مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ربيع الإصلاحيين في إيران (1) ــ لو ترك الأمر لخاتمي لما رشح نفسه للرئاسة هذه المرة
هويدي 19-6-2001

لو ترك الأمر لاختيار محمد خاتمي، لما رشح نفسه للرئاسة هذه المرة. ولعلي لا أذيع سراً إذا قلت انه كان قد قرر بالفعل الامتناع عن الترشيح، وأخبر أهله وبعض الخاصة بذلك، وبدأ في ترتيب العودة إلى حياته العادية بين المكتبة والجامعة، ولكن ضغوطاً شديدة مورست عليه، فغير رأيه في اللحظة الأخيرة.
وهذا التردد لم يكن مقصوراً على الترشيح للولاية الثانية، لأن خاتمي تعرض لضغوط مماثلة لكي يقبل الترشيح لانتخابات عام .97 وقد أقنعته تجربة السنوات الأربع التالية بأن تردده كان في محله، فحزم أمره على النحو الذي ذكرت.
لقد كان خاتمي مفضلاً على غيره في عام 97، لكنه أصبح ضرورة وخياراً وحيداً في سنة 2001، ليس في ما خص الاصلاحيين وحدهم، ولكن أيضاً في نظر الحريصين على استمرار مسيرة الثورة الاسلامية، وفي المقدمة منهم علي خامنئي، المرشد والقائد، الذي كان أحد الذين طلبوا منه الترشيح هذه المرة.
لم يكن في بال خاتمي، لا من قريب ولا من بعيد أن يترشح للرئاسة يوماً ما، حتى بدا وكأنه «طلق» السلطة منذ اضطر للاستقالة من منصبه كوزير للارشاد، بضغط من قوى المؤسسة الدينية التقليدية، في حكومة الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. ورغم أنه خرج من الوزارة كما دخلها، لا يملك بيتاً يسكنه، ولا سيارة تحمله إلى حيث يريد، فانه وجد ضالته في المكتبة الوطنية، التي استقر بها، وإلى جانبها كان يواصل التدريس بالجامعة، مبشراً بين الطلاب بقيم دولة القانون والمجتمع المدني.
لم يكن اسمه وارداً لم يكن الأمر غائباً عن باله فحسب، وانما ما خطر ترشيحه أيضاً على بال أحد من الأقطاب في الحكم أو المعارضة، ولا من الأحزاب والمنظمات والجمعيات، نعم كان خاتمي عضواً في تجمع «الروحانيين»، الذي ضم عدداً من العلماء، أغلبهم من رجال الصف الثاني لقيادات الثورة، ممن آثروا أن يتحركوا خارج مظلة المؤسسة التقليدية المحافظة، ومن ثم اعتبروا في صف اليسار الاسلامي، غير أن خاتمي لم يكن في واجهة «الروحانيين»، وانما كان قابعاً في الظل بعيداً عن الضوء واللغط.
بسبب من ذلك فان جماعته من أهل اليسار الديني لم يفكروا في ترشيحه وهم الذين كانوا مصممين على تحدي قوى اليمين، التي هيمنت على مجلس الشورى، وقامت بإقصائهم لمدة ثماني سنوات على الأقل، وكان مرشحهم المفضل هو المهندس مير حسين موسوي، رئيس الوزراء الأسبق، وبدا واضحاً آنذاك أن ذلك الترشيح يلقى توافقاً واجماعاً بين مختلف فصائل اليسار الديني في ايران.
يمين الوسط من جماعة الرئيس هاشمي رفسنجاني، الذين انفصلوا بدورهم عن اليمين التقليدي، وأسسوا ما عرف في ما بعد باسم كوادر البناء، كان منقسماً حول المرشح للرئاسة السابعة، بين فريق طرح فكرة تعديل الدستور أو اعادة تفسيره على نحو يسمح للرئيس رفسنجاني بالاستمرار لولاية ثالثة، بعد استنفاد الولايتين اللتين نص عليهما الدستور، وبين فريق بحث عن بديل لرفسنجاني، وكان ذلك البديل أحد شخصين الدكتور حسن حبيبي النائب الأول لرئيس الجمهورية أو السيد محمد رفسنجاني شقيق الرئيس، الذي كان رئيساً للاذاعة والتلفزيون وصار مستشاراً لوزير الخارجية.
أما اليمين التقليدي الحاكم والمهيمن فقد كان مرشحه الأول هو الشيخ علي أكبر ناطق نوري، رئيس مجلس الشورى آنذاك. ومن باب الاحتياط وضع بديلين له هما حجة الاسلام رضا ريشهري، وزير المعلومات الأسبق ورضا زواره، إحدى الركائز المهمة في السلطة القضائية، وعضو مجلس صيانة الدستور.
أعلنت فصائل اليسار معارضتها لانتخاب ناطق نوري وبديليه، ولم يكن أمامه بعد ذلك سوى الاختيار بين مير موسوي وحبيبي. وقد تسربت أنباء عن معارضة القائد لترشيح مير موسوي، لأسباب تتعلق بالعلاقة الشخصية بين الرجلين، حين كان الأول رئيساً للجمهورية والثاني رئيساً للوزراء فانسحب موسوي في هدوء وعاد إلى صمته الذي اعتصم به، قانعاً بمكتبه الهندسي الذي يشرف عليه ولوحاته التي يرسمها في أوقات فراغه. أما الدكتور حبيبي، فرغم أنه اسم لم يكن جديداً وليس معروفاً بعد مدى شعبيته، فانه بدوره اعتذر لأنه يريد أن يستريح، ولا يريد أن يحشر نفسه في قلب الصراع بين قوى اليمين واليسار.
ومن باب النكاية والمعاندة للشيخ ناطق نوري، فان بعض عناصر اليسار فضلت عليه ريشهري، ولكن الترشيح لم يلق حماساً كبيراً، لأن بعض رموزه أدركت أنه من الصعب على الرأي العام أن يتحمس لمرشح كان في السابق وزيراً للمعلومات، ووثيقاً بأجهزة الأمن والاستخبارات.
اشترط موافقة القائد هكذا فان اسم السيد القابع في المكتبة الوطنية، والقانع بما يفعل، لم يكن مطروحاً في كل الترشيحات التي لاحت في الأفق في ربيع عام .1997 غير أن بعض رفاقه من تلاميذ الامام اقترحوا اسمه كأحد الخيارات التي يمكن أن تلقى قبولاً عاماً. ليس فقط بسبب رصيد الاحترام الذي يحظى به على المستويين السياسي والثقافي، ولكن أيضاً لأنه من أبناء الثورة المخلصين لمبادئها، الذين آثروا الاستقلال والوقوف خارج الصراعات، وبعيداً عن المؤسسة التقليدية، التي بدأ رصيدها بالتآكل.
كان خاتمي وجهاً جديداً بمعايير اللحظة، يتمتع بدرجة عالية من القبول من الناخبين الشخصية والموضوعية، الأمر الذي اقنع الجميع بأنه يمكن أن يمثل ورقة رابحة، يمكن بها تحدي قوى اليمين المهيمن. وحتى يمر كان ينبغي اقناعه أولاً بالخروج من صومعته، ثم كان ينبغي أىضاً أن يجيزه مجلس صيانة الدستور، شأنه في ذلك شأن غيره من المرشحين.
اجتمع القادة الروحانيون برئاسة الشيخ مهدي كروبي واتفق رأيهم على مفاتحة خاتمي في الأمر، وحينما التقوا به فانه تردد في بادئ الأمر، وطلب قبل المضي في مناقشة الموضوع استطلاع رأي القائد، خصوصاً أن خاتمي كان قد استقال من وزارة الارشاد احتجاجاً على ضغوط المؤسسة التقليدية التي مورست عليه من مصادر عدة، كان بينها رئيس الجمهورية، الذي كان هو ذاته السيد علي خامنئي.
لم يمانع خامنئي حين عرضت عليه المسألة، الأمر الذي ازال أحد أسباب التردد عند خاتمي، لكن كان مدركاً أن قبوله الترشيح يعني دخوله حلبة للصراع الشرس، الذي حرص على تجنبه منذ استقال من الوزارة، بعد أن قضى فيها ثلاثة عشر عاماً. وزاد من تردده أن زوجته زهرة صادقي وقفت في الجانب المعارض لترشيحه للرئاسة، لعلمها ان الرجل خلق للثقافة وليس للقتال في السياسة. (في حديث أخير للسيدة زهرة، نشرته المجلة النسائية الأسبوعية «زنان»، قالت انها ما زالت على موقفها المعارض لتجديد رئاسة خاتمي).
استخدم الشيخ كروبي وصحبه كل ما في جعبتهم من حجج وضغوط حتى حصلوا من خاتمي على الموافقة التي ارادوها، وبقيت بعد ذلك الخطوة الحاسمة، وهي موافقة مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون، ولا يزال يعد أحد معاقلهم الرئيسية، بل صار أداة اليمين التي بها يتم اقصاء الاصلاحيين وحصارهم (المجلس يضم ستة من الفقهاء الذين يعينهم القائد، وستة آخرين من القضاة يختارهم مجلس الشورى من بين عدد من الشخصيات المرشحة من قبل السلطة القضائية).
3 جلسات لإجازة خاتمي الذي لا يعرفه كثيرون أن اجازة خاتمي في لجنة صيانة الدستور في عام 97، تمت بصعوبة بالغة، وبعد معركة استغرقت ثلاث جلسات، وان الاجازة تمت بعد تصويت رجحت فيه كفته بصوت واحد. كان عدد الذين تقدموا للترشيح لمنصب الرئيس وقتذاك 234 شخصاً. وكان من السهل حسم الموقف بالنسبة للجميع باستثناء شخص واحد هو: محمد خاتمي، واستبعد المجلس عشرات المرشحين بغير جهد كبير، واجاز ثلاثة هم ناطق نوري رئيس مجلس الشورى، ورضا زواره العضو في المجلس ومحمد ريشهري وزير المعلومات السابق، وهم المؤيدون من اليمين المحافظ، أما الشخص الذي وقف في الحلوق فقد كان خاتمي.
قال الراوي ان موضوع خاتمي عرض في احدى جلسات مجلس صيانة الدستور، وأثناء مناقشته تمسك آية الله أحمد جنتي الأمين العام للمجلس، وأحد أركان المعسكر المحافظ، برفض اجازته ومن ثم استبعاده من سباق الترشيح، غير أن الدكتور حسن حبيبي الذي كان وقتذاك عضواً في المجلس إلى جانب كونه نائباً أول لرئيس الجمهورية، اعترض على مبدأ التسرع في شطب خاتمي، ودعا إلى التريث في اتخاذ قرار بشأنه، ومناقشته في جلسة ثانية. وهو ما حدث بالفعل، وبدا من المناقشة ان ممثلي المحافظين يتوجسون خيفة من ذلك السيد الآتي من الظل، ويخشون من أن يصبح منافساً جاداً لمرشح النظام والمؤسسة التقليدية، الشيخ ناطق نوري، الذي استقر الأمر منذ عام 1995، على أنه الخليفة المنتظر بعد انتهاء الولاية الثانية للشيخ رفسنجاني.
في تلك الجلسة الثانية اتصلت المناقشات، وبدا ان مسارها غير قادر على حسم مسألة استبعاد خاتمي، الأمر الذي دفع أحد كبار الشيوخ إلى تقديم اقتراح بحل وسط، يقضي برفض المجلس اجازة خاتمي، ثم الطلب من المرشد علي خامنئي بشكل غير علني السماح له بالترشيح، غير أن ذلك الاقتراح رفض، وحين لم تنته المناقشة إلى اتفاق، تقرر استئنافها في جلسة ثالثة.
في تلك الجلسة الأخيرة استمرت المناقشة، ثم تقرر التصويت على خاتمي، فأيد اجازته ستة أشخاص، وعارضها خمسة (العضو الثاني عشر لم يحضر لأنه أجيز كمرشح، وهو رضا زواره). وبذلك أفلت السيد من الشطب، وأصبح مرشحاً رسمياً للرئاسة، إلى جانب المرشحين الثلاثة الذين سبقت الاشارة إليهم.
ما حدث بعد ذلك معلوم للكافة، فقد وقعت المفاجأة، وحقق خاتمي فوزه الكبير على الشيخ ناطق نوري، وحصل على 69% من الأصوات، مقابل 24% فقط للشيخ نوري، الذي لم يحتمل الضربة القاضية فانسحب وبقي في الظل ولا يزال.
افتعلوا مشكلة كل 9 أيام التيار المحافظ لم يستسلم، وانما استنفر كل قواه، خصوصاً في داخل مؤسسات الدولة، الاقتصادية والتشريعية والقضائية، اضافة إلى مجالس صيانة الدستور والخبراء وتشخيص مصلحة النظام، وغير ذلك. وقام هؤلاء بحملة مطاردة وقمع للاصلاحيين لا هوادة فيها، وصلت إلى حد ضرب بعض وزرائهم في الشوارع (عطاء الله مهاجراني وعبد الله نوري) ولم تتورع عن استخدام أسلحة المصادرة للصحف واغتيال الأشخاص، وسجن الكتاب وبعض الرموز الاصلاحية ذات الصوت العالي والمؤثر بين الناس.
يكفي أن تعلم أن المحافظين ظلوا يفتعلون أزمة كل تسعة أيام للرئيس خاتمي وفريقه الاصلاحي وكانت كل أزمة بمثابة لغم يحاول نسف مشروعه أو تعويق تقدمه. ولولا أنني سمعت هذه المعلومة من خاتمي في أحد لقاءاته التي شهدتها في طهران، أثناء الأسبوع الأخير للحملة الانتخابية، لتشككت في صحتها.
في أجواء من ذلك القبيل لا يستغرب المرء أن يدرك الرجل في نهاية ولايته أنه قد نال حظاً كافياً من المتاعب والمعاناة، وأنه قد آن الأوان لكي يترجل ويستريح، ومن ثم يفسح المجال لغيره لكي يتحمل المسؤولية التي أثقلت كاهله، ويواصل السير على الطريق الذي شقه بمعاناة وعذاب شديدين، خلال السنوات الأربع التي قضاها على مقعد الرئاسة.
كنت أحد الذين ظنوا أن ما نشر عن تردد الرئيس خاتمي في الترشيح للولاية الثانية من قبيل التمنع، الذي أراد به أن يضغط على الآخرين، لكي يستجيبوا لشروطه، خصوصاً تلك التي تعلقت بالصلاحيات الممنوحة له. وكنت قد كتبت شيئاً من ذلك القبيل في وقت سابق. لكني هذه المرة تيقنت أن الرجل كان جاداً في العزوف عن الترشيح، وأنه قرر ذلك بالفعل، وبدأ في ترتيب أوضاعه على هذا الأساس. وقال لي أحد القريبين منه أن قراره ذاك أراحه كثيراً، حتى بدا في أعقابه بشوشاً وضاحكاً وهادئ البال.
طالبوه بأن يكون «مانديلا» حين عرف أن خاتمي قرر عدم ترشيح نفسه للرئاسة، ترددت أصداء القرار بقوة وسرعة في دوائر عدة. من ناحية شجعه المحافظون بشدة على الاعتزال، ودعوه لأن يحذو حذو نيلسون مانديلا، الذي ترك السلطة وهو في أوج قوته، قائلين ان خاتمي سيدخل التاريخ وسيكون في صالحه أن يخرج هذه المرة قوياً، بدلاً من أن يستمر في موقعه للولاية الثانية، ضعيفاً وعاجزاً. وعلى الفور سربوا أنباء عن ترشيحاتهم، وقالت صحيفة «نوروز» الاصلاحية في 28/4 إنه اذا لم يرشح خاتمي نفسه، فان المحافظين سيرشحون للرئاسة الدكتور علي ولايتي وزير الخارجية السابق ومستشار القائد وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، كما يرشحون نائباً أول له محمد رضا باهز الأمين العام لجامعة المهندسين الاسلامية.
على صعيد آخر فإن محسن رضائي، القائد السابق لحرس الثورة وأمين مجمع تشخيص قدم نفسه مرشحاً بديلاً للرئاسة، كما ذكرت صحيفة «سياست روز» في 2/5. ومعروف أن رضائي يتطلع إلى القيام بدور سياسي قيادي منذ ترك حرس الثورة، فحصل على شهادة في الاقتصاد، وأصبح يلقب بالدكتور بديلاً عن الجنرال، وتبنى خطاباً سياسياً ناقداً للحكومة، وفي هذا الاطار فإنه وجه رسالة مفتوحة إلى خاتمي نشرتها الصحف صباح يوم 30/4، بدا فيها ناقداً وناصحاً، ومتهماً جبهة «خرداد» الاصلاحية والصحف المعبرة عنها بالتشويش والاساءة إلى بعض الشخصيات العامة، خصوصاً ممثلي السلطة القضائية (الذين ينفذون مخططات اليمين المحافظ).
من ناحية ثالثة فان القوى الاصلاحية صدمها قرار خاتمي، ليس لأنه لا بديل له، فثمة بدائل أخرى تحظى بقدر كبير من الاحترام والتأييد، ولكن لأن مجلس صيانة الدستور لن يسمح لأحد منهم بالترشيح للرئاسة، ولن يكرر «غلطة» عام 1997، حين أجاز خاتمي، فاكتسح منافسه ناطق نوري، وانتزع رئاسة السلطة التنفيذية من أيدي المحافظين لأول مرة منذ قامت الثورة في عام 79م.
وكما سمعت من أحد قياداتهم، فان الجناح المحافظ مصر ـ إذا وافته الظروف ـ أن يكون خاتمي آخر الاصلاحيين الذين يتولون رئاسة الجمهورية، ولذلك فان ترشيح أي بديل اصلاحي عنه هو من رابع المستحيلات في الظرف الراهن، بل وفي الأجل المنظور، طالما أن المحافظين يسيطرون على مجلس صيانة الدستور، الذي بيده سلطة الاجازة والمنع من الترشيح لأي انتخابات في البلاد.
رسائل عربية أيدت خاتمي الصدمة لم تكن من نصيب الجبهة الاصلاحية فحسب، ولكنها امتدت إلى قطاعات عريضة من المجتمع، ولذلك فان عدداً ضخماً من التجمعات والهيئات الأهلية أعلنت عن تأييدها لترشيحه. وكان مما لفت الأنظار أن 4600 من طلاب العلم والأساتذة في حوزة قم وجهوا إليه رسالة تأييد ومناشدة تدعوه لترشيح نفسه للرئاسة.
أكثر من ذلك فان بعض العقلاء في أوساط القيادة الايرانية أدركوا بعد استطلاعات للرأي قامت بها الأجهزة المتخصصة ان ثمة تأييداً كاسحاً لخاتمي، وان وجوده على رأس السلطة التنفيذية في الوقت الراهن يشكل صمام أمان للنظام، باعتبار أنه نجح في أن يصبح محوراً للاجماع بين مختلف الفئات (باستثناء المحافظين بطبيعة الحال) خصوصاً الأجيال الصاعدة بين الشباب والنساء. وهذا الادراك هو الذي دفع علي خامنئي مرشد الثورة إلى مطالبة خاتمي بالترشيح للولاية الثانية، وهذه المعلومة انقلها على مسؤولية علي هاشمي عضو مجلس الشورى، الذي طرح سؤالاً في هذا الخصوص على خاتمي، فرد عليه بالايجاب، قائلاً ان المرشد طلب منه الترشيح حقاً. ورغم الشائعات التي ترددت عن أن رفسنجاني كان من مشجعي عدم ترشيح خاتمي، إلا أن هناك معلومات أخرى مرجحة تشير إلى أنه بالعكس أيد ترشيحه وشجعه عليه، يعزز ذلك أن جماعة رفسنجاني (كوادر البناء) اعلنوا عن تأييدهم لترشيح خاتمي للرئاسة.
إلى جانب ذلك، فالمعلومات المتداولة في طهران تشير إلى أنه كان هناك تأييد عربي واسع النطاق لترشيح خاتمي، وأن رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان، حين زار طهران في تلك الأجواء تلقى عدة اتصالات من زعماء ومسؤولين عرب، أعرب عن القلق من الأنباء التي نشرت حول الموضوع، وكانت احدى الرسائل التي طلب منه نقلها إلى القيادة الايرانية تقول ان الدول العربية المحيطة بايران والقريبة منها تشعر بدرجة عالية من الثقة والاطمئنان بسبب وجود الرئيس خاتمي على رأس السلطة.
هذه المطالبات كلها تحولت إلى ضغوط متتالية على خاتمي، لم يستطع مقاومتها طويلاً، الأمر الذي دفعه إلى الاذعان وتغيير رأيه. وحين ذهب إلى تسجيل اسمه لدى وزارة الداخلية، قبل أسبوعين من اغلاق باب الترشيح، فان الرجل لم يستطع أن يكتم انفعاله وهو يتحدث إلى الصحافيين، خصوصاً حينما تطرق إلى معاناة السنوات الأربع التي مرت، وإلى رفاقه الذين دفعوا الثمن غالياً لقاء التزامهم بالمشروع الاصلاحي، فمنهم من سجن ومنهم من تعرض للاغتيال ومنهم من منع من الاشتغال بالحياه العامة. حين تحدث عن تلك الصفحة بكى خاتمي تأثراً، ولم يعرف بالضبط ما إذا كان ذلك تأثراً بما جرى للآخرين أو بما جرى له.
المحافظون رفضوا الكلام حين عرف أن خاتمي عدل عن رأيه ورشح نفسه، تبدلت أمور كثيرة، كان أهمها أن المحافظين سحبوا كلامهم عن ترشيح الدكتور ولايتي للرئاسة، وأعلنوا رسمياً أنهم لن يرشحوا أحداً لذلك المنصب، وسكت محسن رضائي وبلع رغبته في الترشيح.
وقتذاك (في 22/4) توجهت صحيفة «نوروز» الاصلاحية إلى عدد من رموز اليمين متسائلة: لماذا لم يرشح المحافظون أحداً للرئاسة بصفة رسمية، فكانت الردود كالتالي: موسى قرباني ممثل اليمين في مجلس الشورى: يتعذر ترشيح أحد لأن الجو في صالح خاتمي.
مهندس محمد رضا باهز (الذي تردد أن المحافظين بصدد ترشيحهم له كنائب أول للرئيس): غير مستعد للاجابة على السؤال (!).
أسد الله بادمجيان، عضو اللجنة المركزية لجمعية المؤتلفة التي تمثل فريقاً من غلاة اليمين: لن أتكلم في الموضوع (!).
حميد رضا ترقي عضو اللجنة المركزية للمؤتلفة: أرفض مناقشة المسألة على صفحات الصحف.
محمد جداد لاريحان رئيس الاذاعة والتلفزيون المؤيد لليمين: ليس عندي كلام في المسألة وغير مستعد لاستقبال مندوب الجريدة! كان واضحاً أن خبر الترشيح كان له وقع الصاعقة على معسكر اليمين برمته.
كيف بدا السباق بعد دخول خاتمي إلى الحلبة؟ في الحلقة المقبلة نجيب عن السؤال.
أضافة تعليق