مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
نلوم الهند أم العرب؟!
هويدي 27-8-2001

عادت إلى الواجهة في الآونة الأخيرة قضية التعاون الاسرائيلي ـ الهندي، بعدما تزايدت أعمال العنف في كشمير، اثر الفشل الذي مني به لقاء القمة بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف ورئيس وزراء الهند اتال فاجبايي. وجاءت الاطلالة هذه المرة من باب التعاون الأمني ازاء ما سمي بـ«الخطر الاسلامي»، وهو ذات الباب الذي تسللت منه اسرائيل إلى دول عدة، بعضها اسلامية مثل اندونيسيا وجمهوريات آسيا الوسطى، محققة بذلك أهدافاً عدة، تتراوح بين الانتشار وتوسيع نطاق العلاقات، وبين تنفيذ المخططات الاستراتيجية، مثل تطويق ايران، والضغط على العالم العربي، كما هو الحاصل مع تركيا.
تسوِّق اسرائيل حكاية محاربة الارهاب الاسلامي، معتبرة أنها ذات خبرة في هذا المجال، وزاعمة بأنها تتعرض لذلك الارهاب المزعوم، الأمر الذي يقيم بينها وبين تلك الدول «المهددة» قاسماً مشتركاً يقتضي تبادل الخبرة والتنسيق والعمل المشترك.
لست واثقاً تماماً من جدوى فتح هذا الملف، بسبب الشعور بالاحباط واليأس، ازاء احتمالات اتخاذ موقف عربي يحمي المصالح الاستراتيجية للأمة، ويستخدم ما لدى العرب من أوراق وضغوط وتأمين تلك المصالح، وتحذير «الأصدقاء» من عقبة توسيع نطاق التعاون مع العدو التاريخي والاستراتيجي للأمة العربية.
إذ بعد النتائج الهزيلة التي خرجت بها الاجتماعات الأخيرة للوزراء العرب على مستوى الاعلام أو الخارجية، فقد تراجعت كثيراً فكرة التعويل على العمل العربي المشترك، وبدا استبعاد ذلك الاحتمال أحد دلائل الجدية والمسؤولية لتنفيذ أي فكرة مقترحة. بسبب من ذلك لم يعد الهدف من الكتابة هو الدعوة إلى اتخاذ موقف، وانما تواضع ذلك الهدف وتراجع، بحيث لم يعد يتجاوز الأمل في أن يفهم بعض العرب أي قضية على نحو صحيح. وبقيت المراهنة في اتخاذ موقف على تراكم المعرفة والخبرة وتفعيلها على مستوى التاريخ، وليس على شيء في الحاضر، حتى إشعار آخر على الأقل.
تاريخياً، الهند دولة جارة وصديقة للعالم العربي، وحجم المصالح التي لها في ذلك العالم كبير ولا يمكن الاستهانة بها، ولا تحتمل الهند التضحية بها. ثم ان علاقة الهند بالعالم الاسلامي حساسة بسبب وجود أكثر من 120 مليون مسلم فيها.
ولا ينسى أن القادة الهنود كان لهم موقفهم النزيه من الصراع العربي ـ الاسرائيلي منذ وقت مبكر، ولا ينسى في هذا الصدد موقف المهاتما غاندي الذي رفض فيه فكرة اقامة وطن لليهود على أرض فلسطين، في عام 1938، وقال في هذا الصدد «ان عطفي على اليهود لا يعميني عن رؤية متطلبات العدالة»، وتأكيده على أن فلسطين للعرب بقدر ما أن انجلترا للانجليز وفرنسا للفرنسيين، وهو النهج الذي التزم به خلفاؤه من بعده.
صحيح أن الهند اعترفت باسرائيل في عام 1950، عقب اعتراف دولتين اسلاميتين هما تركيا وايران الشاه، لكنها حوت علاقاتها مع تل أبيب على التبادل التجاري والثقافي، وظلت رافضة فكرة اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع تل أبيب، خصوصاً بعد قيامها بدور نشيط في حركة عدم الانحياز ابان الخمسينيات. وفي عام 66 رفضت الحكومة الهندية السماح لزلمان شازار الرئيس الاسرائيلي بالنزول من طائرته حين توقفت في مطار نيودلهي، وهي في طريقها إلى احدى الرحلات الآسيوية، الأمر الذي كان بمثابة اهانة للرئيس الاسرائيلي ابتلعتها تل أبيب آنذاك، حتى لا تعكر صفو علاقاتها التي كانت تنسج في هدوء مع الهند.
اللافت للنظر في هذا السياق ان العلاقات الدبلوماسية أقيمت بشكل كامل بين البلدين في عام 92، أي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان بدوره حليفاً قوياً للهند، وحين انهار النظام العربي وتكشفت عوراته، اثر احتلال العراق الكويت. وبوسعنا أن نقول الآن انه منذ ذلك الحين قررت الهند أن تحدث تحولاً جوهرياً في سياستها الخارجية، فاعتبرت أن الولايات المتحدة هي القوة التي ينبغي أن تعول عليها وتتحالف معها، وأدركت أن العالم العربي ليس القوة التي يمكن يعمل لها حساب أو اعتبار. ولا ينسى أيضاً أن تلك الفترة كانت بدايات التلويح بفزاعة «الخطر الاسلامي»، وهو الاختراع لذي أسهمت اسرائيل في تسويقه بقوة وهي تبحث عن دور يبقي على مكانتها في الاستراتيجيات الغربية، بعد سقوط الشيوعية، التي اعتبرت اسرائيل منذ انشائها جداراً يحول دول زحفها على الشرق العربي وتهديدها للمصالح الغربية فيه، وهو الدور الذي حرصت اسرائيل على استمرار نهوضها به بعد زوال الخطر الشيوعي، بترويجها لحكاية الخطر الاسلامي وتهديده المفترض لتلك المصالح.
وإذ تنامت بوتيرة متسارعة العلاقات الهندية ـ الاسرائيلية بعد عام 92 بوجه أخص، فان ذلك لا يمكن عزله عن تحول دفة السياسة الخارجية الهندية باتجاه واشنطن. إذ لم يعد سراً أن الهند أصبحت تتطلع إلى توثيق علاقاتها مع واشنطن. حدث ذلك في مصر مع الرئيس السادات بعد طرد الخبراء الروس ودخول الولايات المتحدة على الخط، ومع موريتانيا حين توترت علاقاتها مع فرنسا واتجهت إلى واشنطن، ومع جمهوريات آسيا الوسطى التي خرجت من الهيمنة السوفيتية وتعلقت أبصارها بواشنطن... إلخ.
تطور التعاون بين دلهي وتل أبيب واتسع نطاقه، حتى لم يعد سراً أن اسرائيل كان لها دورها في الاعداد للتفجير النووي الهندي في عام 98. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا ان المجال العسكري والاستخباراتي هو أهم ميادين التعاون الآن. فالهند حريصة على ذلك بسبب التحدي الباكستاني المؤيد من الصين، واسرائيل أشد حرصاً بسبب تطلعاتها في المحيط الهندي والضغوط التي تريد ممارستها على ايران، وقلقها من التطور النووي في باكستان، واحتمالات ما يسمى بالقنبلة الذرية الاسلامية ناهيك من أن اسرائيل بدخولها إلى الهند فانها تضعف بالضرورة علاقات الأخيرة بالعالم العربي.
وفضلاً عن هذا وذاك فان اسرائيل في الهند، وهي تساعدها في مسألة كشمير، ربما أصبحت في موقع يمكنها من مراقبة الموقف في أفغانستان (لاحظ أن الهند تدعم المعارضة الأفغانية)، ورصد تحركات ابن لادن وجماعته، ومن ثم اسداء خدمة لا تنسى للولايات المتحدة.
في التدليل على ذلك التعاون، فانني اقتبس هنا بعضاً من فقرات من نشرة «فورين ريبورت» التي تصدرها في بريطانيا مجموعة «جينس» التي تعتبر مرجعاً عالمياً في الشؤون الدفاعية. في عام 98 اذاعت النشرة تقريراً عن التعاون الأمني بين الهند واسرائيل قالت فيه ان اسرائيل تزود الهند بمعلومات استخباراتية عن باكستان، مصدرها قمر التجسس الصناعي الاسرائيلي. وفي المقابل فان الهند تسمح لخبراء التجسس الاسرائيليين باستخدام أراضيها لتنفيذ مهمات خاصة بهم. وذكرت النشرة أن التعاون مع الهند يتم على ثلاثة مستويات في اسرائيل هي: جهاز الموساد (الاستخباراتي) والاستخبارات العسكرية، ووزارة الدفاع التي تسعى إلى بيع الأسلحة إلى نيودلهي.
كانت اسرائيل قد أطلقت في عام 95 قمراً صناعياً للتجسس (افق - 3) قادراً على رصد الأراضي الايرانية والعراقية والسورية. وحسب النشرة فان وحدة تابعة للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، تضم خبراء في الرصد، حصلت على اذن باستخدام الأراضي الهندية منطلقاً لمراقبة أهداف تهمها في المنطقة. ولا يقف الأمر عند حدود الانتشار في مقاطعة كشمير، وانما لاسرائيل اهتمامها الخاص بالنشاط النووي الباكستاني، ويقلقها احتمال تسرب الخبرة الباكستانية في هذا المجال للايرانيين.
الزيارة التي قام بها لتل أبيب في صيف العام الماضي وزير داخلية الهند لال كريشنا ادفاني، المعروف بعدائه الشديد للمسلمين، تلقي مزيداً من الضوء على طبيعة العلاقات التي أصبحت تربط بين الطرفين. فخلال الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام (من 13 - 16 يونيو/ حزيران) اجتمع وزير الداخلية الهندي مع كبار مسؤولي الاستخبارات الاسرائيلية في تل ابيب. ورأس الجانب الاسرائيلي في المحادثات رئيس الشرطة الاسرائيلية يهودا ويلك وضم الوفد رؤساء «الموساد» و«الشاباك» والمسؤولين العسكريين في الأنشطة المعلوماتية المتعلقة بالعالم العربي.. ذلك فضلاً عن خبراء وزارتي الدفاع والداخلية. وكان ادفاني قد صحب معه فريقاً كبيراً يضم خبراء على مستوى عال في مجال التجسس، مثل مدير مكتب الاستخبارات شيامال دوتا ومدير المكتب المركزي للتحقيقات ر.ك. راغافان ورئيس قوات أمن الحدود الهندية أ.م رام موهان ووكيل أول وزارة الداخلية الهندي ك. باندي الذي يشرف على عمل وكالة الاستخبارات الهندية «راو» وينسق مع الخارجية الهندية فيما يتعلق بالوكلاء السريين لجهاز الاستخبارات الهندية في سفارات الهند بالخارج وأحد كبار مسؤولي جهاز الاستخبارات العسكرية الهندي.
وطبقاً للمعلومات التي عرفت عن الاجتماع فان الجانب الهندي قدم قائمة طويلة للمشتريات في مجالات التجسس في الأسوار الالكترونية وأنظمة الليزر والصواريخ قصيرة المدى إلى وسائل تحسين الرؤية اثناء الليل والطائرات بدون طيار. كما طلب الاسرائيليون الاطلاع على التقارير السرية لدبلوماسيي الهند في الخارج. وأعرب الجانب الهندي عن استعداده السماح للعملاء الاسرائيليين بدخول الوحدة المركزية لتشغيل أجهزة الاستخبارات الهندية التي أنشئت في الهند مؤخراً، بمساعدة اسرائيل والولايات المتحدة.
ذلك كله يحدث والعرب ساكتون، ويتفرجون، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عما إذا كنا نلوم الهند لأنها ادارت ظهرها للعرب، أم نلوم العرب الذين لم يتحروا مصالحهم ولم يتخذوا موقفاً حازماً من التصرفات الهندية، أو لأنهم أصبحوا بلا موقف بالأساس؟
أضافة تعليق