاريخي ومستمر!
بقلم: شعبان عبدالرحمن

مع كل اختبار ديمقراطي يكتشف العلمانيون انفضاض الناس عن مشروعهم وعزوفهم عنهم.. اكتشفوا ذلك في الاستفتاء على «الإعلان الدستوري»، ثم تأكدوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقد ازداد غضبهم من تشكيل «اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور»، ثم تواصل الغضب أكثر حدة مع ترشيح المهندس «خيرت الشاطر» رئيساً للجمهورية. فيما يتعلق بتشكيل «اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور»، ورغم مراجعة الإسلاميين لمواقفهم بإمكانية تعديل التشكيل، فإن بعضهم مازال متشبثاً بفضِّ اللجنة، ولم يقدِّم بديلاً إلا أنه يبدو من بين السطور أنهم يريدون قلب المعادلة؛ أي ينفردون بالأكثرية في التشكيل! ثم جاء ترشيح المهندس «خيرت الشاطر» رئيساً للجمهورية لتصب الآلة العلمانية الإعلامية جامّ غضبها على الإخوان، ومنذ الإعلان عن ذلك الحدث لم يجد الإعلام العلماني نقيصة سياسية أو فكرية أو أخلاقية إلا وحاولوا إلصاقها بالإخوان.. نكوص بالوعد في عدم الترشح.. سعي لتفتيت أصوات المرشحين.. سعي للسيطرة على الحياة السياسية «التكويش».. صفقة مع «المجلس العسكري».. وهكذا!! ولم يعد جديداً أن حدث ترشيح «الشاطر» أحدث دوياً في الساحة السياسية، ومثَّل مفاجأة كبيرة حتى لقطاع كبير من الإخوان.. فجاء التعامل معه للوهلة الأولى وفق ردود الفعل النفسية أكثر منها ردود فعل مدروسة، فالجميع كان قد حزم أمره على أن الإخوان لن يتقدموا بمرشح، فلما حدث الحدث انقلبت الموازين، وبدأ الكل يتعامل معه بناء على ما أصابه من وقْع الصدمة عليه، فالعلمانيون أُصيبوا بحالة من الهستيريا مما يعتبرونه سعياً من قبل الإخوان لـ«تأميم» الحياة السياسية في مصر لصالحهم، واعتبره أنصار المرشحين الآخرين، وخاصة الإسلاميين، تفتيتاً للأصوات، بل إن البعض تطوع بفتاوى تصف الإخوان - للأسف الشديد - بأوصاف لا تليق بسبب عدولهم عن قرارهم في هذا الصدد. وبالطبع، فإن حملة تحريض «المجلس العسكري» من قِبَل العلمانيين على الإخوان لم تتوقف، وقد أخذت أشواطاً بعيدة وصوراً مختلفة، وليس لدى الإخوان سوى قول واحد؛ وهو أن الظروف التي صدر فيها قرارهم بعدم الترشح تغيَّرت، فالتوافق الذي كانوا يأملون في تحقيقه مع التيارات الأخرى لم يتحقق؛ بسبب إفساد أطراف كثيرة له، ومحاولات إفشال وتفشيل «مجلس الشعب» من قبل الحكومة لم تتوقف، لتوصيل رسالة للشعب مفادها: «إن البرلمان الذي انتخبتموه لن ينفعكم في شيء، ولن ينجز لكم خدمة، ولن يحقق لكم مصلحة..»، في نفس الوقت الذي تخرج فيه تلك الحكومة لسانها للشعب بتصنيع الكوارث والأزمات، و«نزح» البلاد من احتياطي النقد الأجنبي، وإخراج لسانها للبرلمان متحدية إياه بإقالتها على أساس أن القرار بيد «المجلس العسكري» حاميها وراعيها.. وكل ذلك يصب في وضع الإسلاميين في خانة الفاشل سياسياً، والمشلول عن فعل شيء للشعب الذي انتخبه، وفي نفس الوقت يتم الدفع بـ«عمر سليمان»، و«أحمد شفيق»، إضافة لـ«عمرو موسى» للترشح لرئاسة الجمهورية، وهو مخطط لإعادة إنتاج نظام «مبارك» (رئيس منهم، وحكومة في يد «المجلس العسكري»، وقوة شرطة وجيش في يدهم، فماذا يبقى في يد الشعب؟)، فما كان بدا أمام الإخوان من اللحاق بالخطوة الأهم في المرحلة الانتقالية، وهي الرئاسة، خاصة أن الآخرين أفشلوا تحركات التوافق.. تلك رؤية.. من الممكن أن تكون صحيحة، ومن الممكن أن يشوبها خطأ لكنها تظل من حق مَنْ اتخذها. صحيح أن بعض أصحاب الرؤى الرصينة والمحايدة لهم تعليقاتهم ورؤاهم المحترمة حيال إقدام الإخوان على هذا القرار، وهو جدير بالتوقف والنقاش، ولكنه تاه في تلك الغابة الكثيفة من الهجوم غير المبرَّر على الإخوان.. وصحيح أن هذا القرار من الإخوان أصاب الجميع بالمفاجأة بمن فيهم جماهير الإخوان، وربما «خيرت الشاطر» نفسه، ولكن المرء يحتاج برهة من الوقت لإعادة دراسة مواقفه بعد المفاجأة بهدوء؛ ليصل إلى الحكم السليم، حتى ينطلق وراء قرار حتَّمته ظروف كثيرة وعوامل ضاغطة، ولن يكون ذلك القرار «فخاً» ولا «توريطاً»، كما يحاول البعض تصويره، ولكنه سيظل قراراً بشرياً سيحكم على صوابه صندوق الانتخابات. أعود إلى الخلاف الدائر بين الإسلاميين والعلمانيين، وهو صراع بين تيارين؛ أي بين مشروعين بل معتقدين، ولم أتذكر يوماً أن توافقاً له قيمة حدث بينهما، وأطلب من أي مهتم برصد العلاقة بين التيار الإسلامي والعلماني أن يدلني على قرار أو رأي للتيار العلماني بشتى درجاته توافق فيه مع الإسلاميين أو مع الإخوان منذ نشأتهم عام 1928م.. لن يجد إلا عمليات دس وتحريض ضد الإسلاميين وتشكيك في مواقفهم وتوجهاتهم.. فلا التراجع عن تشكيل «اللجنة التأسيسية للدستور»، أو التراجع عن ترشيح «الشاطر» سيرضيهم، لكن الذي سيريحهم هو ألا يجدوا للإسلاميين اسماً ولا رسماً ولا حتى رائحة على الساحة!
*المجتمع
أضافة تعليق