طريقنا الوحيد
بقلم :أبو عبد الرحمن النشمي
لتَكُنْ عاداتُ النجاح عند الغرْب سبعًا أو سبعين، أو حتى سبعمائة؛ هذا شأنُهم، وتلك حياتهم، لكنَّنا - أهلَ الإسلام - لنا شأنُنا وخصوصياتُنا، وطريقتُنا في الحياة.
والنجاح ليس بغريبٍ علينا أو جديد على أُمَّتنا، فقد عرَفْناه قديمًا وقريبًا وذقْناه، بل وقُمْنا بتصديره، وأذقْنا العالَمَ حلاوتَه، وأعطيناهم مَفاتِحَه.
إنما يَبحث عن الطريق مَن لم يعرفْها، ولم يسلكْها من قبل، أما وقد سلَكها وخبرَها، وعرَف مداخلَها ومخارجها، وذاق حلاوتَها ومرارتها، فمِن الغبن في حقِّ عقله أن يُعيدَ البحث عنها، ويطلب تعلُّمَ طرقها، والتفتيش عن أسرارها، والأدْهى أن يشتكي مِن جهله بها، وفوات حظِّه منها.
أليسَ من الغريب والعجيب أن نسعَى ونبذُلَ من الجهد والمال الكثيرَ؛ لنتعرفَ على عادات نَجاحٍ من خلال دوْرات، أو كتب مترجَمة، أو تسجيلات معرَّبة، أو غيرها، لمجتمع غيرِ مجتمعنا، وحياة غير حياتنا، ونغفُل - إنْ لم يكن نتغافَل - عن نجاحاتِنا كأُمَّة عبرَ العصور، وفي جوانب الحياة المختلفة؟!
وإن تعْجَبْ فعَجَبٌ قول البعض: إنَّنا بدأنا السيرَ في الطريق الصحيح!!
قد يكون - وقد كان - في عادات غيرِنا، وطرُق نجاحهم ما يوافق بعضَ ما عندنا، ويتَّفق مع بعض أصولنا، لكنَّ المصيبةَ أن نجعلَ ما وافَق ما عندنا هو الأصْل، وأصلنا يُصبِح الفرْعَ.
وقد يكون - وقد كان - فيما عند غيرنا حِكمةٌ وحَقٌّ؛ ولأنَّ الحِكمة ضالَّتُنا، فلا يصح التردُّد في أخْذها وقَبولها، مهما كان مصدرها، غير أنَّ البلية أن نتركَ مجلدات الحُكم ودواوينها عندنا، ونطير فرحًا بإشارةٍ أو بنصف كلمة في حِكمة لواحد مِن غيرنا، ويزداد الطلب كلَّما كانتِ الكلمة تلك ممزوجةً بشيءٍ من الرَّطَانة والعُجْمة.
بل أكبر من ذلك نعترف: لتكُنْ عاداتُ ستيفن كوفي أو غيره مِن مفكِّريهم صحيحةً وسليمةً، ولا غبارَ عليها - مع استحالة ذلك مطلقًا - لكنَّ ذلك لا يُعفينا عن جهْلِ أو نسيانِ الحقيقةِ المسطَّرة والمؤصَّلة بأنَّنا لو حفِظْنا عاداتهم، وتدربْنا عليها، ومارسْنا تجارِبَها، وأقمنا لأجلها الدورات واللقاءات، وترجمْنا كتبَها، بل وحتى لو جعلناها ضمنَ المقرَّرات الدراسية في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، وتلقَّاها الناشئة من سِنين التعليم الأولى، وتَدرَّب عليها الكبارُ في المراحل النهائية من العُمر - لو فعلْنا كلَّ ذلك وأكثرَ، ولم نهتمَّ بالقرآن، ولم ننطلقْ من القرآن، فلن نتقدَّمَ خُطوةً نحو نجاح حقيقي يوافق قِيَمَنا ومبادِئَنا، ويحفظ خصوصياتِنا.
إنَّ طريقنا الوحيد للنجاح مِن يوم ولادة هذه الأمَّة مربوطٌ ومرهون بالقرآن؛ علمًا وتعليمًا وعملاً، وعنايةً وتدبُّرًا وتحكيمًا، فأيُّ جهد بعيد عن ذلك هو بمثابة بيوت الرَّمْل عند الأطفال، أو سراب الصحراء أمامَ مسافر يقتُلُه الظمأ، أو الفجر الكاذب لدَى مرتقبِ صبح يوم ينتظر فيه فرجًا بفارغ الصبر، مرَّتْ عليه ساعات ليلِه كسنين.
نجاحُنا باختصار كما قال رجلُ الإستراتيجية الأول، وعبقري التخطيط، الخليفةُ الراشد عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: ’’إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعَزَّنا الله بالإسلام، فمهْما نطلب العِزَّ بغير ما أعزَّنا الله، أذلَّنا الله’’.
طريق نجاحنا واحد: هو القرآن الذي اختصَّ الله به هذه الأُمَّة، ولْتكُنْ كتب التنمية البشرية ودوراتها وسائلَ ومنشطات، لكنَّها لن تكونَ الأصْل ولا الأساس، ولا يصحُّ أن تكونَ الأصل.
ومِن الإنْصاف أنْ نقولَ: إنَّ في عاداتهم ما تكوَّن من خلال دراساتٍ اجتماعية، وتربوية وتنموية مِن واقعهم، وبمنهجية وموضوعية مِن حياتهم، وفعلاً ليستْ مجرَّد أفكار نظرية.
لكنَّها تبقى عاداتهم؛ ولا يكون عقلاً أنَّ كلَّ ما صلَح لهم يصلُح لنا، فطعام قومٍ عند قوم يُعدُّ سُمًّا، وعادة قوم عند آخرين تُعَدُّ عيبًا.
ما أريد قولَه فيها: أنْ نستفيد منها، ولكن لا نجعلها الأصلَ، ثم نبحث لها على مُستَند شرعي مِن أصولنا؛ لنبرِّرَ لأنفسنا إسلاميتَها، أو نُجمِّلها لتكونَ مقبولةً عندنا وعند غيرنا.
عيْب في حقِّنا أولاً، ونوع مِن الغباء ثانيًا - وإنِ انطلق بمنطلق العقل والذَّكاء، وخرَج مخرجَ الظفر والفَوْز - أن ننقُلَ كل ما عند الآخرين بدون النَّظَر لِمَا يناسبنا، ودون مراعاة لخصوصياتنا.
ونوْع مِن التدليس أن نبحَثَ عن داعمٍ، أو مستأنَسٍ من آية أو حديث لقاعِدة، أو عادة من عادات الآخرين سلَّمْنا بصوابها، بل ومناسبتها لواقِعنا، ولا نجعل تلك الآيةَ وذاك الحديثَ هو الأصْل.
ختامًا:
طريق هذه بعض أوصافه: ’’البرهان، النور، الموعِظة، الشِّفاء، الهُدى، الرحمة، الحق، التبيان، البيان، البُشْرى، المبين، التذكِرة، صراط الله، مبارَك، الرُّوح...’’ وغيرها؛ ألا يكْفِي دلالةً على أنَّه أقرب الطُّرق، وأوضحُها وأسلمُها، بل وأوحَدُها في الوصول إلى خيري الدنيا والآخرة، وإلى كلِّ نجاح، وإنْ كنتُ على يقين أنه ليس هناك مشكلةٌ مع المسلِم في الإيمان بهذه الحقيقة، وبتلك الصِّفات، لكن مشكلتنا تبقَى في طريقة تعاملنا مع القرآن، ومستوى يقينِنا بما نعتقد، وقدرتنا على الغَوْص والتدبُّر الحقيقي في معانيه.
فإذا صارتْ لدينا قناعةٌ تامَّة، ويقين جازِم أنَّنا بلا قرآن أمواتٌ غير أحياء، ضالُّون غير مهتدين، عُميان غير مبصِرين، فالقرآن رُوحُنا وهادينا ونُورُنا - عندها فقط اقتربْنا من بداية الطريق الصحيح في التعامُل مع القرآن.
الله الهادي إلى سواء الصراط، أسأله أن يوفِّقنا إلى خيرَي الدنيا والآخرة، وأن يُجنِّبنا الفِتنَ والهوى.
*الألوكة
بقلم :أبو عبد الرحمن النشمي
لتَكُنْ عاداتُ النجاح عند الغرْب سبعًا أو سبعين، أو حتى سبعمائة؛ هذا شأنُهم، وتلك حياتهم، لكنَّنا - أهلَ الإسلام - لنا شأنُنا وخصوصياتُنا، وطريقتُنا في الحياة.
والنجاح ليس بغريبٍ علينا أو جديد على أُمَّتنا، فقد عرَفْناه قديمًا وقريبًا وذقْناه، بل وقُمْنا بتصديره، وأذقْنا العالَمَ حلاوتَه، وأعطيناهم مَفاتِحَه.
إنما يَبحث عن الطريق مَن لم يعرفْها، ولم يسلكْها من قبل، أما وقد سلَكها وخبرَها، وعرَف مداخلَها ومخارجها، وذاق حلاوتَها ومرارتها، فمِن الغبن في حقِّ عقله أن يُعيدَ البحث عنها، ويطلب تعلُّمَ طرقها، والتفتيش عن أسرارها، والأدْهى أن يشتكي مِن جهله بها، وفوات حظِّه منها.
أليسَ من الغريب والعجيب أن نسعَى ونبذُلَ من الجهد والمال الكثيرَ؛ لنتعرفَ على عادات نَجاحٍ من خلال دوْرات، أو كتب مترجَمة، أو تسجيلات معرَّبة، أو غيرها، لمجتمع غيرِ مجتمعنا، وحياة غير حياتنا، ونغفُل - إنْ لم يكن نتغافَل - عن نجاحاتِنا كأُمَّة عبرَ العصور، وفي جوانب الحياة المختلفة؟!
وإن تعْجَبْ فعَجَبٌ قول البعض: إنَّنا بدأنا السيرَ في الطريق الصحيح!!
قد يكون - وقد كان - في عادات غيرِنا، وطرُق نجاحهم ما يوافق بعضَ ما عندنا، ويتَّفق مع بعض أصولنا، لكنَّ المصيبةَ أن نجعلَ ما وافَق ما عندنا هو الأصْل، وأصلنا يُصبِح الفرْعَ.
وقد يكون - وقد كان - فيما عند غيرنا حِكمةٌ وحَقٌّ؛ ولأنَّ الحِكمة ضالَّتُنا، فلا يصح التردُّد في أخْذها وقَبولها، مهما كان مصدرها، غير أنَّ البلية أن نتركَ مجلدات الحُكم ودواوينها عندنا، ونطير فرحًا بإشارةٍ أو بنصف كلمة في حِكمة لواحد مِن غيرنا، ويزداد الطلب كلَّما كانتِ الكلمة تلك ممزوجةً بشيءٍ من الرَّطَانة والعُجْمة.
بل أكبر من ذلك نعترف: لتكُنْ عاداتُ ستيفن كوفي أو غيره مِن مفكِّريهم صحيحةً وسليمةً، ولا غبارَ عليها - مع استحالة ذلك مطلقًا - لكنَّ ذلك لا يُعفينا عن جهْلِ أو نسيانِ الحقيقةِ المسطَّرة والمؤصَّلة بأنَّنا لو حفِظْنا عاداتهم، وتدربْنا عليها، ومارسْنا تجارِبَها، وأقمنا لأجلها الدورات واللقاءات، وترجمْنا كتبَها، بل وحتى لو جعلناها ضمنَ المقرَّرات الدراسية في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، وتلقَّاها الناشئة من سِنين التعليم الأولى، وتَدرَّب عليها الكبارُ في المراحل النهائية من العُمر - لو فعلْنا كلَّ ذلك وأكثرَ، ولم نهتمَّ بالقرآن، ولم ننطلقْ من القرآن، فلن نتقدَّمَ خُطوةً نحو نجاح حقيقي يوافق قِيَمَنا ومبادِئَنا، ويحفظ خصوصياتِنا.
إنَّ طريقنا الوحيد للنجاح مِن يوم ولادة هذه الأمَّة مربوطٌ ومرهون بالقرآن؛ علمًا وتعليمًا وعملاً، وعنايةً وتدبُّرًا وتحكيمًا، فأيُّ جهد بعيد عن ذلك هو بمثابة بيوت الرَّمْل عند الأطفال، أو سراب الصحراء أمامَ مسافر يقتُلُه الظمأ، أو الفجر الكاذب لدَى مرتقبِ صبح يوم ينتظر فيه فرجًا بفارغ الصبر، مرَّتْ عليه ساعات ليلِه كسنين.
نجاحُنا باختصار كما قال رجلُ الإستراتيجية الأول، وعبقري التخطيط، الخليفةُ الراشد عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: ’’إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعَزَّنا الله بالإسلام، فمهْما نطلب العِزَّ بغير ما أعزَّنا الله، أذلَّنا الله’’.
طريق نجاحنا واحد: هو القرآن الذي اختصَّ الله به هذه الأُمَّة، ولْتكُنْ كتب التنمية البشرية ودوراتها وسائلَ ومنشطات، لكنَّها لن تكونَ الأصْل ولا الأساس، ولا يصحُّ أن تكونَ الأصل.
ومِن الإنْصاف أنْ نقولَ: إنَّ في عاداتهم ما تكوَّن من خلال دراساتٍ اجتماعية، وتربوية وتنموية مِن واقعهم، وبمنهجية وموضوعية مِن حياتهم، وفعلاً ليستْ مجرَّد أفكار نظرية.
لكنَّها تبقى عاداتهم؛ ولا يكون عقلاً أنَّ كلَّ ما صلَح لهم يصلُح لنا، فطعام قومٍ عند قوم يُعدُّ سُمًّا، وعادة قوم عند آخرين تُعَدُّ عيبًا.
ما أريد قولَه فيها: أنْ نستفيد منها، ولكن لا نجعلها الأصلَ، ثم نبحث لها على مُستَند شرعي مِن أصولنا؛ لنبرِّرَ لأنفسنا إسلاميتَها، أو نُجمِّلها لتكونَ مقبولةً عندنا وعند غيرنا.
عيْب في حقِّنا أولاً، ونوع مِن الغباء ثانيًا - وإنِ انطلق بمنطلق العقل والذَّكاء، وخرَج مخرجَ الظفر والفَوْز - أن ننقُلَ كل ما عند الآخرين بدون النَّظَر لِمَا يناسبنا، ودون مراعاة لخصوصياتنا.
ونوْع مِن التدليس أن نبحَثَ عن داعمٍ، أو مستأنَسٍ من آية أو حديث لقاعِدة، أو عادة من عادات الآخرين سلَّمْنا بصوابها، بل ومناسبتها لواقِعنا، ولا نجعل تلك الآيةَ وذاك الحديثَ هو الأصْل.
ختامًا:
طريق هذه بعض أوصافه: ’’البرهان، النور، الموعِظة، الشِّفاء، الهُدى، الرحمة، الحق، التبيان، البيان، البُشْرى، المبين، التذكِرة، صراط الله، مبارَك، الرُّوح...’’ وغيرها؛ ألا يكْفِي دلالةً على أنَّه أقرب الطُّرق، وأوضحُها وأسلمُها، بل وأوحَدُها في الوصول إلى خيري الدنيا والآخرة، وإلى كلِّ نجاح، وإنْ كنتُ على يقين أنه ليس هناك مشكلةٌ مع المسلِم في الإيمان بهذه الحقيقة، وبتلك الصِّفات، لكن مشكلتنا تبقَى في طريقة تعاملنا مع القرآن، ومستوى يقينِنا بما نعتقد، وقدرتنا على الغَوْص والتدبُّر الحقيقي في معانيه.
فإذا صارتْ لدينا قناعةٌ تامَّة، ويقين جازِم أنَّنا بلا قرآن أمواتٌ غير أحياء، ضالُّون غير مهتدين، عُميان غير مبصِرين، فالقرآن رُوحُنا وهادينا ونُورُنا - عندها فقط اقتربْنا من بداية الطريق الصحيح في التعامُل مع القرآن.
الله الهادي إلى سواء الصراط، أسأله أن يوفِّقنا إلى خيرَي الدنيا والآخرة، وأن يُجنِّبنا الفِتنَ والهوى.
*الألوكة