مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
حصوننا مهددة من داخلها !!
بقلم د/عبد الله بن محمد المنصور
إننا نعيش محاولات تغريبية جريئة! وليست الغرابة في هذه المحاولات فإنها قديمة وتُعاودنا بين الفينة والأخرى بحسب المد والجزر! لكن الغريب أنها تأتي في ظروف صعبة ومحرجة لبلادنا والبلاد المجاورة، بل وللبلاد المستفيدة من زرع هذه المحاولات! وفي توقيت غير موفق لتمرير المشاريع الخائبة، وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على احتمالات عديدة لا أود أن أخوض في تفاصيلها، إلا أن منها محاولة طرح المشروع سريعاً لوجود غطاء مناسب في هذه الفترة في نظر هؤلاء ربما لن يتكرر بهذه الصورة بعد سنوات من اليوم! ومن وجهة نظر قاصرة أعد ذلك نوعاً من الغباء، وهو في نفس الوقت توفيق من الله تعالى لأهل هذه البلاد الطيبة وللمحتسبين الموفقين القائمين بأمر الله، حيث أصبح هؤلاء المغرّبين يجاهرون بمحاولاتهم بشكل مكشوف ومضحك! وفي وقت لا يسعف في تحقيق مآربهم، وهو في الحقيقة حرق لأوراقهم وأوراق من سيتبع طريقهم.
وإذا عدت لأصل الموضوع فإن حصوننا مهددة من الداخل في جوانب عديدة مبنية على استقراء ومتابعة على التغيرات المتسارعة على مدى العشر سنوات الأخيرة، وتحتاج كل قضية منها لتطرق مستقل، وأقتصر في هذا المقال على جانب التربية والتعليم، وحتى لا أشرح المعاناة التي نعايشها هذه الأيام بما يعد تكريراً لما طرقه العديد، فإني أكتفي بالتذكير بكلام نفيس لعالم أديب مصري سبر هذه المحاولات وهذه التجارب التي نجحت في بلده ونخرت حصونها من الداخل حتى انهارت! بل كان واحداً من المنخدعين بذلك البهرج التغريبي حتى انكشف له الوجه القبيح لتلك الجرائم التغريبية الكبرى على بلاد الكنانة معقل العلماء والأدباء، إنه الدكتور محمد محمد حسين رحمه الذي يحكي لنا الحقبة التغريبية خلال قرابة القرن من الزمان، حيث توفي قبل ثلاثين عاماً من الآن، وهو في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) يحكي الأساليب الشيطانية لأولئك الأشرار والخطوات التي يخطونها خطوة بخطوة، وما هي السبل الناجعة لمواجهتهم، ولأنه يحكي شيئاً من معانتنا وغيرها من المعاناة في العالم العربي والإسلامي فإني سأقتطف من كلامه ما يكون به تبصرة لكل عبد منيب، ومن كلامه نستبين سبيل المجرمين، واللبيب يفهم بالإشارة! كما أن هذه الأحداث التي تمر بالمسلمين تجعل فرصة في إحياء الرجوع لكتب وكلام هذا العالم في فضح مخططات التغريب وتاريخه بشكل لم يدانيه أحد، لاسيما في كتابه العظيم (الاتجاهات الوطنية في الأدب الحديث)، مع ملخص للأزمات التي مرت بالأمة في كتابه (أزمة العصر)، وعوداً على المقتطفات التي لها دلائلها الخطيرة من كتابه (حصوننا مهددة من داخلها)، يقول في مقدمة كتابه في عام1378هـ ’’وقد كان الذي دعاني إلى كتابه هذه السلسة من المقالات أني رأيت الإلحاد والانحلال في هذه الأيام يشتعل ويسري سريان النار في يابس الحطب، ورأيت دعاته يستفحل أمرهم في كل مكان!! ورأيت الناس مشغولين بالجدل والنقاش حول ما يثيرونه من موضوعات يسترون مآربهم الهدامة من ورائها تحت أسماء خلابةٍ براقة! كالنهضة، والتحرير! والتطور ، ومتابعة ركب الحياة، وهي موضوعات منوعة تشمل الحياة في شتى نواحيها، يخترعونها ثم يهولون من شأنها ويكثرون من الأخذ والرد حولها حتى يلفتوا إليها أنظار الناس، وحتى ينشأ جيل جديد مرنت أذنه منذ وعى على سماع المناقشات حول هذه الموضوعات! فيتوهم أنها مشكلات حقيقة لابد لها من حل! ويتجه في أغلب هذه الأحيان ـ-كما جرت عادة الناس - إلى أنصاف الحلول التي ترضي الطرفين المتخاصمين حسب وهمه، والخاسر في حقيقة الأمر هو صاحب الحق، والربح كله للباطل وأصحابه’’.
ثم يقول : ’’ولا يزال أصحاب الباطل ماضين في اتخاذ هذا الأسلوب نفسه جيلا بعد جيل! يزحفون ويزحفون، حتى يسدو على الناس كل سبيل للحق أو يفتح الله باباً من أبواب رحمته فيبعث عليهم من ينكل بهم ويقطع دابر ما يثيرونه من فتن!’’ . ثم يوضح المرحلة الخطيرة التي يصل لها هؤلاء، والحصون التي من خلالها يتسلطون على الفكر فيقول: ’’ولكن الجديد في أمر هؤلاء الدعاة أن شرهم لم يعد مقتصراً في هذه الأيام على الكلام ، فقد انتقلوا من مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل بعد أن نجحوا في التسرب إلى الحصون التي تحمي قيمنا ، وأصبح كثيرا منهم في مناصب!! تمكنهم من أن يدسوا برامجهم وخططهم على المسئولين من رؤسائهم وينفذوها في صمت!! دون أن يثيروا ضجة تلفت إليهم المعارضين!’’
ثم يوضح الدكتور محمد حسين كيف يتبادل هؤلاء الأدوار ويحمي بعضهم بعضاً فيقول: ’’ولهؤلاء المفسدين عصابة تشد أزرهم وتشيد بهم وتنوه بذكرهم وتحميهم من خصومهم! وتقطع ما يهاجَمون به مما ينبه الناس إلى شرهم عن كل وسائل النشر ، فلا يصل إلى آذان الناس أو عيونهم شئ منه’’
ثم يصور خطورة الأمر بكلام العارف الخبير فيقول: ’’وأنا حين أزعم أن هؤلاء الدعاة ينتمون إلى عصابة ذات خطر أعني بالعصابة كل مدلولها!! وكل حرف من حروفها! وكل مفهوم من مفاهيمها!’’ ثم يبين موصفات هذه العصابة وأن قوتها ليس في العدد لكن في تماسكها وشدة نفوذها! فيقول: ’’هذه العصابة قليلة العدد، ولا ترجع قوتها إلى كثرة عددها، ولكنها ترجع إلى تماسك أفرادها وتضامنهم! يساعد بعضهم بعضاً، ويحمي كبيرهم الصغير ، ويمهد السابق منهم لللاحق، ويهيئ له فرصة الظهور والترقي، بينما يتخلصون بمختلف الوسائل من الخصوم الذين يعارضونهم والذين يقفون في وجه خططهم!! يحدث ذلك كله في الظلام! وفي صمت! وقد لا يكون هناك تنظيم واحد معروف بعينه يضم الهدامين ودعاة الشر كلهم جميعاً ولكن المهم في الأمر أنهم جميعاً ، على اختلاف نزعاتهم وعلى تباين ساداتهم وشياطينهم ، متعارفون متضامنون ’’
وكلام الدكتور محمد حسين يتناول الشبكة الداخلية لها في أي بلد مسلم تمارس دورها فيه، أما مصادر الدعم الخارجية وهي الأصل، فيقول: ’’والمتدبر لخططهم وتحركاتهم في إحاكمها، وفي تناسقها، وفي وحده أهدافها، وتشابه أساليبها في كثير من الأحيان، وفيما تستند إليه من نفوذ واسع، لا بد أن ينتهي إلى أن هناك هيئات منظمة تنظيماً دقيقاً من وراء هذه الحركات…’’.
أما مصدر استمداد قوتها ومحاولتها إخفاء مقاصدها وحقيقة مخططها فيقول: ’’وعصابة الهدّامين تستمد قوتها وخطورتها من هذا التنظيم من ناحية، ومن أنها مجهولة الرأس والحدود والأطراف والأساليب والأعوان من ناحية أخرى’’.
ثم يوضح أمراً خطيراً فيشببها بالعصبات الإرهابية فهي لا تعتمد على الرأي واحترامه الذي طالما دعت إليه بل تعتمد على وسائل مثيرة، فيقول: ’’ وهذا التنظيم وهذه السرية هي مصدر قوة هذه العصابة التي لا تفترق عن عصابات السطو والإرهاب في شيء، فهي لا تعتمد في تنفيذ خططها على الإقناع شأن أصحاب الرأي، وعلى الكثرة شأن أصحاب (الديمقراطية) المزعومة، ولكنها تعتمد على العمل في الظلام! وعلى البطش بالخصوم! والتخلص من المعارضين! ومؤازرة الأولياء والأصدقاء وتمكينهم من مقاليد السلطة!! وهم يسلكون لذلك كل سبيل، ويستغلون فيه كل وسيلة، وعلى رأس هذه الوسائل الصحافة والإذاعة والمنابر ودور النشر! وشراء الذمم! والتهديد بالفضائح’’
ثم يمضي في فضح هذه الطائفة التغريبية في ذكر أسلوب مشهور لها تطبقه في البلد المسلم الذي تحاول ممارسة دورها فيه فيقول: ’’ ومن هذه الأساليب التي لا تحصى أسلوب مشهور معروف! لم يعد يخفى على بصير، يلقي أعضاء هذه العصابة شباكهم حول أصحاب النفوذ والسلطان ويدخلون إليهم من أقرب الأبواب إلى قلوبهم وأضعف الثغرات في نفوسهم!! ثم يتظاهرون بالتفاني في حبهم والإخلاص في خدمتهم! فيلازمونهم ملازمة الظل! لا يغادرونهم طرفة عين، ويراقبون منهم الإشارة والبادرة، مراقبة الكلب الأمين لصاحبه، حتى يصبح التابع منهم لازمة من لوازم سيده ووهماً مسلطاً عليه لا يتخيل إمكان الاستغناء عنه، وبمرور الأيام تتحول هذه البطانة إلى سور ضخم شاهق! يحجب عن بصر صاحب النفوذ كل شيء عداه، فحيثما وجه البصر لا يرى إلا هذا السور! وتصبح هذه الدائرة الضيقة هي دنياه، لا يعرف شيئاً مما يجري وراءها في دنيا الناس!! وعند ذلك يصبح صاحب النفوذ في حقيقة أمره سجيناً من حيث لا يدري، لأنه لا يرى إلا ما يسمحون له برؤيته، ولا يسمع إلا ما يسمحون له بسماعه وحسبك بهذا سجناً، ثم ينتهي به الأمر إلى أن يصبح …’’، وذكر كلاماً خطيراً يشهد له واقع المسلمين يحسن مراجعته في الكتاب.
ثم ذكر أفضل وسيلة لمكافحة خطر مدّهم فقال: ’’لذلك كان من أنجح الأساليب في مكافحتهم أن تدرس خططهم وأساليبهم في الكيد والدس وينبه الناس إليها، عند ذلك ينكشف الستر عن الذين يستمدون قوتهم من العمل في الظلام، ويجدون أنفسهم وقد غمرتهم الأضواء وكشفت أوكارهم وسراديبهم!…وسيكون فشلهم في هذه المرة ساحقاً ماحقاً بعد افتضاح أمرهم، لأنهم يسبحون ضد تيار قوي غلّاب ترعاه عناية الله ويحفه توفيقه ’’ .
ثم يبين شده خطورتهم وأماكن انتشارهم وأفضل أوقاتهم لنفث سمومهم، فيقول: ’’هؤلاء هم أخطر الأعداء، وهم أول ما ينبغي البدء به في تطهير الحصون وتنظيف الدار! لأن الأعداء والمارقين ظاهر أمرهم لا يخفون، وهم خليقون أن ينفّروا الناس، فهم كالمريض الظاهر يتحاشاه الناس ولا يقتربون منه، أما هؤلاء فهم كالمريض الذي لا يظهر المرض على بدنه، فالمخالطون لا يحتاطون لأنفسهم في مخالطته، وأكثر ما تتعرض الشعوب للخطر من هذا الفريق في أطوار ثورتها ونهضتها! لأنها في هذا الطور تمر في دور انسلاخ تحاول أن تطهر نفسها فيه من الأوضار ومن النقائص فيلبس هذا الفريق…ويزينون لها الباطل زاعمين لها أنه هو سبيل النهضة! ويوهمونها أن كثيراً من عاداتها الصحيحة الأصيلة هي من أسباب تخلفها وضعفها!!…’’
والمثير في الأمر اعتراف الدكتور محمد محمد حسين مؤلف كتاب (حصوننا مهددة من داخلها) من أنه كان من المنخدعين والمنساقين مع القوم في أول أمره فيقول: ’’كتبت هذه الصفحات حين كتبتها لكي أفضح هذا النفر من المفسدين وأنبه إلى ما انكشف لي من أهدافهم وأساليبهم التي خُدعت بها أنا نفسي حيناً من الزمان مع المخدوعين! أسأل الله أن يغفر لي فيه ما سبق به اللسان والقلم، وإن مد الله في عمري رجوت أن أصلح بعض ما أفسدت مما أصبح الآن في أيدي القراء .
ثم وضح أن هذه الأساليب لا تقتصر على مصر بل تعم بلاد المسلمين قال: ’’وهي أساليب لا يقتصر شرها على بلد دون بلد! فهي تعم بلاد العرب، بل بلاد المسلمين، بل الشرق كله، يسقونه السم على حين نهضته حتى لا تصح له نهضة، وليقوده إلى الهاوية .
ثم بين بعد مقدمة الكتاب في أول مقالاته أن الدين واللغة هما أهم دواعي الألفة والتماسك في كل مجتمع إنساني…ثم قال: ’’لذلك كانت المعاهد والمؤسسات التي تقوم على صيانة الدين واللغة هي بمثابة الحصون والمعاقل التي تسهر على حمايتنا وسلامتنا، وكانت العناية بأمرها خليقة أن تنال من اهتمامنا مثل ما تناله العناية بإعداد العدة الحربية والصناعية بل أشد! وشر ما يطرأ على هذه المعاقل من الوهن أن تؤتي من بعض الذين وكل إليهم حمايتها والدفاع عنها حين يخونون الأمانة!! فيتسللون متلصصين إلى الأبواب يفتحونها للأعداء المهاجمين بليل، والحماة الساهرون في غفلة لا يشعرون!’’.
ثم يوضح أعمق الجهات التربوية المستهدفة فيقول: ’’ولاشك أن وزارات التربية والتعليم! هي أهم هذه المعاقل والحصون الساهرة على أمن الشعوب وكيانها، لأنها هي المؤتمنة على أثمن ما تملكه الأمة من كنوز!’’ ثم بين في كلام طويل الجهة التي تقف وراء هذه الممارسات وكيف تتواصل مع أتباعها والوعود والجوائز التي تكون مقابل تنفيذ مخططاتها! مع ذكره لأمثلة واقعية حصلت في وقته فيقول في بعض ذلك : ’’وقد أصبحت مطامع أمريكا!! في هذه المنطقة وعداوتها لحماتها الذين يتصدون لحراستها ويتزعمون نهضتها مشهورة لا تخفى ولا تحتاج إلى تنبيه! فاتصال القائمين على شؤون التربية والتعليم في هذه الأمة العربية بالمؤسسات الأمريكية! والتعاون معها في ترويج مبادئ وأساليب يقال: إن المقصود بها هو رفع مستوى التعليم في هذه الأمة العربية بالمؤسسات الأمريكية، والتعاون معها في ترويج مبادئ وأساليب يقال: إن المقصود بها هو رفع مستوى التعليم وإصلاح شؤون الجيل الجديد! أمرٌ لا يصدقه العقل ولا يتفق مع ما يبذلون من محاولات ظاهرة وخفية لابتلاع هذه الأمة والكيد لها…’’.
وبعد هذا الاستعراض لكلام هذا العالم الأديب المؤرخ لتلك الممارسات التغريبية عبر الأدب والتربية والتعليم، والذي لم يدع فيه مقالاً لقائل، فإنه يجب التحذير من هذه الممارسات أولاً بأول، وكشف المخططات التي تتعرض لها بلاد المسلمين، فهذا هو أنجح وأنجع السبل لإيقافها وتبصير الناس بخطرها حتى لا يتعاطفوا معها، كما أن من الواجب أن تنقل الصورة أولاً بأول للمسؤولين النزيهين، ثم لولاة الأمر وفقهم الله، وهذه هي وصية الدكتور محمد محمد حسين حين قال في كتابه: ’’أكثر قصدي في هذه الكلمات كان إلى الشباب خاصة، أنبههم إلى ما قد يخفى عليهم من حيل الهدامين وأساليبهم، وشيء آخر كان بين عيني أيضاً حين كتبت هذه الكلمات، وهو أن أقوم بواجب في عنقي نحو ولاة أمورنا! وأن أعينهم بالنصح فيما أعلم ابتغاء لثواب الله وإبراء للذمة من عهدة لا تبرئني منها إلا هذه الكلمات’’.
وما قصده الدكتور محمد حسين هو ما يقصده كل مخلص لدينه وأهل وطنه وولاة أمره، نسأل الله تعالى أن يدفع عن بلدنا وبلاد المسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، وأن يفضح مآربهم ويجعل تدبيرهم عائداً عليهم، وبالله التوفيق.
*تربيتنا
أضافة تعليق