ريمي اديكويا
الاربعاء 21 ذو القعدة 1432 الموافق 19 أكتوبر 2011
ترجمة/ حسن شعيب
هذا الشهر، تحتفل نيجيريا، الدولة الإفريقية الأكثر سكانًا في القارة، بالذكرى الحادية والخمسين للاستقلال. برغم ذلك، فإن معظم النيجيريين لا يشعرون بأجواء الاحتفالات؛ لأن البنية التحتية للبلاد في حالة مزرية، كما هو النظام الصحي، ونظام التعليم، وشبكة إمدادات الطاقة، فضلًا عن الجريمة المنظمة، والإرهاب المحلي الذي يتفشى ويتزايد، حتى أضحت مشكلة الفساد في البلاد أسطورية.
صحيحٌ أن نيجيريا تشهد بعض الإيجابيات التي تستحق الذكر؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي وبشكل أسرع في السنوات القليلة الماضية بمعدل 6 ٪ سنويًّا، إلا أن صندوق النقد الدولي يقول: إن الناتج المحلي الإجمالي في البلاد لا يزال يحتل مرتبة متدنية، وهي 141 من أصل 183 دولة، برغم ما تنعم به نيجيريا من موارد طبيعية وفيرة مثل النفط الخام والغاز الطبيعي.
ومن المفارقة أن تسمع بعض النيجيريين يقولون، في وقت الاحتفال بذكرى الاستقلال: كان لابد أن يظل البريطانيون في حكم البلاد لفترة أطول حتى نصبح ’’مستعدين بشكل أفضل’’ للاستقلال، وهم يستشهدون على منطقية ذلك بجنوب أفريقيا، البلد الذي استمر فيه حكم البريطانيين لفترة أطول، لكنها أصبحت الدولة الأغنى والأفضل نموًّا في القارة.
بيدَ أننا إذا رجعنا إلى بداية الستينات، نجد أن زعماء نيجيريا كانت لديهم القدرة على وضع الدولة على طريق التنمية، مستغلين ما لديهم من الموارد، والتي كانت تعتمد أساسًا على الزراعة والتصنيع. وبالفعل استطاعوا بناء العديد من المستشفيات والمدارس وتمهيد الطرق في ذلك الوقت، برغم وجود الفساد، لكنه كان مطاقًا ومحتملًا، كما عاشت البلاد طفرة اقتصادية في السبعينات بعد اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، إلا أن هذا أيضًا بدأ ينهار رويدًا رويدًا.
لم يكن حكام نيجيريا، ذهنيًّا، مستعدون لهذه الثروة، وهذا ما كشف عنه الجنرال ياكوبو جوون، الحاكم العسكري (1966- 1975)، الذي قال ذات مرة لأحد المراسلين الأجانب: إن ’’المشكلة الوحيدة في نيجيريا هي كيفية إنفاق هذه الثروات التي تمتلكها’’.
ثم بدأت نيجيريا في إهمال الزراعة والصناعة، وأصبحت تعتمد بشكل كامل في اقتصادها على النفط، وسرعان ما تم تجاهل الأساسيات الاقتصادية التي كفلت التنمية للبلاد في العقد الأول من الاستقلال، وأصبحت عائدات النفط الشغل الشاغل للنخبة الحاكمة.
الأدهى من ذلك أن الفساد المؤسسي أصبح شريان الحياة السياسية في الحكومات المتعاقبة، حتى انخرط معظم المجتمع النيجيري في عملية الفساد، بل إنهم فقدوا شعورهم بالغضب ضد الفساد.
ومثالًا على ذلك، حينما تتحدث إليهم متمنيًا وجود سياسيين أمناء في سدة الحكم حتى يتمكنوا من إيقاف عمليات نهب البلاد، فإنهم على الأرجح سيهبون قائلين بأنك تضيع وقتهم في مثل هذه التفاهات لأنهم على يقين بأن هذا لن يحدث أبدًا في نيجيريا، وربما يقول أحدهم: ’’لا تكن أحمق، فإذا ما حصل المرء منا على فرصته في أي وقت، فإنه سيسرق ما يستطيع’’.
كيف يمكن بناء دولة فاعلة إذا كان الناس لديهم مثل هذه المنهج؟
هناك عبارة كثيرًا ما تتكرر في الأروقة، وهي صحيحة: ’’نيجيريا بحاجة إلى مؤسسات قوية، وليس إلى رجل قوي’’، وقد تقدم العالم الغربي، لأنه كانت لديه القدرة على إنشاء المؤسسات والقوانين التي تساعد في الحفاظ على مراقبة الجانب الشرير في مواطنيها، وبدون أن تقوم مثل هذه المؤسسات والجمعيات بدورها فإن القوي سيلتهم الضعيف.
من المؤكد أن النيجيريين بحاجة إلى أن يفتشوا داخل مجتمعهم حتى يتسنى لهم معرفة ما يضر بتقدم البلاد، وينبغي على الشعب النيجيري أن يوجه النقد واللوم، الذي طالما عانوا من فقدانه، لبعض المعايير والتصرفات الثقافية، لأنه بدون الاعتراف بنقاط الضعف الموجودة فيهم والعمل على تفاديها، فإن المجتمع النيجيري لن يستطيع أن ينشئ مؤسسات فاعلة، ذات دور إيجابي في الدولة.
علاوة على ذلك، يبدو أن الفساد لا يعد العامل الوحيد الذي يعوق تقدم نيجيريا: فهناك عوامل أخرى، مثل ثقافة سوء الصيانة في البلاد، فإذا ما شيدت مكتبًا جديدًا اليوم في نيجيريا، سيبدو بعد مرور عام وكأنه شيد قبل عقد من الزمن، فما بالك أو ماذا تتوقع ما عليه حال الطرق والجسور والمستشفيات؟
كما أن المجتمع النيجيري نفسه يعد عائقًا أمام تقدم البلاد، لأنهم ما زالوا يقبلون أوضاعًا غير صحيحة ومناسبة، فربما يكون المجتمع النيجيري يحارب شرور تجارة الرقيق، إلا أنهم لا ينتبهون إلى استخدام ملايين الأطفال في ما يسمى بـ ’’عمالة المنازل’’ في نيجيريا، والذين، بحكم الواقع، يُعتبرون عبيدًا، حيث لا يسمح لهم على الإطلاق بالتعليم أو الحصول على فرصة حياة أفضل تجعل منهم مواطنين مؤثرين ومنتجين، بل إنهم في كثير من الأحيان لا يتقاضون رواتب مقابل عملهم، وإذا كانوا محظوظين فإنهم يُطعمونهم.
وحتى تستطيع نيجيريا أن تنجو من عثرتها، وتسعى قدمًا نحو التقدم، لابد أن تدرك أنها بحاجة إلى ثورة في نهج حكامها لإدارة البلاد، كما أنها بحاجة أيضًا إلى إحداث ثورة في نهج شعبها للمواطنة، فلا يفترض بهم قبول أن يكون المرء غير أمين في تعاملاته التجارية لأن ’’الجميع يفعل ذلك’’.
*المسلم
الاربعاء 21 ذو القعدة 1432 الموافق 19 أكتوبر 2011
ترجمة/ حسن شعيب
هذا الشهر، تحتفل نيجيريا، الدولة الإفريقية الأكثر سكانًا في القارة، بالذكرى الحادية والخمسين للاستقلال. برغم ذلك، فإن معظم النيجيريين لا يشعرون بأجواء الاحتفالات؛ لأن البنية التحتية للبلاد في حالة مزرية، كما هو النظام الصحي، ونظام التعليم، وشبكة إمدادات الطاقة، فضلًا عن الجريمة المنظمة، والإرهاب المحلي الذي يتفشى ويتزايد، حتى أضحت مشكلة الفساد في البلاد أسطورية.
صحيحٌ أن نيجيريا تشهد بعض الإيجابيات التي تستحق الذكر؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي وبشكل أسرع في السنوات القليلة الماضية بمعدل 6 ٪ سنويًّا، إلا أن صندوق النقد الدولي يقول: إن الناتج المحلي الإجمالي في البلاد لا يزال يحتل مرتبة متدنية، وهي 141 من أصل 183 دولة، برغم ما تنعم به نيجيريا من موارد طبيعية وفيرة مثل النفط الخام والغاز الطبيعي.
ومن المفارقة أن تسمع بعض النيجيريين يقولون، في وقت الاحتفال بذكرى الاستقلال: كان لابد أن يظل البريطانيون في حكم البلاد لفترة أطول حتى نصبح ’’مستعدين بشكل أفضل’’ للاستقلال، وهم يستشهدون على منطقية ذلك بجنوب أفريقيا، البلد الذي استمر فيه حكم البريطانيين لفترة أطول، لكنها أصبحت الدولة الأغنى والأفضل نموًّا في القارة.
بيدَ أننا إذا رجعنا إلى بداية الستينات، نجد أن زعماء نيجيريا كانت لديهم القدرة على وضع الدولة على طريق التنمية، مستغلين ما لديهم من الموارد، والتي كانت تعتمد أساسًا على الزراعة والتصنيع. وبالفعل استطاعوا بناء العديد من المستشفيات والمدارس وتمهيد الطرق في ذلك الوقت، برغم وجود الفساد، لكنه كان مطاقًا ومحتملًا، كما عاشت البلاد طفرة اقتصادية في السبعينات بعد اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، إلا أن هذا أيضًا بدأ ينهار رويدًا رويدًا.
لم يكن حكام نيجيريا، ذهنيًّا، مستعدون لهذه الثروة، وهذا ما كشف عنه الجنرال ياكوبو جوون، الحاكم العسكري (1966- 1975)، الذي قال ذات مرة لأحد المراسلين الأجانب: إن ’’المشكلة الوحيدة في نيجيريا هي كيفية إنفاق هذه الثروات التي تمتلكها’’.
ثم بدأت نيجيريا في إهمال الزراعة والصناعة، وأصبحت تعتمد بشكل كامل في اقتصادها على النفط، وسرعان ما تم تجاهل الأساسيات الاقتصادية التي كفلت التنمية للبلاد في العقد الأول من الاستقلال، وأصبحت عائدات النفط الشغل الشاغل للنخبة الحاكمة.
الأدهى من ذلك أن الفساد المؤسسي أصبح شريان الحياة السياسية في الحكومات المتعاقبة، حتى انخرط معظم المجتمع النيجيري في عملية الفساد، بل إنهم فقدوا شعورهم بالغضب ضد الفساد.
ومثالًا على ذلك، حينما تتحدث إليهم متمنيًا وجود سياسيين أمناء في سدة الحكم حتى يتمكنوا من إيقاف عمليات نهب البلاد، فإنهم على الأرجح سيهبون قائلين بأنك تضيع وقتهم في مثل هذه التفاهات لأنهم على يقين بأن هذا لن يحدث أبدًا في نيجيريا، وربما يقول أحدهم: ’’لا تكن أحمق، فإذا ما حصل المرء منا على فرصته في أي وقت، فإنه سيسرق ما يستطيع’’.
كيف يمكن بناء دولة فاعلة إذا كان الناس لديهم مثل هذه المنهج؟
هناك عبارة كثيرًا ما تتكرر في الأروقة، وهي صحيحة: ’’نيجيريا بحاجة إلى مؤسسات قوية، وليس إلى رجل قوي’’، وقد تقدم العالم الغربي، لأنه كانت لديه القدرة على إنشاء المؤسسات والقوانين التي تساعد في الحفاظ على مراقبة الجانب الشرير في مواطنيها، وبدون أن تقوم مثل هذه المؤسسات والجمعيات بدورها فإن القوي سيلتهم الضعيف.
من المؤكد أن النيجيريين بحاجة إلى أن يفتشوا داخل مجتمعهم حتى يتسنى لهم معرفة ما يضر بتقدم البلاد، وينبغي على الشعب النيجيري أن يوجه النقد واللوم، الذي طالما عانوا من فقدانه، لبعض المعايير والتصرفات الثقافية، لأنه بدون الاعتراف بنقاط الضعف الموجودة فيهم والعمل على تفاديها، فإن المجتمع النيجيري لن يستطيع أن ينشئ مؤسسات فاعلة، ذات دور إيجابي في الدولة.
علاوة على ذلك، يبدو أن الفساد لا يعد العامل الوحيد الذي يعوق تقدم نيجيريا: فهناك عوامل أخرى، مثل ثقافة سوء الصيانة في البلاد، فإذا ما شيدت مكتبًا جديدًا اليوم في نيجيريا، سيبدو بعد مرور عام وكأنه شيد قبل عقد من الزمن، فما بالك أو ماذا تتوقع ما عليه حال الطرق والجسور والمستشفيات؟
كما أن المجتمع النيجيري نفسه يعد عائقًا أمام تقدم البلاد، لأنهم ما زالوا يقبلون أوضاعًا غير صحيحة ومناسبة، فربما يكون المجتمع النيجيري يحارب شرور تجارة الرقيق، إلا أنهم لا ينتبهون إلى استخدام ملايين الأطفال في ما يسمى بـ ’’عمالة المنازل’’ في نيجيريا، والذين، بحكم الواقع، يُعتبرون عبيدًا، حيث لا يسمح لهم على الإطلاق بالتعليم أو الحصول على فرصة حياة أفضل تجعل منهم مواطنين مؤثرين ومنتجين، بل إنهم في كثير من الأحيان لا يتقاضون رواتب مقابل عملهم، وإذا كانوا محظوظين فإنهم يُطعمونهم.
وحتى تستطيع نيجيريا أن تنجو من عثرتها، وتسعى قدمًا نحو التقدم، لابد أن تدرك أنها بحاجة إلى ثورة في نهج حكامها لإدارة البلاد، كما أنها بحاجة أيضًا إلى إحداث ثورة في نهج شعبها للمواطنة، فلا يفترض بهم قبول أن يكون المرء غير أمين في تعاملاته التجارية لأن ’’الجميع يفعل ذلك’’.
*المسلم