مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عبد الله غول: الجيش لم يتدخل في تشكيل حكومتنا
هويدي 20-12-2002

حين رشح عبد الله غول نفسه لرئاسة حزب «الفضيلة» الاسلامي قبل عشرين شهرا، لم يؤيده شيخ الحركة الاسلامية التركية نجم الدين اربكان، الذي منعه حكم قضائي من العمل السياسي بعد حل حزب الرفاه، ونقل عن اربكان آنذاك قوله إن أوان غول لم يحن بعد، برغم انه كان في الخمسين من عمره. وكان اربكان هو الذي اسهم في تصعيد عبد الله غول حين عينه وزيرا في حكومته عام 1996، لكنه لم يسلمه وزارة الخارجية، ربما لظنه ان اوانه لم يحن بعد، وانما عينه وزير دولة للشؤون الخارجية، وقد شاءت المقادير ان يستقل غول لاحقا ويؤسس مع رجب اردوغان حزب العدالة والتنمية، ويصبح نائبا لرئيسه، ثم يحقق الحزب فوزه المشهود ويبتسم له الحظ اخيرا فيقع عليه الاختيار لكي يشغل منصب رئيس الوزراء لا لأن أوانه قد حان، ولكن لكي يؤدي دور البديل المؤقت، حتى يتمكن رئيس الحزب رجب اردوغان من اجتياز الحاجز القانوني الذي منعه من تولي المنصب، بسبب تلك الخلفية، فان احد الاسئلة التي شغلتني حين ذهبت للقائه في مكتبه بأنقرة. كان السؤال التالي: متى يحين وقت عبد الله غول اذن؟
* مقابله بين الرأسين: غول واردوغان
* كنت اعرفه منذ عقدين من الزمان، حين كان شابا متمردا، شديد الحماس والحيوية في صفوف الحركة الاسلامية، التي انخرط فيها وهو طالب يدرس الاقتصاد في جامعة اسطنبول، وبرزت حيويته منذ التحق بحركة «مللي جوريش» ـ الرؤية الوطنية ـ الامر الذي دفع العسكر الذين قاموا بانقلاب عام 1980 الى اعتقاله، وايداعه سجن «متريس» العسكري في اسطنبول. وفي داخل حزب الرفاه ترجمت حيويته الى مشاغبات وانتقادات لم تتوقف، ودعوة مستمرة الى التحديث والتطوير. وكان لافتا للنظر انه حين رشح نفسه لزعامة حزب «الفضيلة»، فان الملصقات التي وزعها حملت صورته، والى جوارها عبارة تقول: حماسة جديدة ـ دينامية جديدة ـ أمل جديد قبل ان التقيه كان لدي موعد مع أحد الدبلوماسيين المخضرمين في انقرة، السفير غونر اوزتك، الذي يدير مركزا لابحاث الشرق الاوسط والبلقان، وتطرق الحديث الى الرجلين الصاعدين في سماء السياسة التركية، رجب اردوغان وعبد الله غول، واستوقفني ان السفير اوزتك بدا مقتنعا بقدرة وكفاءة عبد الله غول، حتى اعتبره افضل من اردوغان، واستند في ذلك الى ثلاثة اسباب اولها هدوء عبد الله غول واحتفاظه بابتسامة على وجهه، في حين ان اردوغان سريع الانفعال ويمكن استفزازه بسهوله.
السبب الثاني ان غول خبرته اكبر واعمق في المسائل الاقتصادية والسياسية. وقد اكتسب خبرته الاقتصادية من اشتغاله لمدة ثماني سنوات خبيرا في بنك التنمية الاسلامي بجدة، اما كفاءته السياسية فقد اختيرت حين تولى حقيبة وزارة الدولة للشؤون الخارجية، وكان في الوقت ذاته متحدثا باسم الحكومة. وبالمقارنة فان خبرة اردوغان الاكاديمية محدودة، اما خبرته العملية فقد اكتسبها حين صار رئيسا لبلدية اسطنبول، وهي لا تتجاوز الشؤون الداخلية. اما السبب الثالث فهو ان غول يجيد اللغة الانجليزية الامر الذي يسر له التواصل المباشر مع الوفود الاجنبية دائمة التواجد والمرور بتركيا، في حين ان اردوغان يحتاج دائما الى مترجم ووسيط بينه وبين الاجانب.
مع ذلك فلا خلاف على شعبية اردوغان وجاذبيته في اوساط الجماهير التي نجح في مخاطبتها وكسب ثقتها وتعاطفها، الامر الذي يدعو كثيرين الى القول بأن كلا منهما بحاجة الى الآخر لكي تكلل المسيرة بالنجاح ـ فغول يحتاج الى شعبية اردوغان الجارفة، واردوغان يحتاج الى كفاءة وخبرة غول.
* لا توجد مياه راكدة للاصطياد
* يوم التقيته كان موعده مع البرلمان للاقتراع على الثقة في حكومته، وحين قلت له انه ذاهب الى اختبار مضمون النتيجة بحكم الاغلبية الكبيرة المتوفرة لحزبه، ضحك وقال ان احد عيوب ضمان اصوات الاغلبية وانفراد الحزب بتشكيل الحكومة هو ان ذلك يغيب من عنصر التحدي ويخفض من نسبة التوتر، التحدي والتوتر مطلوبان لشحذ الهمة وتسخين مسرح الاداء. لكن ذلك العيب لا يقارن بميزة اطمئنان الحكومة، وتحركها الواثق، الذي من شأنه اشاعة اجواء استقرار المجتمع واستعادته للامل في الحاضر والمستقبل.
كانوا قد طلبوا من نص الاسئلة التي سأطرحها على غول، وهو تقليد مستقر في تركيا يفضي احيانا الى كتابه الردود من قبل المستشارين، ثم اتمام المقابلة لالتقاط الصور، وقد حمدت الله ان تلك «التمثيلية» لم تحدث معي، ربما مجاملة من جانبه بسبب المعرفة السابقة التي اشار الى ملابساتها في بداية اللقاء، الامر الذي شجعني على طرح السؤال الشخصي الذي راودني عن دوره واوانه وان التف عليه عبر سؤال آخر حول كيفية انهاء الوضع الشاذ للوزارة التي تتحرك برأسين، رأس عبد الله غول ورأس الطيب اردوغان. عاودته الضحكة فقال: ادري ان ثمة لغطا كثيرا في الموضوع. ليس كله بحسن نية، فهناك من يثير المسألة بهدف الوقيعة ومحاولة احداث شروخ داخل الحزب. وهؤلاء لا يعرفون طبيعة العلاقة بيني وبين اردوغان، ولا طبيعة عمل الحزب. فعلاقتي بالطيب ممتدة لاكثر من ثلاثين عاما، منذ كنا معا في اتحاد طلاب الجامعة، وطيلة تلك المدة بيننا حوارات مستمرة، وقد لا يستهان به من الثقة والفهم المتبادل، لذلك فان الذين يحاولون الوقيعة عليهم ان يدركوا انه ليس ثمة مياه راكدة لكي يصطادوا فيها أصلا.
وما افعله انا وما يفعله هو مرتب ومتفق عليه مسبقا. والكل يعلم ان ثمة حوائل قانونيه منعت «الطيب» من تولي منصب رئيس الوزراء الذي يستحقه كرئيس للحزب، ونحن نحاول معالجة ذلك الوضع، لحل الاشكال بالطرق القانونية ايضا. وحين يتم ذلك فلن يتغير شيء في برنامج الحكومة وسياستها، وكل الذي سيحدث انني سأتراجع خطوة واحدة الى الخلف لكي يأخذ الرجل مكانه الطبيعي.
وعلى صعيد الحزب فالحوارات بين عناصره القيادية مستمر بكثافة منذ تأسيسه وليس منذ ظهور نتائج الانتخابات، ولا ننسى انه حزب وليد، ممتلئ بالحيوية والطموحات الكبيرة.
* العسكر لم يتدخلوا في الحكومة
* قلت: لاحظت ان في الحكومة ستة وزراء تمتد اصولهم الى حزب الوطن الأم، الذي اسسه رئيس الوزراء الاسبق تورغوت اوزال.
ـ قال: هم اعضاء في حزبنا الان، ونحن لم نسأل من اين جاءوا، رغم اننا نعتبر ان تجربة حزب الوطن الام في عهد اوزال حققت نجاحات مشهودة وقدمت نموذجا يستحق الاحترام. وقد كان همنا في الاختيار هو ان تضم الحكومة اكفأ العناصر المتاحة، واكثرها احتراما لثوابت المجتمع التركي وقيمة الاساسية. ولم تكن الاعتبارات الايديولوجية هي الحاسمة في الاختيار.
* قلت: نشرت الصحف ان رئيس الجمهورية اعترض على اسم مرشحكم لوزارة التعليم الدكتور بشير اتالاي، الذي كان قد اقصى عن منصبه كرئيس لجامعة كرك بسبب توجهاته الاسلامية.
ـ قال: هذا صحيح. ورئيس الجمهورية استخدم صلاحياته وبسبب التحفظ الذي ابداه تم تعيين الدكتور اتالاي في منصب وزير دولة، وحين اراد ان يعرف المزيد عن الوزراء المرشحين الذين لم يكن يعرفهم من قبل، فقد طلبت ونحن جالسون في مكتبة بيانات واقعية عن سيرة كل منهم، وارسلت تلك البيانات بالفاكس على الفور، الامر الذي اتاح الفرصة للتفاهم حول كل شيء في الفريق الوزاري.
* هل تدخلت قيادة العسكر في تشكيل الوزارة؟
ـ لم يحدث، ورئيس الجمهورية هو الجهة المختصة التي كان علينا ان نتشاور معها في التشكيل، وفي كل الحالات فاننا راعينا مختلف حسابات الوضع السياسي التركي، وحرصنا على توفير اكبر قدر من الاجماع على الفريق الوزاري، لان ذلك سيوفر للحكومة فرصة افضل لكي تنقذ السفينة التركية من الغرق.
حتى الوزيرة الوحيدة التي اختيرت لحقيبة السياحة اخترتموها غير محجبة؟
ليس ذلك مصادفة بطبيعة الحال، فالبلد له مشاكل اكبر بكثير من مسألة الحجاب
* هل التلويح باحتمالات غرق السفينة التركية تعبير مجازي أم حقيقي؟
ـ هو تعبير حقيقي لا مبالغة فيه، فتركيا بلد ضخم، هائل القدرات، يستحق ان يكون على صورة مختلفة تماما في تلك التي اوصله اليها السياسيون والاحزاب التقليدية. فقد اشاع هؤلاء فيه جوا من عدم الاستقرار والفوضى، ضرب العمله في مقتل واصاب البلاد بحالة من الكساد ادت الى اضافة ميلوني عاطل الى الشوارع خلال السنتين الاخيرتين فقط، ناهيك عن اغلاق آلاف المصانع وهروب مليارات الدولارات الى خارج تركيا، لذلك فأهم ما نسعى اليه هو ان نعيد الى الناس الثقة في السلطة وفي المستقبل لان رصيد هذه الثقة تآكل من جراء الفساد السياسي والاقتصادي الناس يبحثون عن الامل.
* هل تعتقد ان الناس صوتوا لحزب التنمية لانهم يبحثون عن هذه الثقة؟
ـ هناك اسباب كثيرة شجعت الناس على التصويت لصالحنا، في مقدمتها يأسهم من الاحزاب التقليدية، واقتناعهم بان تركيا بحاجة الى قيادة جديدة تعود سفينتهم الى بر الامان. وخبرة المجتمع معنا ساعدت على تعزيز ذلك الاقتناع، لقد وجدوا في حزب العدالة والتنمية الكثير مما يفتقدونه في الحياة السياسية.
* لماذا وضعتم الانضمام الى الاتحاد الاوروبي على رأس أولوياتكم حتى تفرغ الطيب اردوغان لهذه العملية منذ بدء تشكيل الوزارة؟
ـ حتى يكون الكلام دقيقا فمسألة الانضمام للاتحاد الاوروبي تحتل اولوية في سياستنا الخارجية، اي على الصعيد الداخلي فلدينا اولويات اخرى، ومطلب الانضمام للمنظومة الاوروبية ليس جديدا، فقد طرقت تركيا ابواب اوروبا منذ حوالي 40 عاما، تلكأنا نحن حينا وتلكأوا هم احيانا، ووجدنا ان هذه المسألة يجب ان تحسن، بحيث تظل مسألة الانضمام للاتحاد معلقة الى ما لا نهاية، في حين يتتابع انضمام الدول الاخرى، فيما كان يعرف باوروبا الشرقية وغيرها، لكن من الواضح ان ثمة توجسا من انضمام تركيا بوجه اخص.
* لماذا؟
ـ مهما قالوا من اسباب، فأزعم ان السبب الحقيقي هو ان تركيا بلد مسلم وتعداده كبير، اقترب من 70 مليونا، وهناك بعض الجهات التي تتحفظ على انضمام هذا العدد الكبير من المسلمين للاتحاد، وتريده ناديا مسيحيا فقط، وهم احيانا يجهرون بذلك وكثيرا ما يخفون السبب ويتذرعون بأمور اخرى.
* ما هي هذه الجهات؟
ـ هي بالدرجة الاولى الاحزاب الديمقراطية المسيحية في فرنسا والمانيا.
* من المستفيد من ذلك الانضمام: تركيا أم الاتحاد الاوروبي؟
ـ الطرفان مستفيدان، فثمة تسهيلات وامتيازات واسواق ستفتح للاتراك، كما ان اوروبا سيتجدد شبابها وتزداد قوة وحيوية بانضمام تركيا اليها، بامكانياتها الزراعية والمائية والسياحية والصناعية والبشرية. ناهيك من اهميتها الاستراتيجية وما يمكن ان تمثله في العلاقة بين الاسلام والغرب، وهي العلاقة المسكونة بالتوتر الذي وحدها تركيا يمكن ان تزيله بغير احزان أو آلام. وفي ذلك مصلحة اكيدة، ليس لاوروبا وحدها، ولكن للحضارة الغربية باسرها.
* واذا لم يتحقق ذلك الانضمام لاي سبب؟
ـ سيكون في ذلك خسارة لنا ولهم، لكننا لن نعتبر تلك نهاية العالم لانه لدينا بدائل اخرى لا ريب، لا مجال للخوض فيها الآن.
* تغييرا للدستور
* سمعت ان الحكومة طلبت تعديل 36 مادة في الدستور لكي تعالج اوضاعا تتعلق بالحريات العامة، كانت محل انتقاد من المجموعة الاوروبية؟
ـ ما طالبنا بتعديله كان الهدف منه تكريس مسيرة الاصلاح في الداخل، باكثر من كونه استيفاء لشروط القبول في عضوية الاتحاد الاوروبي، واذا كان الانضمام الى الاتحاد على رأس اولويات سياستنا الخارجية، فان تنفيذ تلك الاصلاحات يحتل رأس اولوياتنا الداخلية.
* ما المقصود بتلك الاصلاحات؟
ـ لدينا عنوانان رئيسيان هما مواجهة الازمة الاقتصادية وتعزيز الحريات العامة، وهناك عمل كثير ينبغي ان ينجز على هذين الصعيدين، اذ ليس من شك ان الموضوع الاقتصادي يحتل رأس اهتمامات الناس، وهو ما يتعذر علاجه خلال امد قصير، لاننا بصدد تراكمات في الفساد واستنزاف هائل في الموارد، تم خلال عدة عقود، وقد لا تحل الاشكال تماما، لكن غاية ما نطمع اليه ان نتحرك في الاتجاه الصحيح الذي يطمئن الناس الى ان الاشكال بسبيله الى الحل.
* الذي فهمته ان موضوع الحريات العامة أكثر تعقيدا، لانه محاط بمجموعة من الألغام والأسلاك الشائكة التي قد يتعذر اجتيازها، خصوصا في ما يتعلق بحريات المتدينين؟
ـ من حيث المبدأ لا نستطيع ان نكيل بكيلين في موضوع الحريات، ولا نستطيع ان نطلق حرية المتدينين ونقيد حرية غير المتدينين، لكن الأمر له أوجه أخرى، فقد تم إلغاء الطوارئ التي كانت معلنة في بعض المحافظات الكردية، ونحن نتقدم على طريق كفالة حرية التعبير والاجتماع واحترام الهويات الخاصة، واذا كنت تقصد بالحديث عن حريات المتدينين، ذلك الخط المفروض على الحجاب في الجامعات ومؤسسات الدولة، فقد قلنا مرارا ان هذا الملف ليس ضمن اولوياتنا، واضيف ان هذا الموضوع ينبغي ان يحل يوما ما بالتوافق والتراضي بين الاطراف المعنية، ولا ينبغي ان يظل معلقا في الرقاب أمدا طويلا، وسيظل من المستغرب ان تضطر بناتنا المحجبات إما الى السفر للدراسة في الدول الغربية التي تحترم حجابهن، أو الى البقاء في البيوت وعدم مواصلة تعليمهن.
* البعض يتحدث عن «أجندة سرية» لحزب العدالة، لم تظهر في البرنامج الذي قدمته الحكومة للبرلمان؟
ـ هناك من يصر على إساءة الظن بنا، ومنذ فاز حزبنا في الانتخابات والغمز مستمر فينا، ومحاولات الاصطياد في الماء العكر تلاحقنا، ذلك ان هناك اطرافا ومؤسسات لا يستهان بأمرها لها مصلحة في استمرار الفساد، وتغذت كثيرا بمصادرة الحريات، وتمارس نوعا من الإرهاب السياسي والفكري الذي عانينا منه طويلا في الماضي، ليست لدينا اجندة سرية، ولا ننكر ماضينا، وأوراقنا مكشوفة للجميع، سواء في البيان التأسيسي لحزبنا، أو في برنامجنا الانتخابي، أو في برنامج الحكومة الذي قدمته الى البرلمان، وهو ما يعني ان كل ما عندنا قلناه، بشفافية كاملة، وأنا أعتبر ان الضعفاء هم الذين يعلنون شيئا ويبطنون شيئا آخر فيما يوصف بأنه اجندة سرية، والاقوياء هم الذين يملكون شجاعة مصارحة المجتمع بحقيقة أفكارهم وأهدافهم بحيث يكشفون كل أوراقهم أمام الناس.
* مارسنا نقدا ذاتيا
* هل تعتبر ان خلفيتكم الاسلامية هي مصدر الشكوك المثارة والغمز من قبل البعض في مسألة الاجندة السرية؟
ـ قلت انه ليس لدينا ما نخفيه، والناس صوتوا لصالحنا وهم يعرفون من نحن، ونحن لا ننكر اننا مسلمون ملتزمون بديننا، شأننا في ذلك شأن ملايين الأتراك في هذا البلد، ولا ننكر اننا كنا يوما ما جزءا من حزب له توجهه الاسلامي، لكننا اعلنا على الملأ اننا طورنا من أفكارنا، بعدما تعلمنا من التجارب التي مررنا بها، ومارسنا نقدا ذاتيا لمسيرتنا وأفكارنا، وترجمنا موقفنا الجديد في برنامج حزبنا الذي اردنا به ان يكون حزبا محافظا يدفع عن القيم الاساسية في المجتمع، وينطلق من موقف المصالحة مع ما هو ثابت ومستقر، وليس الصدام او الاشتباك معه، واذا كان الاوروبيون قد أسسوا أحزابا ديمقراطية مسيحية، فلماذا لا نتأسى بتجربتهم في الديمقراطية ونشكل أحزابا ديمقراطية اسلامية، اننا نعارض فكرة الدولة الدينية، ولا نتحدث عن دولة اسلامية بالمفهوم الشائع، ولكننا ندعو لاقامة دولة ديمقراطية حقيقية تحترم حريات الناس وكراماتهم وعقائدهم، بغير تفرقة أو تمييز.
* قرأت لكم مرة قولا بأن العلمانية أسيء فهمها؟
ـ اننا نحترم دستور البلاد الذي ينص على الالتزام بالعلمانية، لكننا وجدنا ان المصطلح اصبح فضفاضا بحيث يحتمل تأويلات كثيرة وبعضها متعارض، بوجه أخص فهناك علمانية مخاصمة للدين وللحريات، وأخرى متصالحة مع الدين ومدافعة عن الحريات، ونحن مع هذه الأخيرة على طول الخط، ونرفض كل تطرف، اسلامي أو علماني.
* قلت انكم مارستم نقدا ذاتيا لتجربتكم في العمل العام، ماذا كانت أهم الثغرات التي تركز عليها ذلك النقد؟
ـ هذه مرحلة تجاوزناها، وأنا أفضل عدم العودة إليها مرة أخرى، متمنيا ان يظل نظرنا مصوبا الى الامام وليس الى الخلف، إذ فضلا عن ان اي متابع للشأن السياسي التركي يعلم كيف مارسنا ذلك النقد الذاتي وما هي خلاصاته، فانني لا أحب ان استعيد على صفحات الصحف نقدا لاشخاص أكن لهم الاحترام والتقدير، ولهم عطاؤهم المحمود على المستوى الوطني (اغلب الظن انه يشير الى تحفظه في انتقاد تجربة الاستاذ نجم الدين اربكان التي شاركوا فيها وكانوا جزءا منها).
* هل مارستم نقدا بالنسبة للحركات الاسلامية في العالم العربي؟
ـ لكل قطر خصوصيته، فما يصلح لتركيا قد لا يصلح لغيرها، والعكس صحيح، لذلك فغاية ما استطيع قوله في هذا الصدد ان على أهل كل بلد ان يبتكروا صيغة العمل العام التي تناسب بلدهم، ولهم ان يستفيدوا من تجارب غيرهم لكن ليس لهم ان يستنسخوها، وهذا بالضبط مانعناه في حزب العدالة والتنمية، الذي هو صيغة تركية نابعة من صميم خبرة الواقع.
* بمناسبة الحديث عن الحركات السياسية في العالم العربي، ما رأيك في درجة حرارة العلاقات العربية ـ التركية؟
ـ للأسف ان هذه العلاقات دون ما نتمناه، وتفتقد الى الحرارة الواجبة، وتنشيط تلك العلاقة خصوصا في المجال الاقتصادي.
* قرأت ان دعوة وجهت اليكم لزيارة اسرائيل؟
ـ لقد اتصل بي عدد من الزعماء مهنئين بعد استلامي رئاسة الحكومة، وكان بينهم الرئيس بشار الاسد الذي دعوته لزيارتنا، ورئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون الذي وجه الي دعوة لزيارة اسرائيل، فشكرته وتسلمت رسالته.
أضافة تعليق