مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
القمة الإسلامية كالعربية.. تتحرك في إطار الحد الأدنى
هويدي 13-11-2000

اذا لم يكن لمؤتمر القمة الاسلامي من انجاز سوى انه اضطر قطر الى اغلاق المكتب التجاري الاسرائيلي في الدوحة، فذلك في رأيي حد مرض يستحق التنويه، نعم لا تحتاج خطوة من هذا القبيل الى «قمة» تتداعى لأجلها الأمة الاسلامية من أقصاها الى أقصاها، لكني قصدت الاشارة اليها للتدليل على ان مؤتمرات القمة، عربية كانت أم اسلامية لا تخلو من فائدة. حتى اذا كانت تلك الفوائد بسيطة ومتواضعة، وحتى اذا كانت دون المستوى الذي تطمح اليه الأمة.
ذلك ان كثيرين منا يفكرون في السياسة بمنطق الحد الأقصى، وعلى نحو مثالي يقيس الأمور بما يجب ان تكون عليه، وهو منطق لا تحتمله خرائطنا الراهنة، ثم انه أبعد ما يكون عن مفهوم السياسة، الذي يراه البعض فن الممكن، بينما هو في المفهوم الثقافي الاسلامي، كل ما تكون الأمور به أقرب الى الصلاح منها الى الفساد.
بسبب من ذلك، فإن السؤال ما الذي يجب ان تفعله أو تسفر عنه القمة الاسلامية يعد مشروعا اذا ما كنا نتحدث عن الذي نتمناه، لكن السؤال العملي والأصوب في ظني هو ما الذي يمكن ان تنجزه القمة في ظل ظروفنا العربية والاسلامية الراهنة؟ ولست أدعو هنا الى الاستسلام لتلك الظروف والامتثال لمقتضياتها، لكني أدعو الى ادراك الظروف ومحاولة استخلاص أفضل ما فيها من خلال توظيف عناصرها الايجابية للتقدم الى الامام، نحو الهدف المنشود ولو بخطوة واحدة.
فإذا افترضنا ان تحرير فلسطين من الاحتلال هدف تجمع عليه الأمة «دعك من بعض المثقفين المتصهينين الذين يقولون غير ذلك، فهم قلة استثنائية فضلا عن انهم لا يعبرون عن شيء حقيقي في المجتمع»، فإن اي خطوة في طريق دعم الحق الفلسطيني وادانة العدوان الاسرائيلي، هي تقدم على الطريق الصحيح.
أنا من الداعين الى اعلان الجهاد بكل صوره، واقتناعي تام بأن فلسطين لن تتحرر الا عن طريق الجهاد، وثقتي اكيدة بأن المفاوضات لن تقدم للعرب والفلسطينيين شيئا ذا قيمة، وقدر رأينا ان المفاوضات كانت في صالح اسرائيل على الدوام. حيث يكفي انها أضفت على وجودها شرعية باعتراف الفلسطينيين والعرب (الحكومات أقصد) ثم انها دفعت المفاوض الفلسطيني والعربي الى الاقرار بأن المقاومة نوع من الارهاب.
مع ذلك، فإذا لم تكن الظروف مواتية لتحقيق الجهاد بالسلام المنشود، واذا ما تبين ان كفة المفاسد التي يمكن ان تترتب على اعلان من ذلك القبيل أرجح من كفة المصالح، فإن اية صورة أخرى من صور المقاومة هي جهاد يخدم الهدف النهائي يجب الا نفرط فيه بدءا من الرشق بالحجارة وانتهاء باعلان الادانة سياسيا ودبلوماسيا ومرورا بقطع كل علاقة مع اسرائيل، أو تقليص تلك العلاقات بالنسبة لمن لا يملكون خيار القطع، وفي ذلك كله فإن أهم ما يعنيني ان يظل الهدف ثابتا والرؤية واضحة.
من هذه الزاوية، ازعم ان أي موقف غير متصالح مع اسرائيل تعبر عنه القمة الاسلامية ينبغي ان يرحب به، واذ أقول هذا الكلام فإنني لا اعبر عن سعادة بمثل ذلك الموقف، ولا عن اقتناع بانه الأقرب في هذه المرحلة، وانما لأن ذلك هو القدر الذي يمكن ان تتفق عليه وفود القمة الاسلامية.
ولا يغيبن عن البال أننا لا نستطيع ان نتوقع من القمة الاسلامية حماسا للقضية الفلسطينية أو غيرة عليها أكثر مما عبرت عنه القمة العربية ومن ثم فينبغي الا نطالبها بأكثر مما اسفرت عنه القمة العربية، وهو كما قيل بحق لا يعبر عن طموحات الشعوب العربية بقدر ما انه يعبر عن قدرات الحكومات العربية.
ان انعقاد القمة الاسلامية عمل ايجابي لا ريب، واذا خيرنا بين انعقاد القمة وصدور بيان متواضع عنها في الشأن الفلسطيني، فإن ذلك يعد بكل المقاييس افضل من عدم انعقادها باعتبار ان عدم الانعقاد يكرس انفراط العقد الاسلامي ويسهم في الاجهاز على الوشائج البسيطة التي ما زالت قائمة بين الاقطار الاسلامية، وذلك محظور ينبغي تجنبه بكل الوسائل.
ان المشكلة تكمن في ما يبدو في أننا نتعامل مع السياسة بمنطق الأبيض والأسود، ونسقط في الاعتبار المساحة الرمادية التي هي الأرضية الحقيقية للعمل السياسي، وقد قيل بحق ان الاختيار السهل هو ذلك الذي يتم بين الخير والشر، بينما الخيار الصعب والتحدي الحقيقي، هو ذلك الذي يكون بين شرين، اذ يتعين هنا الانحياز للضرر الأدنى تجنبا للوقوع في الضرر الأكبر، كما تقول القاعدة الأصولية الفقهية. والقبول بالضرر الأدنى لا يكون تعبيرا عن الرضى أو السعادة به، ولكنه يكون من قبيل احتمال الحد الأدنى من المفاسد وتجنبا لما هو أكبر وافدح.
لست بحاجة لأن اشرح في هذا المقام طبيعة خرائطنا السياسية في العالم الاسلامي ـ والعربي ضمنا ـ لظني ان تضاريس تلك الخرائط لم تعد خافية على أحد، وان الجميع يدركون حقائق تلك الخرائط بدرجة أو أخرى، وانطلاقا من هذه الخلفية فإن المرء لا يسعه الا ان يقرر بانه حتى اشعار آخر، فإن خياراتنا السياسية أصبحت تدور بين السيئ والأسوأ، الأمر الذي يدفعنا الى القبول بما هو سيئ، واحتماله مؤقتا، حتى يأذن الله بفرج من عنده ونستحق ما هو أفضل والسيئ الذي اعنيه في هذا المقام هو ذلك الجهد الذي يقف عند حد ستر العورة وتجنب الفضيحة، والأسوأ هو ما دون ذلك، مما لا يحتاج الى شرح أو تفصيل. ان بعض الدول الاسلامية تؤيد سيادة اسرائيل على القدس، وعلى الأقل هذا ما نقلته الصحف على لسان الرئيس الاندونيسي عبد الرحمن واحد، وما روجته بعض الأبواق منسوبا الى تركيا، وهذه هي «الفضيحة» في الموقف من اسرائيل التي اعنيها، والتي أرجو ان نتجنبها.
والأمر كذلك، فإن القمة الاسلامية اذا اتخذت موقفا واضحا من رفض سيادة اسرائيل على القدس وعلى المسجد الأقصى، فإن ذلك قد يعد خطوة الى الامام بالنسبة للموقف الذي اشرت اليه، واذا التزمت قمة الدوحة بحدود اعلان القمة العربية في خصوص التضامن مع الانتفاضة وتأييدها، وانشاء صندوق مالي لمساندتها، فسيكون ذلك شيئاً جيداً. وإذا ما أيدت القمة حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وحقهم في تحرير أراضيهم من المستوطنات التي بنيت عليها، بالمخالفة للقانون الدولي، وإذا ما عززت المطلب الفلسطيني في الاستعانة بقوة دولية لحماية المدنيين الفلسطينيين من البطش الاسرائيلي، فذلك بدوره سيكون انجازاً لا بأس به.
وليت القمة تتجنب في اشارتها إلى الانتفاضة مصطلح «العنف في الأراضي المحتلة» الذي تردده وسائل الاعلام الغربية، وشاع للأسف في خطابنا الاعلامي، ببساطة لأن المشكلة ليست في العنف، ولكن العنف نتيجة لمشكلة استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية، ولئن حرص الاعلام الغربي على وصف ما يجري في الأرض المحتلة بأنه مجرد عنف، كأنما الطرفان يتقاتلان ولا يعرف منهما الجاني من المجني عليه، فان خطابنا السياسي والاعلامي ينبغي ألا يقع في الفخ، وأن يتجنب تمييع المشهد والتسويف فيه، مؤكداً أن الاحتلال هو أس البلاء وأصل الداء.
ان الظرف الراهن يضع القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمال القمة الاسلامية. وهو أمر مبرر بامتياز، ليس فقط لأنها تعد هما رئيسياً للعالم الاسلامي، ولكن أيضاً لأن منظمة المؤتمر الاسلامي ذاتها خرجت من عباءة القضية الفلسطينية، حيث يذكر الجميع أن أول قمة اسلامية التأمت عام 1965، كرد فعل لمحاولة احراق المسجد الأقصى آنذاك، وفي ذلك الاجتماع تقرر انشاء منظمة المؤتمر الاسلامي.
ورغم هذه الخلفية فإن القمة الاسلامية أمامها مجالات واسعة للحركة، على المستويات الاقتصادية والثقافية. وكنت قد كتبت من قبل أنه إذا كانت الخرائط السياسية لا تسمح بالانجاز على ذلك الصعيد، بسبب الخلاف في التوجهات والالتزامات الدولية، والتركيبة العرقية لدى بعض الدول، فان المجالات الأخرى الاقتصادية والثقافية أبوابها مفتوحة وآفاقها واسعة، والانجاز فيها مطلوب ولا حساسية فيه.
ومن أسف أننا لا نكاد نجد انجازاً يذكر على تلك المجالات الأخرى، ولعل فكرة السوق الاسلامية المشتركة المدرجة على جدول أعمال القمة منذ أكثر من عشرين عاماً، نموذج للمشروعات التي تقررت على الورق، لكنها لم تعرف طريقها إلى حيز التنفيذ بعد.
ان مجالات الدفاع عن الهوية الاسلامية خصوصاً المعارف الاسلامية ولغة القرآن ـ واسعة وما زالت تحتاج إلى الكثير من الجهد، ولا ينسى في هذا الصدد أن بعثات التبشير تتحدد على نحو شرس في الفراغ الذي نشأ عن غياب المؤسسات الاسلامية، كما أن مجالات الدفاع عن الاسلام والمسلمين في العالم الخارجي ما زالت تشكو من غياب الأمة الاسلامية عنها. وقد حمستني فكرة اقامة أسبوع للوعي الاسلامي في البرلمان البريطاني ـ وهي مبادرات تعاونت فيها الجالية الاسلامية هناك مع الأحزاب البريطانية الثلاثة ـ لاطلاق الدعوة إلى تبني الفكرة، ومحاولة اقامة أسبوع للوعي الاسلامي كل عام في مختلف الأقطار الأوروبية والولايات المتحدة، وهي الساحات التي تنفرد الأبواق الصهيونية بتشكيل الادراك العام فيها.
في هذا وذاك، تظل «الارادة» هي المشكلة، وهي ما نحتاج اليه حقاً، وما لا ينبغي أن نيأس من توفره يوماً ما، رغم كل الاحباطات التي نواجهها، الأمر الذي يحتاج من الجميع إلى صبر وإلى نفس طويل، فنحن نتحدث عن مستقبل أمة ما برح أعداؤها ـ وبعض أبنائها ـ يسددون إليها الضربات ويفككون روابطها منذ قرنين من الزمان على الأقل.
أضافة تعليق