مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الإرهاب تتعدد أسبابه واختطاف الإسلام لعبة إعلامية
هويدي 26-11-2001

اسئلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (ايلول ) ما برحت تتردد بقوة في ساحتنا الفكرية، مثيرة جدلا واسعا في انحاء العالم العربي على الاقل. فقيل، حين طرحت اسئلة عديدة حول مصير الحالة الاسلامية بعد الذي جرى: وهل نحن بصدد انكسار وهزيمة ساحقة لدعاة المشروع الاسلامي، وما أسماه البعض «67 الاسلاميين»؟ أم لا؟ ولاحقا اثيرت تساؤلات أخرى حول موقف المسلمين الامريكيين، وأقرانهم الذين يعيشون في الغرب، والعلاقة بين الانتماء للجماعة الدينية والجماعة الوطنية، وكيفية التوفيق بين مقتضيات الانتماءين. وأخيرا تابعنا حوارا حول أسباب الارهاب وآخر حول ما سماه البعض باختطاف المتطرفين للاسلام في بعض الاقطار العربية.
لقد سجلت في هذا المكان رأيا في خصوص الموضوعين الاولين، واستأذن هذه المرة في المشاركة بالتفكير في المسألتين الاخيرتين، المتعلقتين بأسباب الارهاب وحكاية خطف الاسلام.
الذي أثار المسألة الاولى زميلنا الاستاذ عبد الرحمن الراشد، فيما كتبه يوم 20/11 معلقا على ما قاله مندوب السعودية الدائم لدى الامم المتحدة ـ السفير فوزي الشبكشي ـ في كلمته أمام المنظمة الدولية، وأشار فيه الى ان التطرف والعنف والارهاب من نتائج الظلم الفادح «بسبب غياب الحرية والعدالة» وهو الرأي الذي اعتبره الراشد مثيرا للانتباه والاستغراب، ورده بالحديث عن نماذج للعنف والارهاب لم تكن نتيجة لغياب الحرية والعدالة «مثل الجماعات التي ترتكب العنف باسم الدفاع عن الحيوان أو باسم مكافحة الاجهاض»، وقال في هذا الصدد «ان الارهاب مرض موجود في كل أنحاء المعمورة، وليس حصرا بين المظلومين، ولا بمنأى عن الذين يعيشون في نعيم العدالة». وهو رأى أيده في اليوم التالي الاستاذ سمير عطا الله، الذي أضاف نماذج أخرى لجماعات وأفراد مارست الارهاب، ولم تكن مظلومة ولا مقموعة، مثل «الالوية الحمراء» في ايطاليا و«بادر ماينهوف» في المانيا، وآخرين.
واذا جاز لي كي ادلي بدلوي في المناقشة فانني ألفت النظر الى أمور ثلاثة هي:
* ان التطرف غير الارهاب، فالتطرف في اللغة هو الوقوف في الطرف، اي انه اختيار شخصي لموقف يبتعد فيه المرء عن نقطة الوسط، أو الاعتدال، وهو ليس ضارا كله، لان كثيرا من المبدعين العظام، وأغلب الذين غيروا مسار التاريخ لم يكونوا مخلوقات وسطية، ولكنهم أناس من ذوي الرؤى النافذة والمواهب غير العادية، نذروا انفسهم لبلوغ مقاصد معينة، شخصية أو اجتماعية وتفانوا في محاولاتهم تلك، ولولا التطرف الذي طبع سلوكهم لما أخرجوا لنا إبداعاتهم أو حققوا انجازاتهم المختلفة، وهؤلاء هم رموز التطرف النبيل، اذا جاز التعبير، وهم يختلفون جذريا عن رموز التطرف الضار، الذي يختار من الآراء اكثرها تشددا، ومن المواقف اكثرها شذوذا، ويعمدون الى تعسير الدين والحياة على الناس، والى اتهام مخالفيهم بالفسق أو الكفر، وهذا التطرف الاخير ـ وأولى به سابقه ـ يختلف عن الارهاب، اذ في حين ان التطرف رأي وموقف متشدد في نهاية المطاف، الا ان الارهاب له خصلة أخرى، هي انه يستخدم العنف في محاولة التغيير، أي انه يتجاوز الرأي المتشدد الذي لزم المرء به نفسه، الى استخدام العنف الذي يعمد الى ترويع الاخرين، وفرض الرأي عليهم بالقوة.
ومشكلتنا مع التطرف مقدور عليها، حيث الرأي يفند ويقارع ويصوب برأي آخر، ولكن المشكلة الاكبر هي مع الارهاب الذي يهدد بما يحدثه من ترويع أمن المجتمع واستقراره.
* ان التطرف موجود في كل المجتمعات البشرية، والامريكيون يقولون ان هذا السلوك اذا ظل في حدود 5% من الناس، فانه لا ينبغي أن يبعث على القلق، حيث يظل ذلك جزءا من حيوية المجتمع وتنوع ايقاعاته، اما اذا تجاوز التطرف تلك الحدود فانه يغدو جديرا بالملاحظة والدراسة، حتى يمكن احتواؤه قبل أن يتحول الى ظاهرة سلبية في المجتمع، وحبذا لو نجحت جهود استثمار طاقات التطرف هذه ضمن مشروع المجتمع قبل أن يتحول طاقة ضارة بالمجتمع (المتطرفون في اسرائيل هم الذين يقيمون المستوطنات ويعيشون فيها، وهم أداة الدولة في الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين وأراضيهم، وهذا تطرف شرير من وجهة نظرنا لا ريب، لكنه يخدم المشروع الاستيطاني الاسرائيلي بامتياز).
* ان الناس كقاعدة ـ دعك من الاستثناءات ـ لا يولدون متطرفين ولا ارهابيين، ولكنهم يصبحون كذلك بفعل ظروف معينة. ومن الخطأ ارجاع ذلك السلوك الى سبب واحد يسري على كل المجتمعات، اذ الامر يختلف من مجتمع الى آخر. بل ان المجتمع الواحد قد تتغير فيه خرائطه من طور الى آخر، فيفرز متطرفين أو ارهابيين في طور، بينما ينجح في تقليص مساحة ذلك الجنوح في طور آخر.
وفي تجربتنا العربية فانه حيثما اتسع الهامش الديموقراطي تراجع التطرف والارهاب، والعكس صحيح، ولانني اخبر بالساحة المصرية فبوسعي ان اقول ان التطرف والارهاب لم تعرفهما مصر الا في ظروف الحكم العسكري والاستبداد السياسي، وحين اقترنت تلك الظروف باجواء الاحباط الاجتماعي وارتفاع معدلات البطالة، فان ذلك غذى بشدة التطرف والارهاب. واذا كان الاحباط السياسي والاجتماعي مصدرا مهما للارهاب والتطرف في مجتمعاتنا، فقد تكون لدى مجتمعات اخرى ظروف مغايرة تدفع نفرا من الناس الى الانقلاب على المجتمع والسخط على بعض الممارسات فيه، ومن المهم دراسة ظروف تلك المجتمعات للتعرف على التربة التي نبت فيها الارهاب.
بسبب من ذلك فما قاله السفير السعودي عن دور غياب العدل والحرية في تفريخ الارهاب صحيح، وما قاله الراشد في ان هناك ارهابا آخر ليس خارجا من تلك العباءة، صحيح ايضا. والخطأ الذي يقع فيه كل منهما يكمن في حال اذا اراد ان يعمم مقولته على الجميع مختزلا الارهاب في مصدر واحد. في حين اننا لو اعتبرنا ان للارهاب مصادر عدة، تختلف باختلاف ثقافة وظروف كل مجتمع لما وجدنا سببا لاستنكار ما قاله السفير الشبكشي، أو رفض ما احتج به الراشد.
آتي الى مقولة اختطاف المتطرفين للاسلام، ومصادرته لحسابهم، التي رددها البعض في العالم العربي، ووجدت المقولة هوى بين الاعلاميين الغربيين، الذين ناقشني اكثر من واحد منهم في مضمونها. والمقصود بالاختطاف ان المتطرفين استطاعوا ان يهيمنوا على مقاليد الخطاب الاسلامي، وان يقدموا انفسهم بحسبانهم الوجه الوحيد للاسلام.
في هذا الصدد قال لي قبل ايام دافيد هيرست ـ الصحافي الانجليزي المرموق ـ ان صوت المتطرفين اصبح الاعلى في الساحة الاسلامية، الامر الذي يوحي بأن الاعتدال في تراجع، وانه ينسحب الى الظل تدريجيا، بينما يستأثر المتطرفون بالضوء، جله أو كله.
قلت ان فكرة اختطاف المتطرفين للاسلام لا تخلو من تسرع وخفة. ذلك ان المتطرفين لايزالون قلة وظواهر استثنائية في اغلب اقطار العالم العربي. الدليل على ذلك انه ما من تجربة انتخابية خاضها المتطرفون جنبا الى جنب مع المعتدلين، الا وخسرها الاولون خسارة مهينة. المشكلة الحقيقية لا تكمن في ارتفاع صوت المتطرفين ولا في هيمنتهم على منابر الخطاب، وانما تكمن في ان الاعلام يفضل ان يسلط الضوء على هؤلاء الناس، سواء من باب الاثارة أو لتبيان شذوذهم، ومن باب استخدامهم لتشويه الصورة الاسلامية. وبينما يؤثر الاعلام تسليط اضوائه على المتطرفين، حيث لا يوجد شيء مثير في كلام المعتدلين، فان الاوضاع السياسية السائدة في اكثر اقطار العالم العربي لا تتيح للمعتدلين ان يعبروا عن مواقفهم لاسباب يطول شرحها، واغلب الظن ان الاغلبية تعرفها، بل اضيف ان ثمة انظمة حريصة على تسليط اكبر قدر من الاضواء على المتطرفين وسوءاتهم، كي تبرر امام الرأي العام الداخلي والعالمي ان السياسات القمعية التي تتبعها بحق اولئك «الاشرار» لها ما يبررها.
بل انه في بلد مثل بريطانيا لا نجد الاعلام يتحدث الا عن اثنين أو ثلاثة من اسوأ النماذج التي ابتلي بها العمل الاسلامي، لا لشيء إلا لأنهم يجدون فيهم نموذجاً ينفر من الاسلام ويسيء اليه، من ثم فانه يحقق لهم مرادهم بغير عناء، وكانت نتيجة ذلك ان صورة الاسلام في اذهان كثيرين أصبحت متأثرة بأقوال ومواقف اولئك المتطرفين، وفي حين يعيش في بريطانيا عدد غير قليل من الشخصيات الاسلامية الرصينة والمحترمة، الا ان هؤلاء يتجاهلهم الاعلام ولا يلقي لهم بالا. لذلك فان الذي يرى الاسلام من خلال الاعلام ينسى ان من ابنائه اناسا معتدلين أو محترمين، ولا تستقر في ذهنه سوى صورة اولئك الغلاة المنفرين من الاسلام واهله.
ولي تجربة شخصية في هذا الصدد، تتمثل في ان معدي الشريط التسجيلي «سيف الاسلام» الذي جرى انتاجه وبثه بعد قيام الثورة الايرانية، جاءوا الى القاهرة للقاء مجموعة من النماذج الاسلامية، وكنت والدكتور محمد عمارة من بين من التقوهم، ولان الكلام الذي قلناه كان خاليا من التحريض والتشنج والاثارة، فانه لم يعجب منتجي الشريط الذين ارادوا له ان يكون مثيرا وساخنا، وكانت النتيجة انهم حذفوا كلامنا من الشريط، وأبقوا على كلام المهيجين والمتشنجين.
بسبب من ذلك فانني ازعم ان مقولة اختطاف المتطرفين للاسلام تعبر عن فكرة فاسدة ومصطنعة، وهي لعبة مارسها الاعلام لكي يعطي انطباعا مزيفا بان المتطرفين هم أصحاب الصوت المعلي في الساحة الاسلامية. في حين انهم كذلك فقط في منابر الاعلام الباحث عن الاثارة أو المنحاز والمتصيد، وما يبرزه الاعلام ليس هو الحقيقة، انما هو تشويه للحقيقة وابتسار لها، يسلط الضوء على شجرة بذاتها، ويعرض عن رؤية الغابة المسكونة بالتسامح والاعتدال.
وهو أمر مؤسف لا ريب ان تنطلي الحيلة على بعض العرب، فيصدقون ما تبثه اجهزة الاعلام في هذا الصدد، ويتضاعف الاسف حين يكون من بين اولئك العرب نفر من المسؤولين، الذين لهم اسهامهم في صناعة القرار السياسي
أضافة تعليق