نصر محمد السلامي
-خاص الوفاق
التخاطب : تفاعل من الخطاب ، ويعني مراجعة الكلام بين اثنين فصاعداً ، يقول الله تعالى لنوح عليه السلام : {ولا تخاطبني في الذين ظلموا }، أي لا تراجعني ولا تحاورني فيهم.
والتخاطب بين الناس من الأمور الهامة ، ولذلك لم يهمله الإسلام بل ضبطه بآداب تحقق المصلحة والسلامة للناس ، وتدفع عنهم المفسدة والضرر ، وتجلب لهم المحبة والمودة والصفاء ، وتصرف عنهم الكراهية والجفوة والبغضاء.
ولأن آلة التخاطب بين الناس هي اللسان ، وجدنا الإسلام يطلب من المسلم أن يكون لسانه نظيفاً عفيفاً طاهراً لا ينطق إلا بخير ، وهذا كان رسول الله ، أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا ، كان يقول عند المعتبة ( ما له ترب جبينه ).
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك قال ( وعليكم ) . فقالت عائشة (السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش ) . قالت أولم تسمع ما قالوا ؟ قال ( أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيَّ).
والمسلم يعلم أن كل كلمة ينطق بها مسجلة عليه فالله جلَّ وعلا يقول {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد} يعني كل كلمة مكتوبة عن الإنسان .
وحسن التخاطب هو من حسن الأخلاق ، وأفضل المؤمنين أحسنهم خلقاً ، جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشاً وكان يقول ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ).
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ) قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال : ( المتكبرون).
وبعد هذا يمكن القول بأن أخلاقيات التخاطب قد تجمع في اتجاهين :
الاتجاه الأول : تجنب آفات اللسان ومهلكاته ، وذلك لأن الرسول قال لمعاذ : ( هل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي ، وقد حصر الإمام الغزالي عشرين آفة للسان ، أذكر منها ما يتعلق بالتخاطب :
1. السب والشتم : وهما وصف الرجل بما فيه إزراء ونقص والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤذيه ، جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ).
2. اللعن : جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ) وعند الترمذي بسند صحيح عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يكون المؤمن لعانا ) قال النووي : فيه الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضهم بعضا وكالجسد الواحد وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر .
ولا يجوز للداعية المربي أن يكون لعاناً ، أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء ) . وأخرج أبو داود عن سمرة بن جندب : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار ) ، وأخرج أيضاً بسند حسن عن أبي الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها).
3. السخرية والاستهزاء : كأن يسخر من الآخر لفقره أو لنسبه أو لولده أو لوظيفته أو لعاهة به ، والله تعالى نهى عن ذلك فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } جاء في مسند أحمد بسند حسن عن ابن مسعود : انه كان يجتني سواكا من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مم تضحكون ؟) قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه فقال : ( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد ) وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا.
4. المراء والجدل : أما المراء فهو : طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير ، وأما الجدَل المنهي عنه فهو : الخصومة بالباطل وطَلبُ المغالَبة به . فأما الجَدَل لإظْهار الحقّ دون مراء فإنَّ ذلك مَحْمودٌ لقوله تعالى { وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} ، روى أحمد و الترمذي وابن ماجه بسند حسن عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) ثم تلا هذه الآية { ما ضربوه لك إلا جدلا ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون }وأخرج أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ).
5. الرمي بالكفر أو الفسق : قد يتعجل الخطيب أو المناظر في الحكم بكفر المخالف أو فسقه ، وهذا من مزالق الشيطان الخطيرة ، ورد في صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) ، وفيه أيضاً عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله ).
الاتجاه الآخر : هو السعي في تحصيل الطيب من القول ، لأن الله سبحانه يقول عن المؤمنين { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد }[ الحج 24] ، ويقول سبحانه : { والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } قال الشوكاني في فتح القدير في تفسيرها: (قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين : الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل ).
وقد جمع الله ذلك في آية واحدة تخاطب الدعاة فقال الله : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [ النحل 125] ، ويمكن أن نأكّد على أهمها :
1. لقول اللين : يقول الله لموسى وهارون : (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } قال القرطبي : القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه يقال : لان الشيء يلين لينا وشيء لين ولين مخفف منه والجمع أليناء فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه وأمره بالمعروف في كلامه وقد قال تعالى : { وقولوا للناس حسنا }.
2. اختيار أحسن العبارات والألفاظ : وقد أمر الله عباده بذلك فقال : {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُواًّ مُّبيِناً } (الإسراء 53)
3. الجدال بالتي أحسن : أي أن جدال الناس لإظهار الحق لا بد أن يكون بأحسن الكلمات قال تعالى : {و َلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[العنكبوت46]، وقد رأينا كيف علم الله نبيه الجدال مع الكفار قال الله تعالى : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }[ سبأ24] قال القرطبي : هذا على وجه الإنصاف في الحجة كما يقول القائل : أحدنا كاذب وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب ، ومن أدب المناظرة أن قال بعد ذلك : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ25] نسب الإجرام إليه وأبى أن ينسب الإجرام إليهم للمبالغة في الإنصاف والتواضع في الجدال.
4. الإنصاف في القول : أن ينصف المخاطب في نفسه أو في قوله ويعترف بالحق إن جاء من غيره ، وهذا من العدل الذي أمر الله به : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المائدة 8)، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } [ النساء 135] ، ويقول الله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى }[ الأنعام152]
هذه آداب القرآن والسنة في التخاطب ، وهي موجهه إلى الدعاة أولاً حتى يكون حديثهم وكلامهم فاتحاً قلوب الناس للحق ، منقذاً لهم من الضلالة ، لا مغلقاً ولا صاداً ولا مهلكاً ، وعلينا أن نتأمل كلام الله لنبيه : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [ آل عمران 159)].
-خاص الوفاق
التخاطب : تفاعل من الخطاب ، ويعني مراجعة الكلام بين اثنين فصاعداً ، يقول الله تعالى لنوح عليه السلام : {ولا تخاطبني في الذين ظلموا }، أي لا تراجعني ولا تحاورني فيهم.
والتخاطب بين الناس من الأمور الهامة ، ولذلك لم يهمله الإسلام بل ضبطه بآداب تحقق المصلحة والسلامة للناس ، وتدفع عنهم المفسدة والضرر ، وتجلب لهم المحبة والمودة والصفاء ، وتصرف عنهم الكراهية والجفوة والبغضاء.
ولأن آلة التخاطب بين الناس هي اللسان ، وجدنا الإسلام يطلب من المسلم أن يكون لسانه نظيفاً عفيفاً طاهراً لا ينطق إلا بخير ، وهذا كان رسول الله ، أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا ، كان يقول عند المعتبة ( ما له ترب جبينه ).
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك قال ( وعليكم ) . فقالت عائشة (السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش ) . قالت أولم تسمع ما قالوا ؟ قال ( أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيَّ).
والمسلم يعلم أن كل كلمة ينطق بها مسجلة عليه فالله جلَّ وعلا يقول {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد} يعني كل كلمة مكتوبة عن الإنسان .
وحسن التخاطب هو من حسن الأخلاق ، وأفضل المؤمنين أحسنهم خلقاً ، جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشاً وكان يقول ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ).
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ) قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال : ( المتكبرون).
وبعد هذا يمكن القول بأن أخلاقيات التخاطب قد تجمع في اتجاهين :
الاتجاه الأول : تجنب آفات اللسان ومهلكاته ، وذلك لأن الرسول قال لمعاذ : ( هل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي ، وقد حصر الإمام الغزالي عشرين آفة للسان ، أذكر منها ما يتعلق بالتخاطب :
1. السب والشتم : وهما وصف الرجل بما فيه إزراء ونقص والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤذيه ، جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ).
2. اللعن : جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ) وعند الترمذي بسند صحيح عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يكون المؤمن لعانا ) قال النووي : فيه الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضهم بعضا وكالجسد الواحد وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر .
ولا يجوز للداعية المربي أن يكون لعاناً ، أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء ) . وأخرج أبو داود عن سمرة بن جندب : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار ) ، وأخرج أيضاً بسند حسن عن أبي الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها).
3. السخرية والاستهزاء : كأن يسخر من الآخر لفقره أو لنسبه أو لولده أو لوظيفته أو لعاهة به ، والله تعالى نهى عن ذلك فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } جاء في مسند أحمد بسند حسن عن ابن مسعود : انه كان يجتني سواكا من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مم تضحكون ؟) قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه فقال : ( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد ) وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا.
4. المراء والجدل : أما المراء فهو : طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير ، وأما الجدَل المنهي عنه فهو : الخصومة بالباطل وطَلبُ المغالَبة به . فأما الجَدَل لإظْهار الحقّ دون مراء فإنَّ ذلك مَحْمودٌ لقوله تعالى { وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} ، روى أحمد و الترمذي وابن ماجه بسند حسن عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) ثم تلا هذه الآية { ما ضربوه لك إلا جدلا ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون }وأخرج أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ).
5. الرمي بالكفر أو الفسق : قد يتعجل الخطيب أو المناظر في الحكم بكفر المخالف أو فسقه ، وهذا من مزالق الشيطان الخطيرة ، ورد في صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) ، وفيه أيضاً عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله ).
الاتجاه الآخر : هو السعي في تحصيل الطيب من القول ، لأن الله سبحانه يقول عن المؤمنين { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد }[ الحج 24] ، ويقول سبحانه : { والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } قال الشوكاني في فتح القدير في تفسيرها: (قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين : الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل ).
وقد جمع الله ذلك في آية واحدة تخاطب الدعاة فقال الله : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [ النحل 125] ، ويمكن أن نأكّد على أهمها :
1. لقول اللين : يقول الله لموسى وهارون : (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } قال القرطبي : القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه يقال : لان الشيء يلين لينا وشيء لين ولين مخفف منه والجمع أليناء فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه وأمره بالمعروف في كلامه وقد قال تعالى : { وقولوا للناس حسنا }.
2. اختيار أحسن العبارات والألفاظ : وقد أمر الله عباده بذلك فقال : {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُواًّ مُّبيِناً } (الإسراء 53)
3. الجدال بالتي أحسن : أي أن جدال الناس لإظهار الحق لا بد أن يكون بأحسن الكلمات قال تعالى : {و َلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[العنكبوت46]، وقد رأينا كيف علم الله نبيه الجدال مع الكفار قال الله تعالى : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }[ سبأ24] قال القرطبي : هذا على وجه الإنصاف في الحجة كما يقول القائل : أحدنا كاذب وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب ، ومن أدب المناظرة أن قال بعد ذلك : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ25] نسب الإجرام إليه وأبى أن ينسب الإجرام إليهم للمبالغة في الإنصاف والتواضع في الجدال.
4. الإنصاف في القول : أن ينصف المخاطب في نفسه أو في قوله ويعترف بالحق إن جاء من غيره ، وهذا من العدل الذي أمر الله به : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المائدة 8)، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } [ النساء 135] ، ويقول الله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى }[ الأنعام152]
هذه آداب القرآن والسنة في التخاطب ، وهي موجهه إلى الدعاة أولاً حتى يكون حديثهم وكلامهم فاتحاً قلوب الناس للحق ، منقذاً لهم من الضلالة ، لا مغلقاً ولا صاداً ولا مهلكاً ، وعلينا أن نتأمل كلام الله لنبيه : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [ آل عمران 159)].