مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
فلسفة الخطأ.. ورحمة الإسلام
لطفي محمد الزوقة
المنهج الإسلامي ألطف المناهج بالناس وأكثر المناهج رحمة وشفقة على أخطاء البشر، كيف لا وهو دين رب العالمين ومنهجه، الذي قال عنه أفضل أنبيائه صلى الله عليه وسلم: ’’.. ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين’’ متفق عليه.
وكيف لا وهو منهج أفضل المرسلين الذي قال: ’’من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر’’ متفق عليه.
هذا الإسلام اللطيف الجميل يحاول البعض أن يصوره على أنه منهج دموي، وأتباعه يتوقون إلى جلد الظهور وقطع الأعضاء، وأنهم متشوقون لرؤية الأخطاء ليطبقوا الحدود.
كيف يصدق هذا وأتباع هذا المنهج الإسلامي يتداولون في منهجهم أنه ’’من أكمل السعادة تعظيم شعائر الله ثم التوجه بالشفقة على خلقه’’.
ويتدارسون قول نبيهم: ’’من قال اللهم اغفر لي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.. كتب له بكل نفس مسلمة حسنة’’، فكيف يتمنى لهم الأخطاء وهو يدعو لهم بالهداية والمغفرة؟!
وفي الوقت نفسه يحذر نفسه من مجرد سوء الظن في هذا المخطئ فيكرر على نفسه قول نبيه الكريم: ’’لا تشمت بأخيك فيرحمه الله ويبتليك’’ رواه الترمذي وحسَّنه.
فلنتعرف معًا على فلسفة الإسلام مع الخطأ، لنتعرف على رحمة الإسلام:
أولاً: إن الإسلام يرى أن الخطأ قدر من أقدار الله، ولا بد من احترام أقدار الله، وأن الله يجريها على عباده لنعلم مدى ضعفنا وعجزنا، فبقبح الخطأ وقصور الضعف البشري يظهر جمال الكمال الرباني؛ ولذلك قال ابن القيم: ’’أنين المستغفرين أحب إلى الله من زجل المسبحين’’.
فبصفات المخطئين تظهر صفات رب العالمين من المغفرة والرحمة والتوبة والحلم والعفو.
ثانيًا: أن الخطأ ليس معرة، واكتشافه والحديث فيه ليس مضرة، ما دام أنه يزجر من أجل أن نصل إلى الصواب، فالخطأ والصواب وجهان لعملة واحدة هي عمله الحياة.
ومن أجل تأكيد هذا المعنى نجد أن الخطأ يقع من أفاضل الناس، وأكابر الصحابة، حتى أن العلماء اختلفوا في عصمة النبي فقال بعضهم- وهوالأصوب– إنه معصوم في أمور الرسالة والتبليغ عن رب العالمين، والكبائر، أما في الأمور الحياتية والمعيشية والاجتماعية فهو بشر، وليس أدل على ذلك من حديث تأبير النخل- حين أمر النبي الصحابة بترك تلقيح النخل بأنفسهم فلم ينتج في هذا العام- وسورة عبس.
وقد يقع الصحابي الفاضل في خطأ واضح كما حدث من أبي ذر مع بلال حين قال له: يا ابن السوداء، ومن حذيفة بن اليمان مع خادمه حين ألقى الكأس في وجهه لما طلب منه كأس ماء فجاءه بكأس من فضة. كما ثبت ذلك عند البخاري.
لذا قال التابعي الجليل جبير بن نفيل: لقد استقبلت الإسلام من أوله فلم أزل أرى في الناس صالحًا وطالحًا’’ وقال سعيد بن المسيب في قاعدة من قواعد الجرح والتعديل: ’’ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله’’.
ثالثًا: إن الأصل في التعامل مع الأخطاء هو الستر وليس الفضح، أو الرفع إلى الحاكم
فمن رأى شخصًا على خطأ، ولو كان مما يوجب الحد، فالأصل أن يستره ما لم يكن قصد صاحب الخطأ نشره بين الناس؛ كالقوادين، والمجاهرين المصرِّين، وتجار المخدرات.
وما لم يترتب على هذا الخطأ ضرر جسيم بعد نصح وتعليم، أو خيانة عظمى تضرر بعموم البلاد.
ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم حين يأتيه شخص بخطأ موجب للحد، يحاول أن يدفعه عنه ويلقنه حجة الخروج من الخطأ، كما في قصة ماعز رضي الله عنه الذي زنا، بل يزجر الشهود حين يأتونه فرحين بإثبات تهمة على رجل، فعن ابن مسعود أنه قال: أتى أناس برجل للنبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فغضب النبي وقال: ’’إنا نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به’’ رواه أبو داود، وقال النووي: صحيح على شرط البخاري ومسلم. وهذا على عكس النيابات وممثلي الادعاء في القوانين الوضعية ينصبون الفخاخ للمخطئين لإيقاعهم في العقوبة.
رابعًا: أن العقوبات الشرعية المقررة لعلاج أخطاء البشر هي منزَّلة من رب البشر، والله أعلم بما يصلح عباده وهو أرحم بهم من أنفسهم بأنفسهم، فلا يجب الاعتراض عليها بهذه الصورة الفجة من قبل وسائل الإعلام، قبل وضعها في إطارها الحقيقي الذي أوضحناه.

هذا هو منهجنا الإسلامي، فأنصفوا يا معارضين، وافقهوا يا مؤيدين، وأحسنوا العرض يا مدافعين. والسلام عليكم أجمعين.
أضافة تعليق