هويدي 20-6-2001
بوسعنا أن نقول ان انتخابات الرئاسة الثامنة لايران هي انتخابات الارقام القياسية بامتياز، لم يحدث في تاريخ الثورة الاسلامية ان تقدم للمنافسة على منصب الرئيس ذلك العدد من المرشحين (814 شخصاً) بينهم ذلك العدد اللافت للنظر للنساء (45 امرأة)، ولا أجيز ذلك العدد من المتقدمين (عشرة أشخاص)، كما لم يحدث ان حصل الرئيس المنتخب على ذلك العدد الكبير من الأصوات (28 مليوناً و500 ألف صوت بنسبة تعادل 79 في المائة تقريباً من مجموع الذين أدلوا بأصواتهم).
لقد كان عدد الذين تقدموا لترشيح أنفسهم أكبر كثيراً مما كان متوقعاً، فغاية ما وصل إليه عدد المتقدمين هو 124 شخصاً، في أولى سنوات الثورة (عام 79)، وظلت المنافسة تدور في النهاية بين أربعة أو ثلاثة أو اثنين فقط من المرشحين، ويبدو ان الحماس للمشاركة، الذي تجلى في السنتين الأوليين للثورة عاد من جديد في هذه الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها السيد خاتمي، إذ ما ان فتح باب الترشيح حتى انهالت الطلبات من كل صوب، حتى ان احد العاطلين عن العمل قدم أوراقه ضمن المرشحين، واعتبرها وظيفة على وشك أن تشغر، فقرر ان يجرب حظه فيها، عسى أن يقدر الناس ظروفه ويتعاطفون معه، وينتخبونه رئيساً! زملاؤه ترشحوا ضده من بين الـ814 متقدماً للترشيح كان هناك 73 شخصاً يحملون شهادات حوزية، أي شيوخ وعلماء دين (وذلك رقم قياسي أيضاً)، و51 يحملون شهادة الدكتوراه، و68 يحملون شهادة الماجستير، و237 شخصاً من حملة البكالوريوس، و76 من خريجي المعاهد، و225 من حملة الشهادات المتوسطة، و25 شخصاً من حملة الاعدادية، و12 لم يقدموا أية شهادات علمية.
واذا جاز لنا أن نستطرد في استخدام لغة الأرقام، فإننا نضيف ان المرشحين يفترض ان يتنافسوا على جذب أصوات 42 مليوناً و170 ألف شخص هم الذين يملكون حق التصويت في إيران، علماً بأن أكبر كتلة من الأصوات في العاصمة طهران (7 ملايين و643 ألف صوت) تليها محافظة خراسان (شمال شرق البلاد)، 4 ملايين و130 ألف صوت.
أثار الانتباه ان المرشحين الذين قدموا أوراقهم من المنتمين الى معسكر المحافظين، أخفوا هوياتهم السياسية تماماً، ولم يشيروا إليها من قريب أو بعيد، وهي الملاحظة التي علقت عليها صحيفة «حياة نيو» ـ (الحياة الجديدة) ـ في عدد 27 مايو (ايار) الماضي قائلة: لم يجرؤ أحد من الـ814 شخصاً الذين سجلوا اسماءهم للترشيح على الاعلان عن تمثيله لجناح اليمين، وتلك علامة على ادراكهم لحقيقة ان الرأي العام معرض عن ذلك الجناح، ومن بين هؤلاء المتقدمين اناس معروف انتماؤهم لليمين كالشمس في وضح النهار، غير انهم يعلمون انهم اذا كشفوا عن هوياتهم الحقيقية فانهم سيعرضون أنفسهم لاختبار نتيجته معلومة سلفاً، وهنا نسجل ان هؤلاء سقطوا عملياً في أعين الناس، قبل ان يدفعهم منافسوهم الى مغادرة الساحة.
من مفاجآت المتقدمين ما أشرنا إليه تواً من ان عدد النساء المترشحات للرئاسة وصل الى 45 امرأة، وهو ما لم يحدث من قبل في أي انتخابات رئاسية ايرانية. من تلك المفاجآت أيضاً ان اثنين من أعضاء حكومة خاتمي ترشحا ضده في المنافسة على منصب الرئاسة، هما السيد مصطفى هاشمي طبا مساعد رئيس الجمهورية ورئيس منظمة التربية الرياضية، ثم الادميرال علي شمخاني وزير الدفاع، الذي كان ترشيحه مفاجأة من نوع خاص، إذ فضلا عن ان هذه أول مرة يرشح فيها وزير للدفاع نفسه لمنصب الرئيس، فانه باعتباره عربي الأصل (عائلته وعشيرته من منطقة الاهواز)، يعد أول عربي يترشح لذلك المنصب، ومن ثم فانه ـ كما قال أحد المحللين في طهران ـ رفع سقف المشاركة العربية في الحياة السياسية الايرانية، على نحو غير مسبوق، وقد تعددت الاجتهادات في تفسيره تقدمه للترشيح، بين قائل انه بعد انسحاب محسن رضائي الرئيس السابق لحرس الثورة، فان الرجل شجعه على الترشيح كي يحصد أصوات حرس الثورة، اضافة الى أصوات العشائر العربية في الاهواز، ومن ثم يحرم خاتمي من تلك الاصوات، وقائل ان الرجل طرح نفسه كحل ثالث وسط بين الاصلاحيين والمحافظين، معتمداً على رصيده كمقاتل يعتز الجميع بدوره الوطني.
المفاجأة التالية في هذا السياق ان أحد العناصر البارزة في جبهة خردار الاصلاحية رشح نفسه بدوره منافساً للرئيس، وهو ابراهم اصغر زاده من قيادات الحركة الطلابية، وكان قائد المجموعة التي احتلت السفارة الاميركية في بداية الثورة، فضلا عن انه أصبح عضواً في المجلس الشوري وفي مجلس بلدية طهران.
معمّمان و8 أفندية مر الجميع بـ«مصفاة» مجلس صيانة الدستور الذي استبعد النساء من الترشيح، كما استبعد اصغر زاده، وأجاز عشرة مرشحين، اثنان منهم من المعممين المنسوبين الى الحوزة العلمية، هما خاتمي وحجة الاسلام علي فلاحيان وزير الأمن الأسبق، أما الثمانية الآخرون فقد كانوا خليطاً من الوزراء السابقين والمهنيين الذين يحمل أكثرهم شهادات الدكتوراه في تخصصاتهم (الهندسة والقانون والطب والاقتصاد)، ومن الذين اجيزوا كان الادميرال علي شمخاني، الذي حصل على الليسانس في الهندسة الزراعية والماجستير العسكرية من كلية الاركان بالأهواز.
بعد اعلان اسماء المرشحين، بدا واضحاً ان خاتمي ليس له منافس حقيقي قادر على تحديه، ويمكن ان يشكل تهديداً لاحتمالات فوزه، وان غاية ما يمكن ان يحققه المرشحون التسعة الآخرون هو ان يجذبوا إليهم ما يستطيعون جذبه من أصوات، لتقليل حصة التأييد لخاتمي قدر الامكان، ومن ثم لإضعاف موقفه في ولايته الثانية، الأمر الذي قد يضطره ـ لتعزيز ذلك الموقف ـ الى تشكيل حكومته بالائتلاف مع الآخرين، أو على الأقل فان ذلك يقلل من محاولته الضغط أو الاستقواء في مواجهة القوى الأخرى، المتمسكة بمواقعها، والمصرة على عدم تمكينه من تنفيذ مشروعه الاسلامي.
لقد انسحب اليمين المحافظ رسمياً من الانتخابات بعد عدول الرئيس خاتمي عن قراره بالاعتزال، وآثر قادة ذلك المعسكر ان يحتفظوا بمرشحهم الذي جرى الاعلان عنه (الدكتور علي ولايتي) الى انتخابات الرئاسة القادمة (عام 2005)، مفضلين ان يجنبوه منازلة خاتمي هذه المرة، وهو ما سيؤدي حتماً الى هزيمته و«حرقه» سياسياً، الأمر الذي يسحب من رصيده بالضرورة في الانتخابات القادمة.
قلت ان اليمين انسحب من الناحية الرسمية فقط، لانه كان موجوداً في الساحة بقوة، سواء في دعمه وتأييده لبعض المرشحين، أو في خطاب رموزه ومنابره الاعلامية، التي ما برحت تنتقد أداء الرئيس خاتمي، وتفند خطابه، وتشوه تجربته في السنوات الأربع الماضية، ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
«السر المعلن»، الذي كان يعرفه الجميع ان معسكر اليمين ألقى بثقله الأساسي وراء الدكتور احمد توكلي الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من بريطانيا، وكان نائباً عن مدينته بهشتر (في الشمال) في الدورة الأولى لمجلس الشورى الاسلامي، ثم صار وزيرا للعمل ومتحدثاً باسم حكومة المهندس مير حسين موسوي، وصاحب امتياز جريدة «فردا»، وقد رشح نفسه منافساً لهاشمي رفسنجاني في انتخابات ولايته الثانية عام 93، وحصل في تلك الانتخابات على 4 ملايين و200 ألف صوت، الأمر الذي شجع الآخرين على المراهنة عليه «لمناكفة» الرئيس خاتمي هذه المرة.
قراءة لحظوظ المرشحين كيف بدت حظوظ المرشحين التسعة؟
اكتفي في الاجابة على السؤال باقتباس فقرات من تحليل نشرته صحيفة «كيهان العربي» في عدد 6/6، الصادر قبل يومين من اجراء الانتخابات (في 8/6)، وفيه قال كاتبه الزميل خالد توفيق ما يلي: لو استثنينا المرشح احمد توكلي، فليس لدى بقية المرشحين المنافسين للسيد خاتمي القابلية على تسجيل مفاجأة تأتي خارج حدود التوقع، وما يأتي (في وسائل الاعلام الايرانية) من تحليلات وتوقعات عن هذا المرشح أو ذاك، تفتقر الى الرصيد الواقعي، المتمثل بامكانيات المرشحين من جهة، وطبيعة الواقع الايراني ومكونات المشهد السياسي من جهة أخرى.
بتعبير آخر ـ أضاف الكاتب ـ فان حظوظ عبد الله جاسبي (رئيس الجامعة الحرة) وشهاب الدين صدر (النائب السابق واستاذ الطب) ومحمود كاشاني (استاذ القانون) ومحمود رضوي (الوزير السابق وعضو مجلس مدينة طهران)، حظوظ هؤلاء لا تكاد تذكر إلى جوار مرشح قوي له حضور راسخ في القاعدة الشعبية كالسيد خاتمي. وربما لا تتجاوز اصوات جاسبي وكاشاني ما كانا قد حصلا عليه في الانتخابات الرئاسية السابقة لا سيما الدورة السادسة عندما رشحا في مقابل هاشمي رفسنجاني، هذا ان لم تتضاءل أكثر وأكثر بسبب النقد المكثف للجامعة الحرة التي يترأسها جاسبي، وبفعل العزلة التي تحيط بمحمود كاشاني في الحياة السياسية، إذ لم تعرف عنه مشاركة حقيقية أو آراء جريئة.
أما بالنسبة لحسن غفوري فرد النائب السابق لرئيس مجلس الشورى السابق ناطق نوري، والعضو البارز في جمعية المهندسين المؤتلفة مع ما يعرف في الأدبيات السياسية بخط اليمين أو الجناح المنتقد للحكم كما يحلو له أن يسمي به نفسه، فإن حظوظه في الحصول على أصوات الناخبين لا تزيد على حظوظ صاحبيه جاسبي وكاشاني وخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار الفشل الذريع الذي منيت به قائمة هذا الخط في انتخابات الدورة الأخيرة لمجلس الشورى الاسلامي، فمن يعجز عن الفوز بكرسي في مجلس الشورى هل يستطيع أن يراهن بالفوز في رئاسة الجمهورية؟
أما فلاحيان وزير الأمن في حكومة هاشمي رفسنجاني والشخصية التي تثير جدلاً غير قليل في الأوساط السياسية الايرانية بفعل ملفات عديدة ارتبطت بها أو بأدائها، فلا تتمتع بنصيب أفضل مما تتمتع به الشخصيات الأخرى في قائمة المرشحين. ان فلاحيان نفسه يدرك أفضل من أي انسان آخر، أنه لا يستطيع أن يكسب أصوات ذات بال بحكم واقعين اثنين على أقل تقدير، هما:
الأول: انه مني بالفشل الذريع في انتخابات مجلس الشورى حينما رشح عن أصفهان ولم يستطع أن يفوز. ومن يخسر معركة الانتخابات على مستوى مجلس الشورى من المؤكد أنه سيخسرها على مستوى الرئاسة، خاصة أن المعطيات التي أدت إلى فشله لا تزال هي، هذا ان لم ينحدر موقعه الشعبي نحو الأسوأ بعد الحادثة الأخيرة التي أدت بولده أن يفتح النار على أحد أفراد السلك العسكري ويرديه قتيلاً.
الثاني: كان يكفي الشيخ علي فلاحيان أن يعود قليلاً إلى الوراء ليكتسب الدرس والعظة من النتيجة التي آل إليها سلفه الشيخ محمدي ريشهري وزير الأمن الأسبق حينما رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية السابقة وجاء في آخر قائمة المرشحين. وحتى بعد شخصية لا تتحلى بمثل الموقع السياسي الذي تتحلى به كشخصية رضا زوارتي العضو الحقوقي في مجلس المحافظة على الدستور.
ان الحس الشعبي في ايران لا يتفاعل على مستوى الرئاسة مع شخصية أمنية حتى لو كانت من وزن ريشهري فكيف بفلاحيان الذي ارتبطت باسمه أو بأدائه عدة ملفات مثيرة؟ هذه النقطة ألمح إليها فلاحيان نفسه في جواب تلفازي حينما ذكر صراحة أن احدى السيدات زارت مقر حملته الانتخابية وقالت له نصا ان الشعب الايراني لا يصوت لرئيس كان يشغل موقعاً أمنياً على مستوى وزير الأمن.
على ضوء ذلك كله فمن المقطوع به ان فلاحيان سيأتي في آخر القائمة ويكون في عداد المرشحين الأقل أصواتاً ومن ثم ينبغي لنا أن نبحث عن دوافع ترشيحه في أفق آخر غير الفوز بالرئاسة، لأنه أعلم الناس بأنه لن يفوز بالموقع، بل ولن يكون بمقدوره أن ينافس مرشحاً من وزن أحمد توكلي فضلاً عن المرشح الأساسي محمد خاتمي.
أصوات العرب لخاتمي نصل الآن إلى وزير الدفاع علي شمخاني الذي تراهن عليه بعض التحليلات وكانت تترقب أن تسجل مساهمته مفاجأة على مستوى نتائج المعركة الانتخابية. والواقع أن المفاجأة في قضية شمخاني انتهت، إذ هي لم تتجاوز أصل قضية الترشيح نفسها، ومن ثم فانه بات مرشحاً كالآخرين يأتي حظه في الخانة الأخيرة من المرشحين الأقل أصواتاً.
بتعبير أوضح، لقد تمثل عنصر المفاجأة بترشيح شمخاني نفسه في مقابل رئيسه خاتمي، وليس هناك ما هو أبعد من ذلك في الحدث. أما ما يقال عن امكان استقطابه لأصوات العسكريين من الجيش والحرس وقوات التعبئة فهو أمر مستبعد لأسباب متعددة أهمها ذلك الحس الدقيق الذي يتحلى به الشارع الايراني الماثل في عدم التصويت لشخصيات أمنية وعسكرية كما حصل مع ريشهري وزير الأمن الأسبق في الانتخابات الرئاسية السابقة. وكما هو مرتقب في الانتخابات الحالية بالنسبة إلى فلاحيان وشمخاني.
على ضوء هذا المؤشر الراسخ كان من المستبعد أن يستطيع شمخاني أن يحصد أصواتاً انتخابية مهمة حتى داخل أوساط المؤسسة العسكرية ذاتها التي تربت على تقليد خميني يفيد بعدم تدخل رجال هذه المؤسسة بالشأن السياسي.
هناك أيضاً نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة التي سجلت فيها المؤسسة العسكرية تصويتاً واسعاً لصالح خاتمي ضد ناطق نوري. لذلك ليس هناك ما يرجح تصويتها حاضراً لصالح شمخاني على خلفية كونه شخصية عسكرية خاصة، وانه يفتقد لمؤهلات العمل السياسي ولم تعرف له مواقف سابقة في الادارة السياسية.
أما حكاية أن عرب اقليم خوزستان سيرجحون كفة شمخاني أمام بقية المرشحين لأسباب تعود إلى وحدة الانتماء القومي، فأود أن أقول ان هذا الاحتمال كان يمكن أن يكون راجحاً لو أن هناك خلفية واضحة في شخصية شمخاني بهذا الاتجاه ولا أعرف مثل هذه الخلفية أبداً، ثم أن الحس القومي لدى قوميات الشعب الايراني وان كان موجوداً، إلا أنه لم يدخل معترك السياسة بعد، ولم يتحول من ثم إلى عنصر ثقل حتى اللحظة خاصة في انتخابات الرئاسة.
هناك حقيقة أخرى ينبغي أن لا تهمل تتمثل بتعاطف شعب خوزستان ولا سيما العرب مع خاتمي، حيث سجلت نتائج الانتخابات السابقة ميل أكثر من 80% من هؤلاء إلى خاتمي في بعض المناطق. وليس هناك ما يشير إلى تغير هذا الميل لصالح خاتمي في المعركة الحاضرة، ولا يستطيع أحد أن يجازف بالقول ان شخصية شمخاني تمتلك من المؤهلات وعناصر الجاذبية ما يدعها تتفوق على خاتمي حتى عند عرب خوزستان.
يبقى بعد ذلك مصطفى هاشمي طبا الذي يراهن عليه البعض في استقطاب أصوات الشباب وذوي الميول الرياضية بحكم موقعه كمسؤول رياضي. وقد فات هؤلاء ان شخصية هاشمي طبا لا تتمتع بأية جاذبية داخل الوسط الشبابي والرياضي، بل هي في معرض النقد الشديد من قبلهم لأسباب متعددة لا مجال للخوض بتفصيلاتها الآن.
ان مشكلات عالم الرياضة والشباب تنعكس بتبعاتها السلبية على هاشمي طبا فتتحول إلى عنصر ضعف لا عنصر قوة كما تظن بعض الأوساط، تماماً كما هو الحال مع عبد الله جاسبي الذي تحمله الأوساط الجامعية تبعات المشكلات الأساسية التي يعيشها هذا الوسط، وأيضاً كما هو الحال مع علي فلاحيان الذي تحمله الأوساط الشعبية تبعات عدد بارز من الملفات الأمنية ذات الصلة بعواطف الرأي العام.
وعلى ضوء ذلك كله فإن ما يحسب عناصر قوة لدى هذه المجموعة من المرشحين مثل هاشمي طبا وشمخاني وفلاحيان، هي في حقيقتها عناصر اضعاف لمواقعها في المعركة الانتخابية، وعندما يخسر أمثال هذه الشخصيات حظها في الفوز في مواقع قوتها، فماذا يبقى أمامها في المواقع الأخرى؟
النتائج أكدت التوقعات لقد تعمدت اقتباس أكبر جزء من التحليل، لسببين، أولهما أنه يمثل قراءة مسبقة لنتائج جاءت مطابقة تماماً لما أعلن بعد ذلك بخمسة أيام، حيث حصل الرئيس خاتمي على حوالي 78% من الأصوات، وحصل الدكتور أحمد توكلي على 15.61% من الأصوات، أما علي شمخاني فقد حصل على 2.62% فقط. والآخرون كانوا أقل من 1 في المائة، أعلاهم الدكتور جاسبي .92%، وأدناهم هاشمي طبا .10%. وقد احتل وزير الأمن الأسبق علي فلاحيان المرتبة قبل الأخيرة، حيث حصل على 0.20%.
أما السبب الثاني، فهو أن التحليل يثبت أن النتائج كانت معلومة مسبقاً، وان أحداً لا يشك في أنه لم تكن هناك معركة حقيقية، وان ما جرى كان في جوهره استثناء على الاصلاحات. محور المراهنة فيه هو: ما نسبة التأييد التي يحظى بها السيد خاتمي، بعد مضي أربع سنوات على توليه السلطة؟
مع ذلك، فإن المعسكر المحافظ أرادها معركة لاضعاف خاتمي وتشويه صورته. ولتحقيق ذلك فان رموزه لجأوا إلى العديد من الأساليب والحيل المشروعة وغير المشروعة، ماذا فعلوا بالضبط؟ غداً نجيب بإذن الله.
بوسعنا أن نقول ان انتخابات الرئاسة الثامنة لايران هي انتخابات الارقام القياسية بامتياز، لم يحدث في تاريخ الثورة الاسلامية ان تقدم للمنافسة على منصب الرئيس ذلك العدد من المرشحين (814 شخصاً) بينهم ذلك العدد اللافت للنظر للنساء (45 امرأة)، ولا أجيز ذلك العدد من المتقدمين (عشرة أشخاص)، كما لم يحدث ان حصل الرئيس المنتخب على ذلك العدد الكبير من الأصوات (28 مليوناً و500 ألف صوت بنسبة تعادل 79 في المائة تقريباً من مجموع الذين أدلوا بأصواتهم).
لقد كان عدد الذين تقدموا لترشيح أنفسهم أكبر كثيراً مما كان متوقعاً، فغاية ما وصل إليه عدد المتقدمين هو 124 شخصاً، في أولى سنوات الثورة (عام 79)، وظلت المنافسة تدور في النهاية بين أربعة أو ثلاثة أو اثنين فقط من المرشحين، ويبدو ان الحماس للمشاركة، الذي تجلى في السنتين الأوليين للثورة عاد من جديد في هذه الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها السيد خاتمي، إذ ما ان فتح باب الترشيح حتى انهالت الطلبات من كل صوب، حتى ان احد العاطلين عن العمل قدم أوراقه ضمن المرشحين، واعتبرها وظيفة على وشك أن تشغر، فقرر ان يجرب حظه فيها، عسى أن يقدر الناس ظروفه ويتعاطفون معه، وينتخبونه رئيساً! زملاؤه ترشحوا ضده من بين الـ814 متقدماً للترشيح كان هناك 73 شخصاً يحملون شهادات حوزية، أي شيوخ وعلماء دين (وذلك رقم قياسي أيضاً)، و51 يحملون شهادة الدكتوراه، و68 يحملون شهادة الماجستير، و237 شخصاً من حملة البكالوريوس، و76 من خريجي المعاهد، و225 من حملة الشهادات المتوسطة، و25 شخصاً من حملة الاعدادية، و12 لم يقدموا أية شهادات علمية.
واذا جاز لنا أن نستطرد في استخدام لغة الأرقام، فإننا نضيف ان المرشحين يفترض ان يتنافسوا على جذب أصوات 42 مليوناً و170 ألف شخص هم الذين يملكون حق التصويت في إيران، علماً بأن أكبر كتلة من الأصوات في العاصمة طهران (7 ملايين و643 ألف صوت) تليها محافظة خراسان (شمال شرق البلاد)، 4 ملايين و130 ألف صوت.
أثار الانتباه ان المرشحين الذين قدموا أوراقهم من المنتمين الى معسكر المحافظين، أخفوا هوياتهم السياسية تماماً، ولم يشيروا إليها من قريب أو بعيد، وهي الملاحظة التي علقت عليها صحيفة «حياة نيو» ـ (الحياة الجديدة) ـ في عدد 27 مايو (ايار) الماضي قائلة: لم يجرؤ أحد من الـ814 شخصاً الذين سجلوا اسماءهم للترشيح على الاعلان عن تمثيله لجناح اليمين، وتلك علامة على ادراكهم لحقيقة ان الرأي العام معرض عن ذلك الجناح، ومن بين هؤلاء المتقدمين اناس معروف انتماؤهم لليمين كالشمس في وضح النهار، غير انهم يعلمون انهم اذا كشفوا عن هوياتهم الحقيقية فانهم سيعرضون أنفسهم لاختبار نتيجته معلومة سلفاً، وهنا نسجل ان هؤلاء سقطوا عملياً في أعين الناس، قبل ان يدفعهم منافسوهم الى مغادرة الساحة.
من مفاجآت المتقدمين ما أشرنا إليه تواً من ان عدد النساء المترشحات للرئاسة وصل الى 45 امرأة، وهو ما لم يحدث من قبل في أي انتخابات رئاسية ايرانية. من تلك المفاجآت أيضاً ان اثنين من أعضاء حكومة خاتمي ترشحا ضده في المنافسة على منصب الرئاسة، هما السيد مصطفى هاشمي طبا مساعد رئيس الجمهورية ورئيس منظمة التربية الرياضية، ثم الادميرال علي شمخاني وزير الدفاع، الذي كان ترشيحه مفاجأة من نوع خاص، إذ فضلا عن ان هذه أول مرة يرشح فيها وزير للدفاع نفسه لمنصب الرئيس، فانه باعتباره عربي الأصل (عائلته وعشيرته من منطقة الاهواز)، يعد أول عربي يترشح لذلك المنصب، ومن ثم فانه ـ كما قال أحد المحللين في طهران ـ رفع سقف المشاركة العربية في الحياة السياسية الايرانية، على نحو غير مسبوق، وقد تعددت الاجتهادات في تفسيره تقدمه للترشيح، بين قائل انه بعد انسحاب محسن رضائي الرئيس السابق لحرس الثورة، فان الرجل شجعه على الترشيح كي يحصد أصوات حرس الثورة، اضافة الى أصوات العشائر العربية في الاهواز، ومن ثم يحرم خاتمي من تلك الاصوات، وقائل ان الرجل طرح نفسه كحل ثالث وسط بين الاصلاحيين والمحافظين، معتمداً على رصيده كمقاتل يعتز الجميع بدوره الوطني.
المفاجأة التالية في هذا السياق ان أحد العناصر البارزة في جبهة خردار الاصلاحية رشح نفسه بدوره منافساً للرئيس، وهو ابراهم اصغر زاده من قيادات الحركة الطلابية، وكان قائد المجموعة التي احتلت السفارة الاميركية في بداية الثورة، فضلا عن انه أصبح عضواً في المجلس الشوري وفي مجلس بلدية طهران.
معمّمان و8 أفندية مر الجميع بـ«مصفاة» مجلس صيانة الدستور الذي استبعد النساء من الترشيح، كما استبعد اصغر زاده، وأجاز عشرة مرشحين، اثنان منهم من المعممين المنسوبين الى الحوزة العلمية، هما خاتمي وحجة الاسلام علي فلاحيان وزير الأمن الأسبق، أما الثمانية الآخرون فقد كانوا خليطاً من الوزراء السابقين والمهنيين الذين يحمل أكثرهم شهادات الدكتوراه في تخصصاتهم (الهندسة والقانون والطب والاقتصاد)، ومن الذين اجيزوا كان الادميرال علي شمخاني، الذي حصل على الليسانس في الهندسة الزراعية والماجستير العسكرية من كلية الاركان بالأهواز.
بعد اعلان اسماء المرشحين، بدا واضحاً ان خاتمي ليس له منافس حقيقي قادر على تحديه، ويمكن ان يشكل تهديداً لاحتمالات فوزه، وان غاية ما يمكن ان يحققه المرشحون التسعة الآخرون هو ان يجذبوا إليهم ما يستطيعون جذبه من أصوات، لتقليل حصة التأييد لخاتمي قدر الامكان، ومن ثم لإضعاف موقفه في ولايته الثانية، الأمر الذي قد يضطره ـ لتعزيز ذلك الموقف ـ الى تشكيل حكومته بالائتلاف مع الآخرين، أو على الأقل فان ذلك يقلل من محاولته الضغط أو الاستقواء في مواجهة القوى الأخرى، المتمسكة بمواقعها، والمصرة على عدم تمكينه من تنفيذ مشروعه الاسلامي.
لقد انسحب اليمين المحافظ رسمياً من الانتخابات بعد عدول الرئيس خاتمي عن قراره بالاعتزال، وآثر قادة ذلك المعسكر ان يحتفظوا بمرشحهم الذي جرى الاعلان عنه (الدكتور علي ولايتي) الى انتخابات الرئاسة القادمة (عام 2005)، مفضلين ان يجنبوه منازلة خاتمي هذه المرة، وهو ما سيؤدي حتماً الى هزيمته و«حرقه» سياسياً، الأمر الذي يسحب من رصيده بالضرورة في الانتخابات القادمة.
قلت ان اليمين انسحب من الناحية الرسمية فقط، لانه كان موجوداً في الساحة بقوة، سواء في دعمه وتأييده لبعض المرشحين، أو في خطاب رموزه ومنابره الاعلامية، التي ما برحت تنتقد أداء الرئيس خاتمي، وتفند خطابه، وتشوه تجربته في السنوات الأربع الماضية، ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
«السر المعلن»، الذي كان يعرفه الجميع ان معسكر اليمين ألقى بثقله الأساسي وراء الدكتور احمد توكلي الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من بريطانيا، وكان نائباً عن مدينته بهشتر (في الشمال) في الدورة الأولى لمجلس الشورى الاسلامي، ثم صار وزيرا للعمل ومتحدثاً باسم حكومة المهندس مير حسين موسوي، وصاحب امتياز جريدة «فردا»، وقد رشح نفسه منافساً لهاشمي رفسنجاني في انتخابات ولايته الثانية عام 93، وحصل في تلك الانتخابات على 4 ملايين و200 ألف صوت، الأمر الذي شجع الآخرين على المراهنة عليه «لمناكفة» الرئيس خاتمي هذه المرة.
قراءة لحظوظ المرشحين كيف بدت حظوظ المرشحين التسعة؟
اكتفي في الاجابة على السؤال باقتباس فقرات من تحليل نشرته صحيفة «كيهان العربي» في عدد 6/6، الصادر قبل يومين من اجراء الانتخابات (في 8/6)، وفيه قال كاتبه الزميل خالد توفيق ما يلي: لو استثنينا المرشح احمد توكلي، فليس لدى بقية المرشحين المنافسين للسيد خاتمي القابلية على تسجيل مفاجأة تأتي خارج حدود التوقع، وما يأتي (في وسائل الاعلام الايرانية) من تحليلات وتوقعات عن هذا المرشح أو ذاك، تفتقر الى الرصيد الواقعي، المتمثل بامكانيات المرشحين من جهة، وطبيعة الواقع الايراني ومكونات المشهد السياسي من جهة أخرى.
بتعبير آخر ـ أضاف الكاتب ـ فان حظوظ عبد الله جاسبي (رئيس الجامعة الحرة) وشهاب الدين صدر (النائب السابق واستاذ الطب) ومحمود كاشاني (استاذ القانون) ومحمود رضوي (الوزير السابق وعضو مجلس مدينة طهران)، حظوظ هؤلاء لا تكاد تذكر إلى جوار مرشح قوي له حضور راسخ في القاعدة الشعبية كالسيد خاتمي. وربما لا تتجاوز اصوات جاسبي وكاشاني ما كانا قد حصلا عليه في الانتخابات الرئاسية السابقة لا سيما الدورة السادسة عندما رشحا في مقابل هاشمي رفسنجاني، هذا ان لم تتضاءل أكثر وأكثر بسبب النقد المكثف للجامعة الحرة التي يترأسها جاسبي، وبفعل العزلة التي تحيط بمحمود كاشاني في الحياة السياسية، إذ لم تعرف عنه مشاركة حقيقية أو آراء جريئة.
أما بالنسبة لحسن غفوري فرد النائب السابق لرئيس مجلس الشورى السابق ناطق نوري، والعضو البارز في جمعية المهندسين المؤتلفة مع ما يعرف في الأدبيات السياسية بخط اليمين أو الجناح المنتقد للحكم كما يحلو له أن يسمي به نفسه، فإن حظوظه في الحصول على أصوات الناخبين لا تزيد على حظوظ صاحبيه جاسبي وكاشاني وخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار الفشل الذريع الذي منيت به قائمة هذا الخط في انتخابات الدورة الأخيرة لمجلس الشورى الاسلامي، فمن يعجز عن الفوز بكرسي في مجلس الشورى هل يستطيع أن يراهن بالفوز في رئاسة الجمهورية؟
أما فلاحيان وزير الأمن في حكومة هاشمي رفسنجاني والشخصية التي تثير جدلاً غير قليل في الأوساط السياسية الايرانية بفعل ملفات عديدة ارتبطت بها أو بأدائها، فلا تتمتع بنصيب أفضل مما تتمتع به الشخصيات الأخرى في قائمة المرشحين. ان فلاحيان نفسه يدرك أفضل من أي انسان آخر، أنه لا يستطيع أن يكسب أصوات ذات بال بحكم واقعين اثنين على أقل تقدير، هما:
الأول: انه مني بالفشل الذريع في انتخابات مجلس الشورى حينما رشح عن أصفهان ولم يستطع أن يفوز. ومن يخسر معركة الانتخابات على مستوى مجلس الشورى من المؤكد أنه سيخسرها على مستوى الرئاسة، خاصة أن المعطيات التي أدت إلى فشله لا تزال هي، هذا ان لم ينحدر موقعه الشعبي نحو الأسوأ بعد الحادثة الأخيرة التي أدت بولده أن يفتح النار على أحد أفراد السلك العسكري ويرديه قتيلاً.
الثاني: كان يكفي الشيخ علي فلاحيان أن يعود قليلاً إلى الوراء ليكتسب الدرس والعظة من النتيجة التي آل إليها سلفه الشيخ محمدي ريشهري وزير الأمن الأسبق حينما رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية السابقة وجاء في آخر قائمة المرشحين. وحتى بعد شخصية لا تتحلى بمثل الموقع السياسي الذي تتحلى به كشخصية رضا زوارتي العضو الحقوقي في مجلس المحافظة على الدستور.
ان الحس الشعبي في ايران لا يتفاعل على مستوى الرئاسة مع شخصية أمنية حتى لو كانت من وزن ريشهري فكيف بفلاحيان الذي ارتبطت باسمه أو بأدائه عدة ملفات مثيرة؟ هذه النقطة ألمح إليها فلاحيان نفسه في جواب تلفازي حينما ذكر صراحة أن احدى السيدات زارت مقر حملته الانتخابية وقالت له نصا ان الشعب الايراني لا يصوت لرئيس كان يشغل موقعاً أمنياً على مستوى وزير الأمن.
على ضوء ذلك كله فمن المقطوع به ان فلاحيان سيأتي في آخر القائمة ويكون في عداد المرشحين الأقل أصواتاً ومن ثم ينبغي لنا أن نبحث عن دوافع ترشيحه في أفق آخر غير الفوز بالرئاسة، لأنه أعلم الناس بأنه لن يفوز بالموقع، بل ولن يكون بمقدوره أن ينافس مرشحاً من وزن أحمد توكلي فضلاً عن المرشح الأساسي محمد خاتمي.
أصوات العرب لخاتمي نصل الآن إلى وزير الدفاع علي شمخاني الذي تراهن عليه بعض التحليلات وكانت تترقب أن تسجل مساهمته مفاجأة على مستوى نتائج المعركة الانتخابية. والواقع أن المفاجأة في قضية شمخاني انتهت، إذ هي لم تتجاوز أصل قضية الترشيح نفسها، ومن ثم فانه بات مرشحاً كالآخرين يأتي حظه في الخانة الأخيرة من المرشحين الأقل أصواتاً.
بتعبير أوضح، لقد تمثل عنصر المفاجأة بترشيح شمخاني نفسه في مقابل رئيسه خاتمي، وليس هناك ما هو أبعد من ذلك في الحدث. أما ما يقال عن امكان استقطابه لأصوات العسكريين من الجيش والحرس وقوات التعبئة فهو أمر مستبعد لأسباب متعددة أهمها ذلك الحس الدقيق الذي يتحلى به الشارع الايراني الماثل في عدم التصويت لشخصيات أمنية وعسكرية كما حصل مع ريشهري وزير الأمن الأسبق في الانتخابات الرئاسية السابقة. وكما هو مرتقب في الانتخابات الحالية بالنسبة إلى فلاحيان وشمخاني.
على ضوء هذا المؤشر الراسخ كان من المستبعد أن يستطيع شمخاني أن يحصد أصواتاً انتخابية مهمة حتى داخل أوساط المؤسسة العسكرية ذاتها التي تربت على تقليد خميني يفيد بعدم تدخل رجال هذه المؤسسة بالشأن السياسي.
هناك أيضاً نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة التي سجلت فيها المؤسسة العسكرية تصويتاً واسعاً لصالح خاتمي ضد ناطق نوري. لذلك ليس هناك ما يرجح تصويتها حاضراً لصالح شمخاني على خلفية كونه شخصية عسكرية خاصة، وانه يفتقد لمؤهلات العمل السياسي ولم تعرف له مواقف سابقة في الادارة السياسية.
أما حكاية أن عرب اقليم خوزستان سيرجحون كفة شمخاني أمام بقية المرشحين لأسباب تعود إلى وحدة الانتماء القومي، فأود أن أقول ان هذا الاحتمال كان يمكن أن يكون راجحاً لو أن هناك خلفية واضحة في شخصية شمخاني بهذا الاتجاه ولا أعرف مثل هذه الخلفية أبداً، ثم أن الحس القومي لدى قوميات الشعب الايراني وان كان موجوداً، إلا أنه لم يدخل معترك السياسة بعد، ولم يتحول من ثم إلى عنصر ثقل حتى اللحظة خاصة في انتخابات الرئاسة.
هناك حقيقة أخرى ينبغي أن لا تهمل تتمثل بتعاطف شعب خوزستان ولا سيما العرب مع خاتمي، حيث سجلت نتائج الانتخابات السابقة ميل أكثر من 80% من هؤلاء إلى خاتمي في بعض المناطق. وليس هناك ما يشير إلى تغير هذا الميل لصالح خاتمي في المعركة الحاضرة، ولا يستطيع أحد أن يجازف بالقول ان شخصية شمخاني تمتلك من المؤهلات وعناصر الجاذبية ما يدعها تتفوق على خاتمي حتى عند عرب خوزستان.
يبقى بعد ذلك مصطفى هاشمي طبا الذي يراهن عليه البعض في استقطاب أصوات الشباب وذوي الميول الرياضية بحكم موقعه كمسؤول رياضي. وقد فات هؤلاء ان شخصية هاشمي طبا لا تتمتع بأية جاذبية داخل الوسط الشبابي والرياضي، بل هي في معرض النقد الشديد من قبلهم لأسباب متعددة لا مجال للخوض بتفصيلاتها الآن.
ان مشكلات عالم الرياضة والشباب تنعكس بتبعاتها السلبية على هاشمي طبا فتتحول إلى عنصر ضعف لا عنصر قوة كما تظن بعض الأوساط، تماماً كما هو الحال مع عبد الله جاسبي الذي تحمله الأوساط الجامعية تبعات المشكلات الأساسية التي يعيشها هذا الوسط، وأيضاً كما هو الحال مع علي فلاحيان الذي تحمله الأوساط الشعبية تبعات عدد بارز من الملفات الأمنية ذات الصلة بعواطف الرأي العام.
وعلى ضوء ذلك كله فإن ما يحسب عناصر قوة لدى هذه المجموعة من المرشحين مثل هاشمي طبا وشمخاني وفلاحيان، هي في حقيقتها عناصر اضعاف لمواقعها في المعركة الانتخابية، وعندما يخسر أمثال هذه الشخصيات حظها في الفوز في مواقع قوتها، فماذا يبقى أمامها في المواقع الأخرى؟
النتائج أكدت التوقعات لقد تعمدت اقتباس أكبر جزء من التحليل، لسببين، أولهما أنه يمثل قراءة مسبقة لنتائج جاءت مطابقة تماماً لما أعلن بعد ذلك بخمسة أيام، حيث حصل الرئيس خاتمي على حوالي 78% من الأصوات، وحصل الدكتور أحمد توكلي على 15.61% من الأصوات، أما علي شمخاني فقد حصل على 2.62% فقط. والآخرون كانوا أقل من 1 في المائة، أعلاهم الدكتور جاسبي .92%، وأدناهم هاشمي طبا .10%. وقد احتل وزير الأمن الأسبق علي فلاحيان المرتبة قبل الأخيرة، حيث حصل على 0.20%.
أما السبب الثاني، فهو أن التحليل يثبت أن النتائج كانت معلومة مسبقاً، وان أحداً لا يشك في أنه لم تكن هناك معركة حقيقية، وان ما جرى كان في جوهره استثناء على الاصلاحات. محور المراهنة فيه هو: ما نسبة التأييد التي يحظى بها السيد خاتمي، بعد مضي أربع سنوات على توليه السلطة؟
مع ذلك، فإن المعسكر المحافظ أرادها معركة لاضعاف خاتمي وتشويه صورته. ولتحقيق ذلك فان رموزه لجأوا إلى العديد من الأساليب والحيل المشروعة وغير المشروعة، ماذا فعلوا بالضبط؟ غداً نجيب بإذن الله.