هويدي 25-6-2001
هذه قضية مثارة في الكويت لكن ازعم انها تهم المسلمين جميعا، فقد تقدم احد اعضاء مجلس الامة الى وزير الداخلية بسؤال استنكاري تعلق باقامة معبد «للسيخ» في احدى الضواحي، وقال: كيف حدث ذلك في بلد مسلم؟. ونشرت الصحف ان عدد الهنود المنتسبين الى طائفة السيخ بالكويت 13 الفا، وانهم موجودون هناك منذ حوالي خمسين سنة، وكانوا يمارسون طقوس عباداتهم طيلة تلك المدة، لكن المعبد الذي جرى حوله اللغط مقام منذ عام 1985.
نشرت الصحف ايضا معلومات عن متابعة بعض السلفيين لما يجري في المعبد، وكيف انهم زاروه وتفقدوا محتوياته مرة، وان بعضا منهم سعى الى قطع التيار الكهربائي عنه، ضمن جهود اخرى بذلت للتضييق على المترددين عليه، ادت الى وقف الطقوس الدينية التي تمارس فيه صبيحة كل يوم جمعة.
السؤال الذي وجه الى وزير الداخلية من شقين، احدهما يستفسر عما اذا كان المعبد قد حصل على ترخيص من البلدية أم لا، والثاني وهو الاهم يستنكر مبدأ السماح باقامة معبد «لعبدة الاوثان» في مجتمع المسلمين، وفي سياق التصريحات التي ادلى بها المسؤولون حول الموضوع قال رئيس المجلس البلدي «اننا مهتمون بالامر، ولن نسمح بالاعتداء على القوانين العامة، أو المساس بحرمة الدين الاسلامي».
وبطبيعة الحال، فقد ادلى بعض الكتاب بدلوهم في الموضوع من زوايا مختلفة، ومن ابرز ما نشرته الصحف في استنكار وجود المعبد، تعليق لاحد منظري التيار السلفي، الاستاذ حامد عبد الله العلي، تحت عنوان «في جزيرة الايمان تعبد الاوثان» (الوطن 6/16)، وفيه قرر «ان الواجب شرعا منع أي طائفة ضالة تدين بالشرك، من اقامة معابد لهم في الكويت» واستند في هذا الحكم الى حجتين هما:
* ان الشريعة تحرم اقامة أي معبد في بلاد الاسلام، الا ما كان اصلا موجودا عند فتح المسلمين لبلاد اهل الوثنية، فيسمح لهم بعبادتهم داخل معابدهم كما سمح للمجوس، دون اظهار شيء من شعائر دينهم في البلاد التي ظهر عليها دين الاسلام.
* لان الكويت جزء من جزيرة العرب، وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام انه امر بأن لا يبقى دينان في تلك الجزيرة، التي هي مهد الاسلام ومهبط الوحي وقلعة التوحيد، فلا يصح ان يكون فيها الا المساجد التي يعبد فيها الله وحده.
خلص الكاتب بعد ذلك الى انه «بناء على ما تقدم، يجب منع انشاء أي معبد تعبد فيه الاوثان في الكويت. فالشريعة الاسلامية تحرم تمكين أتباع أي طائفة من نصب وثن لهم في معبد يرتادونه لاداء طقوس شركهم وديانتهم الضالة، وحتى لو كان الدستور يسمح بذلك، فالواجب تغيير كل ما فيه مما يخالف الشريعة الاسلامية».
هذا الكلام اعتبره بعض الكتاب رأيا فقهيا و«فتوى» تمنع إقامة معبد السيخ أو غيرهم من ابناء الطوائف الاخرى غير المسلمين، ومن ثم فانهم اخذوه على محمل الجد، وراحوا يناقشونه، ويقلبون احتمالاته، واستغربت ان احدا لم يحاول ان يدقق في الحجتين اللتين تم ايرادهما والاستناد اليهما في الدعوة الى اغلاق معبد السيخ، بحيث يتثبت مما اذا كانت الحجتان صحيحتين. لانني ازعم ان فيهما نظر لماذا؟
فالقول بأن الشريعة تحرم اقامة أي معبد في بلاد الاسلام الا ما كان موجودا عند الفتح ظاهر الخطل، لاننا حين نتحدث عن الشريعة فان الوصف ينصرف مباشرة الى ما شرعه الله لعباده في القرآن، أو أوحى به الى نبيه فيما نقل متواترا عنه، ولا نعرف نصا شرعيا من قرآن أو سنة دل على ذلك التحريم، بل اننا لا نعرف اجماعا بين فقهاء المسلمين على ذلك. وغاية ما يمكن ان يقال في صدد هذا الرأي انه رأي لافراد من المجتهدين استنبطوه حسب ما وصلت اليه عقولهم، وما احاط بهم من الظروف والاحوال والملابسات، من ثم فمثل تلك الاجتهادات لا تعد احكاما لازمة لوقائعها، ويجوز لاهل الاجتهاد في زمانهم أو في غير زمانهم ان يخالفوهم فيها، ومن الخطأ البين ان توصف بحسبانها رأي الشرع حيث لا حجة لها على أي احد، ولا تلزم الا اصحابها.
وقد سئل العز بن عبد السلام في مسألة جواز بناء الكنائس لاقباط مصر بعد الفتح، فرد مندهشا ومستنكرا وقائلا: ان الكنائس لم تبن الا بعد الفتح (لان البيزنطيين الذين ناصبوا القبط العداء ما كانوا ليسمحوا بها).
والحديث النبوي القائل بأنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب صحيح، لكن القول بأن المقصود بالجزيرة العربية هو تلك المنطقة الجغرافية المتعارف عليها بين الباحثين، يفتقد الى الدقة لان ذلك رأي واحد من بين آراء عدة عرفت المراد بجزيرة العرب في الحديث الشريف، وفي «فتح الباري» (ج6ص 197) استعراض واف لما قاله أئمة اللغة والفقه في هذه المسألة اقتبس منه النص التالي: قال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب فقال: مكة والمدينة واليمامة واليمن. وقال يعقوب: والعرج أول تهامة.
وقال الزبير بن بكار في «اخبار المدينة» اخبرت عن مالك عن ابن شهاب قال: جزيرة العرب «المدينة». قال الزبير: قال غيره جزيرة العرب ما بين العذيب الى حضرموت، قال الزبير: وهذا أشبه، وحضرموت آخر اليمن، وقال الخليل بن احمد: سميت جزيرة العرب لان بحر فارس وبحر الحبشة والفرات ودجلة احاطت بها، وهي أرض العرب ومعدنها. وقال أبو عبيد: من اقصى عدن الى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها من الساحل الى اطراف الشام عرضا.
وقال الاصمعي جزيرة العرب ما بين اقصى عدن ابين الى ريف العراق طولا، ومن جدة وما والاها الى اطراف الشام عرضا، وسميت جزيرة العرب لاحاطة البحار بها، يعني بحر الهند وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الحبشة، واضيفت الى العرب لانها كانت بأيديهم قبل الاسلام وبها أوطانهم ومنازلهم ولكن الذي يمنع المشركون من سكناه، منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على ان اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب، هذا مذهب الجمهور، وعن الحنفية يجوز مطلقا الا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة، وقال الشافعي لا يدخلون الحرم اصلا الا بإذن الامام لمصلحة المسلمين الخاصة.
كما رأيت فهناك آراء عدة توسع من وحدة جزيرة العرب بانها تمتد من عدن الى العراق طولا، ومن جدة الى اطراف الشام، ومنهم من يقصرها على المدينة المنورة، بينما رأى اخرون ان منطقة الحجاز هي المقصودة، وذلك رأي الجمهور.
والامر كذلك فما قال به الباحث الكويتي يختلف عن رأي الجمهور وينحاز الى رأي اخر وسع من مساحة جزيرة العرب المقصودة في الحديث النبوي، وهو رأي ليس قويا، ولم يعمل به قط لان غير المسلمين تواجدوا في اليمن والبحرين والشام ولم يقل احد بطردهم أو اغلاق دور عبادتهم.
لقد اعتمد الباحث على رأي استثنائي في الحجة الاولى، وعلى رأي ضعيف في الحجة الثانية، ثم تسرع وافتى بمنع السيخ من ممارسة عبادتهم في الكويت، مدعيا بأن ذلك رأي الشريعة الاسلامية، بينما الشريعة كما رأيت اوسع صدرا وارحب افقا واكثر رفقا بالناس، فلهؤلاء الحق في ان يمارسوا عباداتهم على أي نحو كانت، طالما انها تحترم خصوصيات المسلمين وتقاليدهم ولا تشكل عدوانا على مشاعرهم، وليس صحيحا انه لا يسمح الا باقامة المساجد وحدها، وانه لا يسمح لغير المسلمين بممارسة عباداتهم في الجزيرة العربية بمعناها الجغرافي، انما الامر لا يتجاوز حدود منطقة الحجاز لاسباب تتصل بمهبط الوحي وقاعدة انطلاق الرسالة.
ذلك من الناحية الشرعية، اما من الناحية الانسانية والحضارية، فليس مفهوما ان يستقدم بلد مسلم عمالة اجنبية من أي ملة كانت ويبقى افرادها مثلا نصف قرن في مجتمع للمسلمين ثم يقال لهم بعد ذلك انهم وثنيون وضالون، وينبغي ان يحرموا من التعبد حسب طقوس دينهم وتعاليمه.
وهؤلاء المفتون الذين يصدرون احكامهم بسرعة وجرأة يحسدون عليها، يرتكبون خطأين، احدهما في حق الدين والثاني في حق الدنيا، هم يخطئون في حق الدين حين يستنطقون الشرع بخلاف ما يدعو اليه، ويخطئون في حق الدنيا حين يديرون ظهورهم للعالم من حولهم، ويسقطون من اعتبارهم ان هناك ملايين المسلمين يعيشون في ظل دول غير مسلمة، ولو ان اولئك المسلمين ضيق عليهم بمثل التضييق الذي يحاول ان يمارسه هؤلاء على غير المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانينا، لكانت الخسارة في جانبنا اكبر ببساطة لان الاقليات المسلمة التي تعيش تحت انظمة غير اسلامية تضم مئات الملايين (في الهند وحدها 180 مليونا)، بينما غير المسلمين في اقطارنا اعدادهم محدودة للغاية.
واذا لم يكن اقتناعا بحق اولئك من غير المسلمين في حرية العبادة، فليكن موقفنا اكثر انصافا معهم، ولو لاسباب عملية (براجماتية) تتمثل في حرصنا على تمكين اخواننا المسلمين المقيمين في تلك البلدان غير الاسلامية، من ان يمارسوا عباداتهم بغير متاعب أو منغصات.
ان الحصرم الذي يزرعه البعض هنا، يحصده المسلمون مرا هناك ، اما التشوه والاذى الذي يصيب الدين ذاته فحدث فيه ولا حرج.
الا تذكرك حكاية معبد السيخ في الكويت، بقصة تمثالي بوذا اللذين هدمتهما جماعة طالبان في افغانستان؟
هذه قضية مثارة في الكويت لكن ازعم انها تهم المسلمين جميعا، فقد تقدم احد اعضاء مجلس الامة الى وزير الداخلية بسؤال استنكاري تعلق باقامة معبد «للسيخ» في احدى الضواحي، وقال: كيف حدث ذلك في بلد مسلم؟. ونشرت الصحف ان عدد الهنود المنتسبين الى طائفة السيخ بالكويت 13 الفا، وانهم موجودون هناك منذ حوالي خمسين سنة، وكانوا يمارسون طقوس عباداتهم طيلة تلك المدة، لكن المعبد الذي جرى حوله اللغط مقام منذ عام 1985.
نشرت الصحف ايضا معلومات عن متابعة بعض السلفيين لما يجري في المعبد، وكيف انهم زاروه وتفقدوا محتوياته مرة، وان بعضا منهم سعى الى قطع التيار الكهربائي عنه، ضمن جهود اخرى بذلت للتضييق على المترددين عليه، ادت الى وقف الطقوس الدينية التي تمارس فيه صبيحة كل يوم جمعة.
السؤال الذي وجه الى وزير الداخلية من شقين، احدهما يستفسر عما اذا كان المعبد قد حصل على ترخيص من البلدية أم لا، والثاني وهو الاهم يستنكر مبدأ السماح باقامة معبد «لعبدة الاوثان» في مجتمع المسلمين، وفي سياق التصريحات التي ادلى بها المسؤولون حول الموضوع قال رئيس المجلس البلدي «اننا مهتمون بالامر، ولن نسمح بالاعتداء على القوانين العامة، أو المساس بحرمة الدين الاسلامي».
وبطبيعة الحال، فقد ادلى بعض الكتاب بدلوهم في الموضوع من زوايا مختلفة، ومن ابرز ما نشرته الصحف في استنكار وجود المعبد، تعليق لاحد منظري التيار السلفي، الاستاذ حامد عبد الله العلي، تحت عنوان «في جزيرة الايمان تعبد الاوثان» (الوطن 6/16)، وفيه قرر «ان الواجب شرعا منع أي طائفة ضالة تدين بالشرك، من اقامة معابد لهم في الكويت» واستند في هذا الحكم الى حجتين هما:
* ان الشريعة تحرم اقامة أي معبد في بلاد الاسلام، الا ما كان اصلا موجودا عند فتح المسلمين لبلاد اهل الوثنية، فيسمح لهم بعبادتهم داخل معابدهم كما سمح للمجوس، دون اظهار شيء من شعائر دينهم في البلاد التي ظهر عليها دين الاسلام.
* لان الكويت جزء من جزيرة العرب، وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام انه امر بأن لا يبقى دينان في تلك الجزيرة، التي هي مهد الاسلام ومهبط الوحي وقلعة التوحيد، فلا يصح ان يكون فيها الا المساجد التي يعبد فيها الله وحده.
خلص الكاتب بعد ذلك الى انه «بناء على ما تقدم، يجب منع انشاء أي معبد تعبد فيه الاوثان في الكويت. فالشريعة الاسلامية تحرم تمكين أتباع أي طائفة من نصب وثن لهم في معبد يرتادونه لاداء طقوس شركهم وديانتهم الضالة، وحتى لو كان الدستور يسمح بذلك، فالواجب تغيير كل ما فيه مما يخالف الشريعة الاسلامية».
هذا الكلام اعتبره بعض الكتاب رأيا فقهيا و«فتوى» تمنع إقامة معبد السيخ أو غيرهم من ابناء الطوائف الاخرى غير المسلمين، ومن ثم فانهم اخذوه على محمل الجد، وراحوا يناقشونه، ويقلبون احتمالاته، واستغربت ان احدا لم يحاول ان يدقق في الحجتين اللتين تم ايرادهما والاستناد اليهما في الدعوة الى اغلاق معبد السيخ، بحيث يتثبت مما اذا كانت الحجتان صحيحتين. لانني ازعم ان فيهما نظر لماذا؟
فالقول بأن الشريعة تحرم اقامة أي معبد في بلاد الاسلام الا ما كان موجودا عند الفتح ظاهر الخطل، لاننا حين نتحدث عن الشريعة فان الوصف ينصرف مباشرة الى ما شرعه الله لعباده في القرآن، أو أوحى به الى نبيه فيما نقل متواترا عنه، ولا نعرف نصا شرعيا من قرآن أو سنة دل على ذلك التحريم، بل اننا لا نعرف اجماعا بين فقهاء المسلمين على ذلك. وغاية ما يمكن ان يقال في صدد هذا الرأي انه رأي لافراد من المجتهدين استنبطوه حسب ما وصلت اليه عقولهم، وما احاط بهم من الظروف والاحوال والملابسات، من ثم فمثل تلك الاجتهادات لا تعد احكاما لازمة لوقائعها، ويجوز لاهل الاجتهاد في زمانهم أو في غير زمانهم ان يخالفوهم فيها، ومن الخطأ البين ان توصف بحسبانها رأي الشرع حيث لا حجة لها على أي احد، ولا تلزم الا اصحابها.
وقد سئل العز بن عبد السلام في مسألة جواز بناء الكنائس لاقباط مصر بعد الفتح، فرد مندهشا ومستنكرا وقائلا: ان الكنائس لم تبن الا بعد الفتح (لان البيزنطيين الذين ناصبوا القبط العداء ما كانوا ليسمحوا بها).
والحديث النبوي القائل بأنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب صحيح، لكن القول بأن المقصود بالجزيرة العربية هو تلك المنطقة الجغرافية المتعارف عليها بين الباحثين، يفتقد الى الدقة لان ذلك رأي واحد من بين آراء عدة عرفت المراد بجزيرة العرب في الحديث الشريف، وفي «فتح الباري» (ج6ص 197) استعراض واف لما قاله أئمة اللغة والفقه في هذه المسألة اقتبس منه النص التالي: قال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب فقال: مكة والمدينة واليمامة واليمن. وقال يعقوب: والعرج أول تهامة.
وقال الزبير بن بكار في «اخبار المدينة» اخبرت عن مالك عن ابن شهاب قال: جزيرة العرب «المدينة». قال الزبير: قال غيره جزيرة العرب ما بين العذيب الى حضرموت، قال الزبير: وهذا أشبه، وحضرموت آخر اليمن، وقال الخليل بن احمد: سميت جزيرة العرب لان بحر فارس وبحر الحبشة والفرات ودجلة احاطت بها، وهي أرض العرب ومعدنها. وقال أبو عبيد: من اقصى عدن الى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها من الساحل الى اطراف الشام عرضا.
وقال الاصمعي جزيرة العرب ما بين اقصى عدن ابين الى ريف العراق طولا، ومن جدة وما والاها الى اطراف الشام عرضا، وسميت جزيرة العرب لاحاطة البحار بها، يعني بحر الهند وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الحبشة، واضيفت الى العرب لانها كانت بأيديهم قبل الاسلام وبها أوطانهم ومنازلهم ولكن الذي يمنع المشركون من سكناه، منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على ان اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب، هذا مذهب الجمهور، وعن الحنفية يجوز مطلقا الا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة، وقال الشافعي لا يدخلون الحرم اصلا الا بإذن الامام لمصلحة المسلمين الخاصة.
كما رأيت فهناك آراء عدة توسع من وحدة جزيرة العرب بانها تمتد من عدن الى العراق طولا، ومن جدة الى اطراف الشام، ومنهم من يقصرها على المدينة المنورة، بينما رأى اخرون ان منطقة الحجاز هي المقصودة، وذلك رأي الجمهور.
والامر كذلك فما قال به الباحث الكويتي يختلف عن رأي الجمهور وينحاز الى رأي اخر وسع من مساحة جزيرة العرب المقصودة في الحديث النبوي، وهو رأي ليس قويا، ولم يعمل به قط لان غير المسلمين تواجدوا في اليمن والبحرين والشام ولم يقل احد بطردهم أو اغلاق دور عبادتهم.
لقد اعتمد الباحث على رأي استثنائي في الحجة الاولى، وعلى رأي ضعيف في الحجة الثانية، ثم تسرع وافتى بمنع السيخ من ممارسة عبادتهم في الكويت، مدعيا بأن ذلك رأي الشريعة الاسلامية، بينما الشريعة كما رأيت اوسع صدرا وارحب افقا واكثر رفقا بالناس، فلهؤلاء الحق في ان يمارسوا عباداتهم على أي نحو كانت، طالما انها تحترم خصوصيات المسلمين وتقاليدهم ولا تشكل عدوانا على مشاعرهم، وليس صحيحا انه لا يسمح الا باقامة المساجد وحدها، وانه لا يسمح لغير المسلمين بممارسة عباداتهم في الجزيرة العربية بمعناها الجغرافي، انما الامر لا يتجاوز حدود منطقة الحجاز لاسباب تتصل بمهبط الوحي وقاعدة انطلاق الرسالة.
ذلك من الناحية الشرعية، اما من الناحية الانسانية والحضارية، فليس مفهوما ان يستقدم بلد مسلم عمالة اجنبية من أي ملة كانت ويبقى افرادها مثلا نصف قرن في مجتمع للمسلمين ثم يقال لهم بعد ذلك انهم وثنيون وضالون، وينبغي ان يحرموا من التعبد حسب طقوس دينهم وتعاليمه.
وهؤلاء المفتون الذين يصدرون احكامهم بسرعة وجرأة يحسدون عليها، يرتكبون خطأين، احدهما في حق الدين والثاني في حق الدنيا، هم يخطئون في حق الدين حين يستنطقون الشرع بخلاف ما يدعو اليه، ويخطئون في حق الدنيا حين يديرون ظهورهم للعالم من حولهم، ويسقطون من اعتبارهم ان هناك ملايين المسلمين يعيشون في ظل دول غير مسلمة، ولو ان اولئك المسلمين ضيق عليهم بمثل التضييق الذي يحاول ان يمارسه هؤلاء على غير المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانينا، لكانت الخسارة في جانبنا اكبر ببساطة لان الاقليات المسلمة التي تعيش تحت انظمة غير اسلامية تضم مئات الملايين (في الهند وحدها 180 مليونا)، بينما غير المسلمين في اقطارنا اعدادهم محدودة للغاية.
واذا لم يكن اقتناعا بحق اولئك من غير المسلمين في حرية العبادة، فليكن موقفنا اكثر انصافا معهم، ولو لاسباب عملية (براجماتية) تتمثل في حرصنا على تمكين اخواننا المسلمين المقيمين في تلك البلدان غير الاسلامية، من ان يمارسوا عباداتهم بغير متاعب أو منغصات.
ان الحصرم الذي يزرعه البعض هنا، يحصده المسلمون مرا هناك ، اما التشوه والاذى الذي يصيب الدين ذاته فحدث فيه ولا حرج.
الا تذكرك حكاية معبد السيخ في الكويت، بقصة تمثالي بوذا اللذين هدمتهما جماعة طالبان في افغانستان؟