مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
لا نحتاج للانتظار كي نعرف سياسة حكومة شارون
هويدي 12-2-2002

الفكرة المطروحة على العرب بعد انتخاب شارون رئيساً للوزراء في اسرائيل تدعوهم الى الانتظار والترقب، للتعرف على ما سيفعله، واذا لم أكن مخطئاً فإن تلك الفكرة اطلقت لأول مرة من البيت الأبيض، الذي يعلم الكافة ان ادارته الجديدة تدرس أولوياتها الآن، ومن ثم فانها لم تحدد بعد ترتيب موضوع الشرق الاوسط ضمن تلك الاولويات، بعدما خرجت الدعوة من واشنطن، جرى تسويقها في المحيط السياسي العربي، حتى رددها بعض الزعماء، فيما ينتظر ان يرشح مخرج أمام القمة العربية القادمة في عمان، يعفيها من اتخاذ موقف أو التحرك في أي اتجاه، ويدفعها الى مطالبة العرب بدورهم بالتريث وعدم التسرع في الحكم على رئيس الوزراء الاسرائيلي، ومن ثم اعطاؤه فرصة حتى يرتب أوراقه ويحدد سياسته.
الذي فهمته من الدعوة الى الانتظار والترقب، ان يتسم السلوك العربي العام بالسكون و«الحكمة» والتريث، فلا يتهور أحد في أي تصرف من شأنه أن يفسد مشهد الانتظار، أو يستفز الطرف الآخر ويعكر عليه صفو تفكيره، ويدفعه الى الرد على ما يسمونه بالعنف الفلسطيني، بعنف آخر مضاد، قد يجر المنطقة كلها الى ما هو أكبر وأسوأ.
وهم ينتظرون، فعلى العرب ان يعلقوا أبصارهم على مقر الحكومة الاسرائيلية، بحيث لا يقدمون على شيء إلا بعد تبين موقف الحكومة ورئيسها، واذا صح ذلك فمعناه ان المبادرة ستظل في يد حكومة تل أبيب، وان الدور العربي سيظل أسير رد الفعل، الأمر الذي يطرح علينا ثلاثة أسئلة هي: هل يمكن ان يتغير شارون حقاً بعد توليه رئاسة الحكومة؟ وهل الانتظار العربي هو الموقف المناسب و«الحكيم»؟ واذا لم يكن الانتظار مجدياً أو مرغوباً، فماذا يمكن ان يفعل الفلسطينيون والعرب؟
لا أعرف كيف يمكن المراهنة على ان يتغير موقف الرجل وهو في سن الثالثة والسبعين، واستغرب حقاً ان يعلق بعضنا أملا على تغير مواقفه المشهودة، في حين انه انتخب رئيساً للوزراء بسبب تلك المواقف التي يتمنى اولئك البعض العدول عنها.
منذ أكثر من نصف قرن، حيث كان شارون عضواً في عصابة «الهاجاناه»، وسجله حافل بالجرائم ضد العرب، بل انه ما ارتقى في السلك العسكري إلا بعدما اثبت انه من أشد القتلة وأكثرهم قسوة وفظاظة، ليس هذا فحسب، وإنما هو أيضاً شديد العنصرية والكراهية والازدراء للعرب.
«انجازاته» لم تكن سوى مذابح وعمليات إبادة للفلسطينيين حين كان عسكرياً، ثم تكريس للاستيطان وطرد العرب من أراضيهم حين انتقل الى الحياة المدنية، ورصيده كله مبني على هاتين الركيزتين، الأمر الذي أكسبه شعبية واسعة في الأوساط الصهيونية، في اسرائيل والولايات المتحدة، التي اوصلته في النهاية الى ما وصل إليه.
هل يعقل ان يتغير شيء في الرجل، وهو في هذه السن، وبعد تلك الرحلة الطويلة التي أوغل فيها في الدم الفلسطيني رافعاً شعار إبادتهم، وداعياً الى سحق العرب بزعم تطوير «سيكولوجية الهزيمة لديهم» على حد تعبيره.
نعم قد يتغير شيء في سلوكه السياسي، كأن يصافح عرفات بعدما ظل رافضاً تلك المصافحة، حتى وهو وزير للخارجية في حكومة نتنياهو، وقد يفضل الكف عن سب الفلسطينيين عامة، وفلسطينيي 48 المقيمين في داخل اسرائيل بوجه أخص، وقد يتحدث عن العرب بلهجة أكثر دبلوماسية وأقل حدة، لكن ذلك كله لا علاقة له بالمواقف السياسية، وإنما يصنف ضمن «التاكتيك» أو التجمل لتحسين الوجه وتمرير المشروع في نهاية الأمر، إذ تلك مجرد حيل وأقنعة ومساحيق تخفي الحقيقة ولا تغير منها شيئاً.
ثمة اعتبار آخر، يضاف الى ما سبق، يعزز ما ندعيه، هو ان شارون يدرك جيداً ان عمر حكومته قصير، قد لا يطول لأكثر من سنة، ومن ثم فهي حكومة انتقالية لا أكثر، حيث لا مفر في النهاية من حل الكنيست الذي لا يتمتع فيه الليكود بأغلبية، واجراء انتخابات جديدة، ورغم انه حريص على إطالة عمر الحكومة من خلال ائتلافه مع حزب العمل، إلا ان الاحتمال الآخر وارد في أي لحظة، وطالما ظل ذلك الهاجس يراوده، فليس يعقل ان يغير الرجل مواقفه خلال تلك المدة القصيرة، مضحياً في ذلك بسجله ورصيده الذي بناه خلال نصف قرن.
هل الانتظار هو الموقف العربي الصحيح؟
اجابتي عن السؤال بالنفي، فالرجل ليس بحاجة الى اكتشاف، والانتظار في حقيقة الأمر لن يكون أقل من فرصة تطلق يده في تنفيذ ما يريد، ورغم ما قيل من انه نصح من جانب مستشاريه الاميركيين بعدم الكشف عن برنامجه خلال حملته الانتخابية، إلا ان ذلك يظل من قبيل «السر المعلن» كما يقال، حيث لا خلاف بين السياسيين والمراقبين على الخطوط العريضة لذلك البرنامج، والتي عرضتها صحيفة «هآرتس»، وهي المتمثلة في سعيه الى عقد اتفاق مرحلي طويل الأمد مع الفلسطينيين يتم تنفيذه على مراحل عدة، وبموجبه تقام دولة فلسطينية على 42 في المائة من اراضي الضفة، أما النقاط الاساسية لبرنامجه فهي: عدم الانسحاب من مناطق فلسطينية أخرى، احتفاظ اسرائيل بالسيطرة على المناطق الأمنية في غور الاردن وعلى طول الخط الأخضر، عدم اخلاء أية مستوطنة، عدم التفريط بأراضي «حلوصة» في النقب بل اقامة تجمعات سكنية عليها وهي التي كانت مقترحات الرئيس كلينتون قد رشحتها للتبادل مع الفلسطينيين وقيل انها ستستقبل اللاجئين المقيمين في لبنان، عدم استئناف المفاوضات على المسار السوري قريباً، الابقاء على القدس موحدة عاصمة أبدية لاسرائيل وابقاء السيادة على جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف) اسرائيلية فقط، عدم السماح بعودة أي لاجئ فلسطيني الى داخل حدود اسرائيل، الى ذلك تهويد الجليل للحيلولة لتجنب حصول غالبية عربية من خلال توطين نصف مليون يهودي.
ومع هذه «الخطوط الحمر» فان لديه كما قيل «خطة سرية» لوضع حد للانتفاضة، لن تخرج عن الاستمرار في تصفية قياداتها، أو احتلال بعض مدن المنطقة (أ) الخاضعة للسلطة الفلسطينية، أو خلخلة الصف الفلسطيني من خلال اشاعة الفرقة بين الفصائل المختلفة، وفتح الباب لاثارة صراع فلسطيني ـ فلسطيني، يجهض الانتفاضة ويبدد أثرها.
ان الرسالة المنتظرة من شارون مرسلة منذ شهور، بل منذ سنوات، ومن ثم فان برنامج حكومته أو سياسته التي دعي العرب الى ترقبها، لن يخرج عن الاطار المعلن والمشهور في الصحف السيارة، وإزاء ذلك فان الانتظار يصبح بغير معنى، بل انه يغدو موقفاً بائساً عبثياً، من حيث انه يعني ان الساسة الفلسطينيين والعرب سيظلون ينصتون الى المذياع، ويطالعون البرقيات والتقارير، ويفتشون في الصحف، لكي يعثروا على الرسالة التي يعرفونها جيداً، وسبق ان وصلتهم بمختلف اللغات والشواهد والدلالات.
ما العمل إذن؟
هناك آفاق كثيرة للعمل اذا ما نحينا فكرة الانتظار البائس جانباً، منها على سبيل المثال:
ـ ضرورة استمرار الانتفاضة الفلسطينية، التي اسقطت باراك، وعدم الاستجابة لأية ضغوط من قبيل تلك التي تدعو الى «وقف العنف» أولا، واذا كانت تلك الانتفاضة قد دفعت ثمناً وصل الى 400 شهيد وأكثر من 15 ألف جريح ومعاق، فإن الذي دفع ثمناً باهظاً من ذلك القبيل ينبغي ان يواصل مسيرته، ولا يقف في منتصف الطريق، خصوصاً ان التحدي في ظل حكومة شارون أكبر وأشرس.
ـ ترتيب البيت الفلسطيني ورأب صدوعه التي يراهن البعض على تفجيرها، ولا أقل من تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تضم كل الأطراف، تعزز وحدة الصف والشعب، وتحارب الفساد الذي زكمت رائحته الأنوف، وتمنح الناس أملا في امكانية اقامة مجتمع ديمقراطي تحترم فيه الحريات ومبادئ حقوق الانسان.
ـ اتخاذ موقف عربي واضح وحازم في القمة العربية القادمة بعمان، سواء في ما خص الالتزام بالحفاظ على الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني واعلان الخطوط العربية الحمراء التي ليس لاحد تجاوزها، أو بتوفير المبالغ التي أعلن عنها لدعم الانتفاضة وصندوق القدس، فلا يعقل مثلا ان يعلن عن مليار دولار لدعم الانتفاضة، تتقلص الى 600 مليون فقط عند تحديد الالتزامات، ثم يتدنى المبلغ الى 237 مليوناً حين يحل أوان الإيداع، يصل منها الى الداخل الفلسطيني حتى الآن 35 مليوناً فقط! اضافة الى ذلك فان تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع اسرائىل هو الحد الأدنى المطلوب من الدول العربية التي لها علاقات مع الدولة العبرية، واذا كانت القاهرة قد سحبت سفيرها في تل أبيب في ظل حكومة باراك، فالتجميد الشامل مطلوب بإلحاح بعد وصول باراك الى السلطة، حيث لا يستساغ ان يستمر سحب السفير ثم يباع الغاز المصري الى اسرائيل، بموجب اتفاق بمد انابيبه تحت الماء من العريش الى عسقلان وحيفا، اذا صح الذي نشرته صحيفة «هآرتس» في 1/30.
ـ فتح ملف شارون وسجل جرائمه وفظائعه على الأقل من جانب المنظمات العربية العاملة في مجال حقوق الانسان، وهي الجرائم التي اعترف بها في مذكراته، والتي ادانته في بعضها (مذبحة صبرا وشاتيلا) لجنة حكومية اسرائيلية، لقد اقامت اسرائيل الدنيا ولم تقعدها حين انتخب الزعيم اليميني يدرج هايدر رئيساً لوزراء النمسا، بعد الشك في نواياه إزاء السامية، ولم يسترح حكام تل أبيب إلا بعد ان نجحت الضغوط الموجهة ضد الرجل حتى اجبر على الاستقالة، وهذه الايام يتعرض وزير خارجية المانيا ليوشكا فيشر، للملاحقة والتحقيق معه في تهم عدة تهدد مستقبله السياسي، منها مشاركته عام 69 في مؤتمر للتضامن مع الشعب الفلسطيني عقد بالجزائر، ومعروف ان ثمة ضغوطاً دولية لتقديم الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
مع ذلك، فان شارون الذي تجاوزت جرائمه كل ما نعرف، يظل بعيداً عن الملاحقة، ويتولى رئاسة الحكومة في اسرائيل، ألا يسوغ ذلك للمنظمة العربية لحقوق الانسان، ولاتحاد المحامين العرب ـ مثلاً ـ ان يطالبا بفتح ملف الرجل ومحاكمته على ما ارتكبه من جرائم ضد المصريين والفلسطينيين والعرب كافة؟
ـ أيضاً فإن التحرك الدبلوماسي والسياسي العربي يظل مطلوباً لاستدعاء الدور الدولي ـ الأوروبي والاميركي خاصة ـ في التعامل مع القضية الفلسطينية، وهو الدور الذي يسعى شارون الى تقليصه، مستثمراً في ذلك انشغال الادارة الجديدة في البيت الابيض بترتيب أوراقها وأولوياتها.
لنفعل شيئاً من هذا أو غيره، المهم ألا نستسلم لفكرة الانتظار
أضافة تعليق