د. أحمد الدغشي
مواد ذات صله:
الجزء الأول: التفريط في مراد الشارع من خطبة الجمعة
د. أحمد محمد الدغشي
تناولنا في الجزء السابق إمارات ودلالات التفريط في خطبة الجمعة، وما يعنيه ذلك من عدم بلوغ مراد الشارع من هذه العبادة بالغة الأهمية. وفي هذا الجزء نتناول أوجه الإفراد في هذه الشعيرة المهمة من شعائر الدين ودلالات ذلك.
إفراط في الدور التربوي كيف:
- أهم المقولات -
* بقدر ما إن التفريط خطأ شرعي، فإن تشبع الخطب بالبحث والحشد والتعبئة المستديمين تطرف آخر مذموم.
* الخطيب الناجح هو الذي يأتي على مجمل قضايا المجتمع والأمة، التي لانزاع عليها.
* استغلال بعض الخطباء لخطبة الجمعة في إدارة النزاعات توظيف رخيص لمقام مقدَّس.
* واجب الوقت لابد وأن يفرض نفسه على الخطيب دون تفتيت جهود الأمة.
* الثورات العربية نجحت بالتوحد.. ولا ينبغي إفسادها بالتوظيف الرخيص لكل مقدس لدينا.
ليس معنى حديثنا السابق عن التفريط – كما قد يتبادر إلى أذهان بعض القرّاء - أن الخطبة المنشودة اليوم هي تلك التي تأتي في الظروف العادية - أو حتى الاستثنائية؛ كالأوضاع التي كانت تعيشها معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية قبل اندلاع شرارة الثورة في بعضها - على كل شئون الحياة بجميع تفاصيلها، ولاسيما السياسية منها، فتشبعها بحثاً وشرحاً وتحليلاً واستنتاجاً وتعبئة بهذا المفهوم أو ذاك - من ثمّ - فذلك تطرّف مضاد مذموم.
الخطيب الناجح هو الذي يأتي على مجمل قضايا المجتمع أو تحدّيات الأمة، التي لانزاع عليها بين أفراد مجتمعاتها بوجه عام، وتلك قضايا كثيرة لايمكن حصرها في مثل هذا العجالة، أمّا القضايا التي تمثِّل محل نزاع وتجاذب بين أطراف سياسية أو نخبوية أو حزبية أو مذهبية أو طائفية أو نحو ذلك، فليس للخطيب حق تناولها، على نحو مباشر لاسيما حين تكون موضع نزاع اللحظة، فذلك يعدّ توظيفاً رخيصاً لمقام مقدَّس، يتحكم فيه هذا اللون وذاك، وأعني لوني السلطة والمعارضة. ولو فتح هذا الباب على مصراعيه لكان باب فتنة لاينغلق، إذ يصبح المتلقّي العادي من الجمهور محتاراً بين خطابين كليهما يستندان إلى (المقدَّس) الديني، ولا يدري المستهدف من يصدّق بعد ذلك، إذ إن هذا يتحدّث باسم (السماء) وذاك يتحدّث من المنطلق ذاته، والضحية هو الجمهور، بل الإساءة إنما ترجع إلى الدّين ذاته!
ومع التشديد على هذا المعنى في الظروف العادية أو الاستثنائية؛ فإن ثمّة مندوحة استثنائية يفرضها واجب الوقت ومنطق الحَدَث، كما هو الشأن في حال الثورات التي بدأت تغشى المنطقة اليوم فإن شرارة ذلك ومحرّكه الأساس إنما انطلق من يوم الجمعة، نظراً لما يتضمنه ذلك من معان الالتقاء والاجتماع والتفرّغ على نحو لايتحقّق في أي مناسبة أخرى، لكن حين تنتقل الثورة من طور الفكرة إلى طور الفعل والتنفيذ فلاشك - لدى كاتب هذه السطور على الأقل- أن ليس ميدان ذلك دور المساجد، بل الساحات الأخرى التي تأتي مصاحبة لحدث الثورة ومستلزماتها، سواء من حيث التجمع المتكاثر للناس على النحو الذي تضيق به المساجد ودور العبادة عادة، أم لأن جمهور المسجد- وهذا هو الأهم- خليط قد يكون متنافراً من هذا اللون السياسي أو الفكري أو المذهبي أو ذاك.
من ثمّ فلا ينبغي لخطيب ذي وجهة سياسية أو فكرية أو مدرسية معيّنة أن يفرض على جمهوره الذي حضر أغلبه أو جزء منه على الأقل بقصد العبادة المجرّدة - قبل أي مقصد آخر - أن يجرّعه رأيه وفهمه وأن يفرض عليه – من ثمّ - موقفه ورؤيته، ولأّنه في هذه الحال لا ولن يستطيع - ولا يحق له ذلك - أن ينكر أو يمنع خطيباً آخر يحتل مسجداً آخر، إن هو تناول الموضوع ذاته على نحو يختلف في تحليليه واستخلاصاته وموقفه ورؤيته السياسية أو الفكري أو المدرسية عن الخطيب الأول.
وإذا تذكّرنا أنّ المعارضة (الإسلامية تحديداً) هي التي يغلب على أفرادها المناداة بحقهم في أن يتناولوا سياسة السلطات العامة والخاصة الكلية والجزئية اليوم من على منابر المساجد، في الوقت الذي يطالبون فيه الاتجاه المصنّف على السلطة أن يكفّ عن ترويجه لسياسات الحاكم وإضفاء المشروعية أو (القداسة) عليها، بوصف ذلك نفاقاً أو تسويقاً للسوء والسلوك المنحرف للحاكم وسياساته؛ فلنتذكّر أن ذلك محال – على الصعيد العملي - لأن الحاكم يمتلك من إمكانات التأثير – وربما الإقناع بحكم إمكانات السلطة ونفوذها، بما في ذلك العدد الهائل من المساجد، بما لايتوافر لأسباب موضوعية للمعارضة؛ فإن إدراك خطيئة الزج بالمساجد في تبنّي هذه الرؤية أو الموقف أو ذاك سيتجلّى أكثر مايكون.
أمّا إذا تعمّقنا أكثر واستشرفنا المستقبل القريب- بإذن الله- وذلك حين تنتصر الثورة، وتنقلب الموازين، أي حين يغدو المعارض حاكماً، وسواء غدا الحاكم اليوم معارضاً غداً، أم جاء غيره ليحتل موقع المعارضة الجادّة المؤثرة أو غير المؤثرة فإن خطورة الإصرار على الرأي الذي ينادي به بعض المعارضين اليوم من الإسلاميين أو سواهم سيبرز وجه الخطورة فيه أكثر من أي وقت مضى، لأن أول إجراء من الوارد أن يحصل -في ظل الإصرار على صواب الموقف اليوم المتمثل في حق الخطباء المعارضين أن يتناولوا سياسة الحاكم العامة والخاصة الكلية والجزئية - هو حق وزارة الأوقاف أو الشئون الإسلامية في الحكومة المقبلة - بعد انتصار الثورة بإذن الله – أن تعمل على استبدال كل خطيب لا يتبنى سياساتها الجديدة - دعونا الآن من موقف هذا الخطيب مع الثورة أو ضدّها قبل انتصارها- وفي حال رفضه لأسباب فكرية أو حزبية أو مذهبية أو غيرها، فما الذي يتوقّع أن تتخذه إزاءه؟ هل من الوارد أن تسمح له بتبني ما يحلو له أو لمذهبه أو حزبه أو مدرسته الفكرية أو السياسية؟ أم أنها ستضع خطوطاً عريضة في شكل ثوابت (شرعية) و(تربوية) و(وطنية)... إلخ؟ ومن غير الوارد بأي معنى أن يقال لكل خطيب جمعة: نحن دولة (ديمقراطية) أو (دولة مدنية حديثة)، وأن من حق كل خطيب مسجد التعبير في خطبة الجمعة بما يراه وفقاً لأيديولوجيته الخاصة، بما في ذلك مناهضة الثورة أو الدعوة لثورة مضادّة، إذ إن ذلك من أبرز متضمنات الدولة المدنية (حماية حق التفكير والتعبير لكل أحد)!
سكرة اللحظة
أمّا ما يبدو أن الجميع في غفلة شبه تامة عنه فهو إدراك أن مكوّنات الثورة في هذا المجتمع أو ذاك اليوم أشتات من أحزاب وجماعات واتجاهات بينها من الاختلاف الكلّي والجزئي في الوضع العادي والطبيعي ما لايخفى على متابع، بيد أن ثمّة وضعاً استثنائياً دفع بها للالتقاء تمثّل في تغوّل سياسة السلطة السياسية وسيطرتها وإقصائها الحادّ لكل المعارضين الجادّين واستئثارها بكل إمكانات الدولة ومكوّناتها، وإذا انتفى ذلك الهدف المشترك أو العلّة الأساس فمن غير المستبعد – إن لم يكن ذلك هو الوضع الطبيعي في أكثر تلك المجتمعات- أن يعود كل إطار إلى إطاره، وفي هذه الحال سيتضح أن دعم الأحزاب التي لا تسيطر على المساجد أو أن لاحضور لها يذكر فيها لن تظل في السماح لخطباء حلفاء الأمس بالاستمرار في تبني سياساتهم الخاصة، أو أطاريحهم التي لم تعد تمثل اليوم (سياسة الثوّار) بالأمس، ولعلّ أقرب الشواهد إلى هذا الوضع ما يعتمل اليوم في تونس، فبعد أن كان الجميع يرمي حزب التجمع الدستوري الحاكم عن قوس واحدة؛ إذا ببعض تلك الأطياف اليوم تصم حركة النهضة بتوظيف المسجد لأغراض حزبية خاصة ومسيّسة، مما دعا أمين عام الحركة هناك السيّد حمّادي الجبالي يوم الجمعة 29/4/2011م إلى أن يصرِّح بأنّه ضد كل توظيف أو حديث مسيّس في المسجد وخطبة الجمعة بوجه خاص، مشدّداً على أن ذلك هو الموقف الرسمي للحركة، ردّاً على اتهامها بازدواجية الخطاب بهذا الشأن.
صفوة القول: إن رسالة الجمعة التربوية تجسّدت في أجواء الثورة في عموم ساحات التغيير كأبرز ما تكون عليه عملية الإحياء لدورها في مثل هذه الظروف، وهو ما يقتضي من الأحرار جميعاً دعماً وتأييداً ومباركة، ولكن ذلك لايعني تعميماً لهذه الحالة بكل تفاصيلها في الأوضاع العادية، أو حتى الاستثنائية بالنسبة للمساجد، لعموم الأسباب المشار إليها فيما تقدّم، ليبقى التركيز حول المتفق عليه، بين عموم المذاهب والأحزاب ومختلف المدارس الفكرية والسياسية في مختلف المجالات، ولاشكّ أن ذلك يقدّر في كل مجتمع بقَدَره.
*العصر
مواد ذات صله:
الجزء الأول: التفريط في مراد الشارع من خطبة الجمعة
د. أحمد محمد الدغشي
تناولنا في الجزء السابق إمارات ودلالات التفريط في خطبة الجمعة، وما يعنيه ذلك من عدم بلوغ مراد الشارع من هذه العبادة بالغة الأهمية. وفي هذا الجزء نتناول أوجه الإفراد في هذه الشعيرة المهمة من شعائر الدين ودلالات ذلك.
إفراط في الدور التربوي كيف:
- أهم المقولات -
* بقدر ما إن التفريط خطأ شرعي، فإن تشبع الخطب بالبحث والحشد والتعبئة المستديمين تطرف آخر مذموم.
* الخطيب الناجح هو الذي يأتي على مجمل قضايا المجتمع والأمة، التي لانزاع عليها.
* استغلال بعض الخطباء لخطبة الجمعة في إدارة النزاعات توظيف رخيص لمقام مقدَّس.
* واجب الوقت لابد وأن يفرض نفسه على الخطيب دون تفتيت جهود الأمة.
* الثورات العربية نجحت بالتوحد.. ولا ينبغي إفسادها بالتوظيف الرخيص لكل مقدس لدينا.
ليس معنى حديثنا السابق عن التفريط – كما قد يتبادر إلى أذهان بعض القرّاء - أن الخطبة المنشودة اليوم هي تلك التي تأتي في الظروف العادية - أو حتى الاستثنائية؛ كالأوضاع التي كانت تعيشها معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية قبل اندلاع شرارة الثورة في بعضها - على كل شئون الحياة بجميع تفاصيلها، ولاسيما السياسية منها، فتشبعها بحثاً وشرحاً وتحليلاً واستنتاجاً وتعبئة بهذا المفهوم أو ذاك - من ثمّ - فذلك تطرّف مضاد مذموم.
الخطيب الناجح هو الذي يأتي على مجمل قضايا المجتمع أو تحدّيات الأمة، التي لانزاع عليها بين أفراد مجتمعاتها بوجه عام، وتلك قضايا كثيرة لايمكن حصرها في مثل هذا العجالة، أمّا القضايا التي تمثِّل محل نزاع وتجاذب بين أطراف سياسية أو نخبوية أو حزبية أو مذهبية أو طائفية أو نحو ذلك، فليس للخطيب حق تناولها، على نحو مباشر لاسيما حين تكون موضع نزاع اللحظة، فذلك يعدّ توظيفاً رخيصاً لمقام مقدَّس، يتحكم فيه هذا اللون وذاك، وأعني لوني السلطة والمعارضة. ولو فتح هذا الباب على مصراعيه لكان باب فتنة لاينغلق، إذ يصبح المتلقّي العادي من الجمهور محتاراً بين خطابين كليهما يستندان إلى (المقدَّس) الديني، ولا يدري المستهدف من يصدّق بعد ذلك، إذ إن هذا يتحدّث باسم (السماء) وذاك يتحدّث من المنطلق ذاته، والضحية هو الجمهور، بل الإساءة إنما ترجع إلى الدّين ذاته!
ومع التشديد على هذا المعنى في الظروف العادية أو الاستثنائية؛ فإن ثمّة مندوحة استثنائية يفرضها واجب الوقت ومنطق الحَدَث، كما هو الشأن في حال الثورات التي بدأت تغشى المنطقة اليوم فإن شرارة ذلك ومحرّكه الأساس إنما انطلق من يوم الجمعة، نظراً لما يتضمنه ذلك من معان الالتقاء والاجتماع والتفرّغ على نحو لايتحقّق في أي مناسبة أخرى، لكن حين تنتقل الثورة من طور الفكرة إلى طور الفعل والتنفيذ فلاشك - لدى كاتب هذه السطور على الأقل- أن ليس ميدان ذلك دور المساجد، بل الساحات الأخرى التي تأتي مصاحبة لحدث الثورة ومستلزماتها، سواء من حيث التجمع المتكاثر للناس على النحو الذي تضيق به المساجد ودور العبادة عادة، أم لأن جمهور المسجد- وهذا هو الأهم- خليط قد يكون متنافراً من هذا اللون السياسي أو الفكري أو المذهبي أو ذاك.
من ثمّ فلا ينبغي لخطيب ذي وجهة سياسية أو فكرية أو مدرسية معيّنة أن يفرض على جمهوره الذي حضر أغلبه أو جزء منه على الأقل بقصد العبادة المجرّدة - قبل أي مقصد آخر - أن يجرّعه رأيه وفهمه وأن يفرض عليه – من ثمّ - موقفه ورؤيته، ولأّنه في هذه الحال لا ولن يستطيع - ولا يحق له ذلك - أن ينكر أو يمنع خطيباً آخر يحتل مسجداً آخر، إن هو تناول الموضوع ذاته على نحو يختلف في تحليليه واستخلاصاته وموقفه ورؤيته السياسية أو الفكري أو المدرسية عن الخطيب الأول.
وإذا تذكّرنا أنّ المعارضة (الإسلامية تحديداً) هي التي يغلب على أفرادها المناداة بحقهم في أن يتناولوا سياسة السلطات العامة والخاصة الكلية والجزئية اليوم من على منابر المساجد، في الوقت الذي يطالبون فيه الاتجاه المصنّف على السلطة أن يكفّ عن ترويجه لسياسات الحاكم وإضفاء المشروعية أو (القداسة) عليها، بوصف ذلك نفاقاً أو تسويقاً للسوء والسلوك المنحرف للحاكم وسياساته؛ فلنتذكّر أن ذلك محال – على الصعيد العملي - لأن الحاكم يمتلك من إمكانات التأثير – وربما الإقناع بحكم إمكانات السلطة ونفوذها، بما في ذلك العدد الهائل من المساجد، بما لايتوافر لأسباب موضوعية للمعارضة؛ فإن إدراك خطيئة الزج بالمساجد في تبنّي هذه الرؤية أو الموقف أو ذاك سيتجلّى أكثر مايكون.
أمّا إذا تعمّقنا أكثر واستشرفنا المستقبل القريب- بإذن الله- وذلك حين تنتصر الثورة، وتنقلب الموازين، أي حين يغدو المعارض حاكماً، وسواء غدا الحاكم اليوم معارضاً غداً، أم جاء غيره ليحتل موقع المعارضة الجادّة المؤثرة أو غير المؤثرة فإن خطورة الإصرار على الرأي الذي ينادي به بعض المعارضين اليوم من الإسلاميين أو سواهم سيبرز وجه الخطورة فيه أكثر من أي وقت مضى، لأن أول إجراء من الوارد أن يحصل -في ظل الإصرار على صواب الموقف اليوم المتمثل في حق الخطباء المعارضين أن يتناولوا سياسة الحاكم العامة والخاصة الكلية والجزئية - هو حق وزارة الأوقاف أو الشئون الإسلامية في الحكومة المقبلة - بعد انتصار الثورة بإذن الله – أن تعمل على استبدال كل خطيب لا يتبنى سياساتها الجديدة - دعونا الآن من موقف هذا الخطيب مع الثورة أو ضدّها قبل انتصارها- وفي حال رفضه لأسباب فكرية أو حزبية أو مذهبية أو غيرها، فما الذي يتوقّع أن تتخذه إزاءه؟ هل من الوارد أن تسمح له بتبني ما يحلو له أو لمذهبه أو حزبه أو مدرسته الفكرية أو السياسية؟ أم أنها ستضع خطوطاً عريضة في شكل ثوابت (شرعية) و(تربوية) و(وطنية)... إلخ؟ ومن غير الوارد بأي معنى أن يقال لكل خطيب جمعة: نحن دولة (ديمقراطية) أو (دولة مدنية حديثة)، وأن من حق كل خطيب مسجد التعبير في خطبة الجمعة بما يراه وفقاً لأيديولوجيته الخاصة، بما في ذلك مناهضة الثورة أو الدعوة لثورة مضادّة، إذ إن ذلك من أبرز متضمنات الدولة المدنية (حماية حق التفكير والتعبير لكل أحد)!
سكرة اللحظة
أمّا ما يبدو أن الجميع في غفلة شبه تامة عنه فهو إدراك أن مكوّنات الثورة في هذا المجتمع أو ذاك اليوم أشتات من أحزاب وجماعات واتجاهات بينها من الاختلاف الكلّي والجزئي في الوضع العادي والطبيعي ما لايخفى على متابع، بيد أن ثمّة وضعاً استثنائياً دفع بها للالتقاء تمثّل في تغوّل سياسة السلطة السياسية وسيطرتها وإقصائها الحادّ لكل المعارضين الجادّين واستئثارها بكل إمكانات الدولة ومكوّناتها، وإذا انتفى ذلك الهدف المشترك أو العلّة الأساس فمن غير المستبعد – إن لم يكن ذلك هو الوضع الطبيعي في أكثر تلك المجتمعات- أن يعود كل إطار إلى إطاره، وفي هذه الحال سيتضح أن دعم الأحزاب التي لا تسيطر على المساجد أو أن لاحضور لها يذكر فيها لن تظل في السماح لخطباء حلفاء الأمس بالاستمرار في تبني سياساتهم الخاصة، أو أطاريحهم التي لم تعد تمثل اليوم (سياسة الثوّار) بالأمس، ولعلّ أقرب الشواهد إلى هذا الوضع ما يعتمل اليوم في تونس، فبعد أن كان الجميع يرمي حزب التجمع الدستوري الحاكم عن قوس واحدة؛ إذا ببعض تلك الأطياف اليوم تصم حركة النهضة بتوظيف المسجد لأغراض حزبية خاصة ومسيّسة، مما دعا أمين عام الحركة هناك السيّد حمّادي الجبالي يوم الجمعة 29/4/2011م إلى أن يصرِّح بأنّه ضد كل توظيف أو حديث مسيّس في المسجد وخطبة الجمعة بوجه خاص، مشدّداً على أن ذلك هو الموقف الرسمي للحركة، ردّاً على اتهامها بازدواجية الخطاب بهذا الشأن.
صفوة القول: إن رسالة الجمعة التربوية تجسّدت في أجواء الثورة في عموم ساحات التغيير كأبرز ما تكون عليه عملية الإحياء لدورها في مثل هذه الظروف، وهو ما يقتضي من الأحرار جميعاً دعماً وتأييداً ومباركة، ولكن ذلك لايعني تعميماً لهذه الحالة بكل تفاصيلها في الأوضاع العادية، أو حتى الاستثنائية بالنسبة للمساجد، لعموم الأسباب المشار إليها فيما تقدّم، ليبقى التركيز حول المتفق عليه، بين عموم المذاهب والأحزاب ومختلف المدارس الفكرية والسياسية في مختلف المجالات، ولاشكّ أن ذلك يقدّر في كل مجتمع بقَدَره.
*العصر