هويدي 31-12-2001
آثر صمويل هنتنجتون ان يطلق على مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة عنوان «زمن حروب المسلمين». وكان ذلك عنوان آخر مقالة له في عدد نيوزويك (12/25)، التي حشدها بكم كبير من المعلومات التي عزز بها رأيه، وأراد ان يوصل للقارىء انه لا شيء في العالم الآن سوى حروب المسلمين، وانهم وحدهم أصبحوا مصدر القلق والعنف الذي يهدد أمن واستقرار المجتمعات البشرية.
وحين تنشر مقالة محملة بتلك الرسالة في الظروف الراهنة، فان المرء لا يستطيع أن يفترض البراءة في كاتبها رغم اتسام خطابه بقدر من الموضوعية، ذلك انها جاءت حافلة بمغالطات يفترض ألا تخفى على استاذ كبير للعلوم السياسية في جامعة هارفارد، على نحو جعلها بمثابة عريضة اتهام وادعاء على المسلمين تتجاوب مع الحملة الاعلامية التي تستهدفهم، كما انها تسوغ ما ترتكبه الولايات المتحدة بحقهم هذه الأيام باسم مقاومة الإرهاب، وتؤجج المشاعر السلبية التي تكنها بعض الدوائر إزاء الاسلام والمسلمين بشكل عام.
لان التاريخ حمال أوجه، والعبث به ميسور من خلال الانتقاء والافتعال ولي الحقائق، فان هنتنجتون الذي أشهر فكرة «صراع الحضارات»، لجأ الى ذلك الاسلوب، لكي يثبت في ذهن القارىء فكرة زمن «حروب المسلمين»، ولكي يبلغ مراده فانه أغفل وتجاهل تماماً حروباً أخرى حدثت في العقد الأخير لم يكن المسلمون طرفاً فيها، ثم انه جمع كل الحوادث التي كان المسلمون طرفاً فيها، حتى اذا لم يشاركوا فيها بصفتهم الإيمانية، أي ان دوافعهم في ذلك لم تكن دينية على الاطلاق، وهو لم يفرق بين حروب كان المسلمون فيها هم الضحية والمجني عليهم، وهي الأصل والقاعدة، وأخرى اعتدى فيها طرف مسلم على آخر، وتلك استثنائية بامتياز، وفي سعيه الى تكثيف الصورة فانه استدعى حروباً قديمة، مستمرة منذ عقود، وأضافها الى قائمة حروب الزمن الذي ادعاه، ورفع فوقه العنوان الذي دمغ به المسلمين.
لقد أرخ لزمن حروب المسلمين ابتداء من سنة ثمانين ميلادية (1980) وهو العقد الذي شهد في آخره نهاية الحرب الباردة، وفي السنوات العشر (من 80 الى 90) تحدث عن هجوم العراق على إيران، والغزو السوفيتي لافغانستان، ثم احتلال العراق للكويت في سنة 90، والاسلام لم يكن طرفاً في الحالات الثلاث، فالعراق لم يهاجم إيران أو الكويت لأسباب دينية، ثم ان غزو افغانستان كان المسلمون فيه هم الضحية، وما جرى يحسب على الحروب السوفيتية وليس الاسلامية.
حين تحدث عن التسعينات أشار الى ان نزاعات عنيفة وقعت بين المسلمين وغير المسلمين في أقطار عدة، ذكر منها البوسنة وكوسوفو (لم يكن نزاعاً لكنه كان عدواناً صربياً كرواتياً على المسلمين) والشيشان (دعوة للاستقلال قوبلت بقمع واجتياح روسيين) واذربيجان (احتلال من جانب ارمينيا المجاورة لمنطقة ناجورنو كاراباخ) وطاجيكستان (مقاومة من جانب القوى الوطنية والاسلامية لنظام حكم استبدادي من بقايا المرحلة الشيوعية) وكشمير (مشكلة قديمة معلقة منذ الاربعينات) والهند (تطرف هندوسي أدى الى هدم المسجد البابري أحد أقدم المساجد الاسلامية التاريخية في الهند) والفلبين (حركة انفصالية في الجنوب) واندونيسيا (استقلال ايريان الغربية بدعم من استراليا وأوروبا والكنيسة الكاثوليكية) الشرق الأوسط (تمييع للاحتلال الاسرائيلي للضفة والقطاع، المستمر منذ عام 67) والسودان (حرب في الجنوب تمولها الدول الغربية والكنيسة والنظم الافريقية المعادية للسودان) ونيجيريا (صراعات قبلية ودينية).
هذا الخليط المتنوع من النزاعات، وصفه هنتنجتون بأنه حروب للمسلمين وعنف اسلامي، وهو وصف فيه تعسف شديد وافتعال ـ كما رأيت ـ يحير الباحث عن دوافعه، وذلك التعسف ليس المأخذ الوحيد، لانه اسقط من الحسبان حروباً عدة وقعت في نفس الفترة، ولم يكن المسلمون طرفاً فيها من أي باب، ولو انه ذكرها لسقط على الفور العنوان الذي تخيره لوصف الحقبة موضوع حديثه، إذ لم يشر بكلمة الى الحروب الافريقية التي وقعت في تلك الفترة: رواندا وبوروندي وانجولا وزائير والكونغو، وتجاهل الحرب الدائرة في ايرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت، والحرب الشرسة في سري لانكا.
في موضع آخر تحدث عن الهجوم الفدائي الذي شنته عناصر المقاومة في لبنان ضد قوات «المارينز» الاميركية التي قدمت الي بيروت في عام 83، مما أدى الى مقتل 299 شخصاً، واذا رأى ان وجود تلك القوات في لبنان أمر عادي، معتبراً ان الخطأ ليس في ذلك الوجود، وإنما في الهجوم الفدائي، فانه لم يأت على ذكر لاطلاق الاميركيين صاروخاً أسقط طائرة إيرانية في الخليج في نفس الحقبة، وهو الحادث الذي راح ضحيته 166 شخصاً، وكافأ الاميركيون الضابط الذي اطلق الصاروخ ولم يعاقبوه على جريمته (للعلم، دفع الاميركيون عشرة آلاف دولار لضحايا تلك الطائرة، بينما طالبوا بتعويضات لا تقل عن مليون دولار لكل اميركي قتل في طائراتهم).
ضم عالم السياسة الاميركي حادث اسقاط طائرة «بان ام» فوق لوكيربي، التي اتهمت ليبيا بالمسؤولية عنه الى قائمة شواهد العنف الاسلامي، الأمر الذي يثير دهشة القارىء الذي آخر ما يخطر على باله أن يكون للحادث دوافع دينية أو أصولية، أو له صلة من أي نوع بالانبعاث الاسلامي.
هذا التخبط والتخليط يستغرب من باحث بحجم هنتنجتون، ولا يفسر إلا بأنه ينطلق من رؤية عنصرية تحمل الأمة الاسلامية المسؤولية في تصرف أو خطأ أي واحد من ابنائها، وتحمل الاسلام كل ما يصدر عن المنسوبين إليه، حتى اذا كانت دوافعهم لا علاقة لها بانتمائهم العقيدي.
بدأ هنتنجتون أكثر توازناً بصورة نسبية وهو يذكر ان حروب المسلمين ليست لها صلة بالعقائد، وانما تكمن في السياسات، وحين قال ان تعاليم الاسلام، على غرار المسيحية، يمكن استخدامها في تبرير السلام أو الحرب، وفي تحليله لمصادر العنف أورد أربعة أسباب هي: الاحياء الاسلامي الذي اعتبره رد فعل على موجة الحداثة والعولمة، ومن عباءته خرجت اعداد المتطرفين، ثم الشعور بالظلم والامتعاض والعدائية تجاه الغرب، خصوصاً سياسة اميركا إزاء اسرائيل وحصارها للعراق، تعدد الانقسامات القبلية والدينية والسياسية التي أصبحت مصدراً للتناحر داخل العالم الاسلامي، السبب الرابع تمثل في تزامن الانبعاث الاسلامي مع معدلات الولادة المرتفعة في معظم الدول الاسلامية، وهذه الأجيال الجديدة التي كان حظها أفضل في التعليم، واجهت البطالة وهاجر بعضها الى الغرب، وأصبحوا يمثلون مصدراً لتزويد الشبكات الأصولية بما تحتاجه من عناصر.
في خلاصاته الأخيرة ذكر ان زمن حروب المسلمين سينتهي حين تتغير أسبابه، ومع تلاحق الأجيال فقد تخف حدة الوعي الاسلامي كما حدث بوضوح في إيران (الكلام لايزال له) وقد يتقلص امتعاض المسلمين وعداؤهم للغرب اذا ما تغيرت السياسة الاميركية تجاه اسرائيل، وفي الأمد البعيد فلا مفر من اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية في الدول الاسلامية تلبي احتياجات الناس، وتخفف من وطأة ما يتعرضون له من قمع.
ومن أغرب ما قاله في هذا السياق، انه بحلول عام 2020 سيتقلص عدد الشباب المسلم، وهو ما يمكن أن يترتب عليه اضمحلال زمن حروب المسلمين، وهي نتيجة تتعارض مع المنطق الذي تبناه فيما انتهى إليه من خلاصات، ذكر فيها ان ما أسماه بحروب المسلمين، سينتهي زمنها اذا تغيرت أسبابها الموضوعية التي تحدث عنها.
واذ صور المسلمين بحسبانهم جماعة بشرية منفلتة تضرب في كل مكان، لم يستطع أن يرى انهم ينتمون الى أكثر من 50 دولة في العالم، تختلف فيها الخصوصيات والحسابات والانتماءات الفكرية والسياسية والمذهبية.
وهو يقلب صفحات العقدين الأخيرين، فانه تجاهل تماماً ما آلت إليه القوة الاميركية، والهيمنة التي أصبحت تمارسها على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث أصبح الكونجرس الاميركي يشرع للعالم وليس لاميركا وحدها، فيصدر قانون داماتو الذي منع الشركات العالمية يوماً ما من الاستثمار في إيران، وقانون الاضطهاد الديني الذي يراقب سلوك حكومات العالم في تعاملها مع الأقليات (باستثناء اسرائيل بطبيعة الحال)، كما أصبحت الحكومة الاميركية وحدها التي تحدد الدول الإرهابية وغير الإرهابية، ووحدها القادرة على اصدار الأمر بالقبض على أي فرد في أنحاء الكرة الأرضية، أو مصادرة أموال المنظمات والأشخاص... إلخ، وقد ذهبت بعيداً في الاستعلاء حتى اصبحت المعترض الوحيد على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وهي الدولة الوحيدة الممتنعة عن التوقيع على اتفاق عالمي للحد من تلوث البيئة، في حين انها تعد المصدر الرئيس لذلك التلوث في العالم، وهي الوحيدة الرافضة للمعاهدة الدولية الشاملة لمنع تجارب السلاح النووي، وهي التي تسعى رغم أنف الجميع لفرض ارادتها على كل منتديات التعاون الدولي، من منظمة التجارة العالمية الى مفاوضات الحد من الألغام الأرضية، وقبل ذلك كله مجلس الأمن الدولي.
إزاء هذا الذي تمارسه الولايات المتحدة، هل يقبل أن يقول باحث كبير إننا في زمن الحروب الاسلامية؟، كيف يكون إذن زمن الهيمنة الأميركية؟
آثر صمويل هنتنجتون ان يطلق على مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة عنوان «زمن حروب المسلمين». وكان ذلك عنوان آخر مقالة له في عدد نيوزويك (12/25)، التي حشدها بكم كبير من المعلومات التي عزز بها رأيه، وأراد ان يوصل للقارىء انه لا شيء في العالم الآن سوى حروب المسلمين، وانهم وحدهم أصبحوا مصدر القلق والعنف الذي يهدد أمن واستقرار المجتمعات البشرية.
وحين تنشر مقالة محملة بتلك الرسالة في الظروف الراهنة، فان المرء لا يستطيع أن يفترض البراءة في كاتبها رغم اتسام خطابه بقدر من الموضوعية، ذلك انها جاءت حافلة بمغالطات يفترض ألا تخفى على استاذ كبير للعلوم السياسية في جامعة هارفارد، على نحو جعلها بمثابة عريضة اتهام وادعاء على المسلمين تتجاوب مع الحملة الاعلامية التي تستهدفهم، كما انها تسوغ ما ترتكبه الولايات المتحدة بحقهم هذه الأيام باسم مقاومة الإرهاب، وتؤجج المشاعر السلبية التي تكنها بعض الدوائر إزاء الاسلام والمسلمين بشكل عام.
لان التاريخ حمال أوجه، والعبث به ميسور من خلال الانتقاء والافتعال ولي الحقائق، فان هنتنجتون الذي أشهر فكرة «صراع الحضارات»، لجأ الى ذلك الاسلوب، لكي يثبت في ذهن القارىء فكرة زمن «حروب المسلمين»، ولكي يبلغ مراده فانه أغفل وتجاهل تماماً حروباً أخرى حدثت في العقد الأخير لم يكن المسلمون طرفاً فيها، ثم انه جمع كل الحوادث التي كان المسلمون طرفاً فيها، حتى اذا لم يشاركوا فيها بصفتهم الإيمانية، أي ان دوافعهم في ذلك لم تكن دينية على الاطلاق، وهو لم يفرق بين حروب كان المسلمون فيها هم الضحية والمجني عليهم، وهي الأصل والقاعدة، وأخرى اعتدى فيها طرف مسلم على آخر، وتلك استثنائية بامتياز، وفي سعيه الى تكثيف الصورة فانه استدعى حروباً قديمة، مستمرة منذ عقود، وأضافها الى قائمة حروب الزمن الذي ادعاه، ورفع فوقه العنوان الذي دمغ به المسلمين.
لقد أرخ لزمن حروب المسلمين ابتداء من سنة ثمانين ميلادية (1980) وهو العقد الذي شهد في آخره نهاية الحرب الباردة، وفي السنوات العشر (من 80 الى 90) تحدث عن هجوم العراق على إيران، والغزو السوفيتي لافغانستان، ثم احتلال العراق للكويت في سنة 90، والاسلام لم يكن طرفاً في الحالات الثلاث، فالعراق لم يهاجم إيران أو الكويت لأسباب دينية، ثم ان غزو افغانستان كان المسلمون فيه هم الضحية، وما جرى يحسب على الحروب السوفيتية وليس الاسلامية.
حين تحدث عن التسعينات أشار الى ان نزاعات عنيفة وقعت بين المسلمين وغير المسلمين في أقطار عدة، ذكر منها البوسنة وكوسوفو (لم يكن نزاعاً لكنه كان عدواناً صربياً كرواتياً على المسلمين) والشيشان (دعوة للاستقلال قوبلت بقمع واجتياح روسيين) واذربيجان (احتلال من جانب ارمينيا المجاورة لمنطقة ناجورنو كاراباخ) وطاجيكستان (مقاومة من جانب القوى الوطنية والاسلامية لنظام حكم استبدادي من بقايا المرحلة الشيوعية) وكشمير (مشكلة قديمة معلقة منذ الاربعينات) والهند (تطرف هندوسي أدى الى هدم المسجد البابري أحد أقدم المساجد الاسلامية التاريخية في الهند) والفلبين (حركة انفصالية في الجنوب) واندونيسيا (استقلال ايريان الغربية بدعم من استراليا وأوروبا والكنيسة الكاثوليكية) الشرق الأوسط (تمييع للاحتلال الاسرائيلي للضفة والقطاع، المستمر منذ عام 67) والسودان (حرب في الجنوب تمولها الدول الغربية والكنيسة والنظم الافريقية المعادية للسودان) ونيجيريا (صراعات قبلية ودينية).
هذا الخليط المتنوع من النزاعات، وصفه هنتنجتون بأنه حروب للمسلمين وعنف اسلامي، وهو وصف فيه تعسف شديد وافتعال ـ كما رأيت ـ يحير الباحث عن دوافعه، وذلك التعسف ليس المأخذ الوحيد، لانه اسقط من الحسبان حروباً عدة وقعت في نفس الفترة، ولم يكن المسلمون طرفاً فيها من أي باب، ولو انه ذكرها لسقط على الفور العنوان الذي تخيره لوصف الحقبة موضوع حديثه، إذ لم يشر بكلمة الى الحروب الافريقية التي وقعت في تلك الفترة: رواندا وبوروندي وانجولا وزائير والكونغو، وتجاهل الحرب الدائرة في ايرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت، والحرب الشرسة في سري لانكا.
في موضع آخر تحدث عن الهجوم الفدائي الذي شنته عناصر المقاومة في لبنان ضد قوات «المارينز» الاميركية التي قدمت الي بيروت في عام 83، مما أدى الى مقتل 299 شخصاً، واذا رأى ان وجود تلك القوات في لبنان أمر عادي، معتبراً ان الخطأ ليس في ذلك الوجود، وإنما في الهجوم الفدائي، فانه لم يأت على ذكر لاطلاق الاميركيين صاروخاً أسقط طائرة إيرانية في الخليج في نفس الحقبة، وهو الحادث الذي راح ضحيته 166 شخصاً، وكافأ الاميركيون الضابط الذي اطلق الصاروخ ولم يعاقبوه على جريمته (للعلم، دفع الاميركيون عشرة آلاف دولار لضحايا تلك الطائرة، بينما طالبوا بتعويضات لا تقل عن مليون دولار لكل اميركي قتل في طائراتهم).
ضم عالم السياسة الاميركي حادث اسقاط طائرة «بان ام» فوق لوكيربي، التي اتهمت ليبيا بالمسؤولية عنه الى قائمة شواهد العنف الاسلامي، الأمر الذي يثير دهشة القارىء الذي آخر ما يخطر على باله أن يكون للحادث دوافع دينية أو أصولية، أو له صلة من أي نوع بالانبعاث الاسلامي.
هذا التخبط والتخليط يستغرب من باحث بحجم هنتنجتون، ولا يفسر إلا بأنه ينطلق من رؤية عنصرية تحمل الأمة الاسلامية المسؤولية في تصرف أو خطأ أي واحد من ابنائها، وتحمل الاسلام كل ما يصدر عن المنسوبين إليه، حتى اذا كانت دوافعهم لا علاقة لها بانتمائهم العقيدي.
بدأ هنتنجتون أكثر توازناً بصورة نسبية وهو يذكر ان حروب المسلمين ليست لها صلة بالعقائد، وانما تكمن في السياسات، وحين قال ان تعاليم الاسلام، على غرار المسيحية، يمكن استخدامها في تبرير السلام أو الحرب، وفي تحليله لمصادر العنف أورد أربعة أسباب هي: الاحياء الاسلامي الذي اعتبره رد فعل على موجة الحداثة والعولمة، ومن عباءته خرجت اعداد المتطرفين، ثم الشعور بالظلم والامتعاض والعدائية تجاه الغرب، خصوصاً سياسة اميركا إزاء اسرائيل وحصارها للعراق، تعدد الانقسامات القبلية والدينية والسياسية التي أصبحت مصدراً للتناحر داخل العالم الاسلامي، السبب الرابع تمثل في تزامن الانبعاث الاسلامي مع معدلات الولادة المرتفعة في معظم الدول الاسلامية، وهذه الأجيال الجديدة التي كان حظها أفضل في التعليم، واجهت البطالة وهاجر بعضها الى الغرب، وأصبحوا يمثلون مصدراً لتزويد الشبكات الأصولية بما تحتاجه من عناصر.
في خلاصاته الأخيرة ذكر ان زمن حروب المسلمين سينتهي حين تتغير أسبابه، ومع تلاحق الأجيال فقد تخف حدة الوعي الاسلامي كما حدث بوضوح في إيران (الكلام لايزال له) وقد يتقلص امتعاض المسلمين وعداؤهم للغرب اذا ما تغيرت السياسة الاميركية تجاه اسرائيل، وفي الأمد البعيد فلا مفر من اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية في الدول الاسلامية تلبي احتياجات الناس، وتخفف من وطأة ما يتعرضون له من قمع.
ومن أغرب ما قاله في هذا السياق، انه بحلول عام 2020 سيتقلص عدد الشباب المسلم، وهو ما يمكن أن يترتب عليه اضمحلال زمن حروب المسلمين، وهي نتيجة تتعارض مع المنطق الذي تبناه فيما انتهى إليه من خلاصات، ذكر فيها ان ما أسماه بحروب المسلمين، سينتهي زمنها اذا تغيرت أسبابها الموضوعية التي تحدث عنها.
واذ صور المسلمين بحسبانهم جماعة بشرية منفلتة تضرب في كل مكان، لم يستطع أن يرى انهم ينتمون الى أكثر من 50 دولة في العالم، تختلف فيها الخصوصيات والحسابات والانتماءات الفكرية والسياسية والمذهبية.
وهو يقلب صفحات العقدين الأخيرين، فانه تجاهل تماماً ما آلت إليه القوة الاميركية، والهيمنة التي أصبحت تمارسها على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث أصبح الكونجرس الاميركي يشرع للعالم وليس لاميركا وحدها، فيصدر قانون داماتو الذي منع الشركات العالمية يوماً ما من الاستثمار في إيران، وقانون الاضطهاد الديني الذي يراقب سلوك حكومات العالم في تعاملها مع الأقليات (باستثناء اسرائيل بطبيعة الحال)، كما أصبحت الحكومة الاميركية وحدها التي تحدد الدول الإرهابية وغير الإرهابية، ووحدها القادرة على اصدار الأمر بالقبض على أي فرد في أنحاء الكرة الأرضية، أو مصادرة أموال المنظمات والأشخاص... إلخ، وقد ذهبت بعيداً في الاستعلاء حتى اصبحت المعترض الوحيد على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وهي الدولة الوحيدة الممتنعة عن التوقيع على اتفاق عالمي للحد من تلوث البيئة، في حين انها تعد المصدر الرئيس لذلك التلوث في العالم، وهي الوحيدة الرافضة للمعاهدة الدولية الشاملة لمنع تجارب السلاح النووي، وهي التي تسعى رغم أنف الجميع لفرض ارادتها على كل منتديات التعاون الدولي، من منظمة التجارة العالمية الى مفاوضات الحد من الألغام الأرضية، وقبل ذلك كله مجلس الأمن الدولي.
إزاء هذا الذي تمارسه الولايات المتحدة، هل يقبل أن يقول باحث كبير إننا في زمن الحروب الاسلامية؟، كيف يكون إذن زمن الهيمنة الأميركية؟