هويدي 25-2-2002
الصورة الوردية التي تسوقها واشنطن لافغانستان المستقبل، أصبحت تتوارى الآن على نحو تدريجي إزاء قتامة الحقيقة كما تبدو على أرض الواقع، هكذا علقت مجلة «نيوزويك» في عددها الأخير (2/26)، في سياقة تقرير لها عن الموقف في ولاية «باكتيا» الشرقية المتاخمة للحدود مع باكستان، ذلك ان الولاية شهدت طيلة الأسابيع الأخيرة صراعا قتل بسببه 50 شخصية حول حكم الولاية، ذلك ان الرئيس السابق كان قد عين لها حاكما هو باشران خان زدران، بينما عين السيد حامد كرازاي حاكما آخر هو الحاج سيف الله، لكن الأمر لم يكن سهلا، لان الأول لا يزال متمسكا بالمنصب، بينما الثاني يصر على تمكينه منه، والأمر لم يعد خلافا بين شخصين أو نزاعا بين قبيلتين ينال من احتمالات استقرار في المنطقة، لكنه أصبح يهدد هيبة الحكومة المركزية ذاتها، من حيث انه يعني انه ليس بمقدورها بسط سلطانها على الولايات والولاة، بل انه أصبح يهدد بانفراط عقد الحكومة أيضا، لان باشران خان الرافض لقرار رئيس الحكومة، له شقيق اسمه أمان الله يشغل منصب وزير الشؤون القبلية في الحكومة المؤقتة، وهو منحاز الى شقيقه بسبب الاعتبارات العائلية والحسابات القبائلية المفهومة، غير ان فرق ما في الأمر ان أمان الله يهدد بالاستقالة اذا تمسك رئيس الحكومة بتنفيذ قراره، ابعاد شقيقه عن المنصب. وقد نقلت «نيوزويك» عنه قوله انه لن يقدم استقالته ـ اذا ما قررها ـ الى السيد كرازاي، الذي لا يعتبره مسؤولا عنه، ولكنه سيقدمها الى الجهة التي عينته، وهي الأمم المتحدة، التي رعت مؤتمر بون، وشكل مبعوثوها الحكومة، بالتفاهم مع ممثلي الفصائل المختلفة. ولم يكن كرازاي مشاركا في المؤتمر، وانما كان في داخل افغانستان، يسعى لتأليب البشتون ضد حركة ونظام طالبان.
منطقة خوست المجاورة لباكتيا تشهد أيضا صراعات بين مجموعات عسكرية متخاصمة، كل منها تحاول ملء الفراغ والفوز بحكم الولاية، بعد سقوط نظام حركة طالبان، وفي حدود المعلومات المتاحة فان الصراع الأساسي بين مجموعتين: إحداهما تدين بالولاء للرئيس السابق برهان الدين رباني، والثانية منحازة للملك محمد ظاهر شاه ومؤيدة من جانب حامد كرازاي رئيس الحكومة الحالية.
أضف الى ذلك ان ثمة صراعا في الشمال لم يحسم بعد بين الاوزبك والطاجيك حول ولاية قندوز، وهي التي قسمت عاصمتها ين قوات الطرفين، ممثلين في الميليشيات الاوزبكية التي يقودها نائب وزير الدفاع الجنرال عبد الرشيد دوستم، والقوات الطاجيكية بقيادة الجنرال محمد فهيم وزير الدفاع، ومحور الصراع هو التسابق في السيطرة على مرفأ شيرخان بندر الاستراتيجي، المطل على الحدود مع طاجكستان، وهو مرفأ ظل محور صراع بين الاوزبك والطاجيك منذ سقوط نظام الرئيس الشيوعي نجيب الله في عام 1992.
تجددت الاشتباكات بين الاوزبك والطاجيك في وقت لاحق، وكان مسرحها هذه المرة هو مدينة خولم التي تبعد نحو 50 كيلومترا الى شرق مدينة مزار شريف، عاصمة الشمال الافغاني، وقد تعددت الروايات حول اسباب ذلك الاشتباك، بين رواية تقول ان السبب هو ان أحد القادة الطاجيك اقنع 200 من مقاتلي الاوزبك بالانضمام الى قواته، وبين الادعاء بأن صاروخا سقط على مخزن للمساعدات الايرلندية، فجر ذلك القتال الذي سقط فيه 40 شخصا.
وفي كل الأحوال، فالقدر المتيقن ان الاحتقان شديد بين الطرفين، وثمة اجماع على تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة الشمال، على نحو يرشحها للانفجار في كل وقت لأتفه الأسباب، رغم توسط الشيعة الهزارة لتهدئة الموقف بين الطرفين.
على صعيد آخر، ثمة توتر مرشح للتصعيد بين لحظة وأخرى بين قندهار وهيرات، والانباء القادمة من هناك تشير الى ان حضرت علي القائد الموالي للاميركيين يحشد حشودا لمواجهة هيرات، في محاولة لإسقاط الادارة التي انشأها هناك حاكم الولاية اسماعيل خان، الذي يحظى بعلاقات وطيدة مع الايرانيين. ومعروف ان حاكم قندهار جول اغا، المدعوم اميركيا كان قد صرح في أكثر من مناسبة بأن الايرانيين يسعون الى زعزعة الاستقرار في افغانستان، من خلال دعم اسماعيل خان، وهو ما تحدث عنه أيضا الرئيس بوش ورددته التصريحات الرسمية الاميركية.
والمتابعون للحدث الافغاني لا بد انهم لاحظوا ان هجوما مسلحا حدث قبل أيام على مطار المدينة، الذي تحول الى قاعدة عسكرية، وان أخبار ذلك الهجوم الأول من نوعه طوقت بسرعة، ولم تتابعها وسائل الاعلام المختلفة، رغم خطورة الحدث، سواء لكونه موجها ضد قاعدة عسكرية للقوات الدولية، أو لانه وقع في قندهار مقر الحكم في مرحلة طالبان، وقد تكرر ذلك الاشتباك مع القوات الدولية في كابول.
من ناحية أخرى، فان العاصمة تشهد غضبا مكتوما من جراء هيمنة الطاجيك، الأمر الذي ينتقده البشتون في كل مناسبة، وهم الذين يمثلون الكتلة السكانية الأكبر في البلاد (45 بالمائة) بينما الطاجيك في المرتبة التالية (25 ـ 30 بالمائة)، غير ان ذلك الغضب لم يظهر على السطح بعد، وان ظل بمثابة قنبلة موقوتة، قد تتناثر شظاياها في أي وقت، غير ان حادث مقتل وزير المواصلات الدكتور علي الرحمن، أثار القلق في العاصمة، وإزاء تضارب تصريحات رئيس الحكومة الذي قال ان الحادث «مؤامرة» وله أبعاده السياسية، مع حديث وزير الخارجية الذي قال فيه ان الأمر ليس كذلك، فان الحقيقة تظل تائهة، ومع ذلك فالحادث يوحي بأن العاصمة ليست بالأمان الذي يتصوره كثيرون، تؤكد ذلك الأنباء التي نشرتها بعض الصحف، وأشارت الى ان رئيس الحكومة ـ الذي سرقت سيارته أخيرا ـ أعرب عن مخاوفه من احتمالات تهديد حياته.
ومعروف ان الدكتور عبدالرحمن، وزير النقل المقتول، كان من أشد أنصار عودة الملك محمد ظاهر شاه، الذي تعارضه كل القوى السياسية والأحزاب الافغانية في داخل البلاد.
هذه الشواهد تعزز الاستنتاج الذي أشارت إليه «نيوزويك» في عددها الأخير، حيث ذكرت انه بينما يسود سلام هش حتى الآن، تؤمنه بشكل رئيسي رغبة لوردات الحرب في البقاء الى الجانب الاميركي، يقول مسؤولو الاغاثة ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتدهور، ولم يعد من غير المعتاد ان تسمع الناس في بعض المدن وهم يقولون ان الحياة كانت أفضل تحت سلطة طالبان، ويزيد ذلك من تعقيد مهمة كرازاي في تعزيز السيطرة دون جيش بوجود فرقة هزيلة من قوات حفظ السلام الدولية تقتصر على كابول، وبينما تستمر الولايات المتحدة وبريطانيا في مقاومة تواجد قوة حفظ سلام كبيرة تنتشر في انحاء البلاد كافة، يقول مراقبون دوليون انه من دون أمن فعلي من الخوف سيشل الاقتصاد الذي دمرته 23 سنة من الحرب، والذي لا يملك في الواقع أي موارد، ومثل هذه النتيجة، كما يخشى مراقبون مخضرمون قد تضع أسس عودة البلاد الى حالة الحرب الأهلية التي سادتها في بداية التسعينيات.
أغلب الظن ان تلك الاجواء التي شجعت وزير الداخلية السابق في عهد طالبان، الملا عبد الرزاق، الذي كان قائدا عسكريا في الشمال، الى التصريح من مخبئه لوكالة رويترز للأنباء (في 2/18) بأن الأمور تجري لصالح طالبان، وتوقع انهم سيعودون مرة أخرى الى البلاد «لأن الناس سيرغموننا على ذلك، من جراء الأوضاع المتدهورة الحالية». ثم أضاف ان طالبان حافظت على الأمن والاستقرار في افغانستان بمساعدة 40 ألفا من عناصرها، فيما فشلت حكومة كرازاي في الحفاظ على السلام حتى في كابول ذاتها.
ما قاله وزير طالبان السابق يدخل في باب التمني، لان عودة طالبان تظل مستبعدة في الأجل المنظور على الأقل، لكن المشكلة ان عودة الاستقرار الى افغانستان يبدو انها في صعوبة عودة طالبان الى السلطة، وقد كان الظن ان وجود القوات الدولية يمثل عنصرا مساعدا على تسكين الوضع بصورة نسبية، لكن من الواضح ان ذلك الوجود المفترض لم يحل دون تفجر الصراعات في اماكن عدة من البلاد، ويبدو ان غاية ما تستطيع ان تفعله تلك القوات انها تساند حكومة كابول وتؤمن استمرارها وسيطرتها على العاصمة على الأقل.
في ظل هذه الأوضاع يغدو السؤال الصعب هو ذلك الذي يتعلق بالمستقبل، لأن الاحتمال الأسوأ هو المرشح للوقوع، وهو ما أشارت إليه مجلة «نيوزويك» متمثلا في احتمالات عودة شبح الحرب الأهلية، الأمر الذي يعيد المشكلة الى نقطة الصفر مرة أخرى، ويدعو الى مراجعة جدوى الحل الاميركي برمته.
الصورة الوردية التي تسوقها واشنطن لافغانستان المستقبل، أصبحت تتوارى الآن على نحو تدريجي إزاء قتامة الحقيقة كما تبدو على أرض الواقع، هكذا علقت مجلة «نيوزويك» في عددها الأخير (2/26)، في سياقة تقرير لها عن الموقف في ولاية «باكتيا» الشرقية المتاخمة للحدود مع باكستان، ذلك ان الولاية شهدت طيلة الأسابيع الأخيرة صراعا قتل بسببه 50 شخصية حول حكم الولاية، ذلك ان الرئيس السابق كان قد عين لها حاكما هو باشران خان زدران، بينما عين السيد حامد كرازاي حاكما آخر هو الحاج سيف الله، لكن الأمر لم يكن سهلا، لان الأول لا يزال متمسكا بالمنصب، بينما الثاني يصر على تمكينه منه، والأمر لم يعد خلافا بين شخصين أو نزاعا بين قبيلتين ينال من احتمالات استقرار في المنطقة، لكنه أصبح يهدد هيبة الحكومة المركزية ذاتها، من حيث انه يعني انه ليس بمقدورها بسط سلطانها على الولايات والولاة، بل انه أصبح يهدد بانفراط عقد الحكومة أيضا، لان باشران خان الرافض لقرار رئيس الحكومة، له شقيق اسمه أمان الله يشغل منصب وزير الشؤون القبلية في الحكومة المؤقتة، وهو منحاز الى شقيقه بسبب الاعتبارات العائلية والحسابات القبائلية المفهومة، غير ان فرق ما في الأمر ان أمان الله يهدد بالاستقالة اذا تمسك رئيس الحكومة بتنفيذ قراره، ابعاد شقيقه عن المنصب. وقد نقلت «نيوزويك» عنه قوله انه لن يقدم استقالته ـ اذا ما قررها ـ الى السيد كرازاي، الذي لا يعتبره مسؤولا عنه، ولكنه سيقدمها الى الجهة التي عينته، وهي الأمم المتحدة، التي رعت مؤتمر بون، وشكل مبعوثوها الحكومة، بالتفاهم مع ممثلي الفصائل المختلفة. ولم يكن كرازاي مشاركا في المؤتمر، وانما كان في داخل افغانستان، يسعى لتأليب البشتون ضد حركة ونظام طالبان.
منطقة خوست المجاورة لباكتيا تشهد أيضا صراعات بين مجموعات عسكرية متخاصمة، كل منها تحاول ملء الفراغ والفوز بحكم الولاية، بعد سقوط نظام حركة طالبان، وفي حدود المعلومات المتاحة فان الصراع الأساسي بين مجموعتين: إحداهما تدين بالولاء للرئيس السابق برهان الدين رباني، والثانية منحازة للملك محمد ظاهر شاه ومؤيدة من جانب حامد كرازاي رئيس الحكومة الحالية.
أضف الى ذلك ان ثمة صراعا في الشمال لم يحسم بعد بين الاوزبك والطاجيك حول ولاية قندوز، وهي التي قسمت عاصمتها ين قوات الطرفين، ممثلين في الميليشيات الاوزبكية التي يقودها نائب وزير الدفاع الجنرال عبد الرشيد دوستم، والقوات الطاجيكية بقيادة الجنرال محمد فهيم وزير الدفاع، ومحور الصراع هو التسابق في السيطرة على مرفأ شيرخان بندر الاستراتيجي، المطل على الحدود مع طاجكستان، وهو مرفأ ظل محور صراع بين الاوزبك والطاجيك منذ سقوط نظام الرئيس الشيوعي نجيب الله في عام 1992.
تجددت الاشتباكات بين الاوزبك والطاجيك في وقت لاحق، وكان مسرحها هذه المرة هو مدينة خولم التي تبعد نحو 50 كيلومترا الى شرق مدينة مزار شريف، عاصمة الشمال الافغاني، وقد تعددت الروايات حول اسباب ذلك الاشتباك، بين رواية تقول ان السبب هو ان أحد القادة الطاجيك اقنع 200 من مقاتلي الاوزبك بالانضمام الى قواته، وبين الادعاء بأن صاروخا سقط على مخزن للمساعدات الايرلندية، فجر ذلك القتال الذي سقط فيه 40 شخصا.
وفي كل الأحوال، فالقدر المتيقن ان الاحتقان شديد بين الطرفين، وثمة اجماع على تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة الشمال، على نحو يرشحها للانفجار في كل وقت لأتفه الأسباب، رغم توسط الشيعة الهزارة لتهدئة الموقف بين الطرفين.
على صعيد آخر، ثمة توتر مرشح للتصعيد بين لحظة وأخرى بين قندهار وهيرات، والانباء القادمة من هناك تشير الى ان حضرت علي القائد الموالي للاميركيين يحشد حشودا لمواجهة هيرات، في محاولة لإسقاط الادارة التي انشأها هناك حاكم الولاية اسماعيل خان، الذي يحظى بعلاقات وطيدة مع الايرانيين. ومعروف ان حاكم قندهار جول اغا، المدعوم اميركيا كان قد صرح في أكثر من مناسبة بأن الايرانيين يسعون الى زعزعة الاستقرار في افغانستان، من خلال دعم اسماعيل خان، وهو ما تحدث عنه أيضا الرئيس بوش ورددته التصريحات الرسمية الاميركية.
والمتابعون للحدث الافغاني لا بد انهم لاحظوا ان هجوما مسلحا حدث قبل أيام على مطار المدينة، الذي تحول الى قاعدة عسكرية، وان أخبار ذلك الهجوم الأول من نوعه طوقت بسرعة، ولم تتابعها وسائل الاعلام المختلفة، رغم خطورة الحدث، سواء لكونه موجها ضد قاعدة عسكرية للقوات الدولية، أو لانه وقع في قندهار مقر الحكم في مرحلة طالبان، وقد تكرر ذلك الاشتباك مع القوات الدولية في كابول.
من ناحية أخرى، فان العاصمة تشهد غضبا مكتوما من جراء هيمنة الطاجيك، الأمر الذي ينتقده البشتون في كل مناسبة، وهم الذين يمثلون الكتلة السكانية الأكبر في البلاد (45 بالمائة) بينما الطاجيك في المرتبة التالية (25 ـ 30 بالمائة)، غير ان ذلك الغضب لم يظهر على السطح بعد، وان ظل بمثابة قنبلة موقوتة، قد تتناثر شظاياها في أي وقت، غير ان حادث مقتل وزير المواصلات الدكتور علي الرحمن، أثار القلق في العاصمة، وإزاء تضارب تصريحات رئيس الحكومة الذي قال ان الحادث «مؤامرة» وله أبعاده السياسية، مع حديث وزير الخارجية الذي قال فيه ان الأمر ليس كذلك، فان الحقيقة تظل تائهة، ومع ذلك فالحادث يوحي بأن العاصمة ليست بالأمان الذي يتصوره كثيرون، تؤكد ذلك الأنباء التي نشرتها بعض الصحف، وأشارت الى ان رئيس الحكومة ـ الذي سرقت سيارته أخيرا ـ أعرب عن مخاوفه من احتمالات تهديد حياته.
ومعروف ان الدكتور عبدالرحمن، وزير النقل المقتول، كان من أشد أنصار عودة الملك محمد ظاهر شاه، الذي تعارضه كل القوى السياسية والأحزاب الافغانية في داخل البلاد.
هذه الشواهد تعزز الاستنتاج الذي أشارت إليه «نيوزويك» في عددها الأخير، حيث ذكرت انه بينما يسود سلام هش حتى الآن، تؤمنه بشكل رئيسي رغبة لوردات الحرب في البقاء الى الجانب الاميركي، يقول مسؤولو الاغاثة ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتدهور، ولم يعد من غير المعتاد ان تسمع الناس في بعض المدن وهم يقولون ان الحياة كانت أفضل تحت سلطة طالبان، ويزيد ذلك من تعقيد مهمة كرازاي في تعزيز السيطرة دون جيش بوجود فرقة هزيلة من قوات حفظ السلام الدولية تقتصر على كابول، وبينما تستمر الولايات المتحدة وبريطانيا في مقاومة تواجد قوة حفظ سلام كبيرة تنتشر في انحاء البلاد كافة، يقول مراقبون دوليون انه من دون أمن فعلي من الخوف سيشل الاقتصاد الذي دمرته 23 سنة من الحرب، والذي لا يملك في الواقع أي موارد، ومثل هذه النتيجة، كما يخشى مراقبون مخضرمون قد تضع أسس عودة البلاد الى حالة الحرب الأهلية التي سادتها في بداية التسعينيات.
أغلب الظن ان تلك الاجواء التي شجعت وزير الداخلية السابق في عهد طالبان، الملا عبد الرزاق، الذي كان قائدا عسكريا في الشمال، الى التصريح من مخبئه لوكالة رويترز للأنباء (في 2/18) بأن الأمور تجري لصالح طالبان، وتوقع انهم سيعودون مرة أخرى الى البلاد «لأن الناس سيرغموننا على ذلك، من جراء الأوضاع المتدهورة الحالية». ثم أضاف ان طالبان حافظت على الأمن والاستقرار في افغانستان بمساعدة 40 ألفا من عناصرها، فيما فشلت حكومة كرازاي في الحفاظ على السلام حتى في كابول ذاتها.
ما قاله وزير طالبان السابق يدخل في باب التمني، لان عودة طالبان تظل مستبعدة في الأجل المنظور على الأقل، لكن المشكلة ان عودة الاستقرار الى افغانستان يبدو انها في صعوبة عودة طالبان الى السلطة، وقد كان الظن ان وجود القوات الدولية يمثل عنصرا مساعدا على تسكين الوضع بصورة نسبية، لكن من الواضح ان ذلك الوجود المفترض لم يحل دون تفجر الصراعات في اماكن عدة من البلاد، ويبدو ان غاية ما تستطيع ان تفعله تلك القوات انها تساند حكومة كابول وتؤمن استمرارها وسيطرتها على العاصمة على الأقل.
في ظل هذه الأوضاع يغدو السؤال الصعب هو ذلك الذي يتعلق بالمستقبل، لأن الاحتمال الأسوأ هو المرشح للوقوع، وهو ما أشارت إليه مجلة «نيوزويك» متمثلا في احتمالات عودة شبح الحرب الأهلية، الأمر الذي يعيد المشكلة الى نقطة الصفر مرة أخرى، ويدعو الى مراجعة جدوى الحل الاميركي برمته.