مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
سبعة عشر جزءًا من القرآن
د. ديمة طارق طهبوب
إنّ من أعظم خصائص الإسلام كونه دينًا يسعى للارتقاء بالإنسان إلى المعالي، و بينما لا يحدّد سقفًا للارتقاء و المزيد، إلاّ أنّه يضع حدًا أدنى لا يُقبل من المرء النّزول دونه حتى يستقرّ الإيمان في نفسه، و الأخلاق في تعاملاته، و يصبح الحسن معدنه، و الخير ديدنه في الرّخاء و الشّدّة، و العسر و اليسر، و الفراغ و الشّغل؛ فأخلاق الإسلام حالة دائمة و ليست صفات موسميّة مرتبطة بوقت، بل إنّ فقه المواسم في الإسلام يزيد الصّفات متانة و رسوخًا و إقبالاً على الطّاعات، و من الأخلاق الأساسيّة البرّ بالوالدين الذي جعله الله قرين الإيمان به سبحانه، فكلّما زاد الإيمان زاد البرّ بالوالدين، و حتى لو فتر الإيمان فإنّ للفتور آدابًا تبقى معها الفريضة إلزاميّة حتى لو تساهل المرء في السّنن.

فبرّ الوالدين-الأمّ خصوصًا- من منازل الإيمان، و لذلك فإنّ حصره في يوم أو مناسبة هو انتقاص لهذا الإيمان الذي يمارسه العبد دومًا بأحسن ما استطاع إليه سبيلاً، و لذلك جعله الله من أسباب دخول الجنّة، و لو كان دخول الجنّة بهذه السّهولة لقبلنا أن يومًا أو مناسبة قد تفي بالغرض، و لكنّ سلعة الله الغالية تحتاج إلى عمل متّصل دؤوب، و ثمن مدفوع على امتداد العمر.

و إذا كان لا بدّ أن نرضخ لتيّار غريب عن معتقداتنا فيما يُعرف بيوم أو عيد الأمّ، و هو يدلّ على تفريطنا بمبادئنا السّامية، التي تجعل من أعمارنا كلّها في خدمة أمّهاتنا، و تجعل كلّ يوم من حياة أمّهاتنا عيدًا لنا، فلنسعَ للسّموّ بممارساتنا ليكون لها معنًى و رسالة أكبر من كلمة معايدة أو هديّة مهما غلا ثمنها.

الشّاهد على القول ما عاينْتُه من قصّة ابنة أهدت لأمّها السّيدة ذات التّعليم البسيط جدًا سبعة عشر جزءًا من القرآن حفّظَتْها إيّاها، و هي من أصحاب السّند المتّصل إلى رسول الله -صلّى الله عليه و سلّم- و القراءات العشر، و هذه الأجزاء السّبعة عشر هي كلّ ما تبقّى من ذاكرة الأمّ التي أُصيبت بمرض تلف الخلايا الدّماغيّة الذي أفقدها معظم ذاكرتها القديمة و الحديثة، و لكنّه لم يُنسِها السّبعة عشر جزءًا التي حفّظتها ابنتها إيّاها، و التي ما زالت تصلّي و تقوم اللّيل بها.

لم تكتفِ الابنة أن تهدي أمّها تاج الوقار يوم القيامة بحفظها هي للقرآن، بل أرادت أن يكون لأمّها وسيلة ترتقي بها في الجنّة بقدر ما ترتّل من آي القرآن.

الحبّ ليس حبًّا إذا احتاج للاستسقاء، و البرّ ليس برًّا إذا حصرناه بالأيّام؛ فالحبّ إنّما يزداد للآخرة، فإن انقطع قبل الموت حبط العمل و ضاع السّعي.
*نوافذ
أضافة تعليق