يوسف شلبي
-ولكن، تراجع نتنياهو عن هذه السياسة وعمل بعكسها عندما أصبح على قناعة بأن طهران تسعى للتقارب مع واشنطن، والخشية من أن يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل وخفض مجالات التعاون معها. ونتيجة لذلك، عاد من جديد نتنياهو إلى الخطاب ’’المتطرف’’ و’’التهويلي’’، كما كان سائدا عند من سبقوه من قبل.. وأشار غولدبرغ إلى أن إمكانية شن إسرائيل هجوم على إيران هو إستراتيجية تهدف في الأصل إلى التلاعب بأعصاب كل من إيران والولايات المتحدة في آن واحد..
هل أصبحت إسرائيل تشكل هاجسا لأوباما؟ وهل هناك مخاوف حقيقية من أن تبادر إسرائيل إلى إشعال فتيل الحرب في المنطقة القابلة للانفجار في أي وقت؟ سؤالان طرحهما الصحفي اليهودي الأمريكي جيفري غولدبرغ، في سياق مقال مؤيد لإسرائيل، والمنشور في مجلة ’’الأطلسي’’ (Atlantic magazine) في عددها الأخير.
وكان الهدف الرئيس الواضح منه، عرض مخاوف إدارة باراك أوباما، وقلقها إزاء المخاطر الكبيرة لهجوم محتمل من قبل حكومة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على إيران في الأشهر المقبلة قبل أن تتمكن من الحصول على ’’القنبلة الذرية’’ كما تدعي تل أبيب، شعورا منها أن واشنطن تأخذ بعين الاعتبار ’’التهديد الوجودي’’ الذي تشكله إيران على الكيان الإسرائيلي في المنطقة، وعلى المصالح الحيوية والإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط من خلال البرنامج النووي الإيراني.
غير أن المقال وفر أدلة جديدة تشير إلى أن شخصيات بارزة في المخابرات الإسرائيلية، وهي من أبرز القيادات العسكرية، تعارض مثل هذه ’’المغامرة’’ ضد إيران، وتعتقد أن الخطاب ’’الديني’’ المستهلك لنتنياهو من خلال تركيزه على ’’حتمية’’ المواجهة الكبرى في آخر الزمان (apocalyptic) مع ’’الشر المطلق’’ المجسد في صورة إيران وما تمثله من ’’تهديد وجودي’’ للقيم الغربية المسيحية — اليهودية المشتركة، غير ضروري بالمرة، وليس قابلا للتصديق أو التسويق بالنسبة لأغلب شعوب العالم.
وإن لم يقم الكاتب غولدبرغ بنقل كل التصريحات المعارضة لأي ضربة عسكرية محتملة في الأشهر القليلة القادمة في مقاله، غير أن الشخصيات العسكرية الإسرائيلية ’’الاستخباراتية’’ بدأت في التعبير عن معارضتها لمثل هذا الخطاب ’’الديني’’، الذي يسوق لنهاية العالم والخلاص من إيران، في وقت مبكر منذ بداية التسعينيات (1990م).
وكشف مقال غولدبرغ أيضا، الحساسية الإسرائيلية المفرطة تجاه أي خطوة قد يلجأ إليها أوباما للمطالبة علنا من إسرائيل الكف عن توجيه مثل هذه الضربة العسكرية، وهو ما يعكس واقع أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكن لها المضي قدما في أي ضربة من دون أن تضمن مشاركة و’’تورط’’ الولايات المتحدة المباشر في الحرب مع إيران.
ويؤكد غولدبرغ في مقاله، أن السيناريو المحتمل الذي خُطط له بدقة سيكون خلال بضعة أشهر من الآن، وأن المسؤولين الإسرائيليين سيقومون بدعوة نظرائهم الأمريكيين من أجل إعلامهم بأن الطائرات الإسرائيلية هي بالفعل في طريقها لقصف المواقع النووية الإيرانية.
وسوف تفسر الحكومة الإسرائيلية هذه الخطوة، بأنه لم يكن لديها ’’ خيار’’ غير ذلك، لأن ’’إيران النووية قد تشكل أخطر تهديد لها منذ ظهور الخطر النازي بقيادة (أدولف هتلر) على بقاء ووجود الشعب اليهودي’’.
ويشير غولدبرغ أيضا إلى ’’الإجماع’’ الحاصل بين القادة الإسرائيليين بشأن الفرصة الحالية لأية عملية عسكرية محتملة، وأن إسرائيل قد تشن ضربة عسكرية قريبا، استنادا إلى مقابلات أجراها مع 40 شخصية من صانعي القرار الإسرائيلي (سياسيين، عسكريين، شخصيات عامة واستخباراتية).
ومن المعروف في الوسط الصحفي الأمريكي، أن غولدبرغ ينتمي إلى خط المحافظين الجدد في تقاريره حول العراق، خاصة عندما أصر على أن الراحل صدام حسين كانت له علاقات واسعة مع تنظيم القاعدة.
ونقل غولدبرغ عن مسؤول إسرائيلي مطلع على تفكير نتنياهو، قوله إنه ’’خلال الحرب العالمية الثانية، لم تكن لليهود القدرة على وقف هتلر من إبادتهم، وكانت النتيجة أن ستة ملايين يهودي قضى عليهم. واليوم، ستة ملايين يهودي يعيشون في إسرائيل، وهناك من يهددهم بالإبادة والفناء’’. وفي مقابلة لغولدبرغ مع نتنياهو، لم يجزم هذا الأخير بأن إيران قد تستخدم أسلحة نووية ضد إسرائيل. وبدلا من ذلك، يؤكد أن ’’حزب الله في لبنان وحماس في غزة ستكونان قادرتين على إطلاق الصواريخ، والمشاركة في أنشطة إرهابية أخرى مع تمتعها بمظلة نووية’’، علما، أن إسرائيل تعتمد في ردها على القوة التقليدية ـ وليس على الردع النووي ـ ضد حزب الله وحماس، مما يجعل هذه الحجة المسوقة إعلاميا غير مقنعة تماما.
ونقل أيضا غولدبرغ تقارير عن قادة إسرائيليين آخرين، بمن فيهم وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، يعترفون فيها أن المشكلة الحقيقية التي ترهقهم كثيرا مع احتمال امتلاك إيران أسلحة نووية، أن الأمر قد يؤثر سلبا ـ وبصورة تدريجية ـ على قدرة إسرائيل الاحتفاظ بشعبها المكون في غالبيته من المهاجرين الوافدين من جميع أصقاع العالم.
وأقر غولدبرغ بأن جنرالات إسرائيل الذين تحدث معهم أسروا له بخشيتهم من أن الحديث عن ’’تهديد وجودي’’ هو في حد ذاته نوع من التهديد الوجودي للمشروع الصهيوني، الذي كان من المفترض أن يمنع مثل هذه التهديدات ضد الشعب اليهودي.
ونقل غولدبرغ، ومن مصادر متعددة، أن غابي اشكنازي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أسر إلى بعض العسكريين المقربين منه شكوكه حول ’’الفائدة من الهجوم على إيران’’.
ويعتقد الكثير من كبار المسؤولين في المخابرات الإسرائيلية وغيرهم من القادة السياسيين، في الواقع، أن هذا النوع من الخطاب المروع الذي يدعو إلى المواجهة الكبرى مع الشر المطلق في آخر الزمان (apocalyptic) الذي اعتمده نتنياهو في السنوات الأخيرة هو آيل إلى الفشل، ولا يمكن تحقيقه أو فرضه في الميدان.
وأفاد المراسل العسكري، رونين برغمان، في صحيفة يديعوت أحرنوت، وهي الصحيفة الأكثر شعبية في الكيان السهيوني، في شهر يوليو 2009م، أن الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الجنرال، اهارون زئيفي، اعترف أن التصور العام الإسرائيلي للتهديد النووي الإيراني كان ’’مشوهاً’’.
ويعتقد زئيفي والاستخبارات العسكرية الأخرى ومسؤولين في الموساد، أن الدافع الرئيس لدى إيران في سعيها لامتلاك الأسلحة النووية ليس تهديد إسرائيل، ولكن ’’ردع أي تدخل أمريكي في الشؤون الداخلية ومنع تغيير النظام’’، وفقا لبيرغمان.
يُذكر أن استخدام لغة مشوهة بشكل صارخ عن إيران، باعتبارها تهديدا لإسرائيل، يعود إلى بداية التسعينيات (1990م)، عندما تولت حكومة حزب العمل في إسرائيل حملة لتصوير إيران كقوة صاروخية تسعى للحصول على التكنولوجية النووية، وأنها تشكل ’’تهديدا وجوديا’’ لإسرائيل، كما كشف ذلك المؤلف تريتا بارسي في كتابه الذي صدر في 2007م، بعنوان: ’’التحالف المخادع’’.
وفي عام 1994م، تم تشكيل لجنة وزارية إسرائيلية داخلية لتقديم توصيات بشأن كيفية التعامل مع إيران، وخلصت اللجنة إلى أن الخطاب الإسرائيلي التهويلي القديم ـ الجديد عن التهديد والخطر الإيراني سيؤول في النهاية إلى ’’الفشل الذريع’’، لأنه أدى إلى عكس ما كان يرجى منه، وهو إخافة إيران وحشرها في الزاوية الضيقة، لكن انقلب السحر على الساحر، وبدل أن تخاف إيران دبَ الرعب داخل إسرائيل، وازداد العداء المطلق بينهما إلى درجة ’’الهوس’’ و’’الخوف من إعادة إنتاج هولوكست جديد في بداية الألفية الثالثة’’.
ومن المفارقات، أن نتنياهو كان السباق لتنفيذ توصيات هذه اللجنة الوزارية عندما قرر التوقف عن استخدام مثل هذا الخطاب ’’التهويلي’’ و’’التحريضي’’ بعد أن أصبح رئيسا للوزراء للمرة الأولى في منتصف عام 1996م.
كما اقتنع مدير المخابرات ’’الموساد’’ عوزي أراد، أن إسرائيل لديها الخيار بين أن تستعدي إيران وتفتح على نفسها بابا لكل المخاطر والأهوال، أو أن تدع إيران وشأنها لتلتفت هذه الأخيرة إلى التهديدات الواردة من دول أخرى، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية. والدليل على هذه التغييرات، أن نتنياهو سعى حتى مع كازاخستان وروسيا من أجل طلب الوساطة بين إيران وإسرائيل.
ولكن، تراجع عن هذه السياسة وعمل بعكسها عندما أصبح على قناعة بأن طهران تسعى للتقارب مع واشنطن، والخشية من أن يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل وخفض مجالات التعاون معها. ونتيجة لذلك، عاد من جديد نتنياهو إلى الخطاب ’’المتطرف’’ و’’التهويلي’’، كما كان سائدا عند من سبقوه من قبل.
واستخدم مسؤولون في إدارة نتنياهو، الكاتب غولدبرغ، لنقل رسالة إلى الأمريكيين، مفادها أنهم لا يعتقدون أن أوباما قد يشن هجوما على إيران، وبالتالي سوف تضطر إسرائيل للقيام بذلك نيابة عنه.
ولكن، لا يمكن لإسرائيل أن تجازف بالحرب ضد إيران دون ضمان تدخل أمريكي مباشر. ولهذا، حث اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وحلفاءه أوباما على ضرورة دعم الضربة الإسرائيلية، وهو ما يعني أنه سيكون مضطرا لمهاجمة إيران بكل قوة في حال ردت هذه الأخيرة على الضربة الإسرائيلية.
وأكد غولدبرغ صحة التقارير التي أفادت بأن العديد من المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن المخابرات الأمريكية قد تعلم ’’الساعة’’ الحاسمة لخطة إسرائيل بضرب إيران قبل موعدها المقرر. وفي هذه الحالة، سيتم إحاطة الرئيس أوباما بالخطة وبتوقيت الهجوم، وسيضطر إلى الضغط على إسرائيل والطلب منها التوقف على الفور، وقد تضطر إسرائيل إلى التراجع.
وأشار غولدبرغ ـ وبشكل غامض في مقاله الذي أثار الكثير من اللغط في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية والعالمية ـ إلى أن إمكانية شن إسرائيل هجوم على إيران هو إستراتيجية تهدف في الأصل إلى التلاعب بأعصاب كل من إيران والولايات المتحدة في آن واحد.
*العصر
-ولكن، تراجع نتنياهو عن هذه السياسة وعمل بعكسها عندما أصبح على قناعة بأن طهران تسعى للتقارب مع واشنطن، والخشية من أن يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل وخفض مجالات التعاون معها. ونتيجة لذلك، عاد من جديد نتنياهو إلى الخطاب ’’المتطرف’’ و’’التهويلي’’، كما كان سائدا عند من سبقوه من قبل.. وأشار غولدبرغ إلى أن إمكانية شن إسرائيل هجوم على إيران هو إستراتيجية تهدف في الأصل إلى التلاعب بأعصاب كل من إيران والولايات المتحدة في آن واحد..
هل أصبحت إسرائيل تشكل هاجسا لأوباما؟ وهل هناك مخاوف حقيقية من أن تبادر إسرائيل إلى إشعال فتيل الحرب في المنطقة القابلة للانفجار في أي وقت؟ سؤالان طرحهما الصحفي اليهودي الأمريكي جيفري غولدبرغ، في سياق مقال مؤيد لإسرائيل، والمنشور في مجلة ’’الأطلسي’’ (Atlantic magazine) في عددها الأخير.
وكان الهدف الرئيس الواضح منه، عرض مخاوف إدارة باراك أوباما، وقلقها إزاء المخاطر الكبيرة لهجوم محتمل من قبل حكومة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على إيران في الأشهر المقبلة قبل أن تتمكن من الحصول على ’’القنبلة الذرية’’ كما تدعي تل أبيب، شعورا منها أن واشنطن تأخذ بعين الاعتبار ’’التهديد الوجودي’’ الذي تشكله إيران على الكيان الإسرائيلي في المنطقة، وعلى المصالح الحيوية والإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط من خلال البرنامج النووي الإيراني.
غير أن المقال وفر أدلة جديدة تشير إلى أن شخصيات بارزة في المخابرات الإسرائيلية، وهي من أبرز القيادات العسكرية، تعارض مثل هذه ’’المغامرة’’ ضد إيران، وتعتقد أن الخطاب ’’الديني’’ المستهلك لنتنياهو من خلال تركيزه على ’’حتمية’’ المواجهة الكبرى في آخر الزمان (apocalyptic) مع ’’الشر المطلق’’ المجسد في صورة إيران وما تمثله من ’’تهديد وجودي’’ للقيم الغربية المسيحية — اليهودية المشتركة، غير ضروري بالمرة، وليس قابلا للتصديق أو التسويق بالنسبة لأغلب شعوب العالم.
وإن لم يقم الكاتب غولدبرغ بنقل كل التصريحات المعارضة لأي ضربة عسكرية محتملة في الأشهر القليلة القادمة في مقاله، غير أن الشخصيات العسكرية الإسرائيلية ’’الاستخباراتية’’ بدأت في التعبير عن معارضتها لمثل هذا الخطاب ’’الديني’’، الذي يسوق لنهاية العالم والخلاص من إيران، في وقت مبكر منذ بداية التسعينيات (1990م).
وكشف مقال غولدبرغ أيضا، الحساسية الإسرائيلية المفرطة تجاه أي خطوة قد يلجأ إليها أوباما للمطالبة علنا من إسرائيل الكف عن توجيه مثل هذه الضربة العسكرية، وهو ما يعكس واقع أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكن لها المضي قدما في أي ضربة من دون أن تضمن مشاركة و’’تورط’’ الولايات المتحدة المباشر في الحرب مع إيران.
ويؤكد غولدبرغ في مقاله، أن السيناريو المحتمل الذي خُطط له بدقة سيكون خلال بضعة أشهر من الآن، وأن المسؤولين الإسرائيليين سيقومون بدعوة نظرائهم الأمريكيين من أجل إعلامهم بأن الطائرات الإسرائيلية هي بالفعل في طريقها لقصف المواقع النووية الإيرانية.
وسوف تفسر الحكومة الإسرائيلية هذه الخطوة، بأنه لم يكن لديها ’’ خيار’’ غير ذلك، لأن ’’إيران النووية قد تشكل أخطر تهديد لها منذ ظهور الخطر النازي بقيادة (أدولف هتلر) على بقاء ووجود الشعب اليهودي’’.
ويشير غولدبرغ أيضا إلى ’’الإجماع’’ الحاصل بين القادة الإسرائيليين بشأن الفرصة الحالية لأية عملية عسكرية محتملة، وأن إسرائيل قد تشن ضربة عسكرية قريبا، استنادا إلى مقابلات أجراها مع 40 شخصية من صانعي القرار الإسرائيلي (سياسيين، عسكريين، شخصيات عامة واستخباراتية).
ومن المعروف في الوسط الصحفي الأمريكي، أن غولدبرغ ينتمي إلى خط المحافظين الجدد في تقاريره حول العراق، خاصة عندما أصر على أن الراحل صدام حسين كانت له علاقات واسعة مع تنظيم القاعدة.
ونقل غولدبرغ عن مسؤول إسرائيلي مطلع على تفكير نتنياهو، قوله إنه ’’خلال الحرب العالمية الثانية، لم تكن لليهود القدرة على وقف هتلر من إبادتهم، وكانت النتيجة أن ستة ملايين يهودي قضى عليهم. واليوم، ستة ملايين يهودي يعيشون في إسرائيل، وهناك من يهددهم بالإبادة والفناء’’. وفي مقابلة لغولدبرغ مع نتنياهو، لم يجزم هذا الأخير بأن إيران قد تستخدم أسلحة نووية ضد إسرائيل. وبدلا من ذلك، يؤكد أن ’’حزب الله في لبنان وحماس في غزة ستكونان قادرتين على إطلاق الصواريخ، والمشاركة في أنشطة إرهابية أخرى مع تمتعها بمظلة نووية’’، علما، أن إسرائيل تعتمد في ردها على القوة التقليدية ـ وليس على الردع النووي ـ ضد حزب الله وحماس، مما يجعل هذه الحجة المسوقة إعلاميا غير مقنعة تماما.
ونقل أيضا غولدبرغ تقارير عن قادة إسرائيليين آخرين، بمن فيهم وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، يعترفون فيها أن المشكلة الحقيقية التي ترهقهم كثيرا مع احتمال امتلاك إيران أسلحة نووية، أن الأمر قد يؤثر سلبا ـ وبصورة تدريجية ـ على قدرة إسرائيل الاحتفاظ بشعبها المكون في غالبيته من المهاجرين الوافدين من جميع أصقاع العالم.
وأقر غولدبرغ بأن جنرالات إسرائيل الذين تحدث معهم أسروا له بخشيتهم من أن الحديث عن ’’تهديد وجودي’’ هو في حد ذاته نوع من التهديد الوجودي للمشروع الصهيوني، الذي كان من المفترض أن يمنع مثل هذه التهديدات ضد الشعب اليهودي.
ونقل غولدبرغ، ومن مصادر متعددة، أن غابي اشكنازي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أسر إلى بعض العسكريين المقربين منه شكوكه حول ’’الفائدة من الهجوم على إيران’’.
ويعتقد الكثير من كبار المسؤولين في المخابرات الإسرائيلية وغيرهم من القادة السياسيين، في الواقع، أن هذا النوع من الخطاب المروع الذي يدعو إلى المواجهة الكبرى مع الشر المطلق في آخر الزمان (apocalyptic) الذي اعتمده نتنياهو في السنوات الأخيرة هو آيل إلى الفشل، ولا يمكن تحقيقه أو فرضه في الميدان.
وأفاد المراسل العسكري، رونين برغمان، في صحيفة يديعوت أحرنوت، وهي الصحيفة الأكثر شعبية في الكيان السهيوني، في شهر يوليو 2009م، أن الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الجنرال، اهارون زئيفي، اعترف أن التصور العام الإسرائيلي للتهديد النووي الإيراني كان ’’مشوهاً’’.
ويعتقد زئيفي والاستخبارات العسكرية الأخرى ومسؤولين في الموساد، أن الدافع الرئيس لدى إيران في سعيها لامتلاك الأسلحة النووية ليس تهديد إسرائيل، ولكن ’’ردع أي تدخل أمريكي في الشؤون الداخلية ومنع تغيير النظام’’، وفقا لبيرغمان.
يُذكر أن استخدام لغة مشوهة بشكل صارخ عن إيران، باعتبارها تهديدا لإسرائيل، يعود إلى بداية التسعينيات (1990م)، عندما تولت حكومة حزب العمل في إسرائيل حملة لتصوير إيران كقوة صاروخية تسعى للحصول على التكنولوجية النووية، وأنها تشكل ’’تهديدا وجوديا’’ لإسرائيل، كما كشف ذلك المؤلف تريتا بارسي في كتابه الذي صدر في 2007م، بعنوان: ’’التحالف المخادع’’.
وفي عام 1994م، تم تشكيل لجنة وزارية إسرائيلية داخلية لتقديم توصيات بشأن كيفية التعامل مع إيران، وخلصت اللجنة إلى أن الخطاب الإسرائيلي التهويلي القديم ـ الجديد عن التهديد والخطر الإيراني سيؤول في النهاية إلى ’’الفشل الذريع’’، لأنه أدى إلى عكس ما كان يرجى منه، وهو إخافة إيران وحشرها في الزاوية الضيقة، لكن انقلب السحر على الساحر، وبدل أن تخاف إيران دبَ الرعب داخل إسرائيل، وازداد العداء المطلق بينهما إلى درجة ’’الهوس’’ و’’الخوف من إعادة إنتاج هولوكست جديد في بداية الألفية الثالثة’’.
ومن المفارقات، أن نتنياهو كان السباق لتنفيذ توصيات هذه اللجنة الوزارية عندما قرر التوقف عن استخدام مثل هذا الخطاب ’’التهويلي’’ و’’التحريضي’’ بعد أن أصبح رئيسا للوزراء للمرة الأولى في منتصف عام 1996م.
كما اقتنع مدير المخابرات ’’الموساد’’ عوزي أراد، أن إسرائيل لديها الخيار بين أن تستعدي إيران وتفتح على نفسها بابا لكل المخاطر والأهوال، أو أن تدع إيران وشأنها لتلتفت هذه الأخيرة إلى التهديدات الواردة من دول أخرى، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية. والدليل على هذه التغييرات، أن نتنياهو سعى حتى مع كازاخستان وروسيا من أجل طلب الوساطة بين إيران وإسرائيل.
ولكن، تراجع عن هذه السياسة وعمل بعكسها عندما أصبح على قناعة بأن طهران تسعى للتقارب مع واشنطن، والخشية من أن يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل وخفض مجالات التعاون معها. ونتيجة لذلك، عاد من جديد نتنياهو إلى الخطاب ’’المتطرف’’ و’’التهويلي’’، كما كان سائدا عند من سبقوه من قبل.
واستخدم مسؤولون في إدارة نتنياهو، الكاتب غولدبرغ، لنقل رسالة إلى الأمريكيين، مفادها أنهم لا يعتقدون أن أوباما قد يشن هجوما على إيران، وبالتالي سوف تضطر إسرائيل للقيام بذلك نيابة عنه.
ولكن، لا يمكن لإسرائيل أن تجازف بالحرب ضد إيران دون ضمان تدخل أمريكي مباشر. ولهذا، حث اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وحلفاءه أوباما على ضرورة دعم الضربة الإسرائيلية، وهو ما يعني أنه سيكون مضطرا لمهاجمة إيران بكل قوة في حال ردت هذه الأخيرة على الضربة الإسرائيلية.
وأكد غولدبرغ صحة التقارير التي أفادت بأن العديد من المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن المخابرات الأمريكية قد تعلم ’’الساعة’’ الحاسمة لخطة إسرائيل بضرب إيران قبل موعدها المقرر. وفي هذه الحالة، سيتم إحاطة الرئيس أوباما بالخطة وبتوقيت الهجوم، وسيضطر إلى الضغط على إسرائيل والطلب منها التوقف على الفور، وقد تضطر إسرائيل إلى التراجع.
وأشار غولدبرغ ـ وبشكل غامض في مقاله الذي أثار الكثير من اللغط في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية والعالمية ـ إلى أن إمكانية شن إسرائيل هجوم على إيران هو إستراتيجية تهدف في الأصل إلى التلاعب بأعصاب كل من إيران والولايات المتحدة في آن واحد.
*العصر