هويدي 17-2-2003
حتى اشعار آخر بوسعنا القول إن مركز مقاومة الحملة العسكرية الامريكية ضد العراق هو اوروبا، وليس العالم العربي أو الاسلامي، بل ان هناك اشارات عدة تقول ان الخطاب الرسمي الذي تتبناه معظم الدول العربية يتجه الى تأييد الحمله الامريكية، وان تم ذلك بصياغات مختلفة، وفي المقدمة منها مطالبة بغداد بالالتزام بقرار مجلس الامن رقم 1441، وتحميل النظام العراقي وحده مسؤولية ايقاف عجلة الحرب (وكأن العراق هي التي اعلنت الحرب على الولايات المتحدة)، وكانت الفكرة الاخيرة محور مقال رئيسي نشر يوم الجمعه الماضي ذكر ان الدول العربية الرئيسية وبعض القوى الفاعلة تبذل جهودا مخلصة لتسوية الازمة سلميا، الا ان النظام العراقي يواصل سياسة المكابرة والعناد الاجوف، ويفعل كل ما من شأنه عرقلة هذه الجهود، وكأنه يندفع بقوة غامضة الى طريق الهلاك، جارفا معه المنطقة مجددا، الى حرب مدمرة.
مثل هذا الكلام لا يعبر عن وجهة نظر شخصية، لكنه حين ينشر في واحدة من اهم الصحف العربية شبه الرسمية، يصبح انعكاسا لرؤية سياسية تقف بالكامل في المربع الامريكي حيث لا يخفي على أي قارئ للصحف ان التصريحات الامريكية تستخدم نفس المنطق، وربما نفس العبارات.
لا مجال لمقارنة هذا الكلام بما عبر عنه مثلا المستشار الالماني شرويدر في خطابه الاخير امام البرلمان في برلين، وهو الذي وقف بحزم ضد الحرب، سواء صدر قرار جديد من مجلس الامن أم لا، بل وزاد على ذلك ان طالب باعلان الشرق الاوسط منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل، الامر الذي يضع اسرائيل في مأزق، ويختبر مصداقية الولايات المتحدة في مطالبتها بالتخلص من تلك الاسلحة التي تشكل خطرا يتهدد شعوب دول المنطقة.
ليس ذلك فحسب وانما في الوقت الذي رفضت فيه المانيا ان يشارك سلاحها فضلا عن قواتها في الحملة العسكرية الامريكية المرتقبة، فإن هذه الحملة، اذا قدر لها ان تتم، فسوف تنطلق اساسا من اراض عربية، وقد نشرت مجلة «نيوزويك» في احد اعدادها الاخيرة خريطة لخمس وعشرين مطاراً عربياً سوف تستخدمها الطائرات العسكرية الامريكية في قصف العراق.
بسبب ذلك التضاد في الموقفين الاوروبي والعربي، وجدنا ان الاشتباك السياسي الراهن والعقبة التي تؤرق الولايات المتحدة، ليست في العلاقة مع العالم العربي الذي تتهدده الحملة ضد العراق، والذي تتطلع واشنطن الى «اعادة تشكيله» وفقا لمصالحها، كما اعلن ذلك صراحة وزير الخارجية كولن باول، ولكن المشكلة الحقيقية هي مع اوروبا، التي تمردت بعض دولها الكبيرة على الارادة الامريكية، الامر الذي ادى الى تلاسن علني بين واشنطن وكل من برلين وباريس، وقد اصطفت مع الدولتين بلجيكا وروسيا والصين، وهو التمرد الذي عبرت عنه بصورة اخرى المظاهرات المليونية التي خرجت في اوروبا وغيرها من انحاء العالم، معلنة احتجاجها على الموقف الامريكي ورفضها للحرب.
المشهد مسكون بدلالات عدة يهمني منها في هذا المقام علاقته بفكرة صدام الحضارات التي روج لها البعض واحتفى بها اخرون، ثم تكييف الحرب المرتقبة وهل هي صليبية حقا وضد الاسلام أم ماذا؟
فما نراه الان هو صراع امريكي اوروبي، أو امريكي ـ الماني، فرانسي، بلجيكي إن شئت الدقة، اي انه صراع داخل دائرة الحضارة الغربية، وليس بين الحضارة الغربية والعالم الاسلامي، رغم ان الاخير هو المستهدف والمضرور الاكثر من الحرب، والذين يديرون ذلك الصراع ليسوا حكاما أو حكومة مفروضة على شعوبها، ولا هي احتلت مواقعها بالوراثه أو التزوير والتدليس، ولكن اطراف الصراع وصلوا الى مناصبهم بالانتخاب الحر، الامر الذي يعني ان الحكومات الغربية التي عارضت الولايات المتحدة، وتحدت ارادتها تعبر عن رأي شعوبها، التي ضاقت بالسياسة الامريكية ورفضتها.
في الوقت ذاته فان موضوع الصراع لم يكن اختلاف الدين ولكنه كان في اختلاف الرؤية السياسية وحسابات المصالح، داخل دائرة الحضارة المسيحية، وهو ما يهدم في الاساس فكرة صراع الحضارات، التي اعتبرت الغرب كتلة حضارية متماسكة ووضعت الشعوب الاسلامية ضمن كتلة اخرى في موقف التحدي لها والاشتباك معها، هكذا في تعتيم كامل على التمايزات القائمة داخل كل كتلة، وفي تجهيل تام لخطوط التواصل والتقاطع بين الحضارات المختلفة.
في الوقت ذاته فإن المشهد يكذب مزاعم القائلين بأن رفض السياسة الامريكية راجع الى ما سمي «بتديين» المجتمعات العربية أو تأثيرات الخطاب الاسلامي على جماهيرها، إذ يبدو جليا لكل ذي عينين، أو حتى حس سليم، ان المجتمعات المسيحية الاوروبية اشد معارضة للسياسة الامريكية. يليها في موقع القيادة والتوجيه لتلك المعارضة، باكثر منها في المجتمعات المسلمة التي سمعنا صوت شعوبها بالكاد في تظاهرات هذا الاسبوع الرافضة للحرب.
لعلنا لا نبالغ اذن اذا قلنا ان الاشتباك الامريكي مع ما سمي في واشنطن بـ: اوربا القديمة، يوجه ضربة قوية للاساس الذي بنيت عليه فكرة صدام الحضارات. ويكشف مدى تهافت الآراء التي استصحبتها محاولة التركيز على الدين باعتباره محورا أو موضوعا للصراع، الامر الذي يستثمره بعض من لا تخفي نواياهم في الايحاء باننا لو اخرجنا الدين وتخلصنا منه، فإن شرور العالم ستقل وصراعاته ستنتهي.
ينقلنا ذلك الى العنوان الثاني الذي يعنينا في السياق الذي نحن بصدده، وهو الذي يلخصه السؤال التالي: هل هي حرب ضد الاسلام؟
اذكر ابتداء بأن الملايين التي تظاهرت في اوروبا والامريكتين هذا الاسبوع للاحتجاج على الحرب هم من المسيحيين، كما اذكر بأن المؤتمر المشترك للكنائس الاوروبية ومجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس المسيح في الولايات المتحدة، ومجلس كنائس الشرق الاوسط، اصدر بيانا قبل عشرة ايام رفض فيه الحرب بشدة، واعتبرها غير مبررة دينيا واخلاقيا، وغني عن البيان ان الزعماء الاوروبيين الذين انتقدوا واشنطن وتحدوها لا يحسبون على الاسلام أو المسلمين من أي باب.
في الوقت ذاته فانني لا انفي ان بعض المتعصبين واصحاب النفوذ في الادارة الامريكية يريدونها حربا ضد الاسلام، ولهم تصريحاتهم العلنية المعادية للاسلام والمسلمين، كما انني ادري ان هذه المقولة يتبناها ويحتفي بها نفر من المسلمين الغيورين، الذين وجدوا فيها تفسيرا مبسطا استراحوا اليه بقدر ما استنفر غيرتهم الاسلامية، ولست اشك في أن وصف الرئيس بوش للحرب بأنها «صليبية» ذات مرة كان تصريحا خدم الطرفين، من دعاة تأجيج الصراع أو تبسيطه. والاولون استراحوا لكلمته، والاخرون لم ينتبهوا الى مدلولها في الخطاب الغربي الراهن، حيث اصبحت تعبيرا عن حدة المواجهة وشدتها، كما انهم اسقطوا من الاعتبار قلة معارف وخبرة الرئيس الامريكي بالشؤون الخارجية فضلا عن احاطته بالاحداث في حين شكك كثيرون وقتذاك في انه يعرف شيئا عن الحروب الصليبية أو انه سمع بها من قبل.
غير انني الفت النظر الى الدور الذي يلعبه الاصوليون المحافظون في الولايات المتحدة في المشهد الراهن، واعني بهم اولئك النفر من المتعصبين المؤمنين بفكرة «الولادة الثانية» أو العودة الثانية للمسيح، التي يشترط لتحقيقها ان تقوم دولة اسرائيل لتصبح مأوى ليهود العالم، ببسط سلطانه على كل الاراضي الموعودة، هذه الفكرة تروج لها 200 محطة تليفزيونية و1500 محطة اذاعية في الولايات المتحدة، ولان الشعب الامريكي يتمتع بدرجة معتبره من البراءة والتدين (40% من الامريكيين يترددون على الكنائس مرة في الاسبوع، مقابل 10% فقط في اوروبا)، فلك ان تتصور حجم التأثير الذي يمكن ان تحدثه في توجهات المجتمع الامريكي.
رواد عقيدة الولادة الثانية هم بعض القساوسة الذين عرفوا ليس بالتعصب والهوس الديني فحسب، ولكنهم اشتهروا ايضا بالعداء و الكراهية للاسلام والمسلمين، من ثم فهم الذين يحرضون الرأي العام عبر ابواقهم الاعلامية القوية، وهم الذين يغذون فكرة اعلان الحرب ضد الاسلام، باعتباره منبعا للشر والاصولية.
هذه العصبية تضم قساوسة امثال فرانكلين جراهام (ابن المبشر الشهير بيفي جراهام) وجيري فالويل، وبات روبرتسون، وقد تناقلت وكالات الانباء خلال الاسابيع الماضية على لسان كل واحد منهم تصريحات بذيئة لا يكفون عن ترديدها وهم يتهجمون على الاسلام ويشهرون بنبيه وكتابه وتعاليمه، ومن الملاحظات الجديرة بالانتباه في هذا الصدد ان كاتب خطاب وتصريحات الرئيس بوش هو واحد من اولئك القساوسه، اسمه مايكل جيرسوف الذي تظهر بصماته في العبارات الدينية ـ التوراتية التي تتخلل احاديث الرئيس بوش، خصوصا تلك التي تتعلق بالشرق الاوسط.
هذه العصبية من القساوسة اصبحت تمثل جزءا اساسيا من ادارة الرئيس بوش ومن الدائرة الصغيرة من المقربين المحيطين به في الوقت ذاته فان هؤلاء الذين يعتبرون قيام اسرائيل شرطاً لعودة المسيح، يشكلون الجسر الديني القائم بين الرئيس الامريكي بوش، ورئيس الوزراء الاسرائيلي اريل شارون، وبين اسرائيل والولايات المتحدة.
وحين يدقق المرء في هذه العلاقة يجد ان اسرائيل تستثمر الى ابعد مدى عقيدة هذه العصبة لتحقيق مآربها سواء في الحصول على الدعم الامريكي أو في الضغط على العرب وقهر الفلسطينيين ولذلك فان ما يبدو حربا من اليمين الامريكي ضد الاسلام، هو ـ كما قيل بحق ـ وجه متقدم من الحرب الصهيونية، التي تحاول ان تجعل من ادارة الرئيس بوش حصنا ومخلبا لها ـ والله اعلم.
حتى اشعار آخر بوسعنا القول إن مركز مقاومة الحملة العسكرية الامريكية ضد العراق هو اوروبا، وليس العالم العربي أو الاسلامي، بل ان هناك اشارات عدة تقول ان الخطاب الرسمي الذي تتبناه معظم الدول العربية يتجه الى تأييد الحمله الامريكية، وان تم ذلك بصياغات مختلفة، وفي المقدمة منها مطالبة بغداد بالالتزام بقرار مجلس الامن رقم 1441، وتحميل النظام العراقي وحده مسؤولية ايقاف عجلة الحرب (وكأن العراق هي التي اعلنت الحرب على الولايات المتحدة)، وكانت الفكرة الاخيرة محور مقال رئيسي نشر يوم الجمعه الماضي ذكر ان الدول العربية الرئيسية وبعض القوى الفاعلة تبذل جهودا مخلصة لتسوية الازمة سلميا، الا ان النظام العراقي يواصل سياسة المكابرة والعناد الاجوف، ويفعل كل ما من شأنه عرقلة هذه الجهود، وكأنه يندفع بقوة غامضة الى طريق الهلاك، جارفا معه المنطقة مجددا، الى حرب مدمرة.
مثل هذا الكلام لا يعبر عن وجهة نظر شخصية، لكنه حين ينشر في واحدة من اهم الصحف العربية شبه الرسمية، يصبح انعكاسا لرؤية سياسية تقف بالكامل في المربع الامريكي حيث لا يخفي على أي قارئ للصحف ان التصريحات الامريكية تستخدم نفس المنطق، وربما نفس العبارات.
لا مجال لمقارنة هذا الكلام بما عبر عنه مثلا المستشار الالماني شرويدر في خطابه الاخير امام البرلمان في برلين، وهو الذي وقف بحزم ضد الحرب، سواء صدر قرار جديد من مجلس الامن أم لا، بل وزاد على ذلك ان طالب باعلان الشرق الاوسط منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل، الامر الذي يضع اسرائيل في مأزق، ويختبر مصداقية الولايات المتحدة في مطالبتها بالتخلص من تلك الاسلحة التي تشكل خطرا يتهدد شعوب دول المنطقة.
ليس ذلك فحسب وانما في الوقت الذي رفضت فيه المانيا ان يشارك سلاحها فضلا عن قواتها في الحملة العسكرية الامريكية المرتقبة، فإن هذه الحملة، اذا قدر لها ان تتم، فسوف تنطلق اساسا من اراض عربية، وقد نشرت مجلة «نيوزويك» في احد اعدادها الاخيرة خريطة لخمس وعشرين مطاراً عربياً سوف تستخدمها الطائرات العسكرية الامريكية في قصف العراق.
بسبب ذلك التضاد في الموقفين الاوروبي والعربي، وجدنا ان الاشتباك السياسي الراهن والعقبة التي تؤرق الولايات المتحدة، ليست في العلاقة مع العالم العربي الذي تتهدده الحملة ضد العراق، والذي تتطلع واشنطن الى «اعادة تشكيله» وفقا لمصالحها، كما اعلن ذلك صراحة وزير الخارجية كولن باول، ولكن المشكلة الحقيقية هي مع اوروبا، التي تمردت بعض دولها الكبيرة على الارادة الامريكية، الامر الذي ادى الى تلاسن علني بين واشنطن وكل من برلين وباريس، وقد اصطفت مع الدولتين بلجيكا وروسيا والصين، وهو التمرد الذي عبرت عنه بصورة اخرى المظاهرات المليونية التي خرجت في اوروبا وغيرها من انحاء العالم، معلنة احتجاجها على الموقف الامريكي ورفضها للحرب.
المشهد مسكون بدلالات عدة يهمني منها في هذا المقام علاقته بفكرة صدام الحضارات التي روج لها البعض واحتفى بها اخرون، ثم تكييف الحرب المرتقبة وهل هي صليبية حقا وضد الاسلام أم ماذا؟
فما نراه الان هو صراع امريكي اوروبي، أو امريكي ـ الماني، فرانسي، بلجيكي إن شئت الدقة، اي انه صراع داخل دائرة الحضارة الغربية، وليس بين الحضارة الغربية والعالم الاسلامي، رغم ان الاخير هو المستهدف والمضرور الاكثر من الحرب، والذين يديرون ذلك الصراع ليسوا حكاما أو حكومة مفروضة على شعوبها، ولا هي احتلت مواقعها بالوراثه أو التزوير والتدليس، ولكن اطراف الصراع وصلوا الى مناصبهم بالانتخاب الحر، الامر الذي يعني ان الحكومات الغربية التي عارضت الولايات المتحدة، وتحدت ارادتها تعبر عن رأي شعوبها، التي ضاقت بالسياسة الامريكية ورفضتها.
في الوقت ذاته فان موضوع الصراع لم يكن اختلاف الدين ولكنه كان في اختلاف الرؤية السياسية وحسابات المصالح، داخل دائرة الحضارة المسيحية، وهو ما يهدم في الاساس فكرة صراع الحضارات، التي اعتبرت الغرب كتلة حضارية متماسكة ووضعت الشعوب الاسلامية ضمن كتلة اخرى في موقف التحدي لها والاشتباك معها، هكذا في تعتيم كامل على التمايزات القائمة داخل كل كتلة، وفي تجهيل تام لخطوط التواصل والتقاطع بين الحضارات المختلفة.
في الوقت ذاته فإن المشهد يكذب مزاعم القائلين بأن رفض السياسة الامريكية راجع الى ما سمي «بتديين» المجتمعات العربية أو تأثيرات الخطاب الاسلامي على جماهيرها، إذ يبدو جليا لكل ذي عينين، أو حتى حس سليم، ان المجتمعات المسيحية الاوروبية اشد معارضة للسياسة الامريكية. يليها في موقع القيادة والتوجيه لتلك المعارضة، باكثر منها في المجتمعات المسلمة التي سمعنا صوت شعوبها بالكاد في تظاهرات هذا الاسبوع الرافضة للحرب.
لعلنا لا نبالغ اذن اذا قلنا ان الاشتباك الامريكي مع ما سمي في واشنطن بـ: اوربا القديمة، يوجه ضربة قوية للاساس الذي بنيت عليه فكرة صدام الحضارات. ويكشف مدى تهافت الآراء التي استصحبتها محاولة التركيز على الدين باعتباره محورا أو موضوعا للصراع، الامر الذي يستثمره بعض من لا تخفي نواياهم في الايحاء باننا لو اخرجنا الدين وتخلصنا منه، فإن شرور العالم ستقل وصراعاته ستنتهي.
ينقلنا ذلك الى العنوان الثاني الذي يعنينا في السياق الذي نحن بصدده، وهو الذي يلخصه السؤال التالي: هل هي حرب ضد الاسلام؟
اذكر ابتداء بأن الملايين التي تظاهرت في اوروبا والامريكتين هذا الاسبوع للاحتجاج على الحرب هم من المسيحيين، كما اذكر بأن المؤتمر المشترك للكنائس الاوروبية ومجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس المسيح في الولايات المتحدة، ومجلس كنائس الشرق الاوسط، اصدر بيانا قبل عشرة ايام رفض فيه الحرب بشدة، واعتبرها غير مبررة دينيا واخلاقيا، وغني عن البيان ان الزعماء الاوروبيين الذين انتقدوا واشنطن وتحدوها لا يحسبون على الاسلام أو المسلمين من أي باب.
في الوقت ذاته فانني لا انفي ان بعض المتعصبين واصحاب النفوذ في الادارة الامريكية يريدونها حربا ضد الاسلام، ولهم تصريحاتهم العلنية المعادية للاسلام والمسلمين، كما انني ادري ان هذه المقولة يتبناها ويحتفي بها نفر من المسلمين الغيورين، الذين وجدوا فيها تفسيرا مبسطا استراحوا اليه بقدر ما استنفر غيرتهم الاسلامية، ولست اشك في أن وصف الرئيس بوش للحرب بأنها «صليبية» ذات مرة كان تصريحا خدم الطرفين، من دعاة تأجيج الصراع أو تبسيطه. والاولون استراحوا لكلمته، والاخرون لم ينتبهوا الى مدلولها في الخطاب الغربي الراهن، حيث اصبحت تعبيرا عن حدة المواجهة وشدتها، كما انهم اسقطوا من الاعتبار قلة معارف وخبرة الرئيس الامريكي بالشؤون الخارجية فضلا عن احاطته بالاحداث في حين شكك كثيرون وقتذاك في انه يعرف شيئا عن الحروب الصليبية أو انه سمع بها من قبل.
غير انني الفت النظر الى الدور الذي يلعبه الاصوليون المحافظون في الولايات المتحدة في المشهد الراهن، واعني بهم اولئك النفر من المتعصبين المؤمنين بفكرة «الولادة الثانية» أو العودة الثانية للمسيح، التي يشترط لتحقيقها ان تقوم دولة اسرائيل لتصبح مأوى ليهود العالم، ببسط سلطانه على كل الاراضي الموعودة، هذه الفكرة تروج لها 200 محطة تليفزيونية و1500 محطة اذاعية في الولايات المتحدة، ولان الشعب الامريكي يتمتع بدرجة معتبره من البراءة والتدين (40% من الامريكيين يترددون على الكنائس مرة في الاسبوع، مقابل 10% فقط في اوروبا)، فلك ان تتصور حجم التأثير الذي يمكن ان تحدثه في توجهات المجتمع الامريكي.
رواد عقيدة الولادة الثانية هم بعض القساوسة الذين عرفوا ليس بالتعصب والهوس الديني فحسب، ولكنهم اشتهروا ايضا بالعداء و الكراهية للاسلام والمسلمين، من ثم فهم الذين يحرضون الرأي العام عبر ابواقهم الاعلامية القوية، وهم الذين يغذون فكرة اعلان الحرب ضد الاسلام، باعتباره منبعا للشر والاصولية.
هذه العصبية تضم قساوسة امثال فرانكلين جراهام (ابن المبشر الشهير بيفي جراهام) وجيري فالويل، وبات روبرتسون، وقد تناقلت وكالات الانباء خلال الاسابيع الماضية على لسان كل واحد منهم تصريحات بذيئة لا يكفون عن ترديدها وهم يتهجمون على الاسلام ويشهرون بنبيه وكتابه وتعاليمه، ومن الملاحظات الجديرة بالانتباه في هذا الصدد ان كاتب خطاب وتصريحات الرئيس بوش هو واحد من اولئك القساوسه، اسمه مايكل جيرسوف الذي تظهر بصماته في العبارات الدينية ـ التوراتية التي تتخلل احاديث الرئيس بوش، خصوصا تلك التي تتعلق بالشرق الاوسط.
هذه العصبية من القساوسة اصبحت تمثل جزءا اساسيا من ادارة الرئيس بوش ومن الدائرة الصغيرة من المقربين المحيطين به في الوقت ذاته فان هؤلاء الذين يعتبرون قيام اسرائيل شرطاً لعودة المسيح، يشكلون الجسر الديني القائم بين الرئيس الامريكي بوش، ورئيس الوزراء الاسرائيلي اريل شارون، وبين اسرائيل والولايات المتحدة.
وحين يدقق المرء في هذه العلاقة يجد ان اسرائيل تستثمر الى ابعد مدى عقيدة هذه العصبة لتحقيق مآربها سواء في الحصول على الدعم الامريكي أو في الضغط على العرب وقهر الفلسطينيين ولذلك فان ما يبدو حربا من اليمين الامريكي ضد الاسلام، هو ـ كما قيل بحق ـ وجه متقدم من الحرب الصهيونية، التي تحاول ان تجعل من ادارة الرئيس بوش حصنا ومخلبا لها ـ والله اعلم.