مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مفارقات القيادة الجديدة في إندونيسيا
هويدي 30-7-2001

من مفارقات الاقدار ان نائب السيدة ميجاواتي رئيسة اندونيسيا التي تولت منصبها في الاسبوع الماضي، يرأس حزباً اسلامياً يرفض تولي امرأة لزمام السلطة في بلد اسلامي، على الأقل هذا ما سمعته من الرجل ذاته، الحاج حمزة حاسي، حين التقيته قبل عامين في مكتبه بوزارة الاستثمار في جاكرتا، وقد شغل ذلك المنصب في حكومة الرئيس الأسبق يوسف بحر الدين حبيبي، بوصفه رئيساً لحزب «التنمية المتحد» الاسلامي، ليس ذلك فحسب، وإنما ذهب أحد وزراء حزب التنمية في حملته ضد السيدة ميجاواتي أثناء الانتخابات التي جرت في عام 99 الى حد التشكيك في دينها، حيث اشار الوزير ـ اسمه احمد سيف وكان يتولى وزارة الزراعة ـ الى واقعة صلاة السيدة ميجاواتي في معبد بوذي بجزيرة بالي، أثناء حملتها الانتخابية، وقال في معرض اعتراضه على توليها الرئاسة، انها ليست امرأة فحسب، ولكنها بوذية أيضاً، وقد اوضحت ميجاواتي موقفها من الصلاة في المعبد، قائلة انها ذهبت لزيارة قبر أمها، فيما رفع حزبها دعوى قضائية ضد الوزير احمد سيف بسبب تصريحاته، التي كان لها صداها السلبي في جزيرة بالي، حيث تظاهر ألوف من الناس في الشوارع، ودعا بعضهم الى الانفصال عن اندونيسيا، في وقت ارتفعت فيه الاصوات الانفصالية في ست جزر، اثر سقوط نظام الرئيس سوهارتو أو شيوع الاعتقاد بأن النظام فقد سطوته وهيبته.
أغلب الظن ان صفقة عقدت، ودفعت الحاج حمزة الى القبول بمنصب نائب الرئيسة متجاوزاً في ذلك موقف حزبه من شغلها للمنصب، ويبدو ان تولي الحاج حمزة لذلك المنصب كان الوسيلة الوحيدة التي أمكن بها اسكات الأصوات التي تبنت موقف الرفض ذاته، وهي كثيرة في أوساط المتدينين الاندونيسيين، الذين يعتقدون ان الشريعة الاسلامية تمنع المرأة من تولي المناصب القيادية خصوصاً رئاسة الدولة (مجلس العلماء المسلمين هناك أفتى بذلك)، وهي الفكرة التي ما زالت تتبناها بعض التيارات الاسلامية في العالم العربي، بينما تعارضها تيارات أخرى، لاترى في المرجعية الاسلامية ما يمنع المرأة من شغل تلك المناصب، ذاهبة في ذلك الى الحديث النبوي «ما افلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، يمثل حكماً خاصاً وليس عاماً، وان القرآن امتدح ملكة سبأ، كما نص القرآن على ان المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فضلا عن ان الشريعة معنية بعدالة الحاكم وليس جنسه.
أياً كانت طبيعة الصفقة التي تمت، فقد ساعدت خطوة اختيار الحاج حمزة نائباً للرئيسة على تقوية مركز السيدة ميجاواتي وتثبيت اقدامها، الأمر الذي من شأنه ان يعيد الاستقرار الى المنصب، بعدما تعرض لانتقادات وعواصف عديدة طوال الفترة التي شغله فيها الرئيس المعزول عبدالرحمن واحد.
إزاء ذلك فانه قد يفيدنا ان نتعرف على مواقف الرئيسة ونائبها إزاء بعض القضايا العامة، في حدود خبرتي بالاثنين، حيث لم يتح لي أثناء زيارة جاكرتا ابان الانتخابات ان التقي بالسيدة ميجاواتي، أولا لانها قليلة الحديث الى الصحافة، وثانياً لانها كانت حينذاك مشغولة بجولاتها في أنحاء البلاد، لكني التقيت نائبها كويك كيان جي، وهو بوذي من أصول صينية، ويرأس في الوقت ذاته مدير مركز الدراسات في حزبها (النضال الديمقراطي)، وهو رجل ظاهره شديد الهدوء، وعلى دراية عميقة بالأحوال الاقتصادية للبلاد، شأن كل الصينيين المهيمنين على الاقتصاد في البلاد، وهو واحد من تسعة أعوان للسيدة ميجاواتي بينهم ثلاثة مسلمون (احدهم شقيق الرئيس السابق عبد الرحمن واحد) والباقون خليط من البوذيين والهندوس والكاثوليك (السكرتير العام للحزب كاثوليكي).
ومن الواضح ان فريق السيدة ميجاواتي تم انتقاؤه بعناية بحيث يمثل كل شرائح المجتمع الاندونيسي، واذا كان المسلمون أقلية في الفريق، فلأن الآخرين يمثلون مراكز قوة كبيرة في المجتمع، اقتصادية وسياسية، حرصت من جانبها على الاستقواء بهم، فضلا عن انهم وجدوا فيها مرشحاً أمثل يتعاطف معهم من ناحية، ولها خلفياتها المقبولة من ناحية ثانية (باعتبار انها ابنة مؤسس الدولة الرئيس احمد سوكارنو) ثم هي منسوبة الى الأغلبية المسلمة من ناحية ثالثة.
ورغم تواضع قدرات السيدة ميجاواتي وقلة خبرتها السياسية، حيث لم تنخرط في السياسة إلا بعد سن الاربعين، فان كفاءة الفريق الذي اجتمع حولها نجحت في تقديمها بحسبانها الزعيمة المنحازة الى الفقراء والمستضعفين، حتى انهم استثمروا عدم قدرتها في التعبير عن نفسها وتواضع امكانياتها الشخصية، باعتباره تعمداً في عدم الافراط في الكلام، لاسباب متعلقة بالحكمة والرصانة وبعد النظر.
حين التقيت نائبها كويك كيان جي وجدته يفسر قلة كلام السيدة ميجاواتي بأنه ايثار للعمل في صمت وحرص على الكلام في الوقت المناسب، وقال ان 60 بالمائة من جاذبية ميجاواتي مستمدة من شخصيتها والباقي من أبيها، وأبدى قلقه من الاضطرابات الحاصلة في البلاد، وقال ان الرئيس الأسبق سوهارتو يقف وراءها من خلال ابنائه وأعوانه، ثم قال ان مبادئ «البانشا سيللا» هي الوحيدة الكفيلة باستمرار الاستقرار في اندونيسيا، باعتبار انها موضع اجماع كل فئات الشعب، واضاف ان مشكلة اندونيسيا اقتصادية بالدرجة الأولى، وهذه اذا حلت فان بقية مشاكل البلاد، بما في ذلك دعوات الانفصال، ستحل بصورة تلقائية.
حين سألته عن تصور الحزب للعلاقة مع اسرائيل، ابدى حذراً شديداً وقال ان هذا الموضوع لم نناقشه، وليس هناك ما يدعو الى تغيير الوضع القائم في اندونيسيا (لم يكن ذلك دقيقاً لان الحزب وجريدته من دعاة اقامة العلاقات مع اسرائيل لكنهم يخشون ردة فعل الرأي العام في البلاد).
حين لقيت الحاج حمزة حاسي كان اول ما لفت نظري فيه انه يضع في اصابعه ثلاثة خواتم مرصعة بثلاثة فصوص من الاحجار الكريمة، الأول أزرق والثاني أخضر والثالث احمر، ووجدته اثناء الحوار شديد الحماس للهوية الاسلامية لاندونيسيا وشديد الغيرة على انتمائه الديني، لكنه يرى بدوره ان مبادىء «البانشا سيللا» هي التي ينبغي ان يحتكم إليها الاندونيسيون، وان اندونيسيا لاينبغي ان تكون دولة اسلامية، لاعتقاده ان ذلك قد يثير قلق الأقليات (لاحظ ان المسلمين يشكلون 90 بالمائة من السكان) وإزاء ذلك فان حزبه معني بالتربية والأخلاق والتعليم واقامة المشروعات التعاونية وباشاعة الروح الاسلامية بين الشباب.
علمت منه انه أدى فريضة الحج 5 مرات وذهب للعمرة ثلاث مرات، وانه كان في الأساس عضواً بجماعة «نهضة العلماء»، التي يقودها السيد عبدالرحمن واحد، ثم انفصل عنها، وشكل حزب التنمية المتحد منذ 26 سنة، وخلال تلك الفترة وصل عدد أعضاء الحزب الى 26 مليون عضو، وكان يأمل وقتذاك في ان تأتلف الأحزاب الاسلامية في اندونيسيا (12 حزباً) لكن ذلك لم يحدث.
وجدته مهتماً باقامة علاقات أوثق مع دول العالم الاسلامي والعربي، ورافضاً بشدة لاقامة أية علاقات مع اسرائيل طالما ظلت محتلة لفلسطين، ويرى ان التعاون في المجال الاقتصادي هو المدخل الأهم لتوثيق الروابط بين الدول الاسلامية والعربية.
هل يمكن أن ينجح التعاون بين الرئيسة ونائبها؟ أغلب الظن ان ذلك ممكن، لان المسافات ليست بعيدة في مواقف الاثنين، خصوصاً اذا لاحظنا انهما يتفقان على حاكمية «البانشا سيللا» وهي مجموعة من المبادىء الانسانية العامة التي أهم مافيها انها تستبعد المرجعية الاسلامية، وخلافهما بعد ذلك حول درجة الاعتزاز بالهوية الاسلامية لا يؤثر على تلك العلاقة، ثم انه يمكن التغلب عليه بالوقت، وربما قصد الذين اخرجوا المشهد على ذلك النحو ان يسد كل منهما ثغرة، فميجاواتي مقبولة أكثر عند الأقليات والفقراء والحاج حمزة مقبول أكثر بين المتدينين، واجتماع الاثنين يوفر قدراً كبيراً للاستقرار السياسي في البلاد.
أضافة تعليق