هويدي 19-11-2001
من مفارقات الزمن وسخرياته، ان يدعي نفر من المثقفين المسلمين لتقديم المشورة لاحدى الحكومات الغربية في ما يتعين عليها ان تفعل في مواجهة الارهاب، وفي علاقاتها بالعالم الاسلامي، تكمن المفارقة في أن امثال أولئك المثقفين لا تفكر بلادهم التي قدموا منها في استشارتهم في مثل هذه الأمور، حيث أهل السلطة في بلادنا يعرفون كل شيء، وليسوا بحاجة الى استشارة أحد، أما السخرية في هذا الموقف فتكمن في أن تلك الدعوة تمت في أجواء يعبأ فيها الشارع الاسلامي بمشاعر معادية للغرب، وتروج في بعض دوائره مقولة ان الحاصل الآن هو حرب صليبية، يشنها الكفار ضد المسلمين.
اتحدث عن تجربة شخصية، حيث تلقيت قبل اسبوعين رسالة من مدير مركز الدراسات العربية والاسلامية بجامعة اكستر ـ الدكتور تيم نيبلوك ـ دعتني للمشاركة في حلقة مناقشة مغلقة مقرر لها أن تعقد في مقر وزارة الخارجية البريطانية حول مجمل الأوضاع الدولية الراهنة، خصوصا موضوع «الاسلام الراديكالي» ـ كان الطبيعي ان يكون التردد والحوار هما أول رد فعل استقبلت به الرسالة وطوال اسبوع ظللت استعرض مختلف سيناريوهات ما وراء الدعوة، من المشاورة الى المؤامرة، ثم شجعتني على الذهاب ثلاثة أمور، أولها انهم يجب ان يسمعوا صوتنا، وان نتحدث نحن عن همنا، أفضل من أن يسمعوا ذلك الحديث من الذين لا يكنون لنا ودا ولا احتراما، أو أولئك الذين يخطئون في قراءة أوضاعنا، وثانيها انها قد تكون فرصة للاستماع أيضا الى وجهة النظر البريطانية، ومن يفترض انهم يمثلونها، أما ثالثها فيتمثل في أن البروفيسور نيبلوك مشهود له بانه باحث نزيه ومخلص في تفهمه لقضايا العالم العربي والاسلامي.
أمضينا يوما بطوله في مقر وزارة الخارجية البريطانية، عقدت خلاله أربع جلسات للمناقشة، اثنتان قبل الظهر واثنتان بعده، كنا حوالي 22 مشاركا، 8 يمثلون خمس جامعات بريطانية، وهم من الاساتذة المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والعالم الاسلامي، وثمانية ينتمون الى دول عربية واسلامية وبينهم باحث من الهند، والدول التي مثلت هي: مصر وايران وباكستان والجزائر وفلسطين والكويت، وهؤلاء تحدثوا عن رؤيتهم للموقف الراهن من وجهة نظر المجتمع الذي ينتمون اليه، أما الباقون فقد كانوا من المسؤولين في وزارة الخارجية والباحثين في شؤون «الكومنولث».
لم يكن في الحوار سر، رغم ان كل متحدث أخذ راحته في الكلام، الا ان ما أفهمه من تقاليد تلك اللقاءات ان النشر الصحافي ليس من أهدافها، وان كان ذلك لا يحول دون التعرض للعناوين والافكار الرئيسية التي عرضت خلالها.
صحيح ان العنوان الرئيسي انصب على «الاسلام الراديكالي»، الا ان ذلك كان بمثابة مدخل للحديث عن مختلف قضايا الساعة، ورغم ان العنوان لم يكن دقيقا باعتبار ان الاسلام واحد، ليس فيه راديكالي وغير راديكالي، الا انه غدا من الاخطاء الشائعة، شأنه في ذلك شأن الاسلام السياسي، ولأن المشاركين فهموا ان المقصود هو الفهم الراديكالي للاسلام، بما يعني أن الأمر يتعلق بسلوك بعض المسلمين بأكثر مما يتعلق بالاسلام ذاته، فإن المصطلح لم يطرح للمناقشة، بينما جرى الدخول في الموضوع مباشرة، لأن الوقت كان محدودا وجدول المناقشة مشحون بالعناوين والبنود.
شجعنا على عدم الوقوف أمام المصطلح ان الأوراق المرسلة أوضحت ان المقصود بالاسلام الراديكالي هو التيارات أو الحركات الاسلامية التي تعتمد العنف سبيلا الى تحقيق اغراضها، وهو ما يفهم منه ان الاشارة متجهة الى جماعات بذاتها وليس الى الاسلام على وجه التحديد.
كان تعريف الارهاب وعلاقته السببية بين الاسلام الراديكالي بالانظمة الراديكالية هو المدخل الذي منه تم التطرق الى بقية الموضوعات، وفي جزئية العلاقة بين الجماعات الارهابية والبيئة الارهابية التي افرزتها لم يكن هناك خلاف، حيث اتفق المتحدثون على أن الناس لا يولدون ارهابيين، ولكنهم يصبحون كذلك في ظل ظروف سياسية واجتماعية معينة، وهو ما يبرر ظهور الجماعات الارهابية في اقطار دون أخرى، وفي مراحل زمنية دول أخرى، في داخل القطر الواحد.
في هذا السياق اثير سؤال: هل الاسلام الراديكالي في نمو أم في تراجع؟ كانت إجابة البعض انه يتراجع، وقال البعض الآخر انه من الصعب اصدار حكم عام عليه، لأنه يوجد حيثما توجد اسبابه، ومن يطالع خرائط العالم العربي يستطيع ان يرصد البيئات التي توافرت فيها اسباب التطرف والارهاب، والبيئات التي تراجعت فيها هذه الأسباب.
استطرد من هذه النقطة انه كان هناك شبه اتفاق على أن الحملة الراهنة ضد الارهاب مشكوك في نتائجها، لأن الارهاب لا يحارب بهذه الطريقة ـ الاجتياح العسكري والقصف ـ وانما يحارب بازالة الاسباب التي أدت اليه، وهو ما يحتاج الى تعامل آخر، لا تكون الغارات ركيزة له.
من الأمور التي اثيرت بقوة في هذا الصدد، قضيتا الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وحصار العراق، باعتبارهما من المصادر الاساسية للغضب والاستياء في العالم العربي والاسلامي، حتى قال أحد الاساتذة الانجليز انه ما لم تحل هاتان المشكلتان على نحو عادل، فينبغي ألا يتوقع الغربيون انحساراً للغضب الذي يصبه بعض العرب والمسلمين ضد الغرب والغربيين، وهو الغضب الذي كان الهجوم على الولايات المتحدة من تجلياته المفزعة. الكلام عن الغضب أوصلنا الى قضية العلاقة بين المسلمين والغرب، الأمر الذي استرعى السؤال التالي: لماذا يكره المسلمون الغرب؟
قال أحد المتحدثين العرب: ما هو الغرب؟ هو أولا ليس شيئا واحدا، ثم ان في الغرب الآن ما بين 20 و25 مليون مسلم على أقل تقدير.
كان هناك رأي آخر يقول ان انحياز الغرب الى جانب اسرائيل، والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، يشكل سببا كافيا لشعور العرب والمسلمين بالنفور والكراهية للسياسات الغربية. ورد أحد الانجليز قائلا ان بريطانيا تحاول اتخاذ موقف متوازن، وتأييد رئيس الوزراء توني بلير لاقامة الدولة الفلسطينية دال على ذلك.
علق استاذ بريطاني آخر قائلا ان السياسة الانجليزية غير مفهمومة في موقفها من القضية الفلسطينية، وحين يعين بلير مبعوثا له الى الشرق الأوسط هو اللورد ليفي، اليهودي المعروف بتحيزه لاسرائيل، فإن ذلك تصرف له اشاراته السلبية التي لا تطمئن العرب. «للعلم اللورد ليفي رجل أعمال بارز ويعد من أقرب المستشارين الى رئيس الوزراء البريطاني، وهو مهندس العلاقات بين لندن وتل ابيب، وقد فهمت ان دبلوماسيي وزارة الخارجية ليسوا مرتاحين لدوره، ويذكر عنه انه هو الذي أوقف البيان الذي اعدته الخارجية لاستنكار الجريمة الاسرائيلية وادانتها في مذبحة قانا».
قال أحد المشاركين انه في الوقت الذي تحاول فيه وزارة الخارجية تفهم الوضع العربي والاسلامي، فإن وزارة الداخلية تتعسف وتتعامل بشدة أكثر مما ينبغي مع العرب والمسلمين الموجودين في بريطانيا، حتى يبدو أن الوزارتين لهما موقفان مختلفان. وعلقت احدى المشاركات على ذلك قائلة ان ما يحدث للمسلمين في البلاد الغربية ليس شأناً داخليا بالضرورة، ولكن التقارير التي تنقل عن معاناة بعض المسلمين في تلك الاقطار تشكل مصدرا يضايق من الشعور بالاستياء والمرارة ازاء السياسات الغربية.
سأل أحد الدبلوماسيين الانجليز: هل يكرهوننا لأننا نؤيد حكومات في المنطقة لا تتمتع بشعبية، فكان الرد ان ذلك صحيح، فالدول الغربية تتحدث عن الديمقراطية وتدعو اليها، لكنها تقف الى جوار الانظمة المستبدة اذا وجدت ان في ذلك مصلحة لها، وضرب المثل في ذلك بالتأييد الغربي للانقلاب الذي قام به عسكر الجزائر على الانتخابات الديمقراطية التي جرت هناك عام 1990.
اضافت احدى المشاركات ان هناك سببا آخر يتمثل في القهر الحضاري الذي يمارسه الغربيون بحق العالم العربي والاسلامي وحقق لهم ما حققوه من تقدم ورخاء، فليس من حقهم فرض ذلك النموذج على الآخرين، واحتقار حضارات الآخرين لمجرد انها مغايرة لهم وتتبنى انماطا سلوكية أخرى.
أحد الاسئلة التي اثيرت انصب على تفسير «الهرولة» البريطانية وراء السياسة الاميركية عقب احداث 11سبتمبر (ايلول) الماضي، وفي الرد على ذلك قيل انه منذ عهد تاتشر ازداد ارتباط انجلترا بالولايات المتحدة، وان هذا اتجاه يتحفظ عليه بعض اركان وزارة الخارجية، الذين يطالبون باقتراب بريطانيا من أوروبا وليس اميركا، قيل ايضا ان بريطانيا لها قلقها الحقيقي ازاء انشطة عناصر التطرف الاسلامي الموجودة على أرضها، وهو قلق تزايد بعدما جرى في 11سبتمبر، قيل ايضا ان بريطانيا وإن هرولت سياسيا، الا انها من الناحية العملية لم تقاتل ولم تقدم شيئا مهما على الأرض، ومن مقاصد تأييدها لموقف الادارة الاميركية، ان تتمكن لندن من كبح جماح الاندفاع الاميركي، والحيلولة دون توسيع نطاق الحملة العسكرية حتى لا تطال العراق، ذلك ان لندن تعتبر ضرب بغداد خطا أحمر ينبغي عدم تجاوزه.
من النقاط المهمة التي اثيرت أثناء اللقاء تساؤل عن تأثير احداث سبتمبر على العالم العربي والاسلامي، واثناء المناقشة بدا ان هناك تشاؤما ملحوظا، مبعثه ان تلك الاحداث وفرت ذريعة لبعض الأنظمة لتشديد قبضتها الأمنية وتكديس السياسات الراديكالية، وهو ما ظهرت بوادره في التوسع في عمليات الاعتقال في عدة اقطار وتقديم العديد من الناشطين، الاسلاميين والوطنيين، الى المحاكمات وتزايد معدلات انتهاك حقوق الانسان، وهي مظاهر من شأنها ان تزيد من درجة الاحتقان في المنطقة، الأمر الذي يعد عنصرا يفرخ اجيالا جديدة من المتطرفين والارهابيين.
لم يكن في بالي ان استعرض ما جرى في الحوار، وهذا الذي قدمته ليس أكثر من اشارات الى بعض ما دار فيه، لأن أكثر ما همني فيه هو فكرته التي نفتقدها في العالم العربي، حيث يعيش فيه المثقفون داخل «معازل»، بعيدا عن أي اشارة أو مشاورة في القرار السياسي، ثم ذلك التعاون الوثيق بين الجامعات وبين المجتمع وأصحاب القرار فيه، وهو التعاون الذي نفتقده بدوره، لست اعرف اذا كانوا قد استفادوا منا أم لا، لكني على المستوى الشخصي تعلمت منهم الكثير، واحترمت فيهم هذا السلوك الحضاري.
من مفارقات الزمن وسخرياته، ان يدعي نفر من المثقفين المسلمين لتقديم المشورة لاحدى الحكومات الغربية في ما يتعين عليها ان تفعل في مواجهة الارهاب، وفي علاقاتها بالعالم الاسلامي، تكمن المفارقة في أن امثال أولئك المثقفين لا تفكر بلادهم التي قدموا منها في استشارتهم في مثل هذه الأمور، حيث أهل السلطة في بلادنا يعرفون كل شيء، وليسوا بحاجة الى استشارة أحد، أما السخرية في هذا الموقف فتكمن في أن تلك الدعوة تمت في أجواء يعبأ فيها الشارع الاسلامي بمشاعر معادية للغرب، وتروج في بعض دوائره مقولة ان الحاصل الآن هو حرب صليبية، يشنها الكفار ضد المسلمين.
اتحدث عن تجربة شخصية، حيث تلقيت قبل اسبوعين رسالة من مدير مركز الدراسات العربية والاسلامية بجامعة اكستر ـ الدكتور تيم نيبلوك ـ دعتني للمشاركة في حلقة مناقشة مغلقة مقرر لها أن تعقد في مقر وزارة الخارجية البريطانية حول مجمل الأوضاع الدولية الراهنة، خصوصا موضوع «الاسلام الراديكالي» ـ كان الطبيعي ان يكون التردد والحوار هما أول رد فعل استقبلت به الرسالة وطوال اسبوع ظللت استعرض مختلف سيناريوهات ما وراء الدعوة، من المشاورة الى المؤامرة، ثم شجعتني على الذهاب ثلاثة أمور، أولها انهم يجب ان يسمعوا صوتنا، وان نتحدث نحن عن همنا، أفضل من أن يسمعوا ذلك الحديث من الذين لا يكنون لنا ودا ولا احتراما، أو أولئك الذين يخطئون في قراءة أوضاعنا، وثانيها انها قد تكون فرصة للاستماع أيضا الى وجهة النظر البريطانية، ومن يفترض انهم يمثلونها، أما ثالثها فيتمثل في أن البروفيسور نيبلوك مشهود له بانه باحث نزيه ومخلص في تفهمه لقضايا العالم العربي والاسلامي.
أمضينا يوما بطوله في مقر وزارة الخارجية البريطانية، عقدت خلاله أربع جلسات للمناقشة، اثنتان قبل الظهر واثنتان بعده، كنا حوالي 22 مشاركا، 8 يمثلون خمس جامعات بريطانية، وهم من الاساتذة المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والعالم الاسلامي، وثمانية ينتمون الى دول عربية واسلامية وبينهم باحث من الهند، والدول التي مثلت هي: مصر وايران وباكستان والجزائر وفلسطين والكويت، وهؤلاء تحدثوا عن رؤيتهم للموقف الراهن من وجهة نظر المجتمع الذي ينتمون اليه، أما الباقون فقد كانوا من المسؤولين في وزارة الخارجية والباحثين في شؤون «الكومنولث».
لم يكن في الحوار سر، رغم ان كل متحدث أخذ راحته في الكلام، الا ان ما أفهمه من تقاليد تلك اللقاءات ان النشر الصحافي ليس من أهدافها، وان كان ذلك لا يحول دون التعرض للعناوين والافكار الرئيسية التي عرضت خلالها.
صحيح ان العنوان الرئيسي انصب على «الاسلام الراديكالي»، الا ان ذلك كان بمثابة مدخل للحديث عن مختلف قضايا الساعة، ورغم ان العنوان لم يكن دقيقا باعتبار ان الاسلام واحد، ليس فيه راديكالي وغير راديكالي، الا انه غدا من الاخطاء الشائعة، شأنه في ذلك شأن الاسلام السياسي، ولأن المشاركين فهموا ان المقصود هو الفهم الراديكالي للاسلام، بما يعني أن الأمر يتعلق بسلوك بعض المسلمين بأكثر مما يتعلق بالاسلام ذاته، فإن المصطلح لم يطرح للمناقشة، بينما جرى الدخول في الموضوع مباشرة، لأن الوقت كان محدودا وجدول المناقشة مشحون بالعناوين والبنود.
شجعنا على عدم الوقوف أمام المصطلح ان الأوراق المرسلة أوضحت ان المقصود بالاسلام الراديكالي هو التيارات أو الحركات الاسلامية التي تعتمد العنف سبيلا الى تحقيق اغراضها، وهو ما يفهم منه ان الاشارة متجهة الى جماعات بذاتها وليس الى الاسلام على وجه التحديد.
كان تعريف الارهاب وعلاقته السببية بين الاسلام الراديكالي بالانظمة الراديكالية هو المدخل الذي منه تم التطرق الى بقية الموضوعات، وفي جزئية العلاقة بين الجماعات الارهابية والبيئة الارهابية التي افرزتها لم يكن هناك خلاف، حيث اتفق المتحدثون على أن الناس لا يولدون ارهابيين، ولكنهم يصبحون كذلك في ظل ظروف سياسية واجتماعية معينة، وهو ما يبرر ظهور الجماعات الارهابية في اقطار دون أخرى، وفي مراحل زمنية دول أخرى، في داخل القطر الواحد.
في هذا السياق اثير سؤال: هل الاسلام الراديكالي في نمو أم في تراجع؟ كانت إجابة البعض انه يتراجع، وقال البعض الآخر انه من الصعب اصدار حكم عام عليه، لأنه يوجد حيثما توجد اسبابه، ومن يطالع خرائط العالم العربي يستطيع ان يرصد البيئات التي توافرت فيها اسباب التطرف والارهاب، والبيئات التي تراجعت فيها هذه الأسباب.
استطرد من هذه النقطة انه كان هناك شبه اتفاق على أن الحملة الراهنة ضد الارهاب مشكوك في نتائجها، لأن الارهاب لا يحارب بهذه الطريقة ـ الاجتياح العسكري والقصف ـ وانما يحارب بازالة الاسباب التي أدت اليه، وهو ما يحتاج الى تعامل آخر، لا تكون الغارات ركيزة له.
من الأمور التي اثيرت بقوة في هذا الصدد، قضيتا الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وحصار العراق، باعتبارهما من المصادر الاساسية للغضب والاستياء في العالم العربي والاسلامي، حتى قال أحد الاساتذة الانجليز انه ما لم تحل هاتان المشكلتان على نحو عادل، فينبغي ألا يتوقع الغربيون انحساراً للغضب الذي يصبه بعض العرب والمسلمين ضد الغرب والغربيين، وهو الغضب الذي كان الهجوم على الولايات المتحدة من تجلياته المفزعة. الكلام عن الغضب أوصلنا الى قضية العلاقة بين المسلمين والغرب، الأمر الذي استرعى السؤال التالي: لماذا يكره المسلمون الغرب؟
قال أحد المتحدثين العرب: ما هو الغرب؟ هو أولا ليس شيئا واحدا، ثم ان في الغرب الآن ما بين 20 و25 مليون مسلم على أقل تقدير.
كان هناك رأي آخر يقول ان انحياز الغرب الى جانب اسرائيل، والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، يشكل سببا كافيا لشعور العرب والمسلمين بالنفور والكراهية للسياسات الغربية. ورد أحد الانجليز قائلا ان بريطانيا تحاول اتخاذ موقف متوازن، وتأييد رئيس الوزراء توني بلير لاقامة الدولة الفلسطينية دال على ذلك.
علق استاذ بريطاني آخر قائلا ان السياسة الانجليزية غير مفهمومة في موقفها من القضية الفلسطينية، وحين يعين بلير مبعوثا له الى الشرق الأوسط هو اللورد ليفي، اليهودي المعروف بتحيزه لاسرائيل، فإن ذلك تصرف له اشاراته السلبية التي لا تطمئن العرب. «للعلم اللورد ليفي رجل أعمال بارز ويعد من أقرب المستشارين الى رئيس الوزراء البريطاني، وهو مهندس العلاقات بين لندن وتل ابيب، وقد فهمت ان دبلوماسيي وزارة الخارجية ليسوا مرتاحين لدوره، ويذكر عنه انه هو الذي أوقف البيان الذي اعدته الخارجية لاستنكار الجريمة الاسرائيلية وادانتها في مذبحة قانا».
قال أحد المشاركين انه في الوقت الذي تحاول فيه وزارة الخارجية تفهم الوضع العربي والاسلامي، فإن وزارة الداخلية تتعسف وتتعامل بشدة أكثر مما ينبغي مع العرب والمسلمين الموجودين في بريطانيا، حتى يبدو أن الوزارتين لهما موقفان مختلفان. وعلقت احدى المشاركات على ذلك قائلة ان ما يحدث للمسلمين في البلاد الغربية ليس شأناً داخليا بالضرورة، ولكن التقارير التي تنقل عن معاناة بعض المسلمين في تلك الاقطار تشكل مصدرا يضايق من الشعور بالاستياء والمرارة ازاء السياسات الغربية.
سأل أحد الدبلوماسيين الانجليز: هل يكرهوننا لأننا نؤيد حكومات في المنطقة لا تتمتع بشعبية، فكان الرد ان ذلك صحيح، فالدول الغربية تتحدث عن الديمقراطية وتدعو اليها، لكنها تقف الى جوار الانظمة المستبدة اذا وجدت ان في ذلك مصلحة لها، وضرب المثل في ذلك بالتأييد الغربي للانقلاب الذي قام به عسكر الجزائر على الانتخابات الديمقراطية التي جرت هناك عام 1990.
اضافت احدى المشاركات ان هناك سببا آخر يتمثل في القهر الحضاري الذي يمارسه الغربيون بحق العالم العربي والاسلامي وحقق لهم ما حققوه من تقدم ورخاء، فليس من حقهم فرض ذلك النموذج على الآخرين، واحتقار حضارات الآخرين لمجرد انها مغايرة لهم وتتبنى انماطا سلوكية أخرى.
أحد الاسئلة التي اثيرت انصب على تفسير «الهرولة» البريطانية وراء السياسة الاميركية عقب احداث 11سبتمبر (ايلول) الماضي، وفي الرد على ذلك قيل انه منذ عهد تاتشر ازداد ارتباط انجلترا بالولايات المتحدة، وان هذا اتجاه يتحفظ عليه بعض اركان وزارة الخارجية، الذين يطالبون باقتراب بريطانيا من أوروبا وليس اميركا، قيل ايضا ان بريطانيا لها قلقها الحقيقي ازاء انشطة عناصر التطرف الاسلامي الموجودة على أرضها، وهو قلق تزايد بعدما جرى في 11سبتمبر، قيل ايضا ان بريطانيا وإن هرولت سياسيا، الا انها من الناحية العملية لم تقاتل ولم تقدم شيئا مهما على الأرض، ومن مقاصد تأييدها لموقف الادارة الاميركية، ان تتمكن لندن من كبح جماح الاندفاع الاميركي، والحيلولة دون توسيع نطاق الحملة العسكرية حتى لا تطال العراق، ذلك ان لندن تعتبر ضرب بغداد خطا أحمر ينبغي عدم تجاوزه.
من النقاط المهمة التي اثيرت أثناء اللقاء تساؤل عن تأثير احداث سبتمبر على العالم العربي والاسلامي، واثناء المناقشة بدا ان هناك تشاؤما ملحوظا، مبعثه ان تلك الاحداث وفرت ذريعة لبعض الأنظمة لتشديد قبضتها الأمنية وتكديس السياسات الراديكالية، وهو ما ظهرت بوادره في التوسع في عمليات الاعتقال في عدة اقطار وتقديم العديد من الناشطين، الاسلاميين والوطنيين، الى المحاكمات وتزايد معدلات انتهاك حقوق الانسان، وهي مظاهر من شأنها ان تزيد من درجة الاحتقان في المنطقة، الأمر الذي يعد عنصرا يفرخ اجيالا جديدة من المتطرفين والارهابيين.
لم يكن في بالي ان استعرض ما جرى في الحوار، وهذا الذي قدمته ليس أكثر من اشارات الى بعض ما دار فيه، لأن أكثر ما همني فيه هو فكرته التي نفتقدها في العالم العربي، حيث يعيش فيه المثقفون داخل «معازل»، بعيدا عن أي اشارة أو مشاورة في القرار السياسي، ثم ذلك التعاون الوثيق بين الجامعات وبين المجتمع وأصحاب القرار فيه، وهو التعاون الذي نفتقده بدوره، لست اعرف اذا كانوا قد استفادوا منا أم لا، لكني على المستوى الشخصي تعلمت منهم الكثير، واحترمت فيهم هذا السلوك الحضاري.