مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
فوز حركة النهضة و المفاهيم الإسلامية
علوي بن عبد القادر السقاف

هربَ طاغيةُ تونس، وسقطَ ديكتاتورُ مصر، وهلكَ طاغوتُ ليبيا، وسيتبعهم نصيريُّ سوريا بإذن الله، وفرح المسلمون بذلك، وحُقَّ لهم أن يفرحوا، كيف لا يفرح المسلم بزوال الطغيان؟! كيف لا يفرح المؤمن بزوال الظلم والاستعباد؟! من لم يفرح بذلك فليشكَّ في دينه أو عقله.

وبعيداً عن الخوض في تداعيات هذه الثورات، فالمؤمَّل أن يكون هذا السقوط في صالح المسلمين إن شاء الله، فرفعُ الظلم والاستعباد الذي وصل في بعض هذه الدول إلى التضييق في العبادات، وإظهار الكفر البواح، لا شك أن فيه خيرٌ كبيرٌ للإسلام والمسلمين، بعد أن ظلَّ هذا الأمر عقوداً من الزمن حتى يئس كثيرون من تغييره {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

ثم رأينا بعد ذلك الهروبِ والسقوطِ والهلاكِ ظهورَ واجهاتٍ إسلامية، لم يكن لها أن ترى النور في ظلِّ الأنظمة السابقة، كالجماعات السلفية والإخوان المسلمين في مصر، وحزب النهضة في تونس، وفئامٌ من الإسلاميين في ليبيا، ولا شك أن هذا أيضاً مما يُفرح المسلمين الصادقين ويبهجهم، ويغيظ الله به قلوب الكافرين والمنافقين والعلمانيين.

والمتأمل لأوضاع المسلمين في فترة ما قبل سقوط هذه الأنظمة، وما آلت إليه الأوضاع الآن – رغم ما يكتنفها من مخاوف – لا يسعه إلا أن يتفاءل بأن أوضاع المسلمين في هذه البلدان ستكون إلى الأفضل -والله أعلم-، وليست الخشية الآن من صعود نظام كسابقه، فهذا زمن قد ولَّى، والشعوب لن تقبل به وسترفضه كرفض الشعب التركي لمصطفى أتاتورك جديد، بعد أن تنعمت بحكم أردوغان وحزبه، بل الخشية من ضياع المبادئ والثوابت والمسلَّمات، وتغيير المفاهيم، ففي العقود الماضية وتحت حكم الاستعباد والظلم، والكفر أحياناً ، كان المسلمون -وعلى رأسهم العلماء والدعاة- يدعون الناس إلى عقيدة صافية ومنهج واضح، ويأمَلُون ويؤمِّلُون الشعوب بحكم إسلامي نظيف، منبعه الكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة، تحكمه النصوص، ولا يهمل العقل ولا يغفل الواقع، وأعداء الإسلام يعرفون جيداً أنه لو حصل هذا فقد قامت قيامتهم، وقربت نهايتهم، إسلامٌ: شعارُه الحاكميةُ لله، ودثارُه الولاء والبراء، وذروةُ سنامه الجهاد في سبيل الله، إلا أنَّ الأمر الآن بخلاف ذلك إذ أصبحت الرايات تُرفع للعدل، والحرية والمساواة والتنمية، وليس اعتباطاً أن يكون اسم الحزب الحاكم في تركيا الآن هو (حزب العدالة والتنمية)، والحزب الفائز والذي سيحكم تونس قريباً حزب النهضة، شعاره والمكتوب تحت عنوانه: حرية -عدالة- تنمية([1])، فالخشية إذن فيضياع المفاهيم ونسيانها مع وصول هؤلاء للحكم، أمَّا مسألة فرح المسلم بفوز حزبٍ إسلاميٍ سُنِّي- ولو شَابَهُ تخليطٌ وضلالٌ - على نظام لا يعترف بشريعة الله، فهذا أمر لا نُزَايد عليه، وهو من الولاء والبراء الذي أمرنا الله به، وقد حكم عقوداً من الزمن خلفاءُ مسلمون لهم على المسلمين طاعة، وهم أهل بدع وأهواء، فلا شك أن فوز حزب (العدالة والتنمية) في تركيا على الحكم العلماني العسكري السابق مما يفرح المؤمن الصادق -رغم توجهاته الليبرالية-، ولا شك أن فوز (حركة النهضة) في تونس على اليساريين والعلمانيين كذلك، لكن هذا لا يمنعنا من الحديث عن حركة النهضة وزعيمها ووضعهما في ميزان النقد الشرعي، حفاظاً على المبادئ والمفاهيم الإسلامية الأصيلة، فحزب النهضة وإن كان يدعو إلى الإسلام وتطبيق شرائعه، وله جهود في ذلك يشكر عليها؛ إلا أنه حزب عقلاني يشوبه ما يشوب دعاة لبرلة الإسلام وأسلمة الليبرالية، وهذا الحكم ليس نابعاً من تصريحاتٍ حديثةٍ يمكن أن تُفسَّر على أنها تصريحات مرحلية للفوز في الانتخابات، بل هو مبني على مبادئ من صميم منهج الحزب، والذي كتبه في بياناته ووثائقه، وما صرَّح به رئيسه الأستاذ راشد الغنوشي، بل إنه صرَّح مؤخراً في مقابلة له في قناة (حَنِبَعَل)([2]) التونسية أنَّ ما يقول به الحزب الآن، هو ما كتبه قادة الحزب وهم في السجن والمنفى، وبين يدي الآن وأنا أكتب هذه الوريقات أكثر من عشرين كتاباً وبحثاً ومشاركة في ندوات ومؤتمرات وحوارات له، كتبها كلها وهو في المنفى، فلا يصحُّ أن يقال بعد ذلك إن هذه تصريحات مرحلية، بل صرَّح هو نفسه أن مثل هذا يعد نفاقاً، وأن كل ما يقوله الآن بعد فوز حزبه في الانتخابات كان يقوله اعتقاداً وقناعة، وأنه مسطورٌ في كتبه، وقد صدق، وهذا مما يميز الأستاذ الغنوشي، فهو صادق الكلمة، صريح في أقواله، جريء في عرض قناعاته، لا يتلون كما يتلون بعض السياسيين من الإسلاميين وغيرهم، والحق يقال إنَّ الرجل عقلية فذة، ومفكرٌ عميق لا يرده شيءٌ عن نقد أي فكر، ولو كان ممن هو محل إعجابه والثناء عليه، كالخميني والترابي وأضرابهما([3])، والرجل لديه وعي إسلامي جيد، وإنصافٌ في كثيرٍ من أقواله، وله أيضاً شطحٌ وشططٌ، وعقلنةٌ، وبُعدٌ عن المنهج الحق، وهو متأثرٌ تأثراً بالغاً بالديمقراطية الغربية مع نقده لكثير من تصرفات الغرب ومنهجيته، ومتأثرٌ بالثورة الإيرانية على يد الخميني، وبالحركة السودانية بقيادة الترابي، وبالمودودي مؤسس الجماعة الإسلامية بباكستان، وبالفكر العقلاني المعتزلي، وبالمنهج المميع المتساهل والذي يسمونه (الوسطي المعتدل)، وأنا أنصح المتمكن من العلم الشرعي الذي له اهتمام بالسياسة الشرعية أن يقرأ كتبه ويستفيد منها، وخاصة كتابه: (الحريات العامة في الدولة الإسلامية) ففيه خلاصة قناعاته، وموقف الحركة من مسائل السياسة الشرعية.
*لجينيات
أضافة تعليق