مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
التظاهرات الرافضة للحرب في العالم أحرجت العواصم العربية
هويدي 24-2-2003

السؤال الكبير الذي تردد صداه في الفضاء العربي طيلة الاسبوع الماضي هو: لماذا ارتفع صوت العواصم الغربية عالياً (في تظاهرات السبت 15/2) بالاحتجاج ضد الحرب على العراق، بينما لم يسمع للعواصم العربية يومذاك صوت؟ ذلك ان كل من تابع نشرات الأخبار والصور التي بثتها الفضائيات في تغطيتها للتظاهرات، لا بد أن يكون قد عقد المقارنة، وألح عليه السؤال، وهو ما بدا واضحاً بشدة ـ مثلاً ـ في زوايا «بريد القراء» التي نشرتها الصحف للمواطنين العاديين على مدار الاسبوع، فقد استوقفتني رسالة نشرتها إحدى صحف المعارضة المصرية قال كاتبها، وهو موظف بإحدى الدوائر الحكومية، لماذا تبحثون عن الصوت العربي في هذه المناسبة، في حين ان ذلك الصوت ليس مسموعاً في أي مناسبة أخرى، حتى تحول المواطن العربي الى صورة بلا صوت.
لاحظ عربي آخر مقيم في باريس ان مؤتمر الفقراء، المسمى بالمنتدى العالمي الاجتماعي الذي عقد في بورتو الليجري (البرازيل) وشارك فيه 122 بلداً، هذا المؤتمر مثلت فيه كل الشعوب، باستثناء الشعوب العربية، ومن شارك فيه من العرب جاء بصفته الشخصية ولم يكن ممثلاً لبلده، أما منتدى الأغنياء الذي عقد في «دافوس»، فقد هرول إليه العرب، وبعضهم جرى تمثيله على أعلى مستوى، وعلق القارئ على ما بثته إحدى الفضائيات بخصوص تظاهرة حول السفارة الأميركية بإحدى العواصم العربية، فقال ان خروج 50 شخصاً للتظاهر في عاصمة يسكنها 15 مليوناً، لا يدعو الى الفخر، ولكنه يبعث على الحزن والأسى.
في إحدى الصحف العربية اللندنية وجدت رسالتين نشرتا حول ذات الموضوع في يوم واحد، الأولى كتبها صحفي من موريتانيا ووجهها الى أهل القرار والسلطان في البلاد العربية قائلاً: نناشدكم في هذا الوقت الصعب أن ترحمونا، فقد بلغ السكين العظم، وبلغ الحزام الطبيين، فالشعوب عطشى تتوق الى هذا الذي سمعت بأنه «الحرية». ثم أضاف: نريد أن نخرج الى الشارع، ليس فقط لشراء الخبز والمعكرونة، وإنما أيضاً لنقول ما في قلوبنا، بأننا بشر ظلمنا وعذبنا، وأنه حتى الحيوانات صار القانون يعاقب المسيء إليها، فكيف بخير أمة أخرجت للناس؟
الرسالة الثانية لقارئ جزائري، علق فيها على تصريح لأحد وزراء الداخلية العرب قال فيه ان الشرطة في بلاده على أهبة الاستعداد لاحتواء تجمعات المتظاهرين المحتملة، و«مواجهة منتهزي المواقف ومدعي البطولات»، في غمز وتشكيك بالمتظاهرين، الذين خرج أقرانهم في مختلف أنحاء الدنيا، ولم يسمع أحد بأن الشرطة تصدت لهم. وفي تعليق صاحب الرسالة قال ان المتظاهرين متهمون في البلاد العربية، بينما هم في بلاد العجم أناس أحرار يمارسون حقهم في التعبير عن الاحتجاج والغضب.
من المصادفات أو المفارقات في هذا السياق انه بينما تفاعلت أصداء التظاهرات الغربية في مختلف المحافل والمنتديات، صدرت في ذات الاسبوع نشرة المنظمة العربية لحقوق الانسان، التي عرضت صورة لخلفية المشهد العربي، لم تكن مفاجئة، ولكن تزامنها مع المظاهرات له دلالته المهمة، فقد تضمنت النشرة تقارير عدة عن مصادرة للصحف في بلدين عربيين، واعتقال بعض الناشطين الذين اشتركوا في تظاهرات الاحتجاج ضد الحرب في بلدين آخرين، واحتجاز وضرب أحد القضاة الذين دافعوا عن استقلال القضاء وحقوق السجناء، في أحد الأقطار، واختفاء مواطنين في قطر آخر.
في ذات الاسبوع أيضاً قرأت خبرين مثيرين في صحيفتين عربيتين، احداهما باللغة الانجليزية، وهذه الأخيرة نشرت ان عدد المعتقلين من أعضاء الجماعات الاسلامية في بلد عربي كبير وصل الى 30 ألفاً، قدم منهم للمحاكمة ألف فقط، والباقون محتجزون استناداً الى قانون الطوارىء المطبق منذ أكثر من عشرين عاماً، الصحيفة الثانية أبرزت خبراً بثته وكالة «رويترز» للأنباء، ذكرت فيه إحدى جماعات حقوق الانسان، قالت في بيان لها ان الشرطة في أحد الاقطار العربية ألقت القبض على 20 شخصاً اتهموا بأنهم تصفحوا مواقع اسلامية محظورة ـ أي والله «تصفحوا» فقط، ـ وهؤلاء الأشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً ومعظمهم من طلاب المرحلة الثانوية.
هذه مجرد «لقطات» من حصيلة اسبوع واحد في الزمن العربي، التي أحسبها تجسد بشدة جذور الأزمة وبعضاً من ثمارها، واحسب ان المقام لا يحتمل المزيد، لاننا لو فصلنا في الخلفيات والجذور، فإن الحيز المتاح لايتسع، وأغلب الظن اننا سنتجاوز حدود الكلام المباح، ورغم ان مغريات الخوض في غير المباح كثيرة، إلا انني أمسك عنها تجنباً للوقوع في المحظور، ولكنني اعترف بأنني عجزت عن مقاومة الرغبة في الإشارة ـ مجرد إشارة الى التقرير المثير الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 2002/12/22، وأعده أربعة من محرريها البارزين، عن عمليات التعذيب التي يتعرض لها المشتبه في انتمائهم الى تنظيم القاعدة، وكيف ان محققي المخابرات المركزية لم يستطيعوا أن يستخلصوا أو ينتزعوا منهم ما يريدون من اعترافات في «غوانتانامو»، فتقرر ارسال الذين يلقى القبض عليهم الى ثلاثة مراكز في العالم العربي، خصصت للقيام «باللازم» في هذا الصدد، وكيف ان الأجهزة العربية المعنية حققت «نتائج باهرة» في الحصول على المعلومات المطلوبة.
اكتفي بهذه الخلاصة ليس فقط للأسباب السابق ذكرها، ولكن لأن التفاصيل التي وردت في التقرير مما يشيب له شعر الرأس ويعذب الضمير والوجدان، وانتقل الى جوهر الأزمة المتمثل في غياب الحريات وانتهاكات حقوق الانسان في العالم العربي، التي روعت الخلق وأخرست الألسن وشلت حركة المجتمعات، مما أدى الى تغييبها واشاعة اليأس والقنوط بين شرائحها المختلفة.
ذلك اننا يجب أن نعترف بوجود تلك الأزمة، وبحاجة مجتمعاتنا السياسية الى إصلاحات سياسية جذرية، تحتل قائمة أولوياتها قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، أدري أن هذه العناوين ابتذلت في بعض الأقطار العربية، التي ادعت انها قطعت أشواطاً بعيدة في توفير استحقاقاتها، في حين لم يتجاوز الأمر تصميم الهياكل ورفع اللافتات والشعارات، دون التزام بأي وظيفة أو مضمون، وفي اختبار كهذا الذي مررنا به في الاسبوع الماضي، صرنا أمام لحظة كاشفة بينت لكل ذي عينين أن جماهيرنا مغيبة، لا صوت لها ولا حضور، برغم كل الطنطنة التي نسمعها عن ممارسات الحرية والديمقراطية هنا وهناك.
والأمر كذلك، فأخشى ما أخشاه أن تجيء لحظة أخرى حاسمة، نحتاج فيها الى دور فاعل للجماهير العربية، تساند به دور الحكومات وأجهزتها، وحين ننادي أو نفتش عن تلك الجماهير، فلا يسمع للنداء أحد، ولا نجد لتلك الجماهير أثراً.
ثمة رأي يقول بأن الجماهير اختفت حقاً من الشارع العربي، ولكن ليس صحيحاً أنها خرجت تماماً من المسرح، لأن الصحيح انها غادرت الشارع واختفت في «السرداب» العربي، وهو تعبير مجازي عن تراجع الجماهير تحت وطأة القمع، واختفائها في أنشطة سرية وغير مشروعة، موجودة وغير مرئية، وهو رأي اذا صح فانه يبعث إلينا برسالة تضاعف من القلق والخوف على المستقبل، ذلك ان الجماهير التي تختبىء في الظلام، وتختزن المرارة والغضب طبقة فوق طبقة، قد تتحول الى قنبلة موقوتة أو بركان يمكن أن ينفجر في أي وقت، وتكون للانفجار آثاره المدمرة، في حين ان تلك الجموع لو اتيح لها أن تخرج الى الشارع وترفع صوت الغضب والاحتجاج أمام الكافة، فإن ذلك سوف يمكنها من تصريف شحنات الغضب أولاً بأول، الأمر الذي يحول دون التراكم الخطر، ومن ثم يوفر السلامة والاستقرار للمجتمع، ويحول دون وقوع الاحتمالات الكارثية الناشئة عن اختزان الغضب ودفنه في الأعماق حتى تحين فرصة تفجيره.
كان الصحفي البريطاني روبرت فيسك الذي يعد أحد المعلقين البارزين في صحيفة «الاندبندنت» واحداً من كثيرين عقدوا المقارنة بين ما شهدته العواصم الغربية وما جرى في العواصم العربية يوم 15 فبراير الحالي، ورغم تعاطفه مع العرب ونصرته لقضاياهم العادلة، إلا انه بدا ساخطاً عليهم بشدة هذه المرة، حتى وصفهم بأنهم «فئران»، بعدما تحدث عن بؤس التظاهرات التي خرجت في بلادهم، والاعداد الهائلة من الشرطة ورجال الأمن الذين أحاطوا بها، وفاقت في حجمها أعداد المتظاهرين.
نقطة الضعف الأساسية في تعليق فيسك انه وضع الجميع في سلة واحدة، ومن ثم أدان العرب باطلاق، دون تمعن كاف في تضاريس الواقع السياسي الذي يعيشون في ظله، وإذا كان الانفعال واضحاً في خطابه، فان ذلك الانفعال غيب عنه تنامي الأصوات الداعية الى الإصلاح السياسي في العالم العربي، وارتفاع تلك الأصوات في غير عاصمة عربية.
من أسف ان ورقة الإصلاح السياسي تستخدم الآن من قبل الولايات المتحدة لتبرير المخططات التي أعلن عنها لما سمي بـ«إعادة تشكيل المنطقة» في اعقاب إسقاط النظام العراقي، وهو ما لمسناه في أحاديث عدد من مسؤولي الادارة الأميركية، كان أبرزهم السيد كولين باول وزير الخارجية، الذي اطلق في الثاني عشر من ديسمبر الماضي «مبادرة المشاركة من أجل الديمقراطية والتنمية»، وتحدث فيها عن مسعى الولايات المتحدة لاشاعة المزيد من الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، وفي وقت لاحق تحدث أمام إحدى لجان الكونجرس عن ان الهدف من إعادة التشكيل هو تحقيق المصالح الأميركية وانهاء القضية الفلسطينية.
لقد هب كثيرون يعارضون التوجه الأميركي وينتقدون مراميه، وكنت واحداً من هؤلاء، ولكن نقطة الضعف الحقيقية في خطاب المعارضين تمثلت في أن التشخيص الامريكي صحيح، ولكن العلاج هو الخطأ والخطر، حتى غدا كلامهم من قبيل الحق الذي يراد به باطل، والموقف الذي ننحاز إليه ونتمناه يتمثل في تأييد الدعوة الى الإصلاح السياسي، وفي ضرورة أن ينبع ذلك الإصلاح من الداخل، بحيث يكون استجابة لتطلعات المجتمع وليس استجابة لضغوط من الخارج، بحيث يتم المراد بيدنا لا بيد عمرو، والأخير في حالتنا هذه بديل كارثي بامتياز، اننا نريد إصلاحاً لوجه الله والناس وليس لحساب أميركا.
أضافة تعليق