شعبان عبد الرحمن
عندما تهبط في مطار نيودلهي، ثم تنطلق إلى حيث وجهتك، فإن خليطًا من المشاعر المتناقضة بل والمتصارعة ينتابك.. غربة في بيئة تشبه بلادنا، وغرابة وسط قوم يشبهوننا.. أرض وطقس ومزروعات تشبه إلى حد كبير أرض وطقس ومزروعات مصر، حتى طريقة العمل في الحقول متشابهة، لكن الفارق ثلاثة أشهر من الأمطار المتواصلة تغسل كل شيء في تلك البلاد «المتروسة» بما يقرب من المليار نسمة.. كما أن الأشجار الضخمة المنتشرة في كل مكان، وتمثل غابات كثيفة تمدها بالهواء النقي دون مزاحمة عوادم السيارات التي تتحرك بالغاز.. أينما حللت فإن كثافة البشر هي سيدة الموقف بلا منازع، وقد تراجعت الدولة في الشارع أمام أمواج البشر المنتشرة طيلة الوقت في الشارع، وتركت لهم تدبير أمورهم بأنفسهم.. أفواج من «الركشة» والدراجات بأنواعها تزاحم السيارات والمارة.. وكل يزاحم بعضه لكن دون مشكلات.
ووسط ذلك الزحام الخانق يتسيد ’’البقر’’ الموقف، فلكل شيء قانونه الذي عليه الالتزام به إلا البقر، فلا قانون يحكم حركته، بل يتسابق الجميع على راحته.. فهو «الإله المعبود» - حاشا لله- الذي يتسابق الجميع على خدمته وراحته.. تسير البقرة في الشارع كما يحلو لها، وتقضي حاجتها بولاً وغير ذلك حيث تشاء، وتنام حيث تشاء، وتقتحم محلات بيع الخضراوات والفواكه فتأكل ما تشاء دون أن يتعرض لها أحد حتى ولو أجهزتْ على كل ما في المحل! والمشكلة تبرز عندما يكون صاحب المحل مسلمًا يعبد الله جل جلاله؛ فإنه يحاول طردها، وهنا يحدث الاحتكاك بين الهندوس المقدسين لإلههم والمدافعين عن كرامته، ومسلمين يرونها حيوانًا لا أكثر، بل يذبحونها في الأماكن النائية بعيدًا عن الأعين.
ليس البقر هو المعبود الوحيد عند أولئك الهندوس - وإن كان هو المعبود الرئيس- ولكن تعددت الآلهة والعابد الأبله واحد!
فعلى قوارع الشوارع لا تخلو زاوية من بناء صغير على شكل معبد هندوسي، وبداخله مجسم لكوبرا الثعبان أو حية أو حتى فأر -وكل تلك آلهة لديهم- حتى الشجر يتخذون العتيق منه آلهة يحيطون جذوره ببناء من الأسمنت وسياج مهيب، ويمنع الاقتراب منه بأي مساس!
وسط هذا «الأوكازيون» من الآلهة، وجد «بوذا» متسعًا من المعابد التي انتشرت في أماكن كثيرة، فبمجرد الدخول إلى مطار نيودلهي تفاجأ في ركن واضح من المطار بصورة «بوذا» أمامك على بوابة معبد صغير، مثل المعبد الذي يطالب به «د. محمد البرادعي»، زعيم المعارضة في بلادنا!
وقد فوجئت باكتظاظ الطائرة المتجهة من نيودلهي إلى مدينة «بنارس» -حيث كانت وجهتنا- بفوج قادم من فرنسا، بينما انتظرتْ أفواج أخرى، سألت محدِّثي عن الأمر؟ فأفادني بأنهم جاؤوا لزيارة أكبر معابد «بوذا» في الهند بمدينة «بنارس».. تذكرتُ «د. محمد البرادعي»، وقلت في نفسي: لو شاهد الآن ما نشاهده لاعتدل مزاجه وطار من الفرح تضامنًا مع «بوذا»!
إحساس بالصدمة مغلف بالحسرة يصيب المرء على قومٍ هذا شأنهم؛ اتخذوا من شتى المخلوقات آلهة، ونسوا الواحد الديّان خالق كل شيء! وفي الوقت نفسه، إحساس بنعمة الله تعالى على هديه وكرمه بنعمة الإسلام.. والسلوى في أولئك المسلمين (250 مليون نسمة) الذين حللتُ بينهم في احتفال مرور خمسين عامًا على إنشاء جامعة «النجاح الإسلامية».. نعم هم يمثلون نقطة في بحر متلاطم من الهندوس، لكن مساجدهم تُذهب عنك أيَّ حزن، وفيها تشعر أنك عدت إلى بلدك وبين أهلك.
(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
[email protected]
twitter: @shabanpress
عندما تهبط في مطار نيودلهي، ثم تنطلق إلى حيث وجهتك، فإن خليطًا من المشاعر المتناقضة بل والمتصارعة ينتابك.. غربة في بيئة تشبه بلادنا، وغرابة وسط قوم يشبهوننا.. أرض وطقس ومزروعات تشبه إلى حد كبير أرض وطقس ومزروعات مصر، حتى طريقة العمل في الحقول متشابهة، لكن الفارق ثلاثة أشهر من الأمطار المتواصلة تغسل كل شيء في تلك البلاد «المتروسة» بما يقرب من المليار نسمة.. كما أن الأشجار الضخمة المنتشرة في كل مكان، وتمثل غابات كثيفة تمدها بالهواء النقي دون مزاحمة عوادم السيارات التي تتحرك بالغاز.. أينما حللت فإن كثافة البشر هي سيدة الموقف بلا منازع، وقد تراجعت الدولة في الشارع أمام أمواج البشر المنتشرة طيلة الوقت في الشارع، وتركت لهم تدبير أمورهم بأنفسهم.. أفواج من «الركشة» والدراجات بأنواعها تزاحم السيارات والمارة.. وكل يزاحم بعضه لكن دون مشكلات.
ووسط ذلك الزحام الخانق يتسيد ’’البقر’’ الموقف، فلكل شيء قانونه الذي عليه الالتزام به إلا البقر، فلا قانون يحكم حركته، بل يتسابق الجميع على راحته.. فهو «الإله المعبود» - حاشا لله- الذي يتسابق الجميع على خدمته وراحته.. تسير البقرة في الشارع كما يحلو لها، وتقضي حاجتها بولاً وغير ذلك حيث تشاء، وتنام حيث تشاء، وتقتحم محلات بيع الخضراوات والفواكه فتأكل ما تشاء دون أن يتعرض لها أحد حتى ولو أجهزتْ على كل ما في المحل! والمشكلة تبرز عندما يكون صاحب المحل مسلمًا يعبد الله جل جلاله؛ فإنه يحاول طردها، وهنا يحدث الاحتكاك بين الهندوس المقدسين لإلههم والمدافعين عن كرامته، ومسلمين يرونها حيوانًا لا أكثر، بل يذبحونها في الأماكن النائية بعيدًا عن الأعين.
ليس البقر هو المعبود الوحيد عند أولئك الهندوس - وإن كان هو المعبود الرئيس- ولكن تعددت الآلهة والعابد الأبله واحد!
فعلى قوارع الشوارع لا تخلو زاوية من بناء صغير على شكل معبد هندوسي، وبداخله مجسم لكوبرا الثعبان أو حية أو حتى فأر -وكل تلك آلهة لديهم- حتى الشجر يتخذون العتيق منه آلهة يحيطون جذوره ببناء من الأسمنت وسياج مهيب، ويمنع الاقتراب منه بأي مساس!
وسط هذا «الأوكازيون» من الآلهة، وجد «بوذا» متسعًا من المعابد التي انتشرت في أماكن كثيرة، فبمجرد الدخول إلى مطار نيودلهي تفاجأ في ركن واضح من المطار بصورة «بوذا» أمامك على بوابة معبد صغير، مثل المعبد الذي يطالب به «د. محمد البرادعي»، زعيم المعارضة في بلادنا!
وقد فوجئت باكتظاظ الطائرة المتجهة من نيودلهي إلى مدينة «بنارس» -حيث كانت وجهتنا- بفوج قادم من فرنسا، بينما انتظرتْ أفواج أخرى، سألت محدِّثي عن الأمر؟ فأفادني بأنهم جاؤوا لزيارة أكبر معابد «بوذا» في الهند بمدينة «بنارس».. تذكرتُ «د. محمد البرادعي»، وقلت في نفسي: لو شاهد الآن ما نشاهده لاعتدل مزاجه وطار من الفرح تضامنًا مع «بوذا»!
إحساس بالصدمة مغلف بالحسرة يصيب المرء على قومٍ هذا شأنهم؛ اتخذوا من شتى المخلوقات آلهة، ونسوا الواحد الديّان خالق كل شيء! وفي الوقت نفسه، إحساس بنعمة الله تعالى على هديه وكرمه بنعمة الإسلام.. والسلوى في أولئك المسلمين (250 مليون نسمة) الذين حللتُ بينهم في احتفال مرور خمسين عامًا على إنشاء جامعة «النجاح الإسلامية».. نعم هم يمثلون نقطة في بحر متلاطم من الهندوس، لكن مساجدهم تُذهب عنك أيَّ حزن، وفيها تشعر أنك عدت إلى بلدك وبين أهلك.
(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
[email protected]
twitter: @shabanpress