هويدي 19-5-2003
تمثل «خريطة الطريق» صفحة جديدة في سجل العبث الذي تتوالى موجاته ووقائعه بصورة مدهشة في العالم العربي، فرغم ان أوساطا عربية رسمية، وأبواقا اعلامية بالتالي، ما برحت تطنطن للخطة، وتتعامل معها وكأنها أمل يمكن التعويل عليه للخروج من المأزق، فإن احدا خارج العالم العربي لم يأخذها على محمل الجد، بوجه أخص في الولايات المتحدة واسرائيل. ويلاحظ المراقب ان الطرف العربي والفلسطيني صار يؤكد بمناسبة وبغير مناسبة تعلقه والتزامه بالخطة، ويسعى جاهدا للتدليل على حسن النية إزاءها، بل والتأكيد على ان خطوات تنفيذها بدأت بالفعل، وان السلطة الفلسطينية لم تقصر في الوفاء باستحقاقاتها، قدر استطاعتها. يحدث ذلك في الوقت الذي تمهد فيه الادارة الاميركية للتراجع عنها، وبينما تهيئ لها إسرائيل المكان الذي يناسبها في «أرشيف» مبادرات الشرق الاوسط. ومن ثم تعمل على تجاوزها في هدوء، وهي مطمئنة الى أن احدا لن يستطيع أن يضغط عليها لكي تقبلها.
لقد تناقلت بعض الصحف العربية في الأسبوع الماضي تفاصيل الوثيقة التي أعدتها دائرة شؤون المفاوضات في السلطة الفلسطينية حول الكيفية التي نفذت بها أجهزة السلطة غالبية استحقاقات المرحلة الأولى من «الخريطة»، في حين أن اسرائيل لم تعلن من حيث المبدأ قبولها للخطة وما برحت تعلن تحفظها عليها، ليس ذلك فحسب، وإنما واصلت سياستها الوحشية المتمثلة في نهب الأراضي والتوسع في الاستيطان واجتياح القرى والمدن الفلسطينية، واستمرار عمليات القتل والاجتياح وتدمير بيوت الفلسطينيين وتجريف زراعاتهم، فضلا عن تدمير البنى التحتية للمجتمع الفلسطيني.
قالت مصادر السلطة ان الوثيقة التي أعدتها قدمت الى وزير الخارجية الأميركي كولين باول، أثناء لقائه محمود عباس (أبومازن) رئيس الوزراء الفلسطيني، الذي احيط بها علما، ودسها بين أوراقه، ربما لكي يضمها الى «أرشيف» المبادرات.
حسب كلام وزير الاعلام الفلسطيني نبيل عمرو فإن باول «جاء ليطالب الفلسطينيين بتحقيق التزماتهم، بينما اسرائيل تدوس كل يوم على التزاماتها». وأجمعت التقارير الصحفية التي تابعت زيارة وزير الخارجية الأميركي لاسرائيل واجتماعه بقادتها على أمرين; الأول انه لم يمارس أي ضغط على اسرائيل بخصوص الخريطة، وإنما ضغوطه كانت مكثفة في مواجهة الطرف الفلسطيني. أما الثاني فإن شارون لم يهتم بمناقشة الموضوع معه، مؤثرا ان يكون الكلام الجاد والمهم مع رئيسه (بوش)، في اجتماعه المرتقب معه أثناء الزيارة التي سيقوم بها الى العاصمة الاميركية غدا، ولكن شارون أعطى لوزير الخارجية الاميركي «فكرة» عن الصعوبات التي تواجهه في تنفيذ الخطة. في هذا الصدد ذكرت «الشرق الاوسط» (عدد 5/13) انه تعلل في حديثه مع باول بأن قيادة الجيش تضع «شروطا قاسية» يتعذر في ظلها الالتزام بالخطة، لأنها «لم تعد تثق بالفلسطينيين ووعودهم»، وقال صراحة انه لا يستطيع ان يتعهد بوقف الاغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينية.
ومما ذكره مراسل «الشرق الاوسط» في تل أبيب بهذا الصدد ان وزير الدفاع شاؤول موفاز حاول اقناع باول بأن «هذه الاغتيالات تصب في مصلحة أبومازن، لان هؤلاء القادة يريدون التخريب على أبومازن، ومنعه من النجاح في مهمته كرئيس للوزراء، ونحن نقوم بتخليصه منهم».
ولا أعرف ان كان باول صدق الكذبة أم لا، لكن القدر المتيقن انه كان في تل أبيب مستمعا أكثر منه متحدثا، ولكنه في اجتماعه مع أبومازن في أريحا كان متحدثا أكثر منه مستمعا.
لم يعد سرا ان لاسرائيل ما لا يقل عن 14 أو 15 تعديلا على خريطة الطريق، وانها ترى انه يتعذر عليها قبول الخطة ما لم تدخل عليها التعديلات، التي تصب في مجرى واحد هو: تحقيق الأمنية الاسرائيلية، وتركيع الفلسطينيين الى الأبد. وفي مقالة نشرتها «معاريف» للمعلق الاسرائيلي حيمي شليف (في 5/12) ذكر صراحة ان احتمال تبني حكومة شارون للخطة ضعيف جدا، لان كثيرا من بنودها متعارض بشدة مع المبادئ الأساسية، لا الخاصة بوزراء الحكومة من اليمين فقط، وإنما تلك الخاصة برئيس الحكومة ارييل شارون شخصيا. فهو مثلا يشترط للقبول بفكرة الدولة الفلسطينية، حتى وان كانت «كارتونية» ومنزوعة السيادة، التنازل سلفا عن حق العودة». وبما ان احتمالات حدوث ذلك واهية ـ حيث لا يستطيع ولا يملك أي مسؤول فلسطيني أن يقبل باسقاط 5.4 مليون شخص من بني جلدته مقيمين في المخيمات والمنافي بالخارج ـ فإن ذلك يعد سببا كافيا لطي الخريطة من البداية. من ناحية ثانية، فالخريطة تقرر ان الحدود النهائية للدولة الفلسطينية ستوضع عام 2005، وذلك يتناقض تماما مع مطلب شارون بـ«تسوية بعيدة المدى»...إلخ
الخلاصة ان اسرائيل سعيدة بالالتزامات الفلسطينية في الخريطة، لكنها رافضة لأهم الالتزامات الاسرائيلية، ولذلك فإنها ترحب بأن يكون الطريق ذا اتجاه واحد، وليس اتجاهين.
وهي تحاول التملص من العملية دون أن تسبب حرجا للرئيس بوش، فإن المسؤولين الاسرائيليين لجأوا الى حيلة خبيثة، خلاصتها انهم يعلنون انهم يؤيدون تماما كل ما قاله الرئيس بوش فيما وصف بأنه «رؤية»، التي اعلنها في خطاب 2002/6/24، وضمنها عدة مبادئ لحل القضية الفلسطينية، ولكنهم يتذرعون بأن «الخريطة» التي أعدتها «اللجنة الرباعية» لا تعبر بدقة عن الآراء التي أعلنها الرئيس الأميركي، وهذه الحجة ـ التي نقلها شارون لكولين باول ـ تضمنت غمزا، في الرئيس بوش، ومدحا في حليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وهو ما عبر عنه المعلق الاسرائيلي عكيفا الدار (هآرتس 5/13) حين أشار الى ان بوش لم ينتبه الى أن أعضاء اللجنة الرباعية الدولية ـ ومنهم باول نفسه ـ باعوه خريطة طريق تؤدي الى اتجاه مغاير للاتجاه الذي حدده هو. في هذا الصدد فإن المعلق الاسرائيلي ذكرَّ بما قاله في وقت سابق رئيس الكنيسيت الاسرائيلي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية من أن «توني بلير أغرى بوش بمداهنته ونفاقه، ودفعه لتبني خريطة الطريق الرباعية»، أي ان بوش كان صادقا في المبادئ التي أعلنها، ومن ثم لا تثريب عليه، لكنه في النهاية سقط في شرك بلير.
بهذه الحيلة التي برأت بوش وهاجمت الخريطة في شخص بلير (وصفته الصحف الاسرائيلية بأنه عدو لاسرائيل)، وحين سئل شارون عن ذلك قال: لا أقول انه عدو، ولكن لا شك أنه أعطى لنفسه حرية زائدة في اقرار مصير اسرائيل، ونحن لن نسمح له بذلك («يديعوت احرونوت» 4/16).
رد الفعل الاميركي على الموقف الاسرائيلي كان كالتالي: في الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش يوم 5/9 وأعلن فيه «مبادرة» جديدة تعلقت باقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، لوحظ انه تجاهل تماما خريطة «الطريق»، وركز على عودة الاسرائيليين والفلسطينيين الى طاولة المفاوضات.
السفير الأميركي لدى اسرائيل دانيال كيورتز قال في اجتماع مغلق لعدد من السياسيين الاسرائيليين «طالما ان الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي يوجهان الانتقادات والتحفظات للخطة، فإنها لم تعد مناسبة، وينبغي عدم المبالغة في اعطائها أهمية زائدة «الشرق الاوسط» 4/16).
في 4/15 قال ريتشارد بيرل عضو مجلس سياسات الدفاع التابع لوزارة الدفاع الاميركية، وأحد أهم العقول في الادارة الاميركية، في محاضرة ألقاها في معهد «اميركان انتربرايز» ـ أحد منابر القادة الاميركيين ـ ان الولايات المتحدة لا ينبغي ان تتسرع في مكافأة العرب بسبب موضوع العراق، ومن ثم فعليها أن تتروى في موضوع «خريطة الطريق».
مارتن انديك السفير السابق لدى اسرائيل، كتب مقالة مهمة بعدد أول ابريل في مجلة «فورين افيرز»، دعا فيها الى صرف النظر عن «خريطة الطريق» واستبدال مشروع آخر بها يضع فلسطين تحت الوصاية، بحيث تقوم الولايات المتحدة بادارتها لتأهيل الفلسطينيين، حتى يكونوا قادرين خلال بضع سنوات على تسلم ادارة فلسطين المستقلة بأنفسهم.
ان اسرائيل تعرف جيدا ان الغلاة الذين تعززت مواقعهم في واشنطن لهم نفوذهم القادر على تحقيق الاستجابة الاميركية المستمرة للتطلعات الاسرائيلية، وتعلم ان لها نفوذها القوي في الكونغرس، الذي يمكنها من الاطمئنان الى ان مصالحها لن تمس ورغباتها ستحظى بالحفاوة والتأييد، وتدرك في الوقت ذاته ان الرئيس بوش متطلع للفوز لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجري في أواخر العام القادم (نوفمبر)، وسوف يدفعه ذلك الى مجاملة الاسرائيليين واليهود الذين يتطلع لكسب دعمهم المالي وأصواتهم، ولذلك كله فهي مطمئنة الى سيطرتها على الموقف، وانها ستظل صاحبة الكلمة الأخيرة في الموضوع الفلسطيني.
من أسف ان ذلك يحدث بينما ما زالت بعض العواصم العربية واقفة عند خريطة الطريق، والبعض يعتبرها طوق نجاة، وغاية المراد من رب العباد، لكننا نحمد الله على ان أهل المقاومة ومن لف لفهم لم ينخدعوا بالكذبة منذ اللحظة الأولى، وما يزالون قابضين على الجمر، ندعو لهم بالثبات والصبر على ظلم ذوي القربى.
تمثل «خريطة الطريق» صفحة جديدة في سجل العبث الذي تتوالى موجاته ووقائعه بصورة مدهشة في العالم العربي، فرغم ان أوساطا عربية رسمية، وأبواقا اعلامية بالتالي، ما برحت تطنطن للخطة، وتتعامل معها وكأنها أمل يمكن التعويل عليه للخروج من المأزق، فإن احدا خارج العالم العربي لم يأخذها على محمل الجد، بوجه أخص في الولايات المتحدة واسرائيل. ويلاحظ المراقب ان الطرف العربي والفلسطيني صار يؤكد بمناسبة وبغير مناسبة تعلقه والتزامه بالخطة، ويسعى جاهدا للتدليل على حسن النية إزاءها، بل والتأكيد على ان خطوات تنفيذها بدأت بالفعل، وان السلطة الفلسطينية لم تقصر في الوفاء باستحقاقاتها، قدر استطاعتها. يحدث ذلك في الوقت الذي تمهد فيه الادارة الاميركية للتراجع عنها، وبينما تهيئ لها إسرائيل المكان الذي يناسبها في «أرشيف» مبادرات الشرق الاوسط. ومن ثم تعمل على تجاوزها في هدوء، وهي مطمئنة الى أن احدا لن يستطيع أن يضغط عليها لكي تقبلها.
لقد تناقلت بعض الصحف العربية في الأسبوع الماضي تفاصيل الوثيقة التي أعدتها دائرة شؤون المفاوضات في السلطة الفلسطينية حول الكيفية التي نفذت بها أجهزة السلطة غالبية استحقاقات المرحلة الأولى من «الخريطة»، في حين أن اسرائيل لم تعلن من حيث المبدأ قبولها للخطة وما برحت تعلن تحفظها عليها، ليس ذلك فحسب، وإنما واصلت سياستها الوحشية المتمثلة في نهب الأراضي والتوسع في الاستيطان واجتياح القرى والمدن الفلسطينية، واستمرار عمليات القتل والاجتياح وتدمير بيوت الفلسطينيين وتجريف زراعاتهم، فضلا عن تدمير البنى التحتية للمجتمع الفلسطيني.
قالت مصادر السلطة ان الوثيقة التي أعدتها قدمت الى وزير الخارجية الأميركي كولين باول، أثناء لقائه محمود عباس (أبومازن) رئيس الوزراء الفلسطيني، الذي احيط بها علما، ودسها بين أوراقه، ربما لكي يضمها الى «أرشيف» المبادرات.
حسب كلام وزير الاعلام الفلسطيني نبيل عمرو فإن باول «جاء ليطالب الفلسطينيين بتحقيق التزماتهم، بينما اسرائيل تدوس كل يوم على التزاماتها». وأجمعت التقارير الصحفية التي تابعت زيارة وزير الخارجية الأميركي لاسرائيل واجتماعه بقادتها على أمرين; الأول انه لم يمارس أي ضغط على اسرائيل بخصوص الخريطة، وإنما ضغوطه كانت مكثفة في مواجهة الطرف الفلسطيني. أما الثاني فإن شارون لم يهتم بمناقشة الموضوع معه، مؤثرا ان يكون الكلام الجاد والمهم مع رئيسه (بوش)، في اجتماعه المرتقب معه أثناء الزيارة التي سيقوم بها الى العاصمة الاميركية غدا، ولكن شارون أعطى لوزير الخارجية الاميركي «فكرة» عن الصعوبات التي تواجهه في تنفيذ الخطة. في هذا الصدد ذكرت «الشرق الاوسط» (عدد 5/13) انه تعلل في حديثه مع باول بأن قيادة الجيش تضع «شروطا قاسية» يتعذر في ظلها الالتزام بالخطة، لأنها «لم تعد تثق بالفلسطينيين ووعودهم»، وقال صراحة انه لا يستطيع ان يتعهد بوقف الاغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينية.
ومما ذكره مراسل «الشرق الاوسط» في تل أبيب بهذا الصدد ان وزير الدفاع شاؤول موفاز حاول اقناع باول بأن «هذه الاغتيالات تصب في مصلحة أبومازن، لان هؤلاء القادة يريدون التخريب على أبومازن، ومنعه من النجاح في مهمته كرئيس للوزراء، ونحن نقوم بتخليصه منهم».
ولا أعرف ان كان باول صدق الكذبة أم لا، لكن القدر المتيقن انه كان في تل أبيب مستمعا أكثر منه متحدثا، ولكنه في اجتماعه مع أبومازن في أريحا كان متحدثا أكثر منه مستمعا.
لم يعد سرا ان لاسرائيل ما لا يقل عن 14 أو 15 تعديلا على خريطة الطريق، وانها ترى انه يتعذر عليها قبول الخطة ما لم تدخل عليها التعديلات، التي تصب في مجرى واحد هو: تحقيق الأمنية الاسرائيلية، وتركيع الفلسطينيين الى الأبد. وفي مقالة نشرتها «معاريف» للمعلق الاسرائيلي حيمي شليف (في 5/12) ذكر صراحة ان احتمال تبني حكومة شارون للخطة ضعيف جدا، لان كثيرا من بنودها متعارض بشدة مع المبادئ الأساسية، لا الخاصة بوزراء الحكومة من اليمين فقط، وإنما تلك الخاصة برئيس الحكومة ارييل شارون شخصيا. فهو مثلا يشترط للقبول بفكرة الدولة الفلسطينية، حتى وان كانت «كارتونية» ومنزوعة السيادة، التنازل سلفا عن حق العودة». وبما ان احتمالات حدوث ذلك واهية ـ حيث لا يستطيع ولا يملك أي مسؤول فلسطيني أن يقبل باسقاط 5.4 مليون شخص من بني جلدته مقيمين في المخيمات والمنافي بالخارج ـ فإن ذلك يعد سببا كافيا لطي الخريطة من البداية. من ناحية ثانية، فالخريطة تقرر ان الحدود النهائية للدولة الفلسطينية ستوضع عام 2005، وذلك يتناقض تماما مع مطلب شارون بـ«تسوية بعيدة المدى»...إلخ
الخلاصة ان اسرائيل سعيدة بالالتزامات الفلسطينية في الخريطة، لكنها رافضة لأهم الالتزامات الاسرائيلية، ولذلك فإنها ترحب بأن يكون الطريق ذا اتجاه واحد، وليس اتجاهين.
وهي تحاول التملص من العملية دون أن تسبب حرجا للرئيس بوش، فإن المسؤولين الاسرائيليين لجأوا الى حيلة خبيثة، خلاصتها انهم يعلنون انهم يؤيدون تماما كل ما قاله الرئيس بوش فيما وصف بأنه «رؤية»، التي اعلنها في خطاب 2002/6/24، وضمنها عدة مبادئ لحل القضية الفلسطينية، ولكنهم يتذرعون بأن «الخريطة» التي أعدتها «اللجنة الرباعية» لا تعبر بدقة عن الآراء التي أعلنها الرئيس الأميركي، وهذه الحجة ـ التي نقلها شارون لكولين باول ـ تضمنت غمزا، في الرئيس بوش، ومدحا في حليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وهو ما عبر عنه المعلق الاسرائيلي عكيفا الدار (هآرتس 5/13) حين أشار الى ان بوش لم ينتبه الى أن أعضاء اللجنة الرباعية الدولية ـ ومنهم باول نفسه ـ باعوه خريطة طريق تؤدي الى اتجاه مغاير للاتجاه الذي حدده هو. في هذا الصدد فإن المعلق الاسرائيلي ذكرَّ بما قاله في وقت سابق رئيس الكنيسيت الاسرائيلي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية من أن «توني بلير أغرى بوش بمداهنته ونفاقه، ودفعه لتبني خريطة الطريق الرباعية»، أي ان بوش كان صادقا في المبادئ التي أعلنها، ومن ثم لا تثريب عليه، لكنه في النهاية سقط في شرك بلير.
بهذه الحيلة التي برأت بوش وهاجمت الخريطة في شخص بلير (وصفته الصحف الاسرائيلية بأنه عدو لاسرائيل)، وحين سئل شارون عن ذلك قال: لا أقول انه عدو، ولكن لا شك أنه أعطى لنفسه حرية زائدة في اقرار مصير اسرائيل، ونحن لن نسمح له بذلك («يديعوت احرونوت» 4/16).
رد الفعل الاميركي على الموقف الاسرائيلي كان كالتالي: في الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش يوم 5/9 وأعلن فيه «مبادرة» جديدة تعلقت باقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، لوحظ انه تجاهل تماما خريطة «الطريق»، وركز على عودة الاسرائيليين والفلسطينيين الى طاولة المفاوضات.
السفير الأميركي لدى اسرائيل دانيال كيورتز قال في اجتماع مغلق لعدد من السياسيين الاسرائيليين «طالما ان الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي يوجهان الانتقادات والتحفظات للخطة، فإنها لم تعد مناسبة، وينبغي عدم المبالغة في اعطائها أهمية زائدة «الشرق الاوسط» 4/16).
في 4/15 قال ريتشارد بيرل عضو مجلس سياسات الدفاع التابع لوزارة الدفاع الاميركية، وأحد أهم العقول في الادارة الاميركية، في محاضرة ألقاها في معهد «اميركان انتربرايز» ـ أحد منابر القادة الاميركيين ـ ان الولايات المتحدة لا ينبغي ان تتسرع في مكافأة العرب بسبب موضوع العراق، ومن ثم فعليها أن تتروى في موضوع «خريطة الطريق».
مارتن انديك السفير السابق لدى اسرائيل، كتب مقالة مهمة بعدد أول ابريل في مجلة «فورين افيرز»، دعا فيها الى صرف النظر عن «خريطة الطريق» واستبدال مشروع آخر بها يضع فلسطين تحت الوصاية، بحيث تقوم الولايات المتحدة بادارتها لتأهيل الفلسطينيين، حتى يكونوا قادرين خلال بضع سنوات على تسلم ادارة فلسطين المستقلة بأنفسهم.
ان اسرائيل تعرف جيدا ان الغلاة الذين تعززت مواقعهم في واشنطن لهم نفوذهم القادر على تحقيق الاستجابة الاميركية المستمرة للتطلعات الاسرائيلية، وتعلم ان لها نفوذها القوي في الكونغرس، الذي يمكنها من الاطمئنان الى ان مصالحها لن تمس ورغباتها ستحظى بالحفاوة والتأييد، وتدرك في الوقت ذاته ان الرئيس بوش متطلع للفوز لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجري في أواخر العام القادم (نوفمبر)، وسوف يدفعه ذلك الى مجاملة الاسرائيليين واليهود الذين يتطلع لكسب دعمهم المالي وأصواتهم، ولذلك كله فهي مطمئنة الى سيطرتها على الموقف، وانها ستظل صاحبة الكلمة الأخيرة في الموضوع الفلسطيني.
من أسف ان ذلك يحدث بينما ما زالت بعض العواصم العربية واقفة عند خريطة الطريق، والبعض يعتبرها طوق نجاة، وغاية المراد من رب العباد، لكننا نحمد الله على ان أهل المقاومة ومن لف لفهم لم ينخدعوا بالكذبة منذ اللحظة الأولى، وما يزالون قابضين على الجمر، ندعو لهم بالثبات والصبر على ظلم ذوي القربى.