مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أفضل وأسوأ الاحتمالات المتوقعة في ليبيا؟!
يوسف شلبي
وإذا توقف القتال أو أن قصف التحالف الدولي دمر بالكامل الترسانة العسكرية الكبيرة للقذافي، وانضم موالون سابقون إلى الثوار، في هذه الحالة، يُمكن لجيش التحرير الليبي أن يستأنف هجومه باتجاه المدن الغربية التي تقع تحت سيطرة النظام ومحاولة تحريرها من كتائب القذافي. وأعتقد أن هذا ’’السيناريو’’ يتوقف تنفيذه على الثوار وطريقتهم في التأقلم مع الوضع الجديد..ثوار ليبيا ومن معهم، هم الطرف الوحيد عند بعض الخبراء في المجال العسكري، الذي بإمكانه أن يُغير الوضع على الأرض مباشرة لصالحهم..
بقلم يوسف شلي
ما هي المخارج المنتظرة في حالة إنهاء القصف الجوي للتحالف الدولي على ليبيا؟ إذا كنا لا نستطيع أن نتصور أفضل أو أسوأ السيناريوهات الأكثر احتمالا ووقوعا نظرا للوضع غير المستقر في البلد، فإنه وبعد أسابيع قليلة من بدء عملية ’’فجر الأوديسا’’، لا يزال الوضع في ليبيا بعيدا عن التسوية أو الحل.


وعلى الرغم من أن التحالف الدولي يُمارس المزيد من الضغوط على العقيد معمر القذافي، ومع ذلك، تتوقع باريس أن تدوم العملية ’’أسابيع’’ أخرى من الضربات الجوية العسكرية المتواصلة.


ومن الصعوبة بمكان تخيل ماذا سوف يحدث غدا، ما دامت الأمور بإمكانها أن تتغير بسرعة، وفي بعض الأحيان بشكل غير متوقع.


انشقاقات في صفوف العقيد القذافي، استسلام الزعيم، إنشاء دستور جديد وانتخابات حرة... هذه أفضل السيناريوهات المتوقعة. في المقابل، تصدع وشرخ في صفوف الجيش، أزمة إنسانية، انقسام البلد، الفوضى، هذا بالنسبة لأسوأ الاحتمالات.


وتحت ضغط الضربات الجوية لقوات التحالف، سيفقد العقيد معمر القذافي الكثير من الدعم داخل جيشه، ويُتوقع أن يُعلن وقفا حقيقيا لإطلاق النار ومن ثم الاستسلام. ومن الواضح أن هذه هي رغبة الكثيرين.


وإذا توقف القتال أو أن قصف التحالف الدولي دمر بالكامل الترسانة العسكرية الكبيرة للقذافي، وانضم موالون سابقون إلى الثوار، في هذه الحالة، يُمكن لجيش التحرير الليبي أن يستأنف هجومه باتجاه المدن الغربية التي تقع تحت سيطرة النظام ومحاولة تحريرها من كتائب القذافي. وأعتقد أن هذا ’’السيناريو’’ يتوقف تنفيذه على الثوار وطريقتهم في التأقلم مع الوضع الجديد.


ثوار ليبيا ومن معهم من جيش التحرير المنشقين عن القذافي والملتحقين بالثورة، هم الطرف الوحيد عند بعض الخبراء في المجال العسكري، الذي بإمكانه أن يُغير الوضع على الأرض مباشرة لصالحهم.

لكن البعض الآخر، يرى أن هذه الفرضية، من غير المُحتمل وقوعها، نظرا للضعف العسكري الواضح للثوار مُقارنة بكتائب القذافي الأكثر تدريباً وتسليحاً. كما يُقر التحالف الدولي بالنقص البارز لدى الثوار في مجال التدريب، والتكتيكات العسكرية، وامتلاكهم لعتاد عسكري محدود، وقلة عددهم، الأمر الذي سبب لهم خسائر كبيرة في الأرواح وفي الميدان، أدى بهم إلى التراجع إلى الخلف قبل انطلاق عمليات القصف الجوي لقوات التحالف.

وفي الوقت نفسه، يُمكن للمرء أن يتصور أن الموالين للعقيد قد يُغيرون وجهتهم، وينضمون إلى الثوار. في هذه الحالة أيضاً، سيكون العقيد، محشوراً، ويضطر إلى التفاوض، وترك السلطة أو حتى ربما يتم تصفيته على يد أحد أتباعه السابقين.

ولكونه معزولاً على الجبهة الدبلوماسية، وكذا على الجبهة الاقتصادية بسبب العقوبات المفروضة (الحظر، تجميد الأصول المالية، الخ...)، ليس للعقيد معمر القذافي مجال كبير للتفاوض والأخذ والعطاء.

إن باب الخروج من الأزمة من أجل الانتقال السياسي للسلطة لم يُستبعد حتى الآن من طرف المعنيين بالملف الليبي. وإذا نجحت المفاوضات، يُمكن للمجلس الوطني الانتقالي في بنغازي، الذي اعترفت به كل من قطر، فرنسا وإيطاليا، أن يصبح الممثل الوحيد والمقبول في العملية الانتقالية.

وسيكون المجلس الوطني عُنوان المرحلة المقبلة، وعليه أن يقوم بتنظيم صوغ دستور جديد والتحضير لانتخابات حرة وشفافة في بلد لا يتمتع ببنية اقتصادية وسياسية واضحة، ولأن الديمقراطية لا تُبنى في غضون ستة أشهر، بل هي عملية مستمرة وطويلة، وهذا هو الحل الوسط الذي نتوقعه ومُمكن الحدوث إذا سمح بذلك ميزان القوى الموجودة في الأرض، داخلياً وخارحياً.

يقول المحلل السياسي الفرنسي ديديي بيليون، وهو من أبرز المتابعين للشأن الليبي: ’’دعونا نكون مجانين، ونتصور للحظات أن القذافي والمقربين منه يقبلون هذا التوجه، ويُسهمون بأنفسهم من أجل إنجاح السباق الانتخابي، واحترام النتائج. وهذا عندي سيكون أفضل من الأفضل، وسيكون رائعاً جداً’’.

وهناك توجه آخر، يُفترض أنه قابل للتنفيذ وأكثر جدوى من غيره، أن يضطر العقيد للتوجه إلى المنفى اختياريا. ولكن هذا المنفى من الصعب تصوره، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عشرات الشكاوى في الجرائم ضد الإنسانية قُدمت إلى الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ضده، التي ستتابعه ومعاونيه جنائيا وتتابع أيضا الدولة التي ستستضيفه.

أسوأ سيناريو:

الأسوأ بالطبع هو أن يُواصل العقيد معمر القذافي هُجومه لاستعادة كل البلاد أو أغلبها أو على الأقل فرض الأمر الواقع، الذي سيكون كارثياً.

وقد عرض الخبراء العسكريون في التحالف الدولي هذا السيناريو ’’الخيالي’’ و’’الكارثي’’: ماذا سيحدث لو نفذ القذافي وعده بسفك دماء سكان بنغازي حين يتمكن منهم، وذلك بعد أن يستعيد النظام السيطرة من جديد على الوضع في ليبيا؟

وفي حال تمكنت كتائب القذافي من التزود بالوقود وبالأسلحة، واستمر الوضع على حاله من الغموض والضبابية، وبقاء الأمور من دون حسم، هناك لا شك أسباب وجيهة لذلك، أهمها:

- سوء التنظيم الحاصل في صفوف الثوار.

- عدم الخبرة في تقنيات حرب العصابات.

- عدم التحكم في استراتيجيات المواجهة ’’التقليدية’’ مع الخصم بما يمتلكه من أسلحة خفيفة وشبه ثقيلة وثقيلة.

- تعدد القيادات العسكرية وعدم وجود مركز لقيادة عسكرية موحدة.

- ضعف التسليح وقدمه ونقص الذخيرة الكافية.

- الغموض السياسي الداخلي والخارجي.

- وأخيرا عدم التنسيق الواضح مع التحالف الدولي المشارك في الحظر الجوي والضربات العسكرية الموجهة لآليات ومواكب القذافي.

في هذه الحالة، لا يُمكن للثوار حسم المعركة، لأن ميزان القوى ليس لصالحهم ولا لقضيتهم المشروعة. هذا السيناريو يعتمد على الإرادة السياسية للتحالف الدولي. إذا كانت هجمات وضربات التحالف لم تؤد إلا إلى تخفيف القبضة الحديدية الخانقة على المدن المُحاصرة من قبل القوات الموالية للقذافي وليس تحريرها، فإنهم لن يقدروا على منع القمع والانتقام الرهيب الذي سيُوجه ضد الجماهير. كما أن جميع الذين شاركوا في الاحتجاجات والتظاهرات أو التحقوا بالثوار سيتم اعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم.

وإذا بقيت مدينة بنغازي محمية من قبل قوات التحالف، قد يستعيد العقيد القذافي المبادرة السياسية والقدرة على تسيير أمور الحكم في ليبيا، لكن هذه المرة في بلد منقسم إلى قسمين أفقيا وعموديا.

هنا، قد تدخل ليبيا في فترة طويلة من الجمود السياسي، وهو الموقف الذي أعلنه الأمين العام للحلف الأطلسي عندما صرح أن الحل العسكري وحده لن يكفي ولن يحل المُعضلة الليبية بشكل نهائي.

إن هذا السيناريو ليس مستحيلاً، وسوف نشهد في المنظور ’’الجغرافي’’ نوعاً من ’’الاحتواء’’ لليبيا من جهة البحر والجو عكس الأرض! وسوف يلعب القذافي دور السلحفاة، أي مضاعفة الاستفزازات في كل اتجاه والشروع في سياسة المضايقات ضد الجماهير من خلال توزيع ونشر وإخفاء القناصة في وسط المدن وبين السكان.

وإذا لم يتمكن من السيطرة على مدينة بنغازي، فإنه أساساً يُسيطر بالفعل على الكثير من المدن الأخرى، ومنها طرابلس العاصمة وسرت. وبمقدوره أيضاً أن يُحاول خنق معقل الثوار اقتصادياً.

ويُشكل هذا خطراً على مصير الثورة والثوار معاً يُمكن أن يستغله القذافي لصالحه، ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يُمكن أن تلعبه الجارة مصر لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة.

وباستطاعة العقيد معمر القذافي أن يتعايش بشكل جيد مع هذا التقسيم، مع عاصمة ليبيا طرابلس ومن يدور في فلكها المقطوعة عن العالم من جهة، ومن جهة أخرى مدينة بنغازي ومجموعة من المدن المدعومة من الخارج، والتي تمثل في نظر العالم الحرية من الطغيان والاستبداد (ولأن فيها النفط كذلك).

وفي أسوأ السيناريوهات، يُمكننا أن نتصور أيضاً أن الحرب قد تستمر وتطول، وأن العقيد القذافي بإمكانه سحق الثوار والقضاء على الثورة وأن المجتمع الدولي لم يبق أمامه من خيار سوى أن يجلس حول الطاولة ويسمح بعملية عسكرية على الأرض.

ويتخوف الحلف الأطلسي من أن يجد نفسه غارقاً كما كان الحال في الوضع العراقي، حيث ستواجه قوات التحالف حرب عصابات صعبة في المدن، وأين سيتمكن العقيد القذافي من الاختفاء في الصحراء الليبية الشاسعة، ويقوم بنسج تحالفات جديدة مع المجموعات ’’الإرهابية’’ العاملة هناك التي تتخذ من الصحراء الإفريقية مُنطلق لعملياتها.

وفي الأخير، بالنسبة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي القريب جداً من الطرق المؤدية من وإلى ليبيا، فوجود قوات التحالف الغربي في الأرض هي الفرصة الذهبية التي كان ينتظرها التنظيم لاستنساخ حرب أخرى جديدة في الصحراء مع الغرب المسيحي الكافر والمحتل كما يُنقل في أدبياته وشعاراته التعبوية..

إنه سيناريو العراق الذي جرت وقائعه في المدن والأماكن السكنية المكتظة في مُقابل سيناريو صحراء ليبيا وروافدها الرملية الساخنة والبعيدة عن المدن والطرقات والتجمعات السكنية المعروفة.
*العصر
أضافة تعليق