هويدي 13-8-2001
ليس مفهوما لماذا هرولة بعض الزعماء في العالم العربي ومسارعتهم الى ادانة العملية الاستشهادية التي تمت في القدس، لماذا الشعور بالذنب ازاء مصرع 19 إسرائيليا واصابة أكثر من مائة بجروح، علما بأن الذي حدث لم يكن سوى رد على مسلسل الجرائم الاسرائىلية وعلى رأسها جريمة الاحتلال المستمرة، وتوابعها المتمثلة في عمليات القنص والقتل بالصواريخ والطائرات والدبابات، الى غير ذلك من مشاهد المسلسل الدموي الذي بدأته اسرائىل، وما زالت ماضية فيه، في غير ما ادانة أو اعتذار، وانما بدرجة عالية من الصلافة والاستكبار والاحتقار.
ان حكومة اسرائيل اعلنت على الملأ انها مستمرة في قتل من اشتبهت فيهم أو ادانتهم من الفلسطينيين، ونفذت ما عزمت عليه بجرأة ووقاحة لا مثيل لها، وهي في ذلك تصرفت كعصابة من القتلة استباحت كل شيء وسكت عنها الجميع وسوغت وباركت جهودها الادارة الاميركية (لا تنس انها تستخدم في جرائمها اسلحة اميركية مهداة اليها لاذلال من حولها)، وحين تلجأ حكومة الى هذا الاسلوب، وتتمادى في تصفية الفلسطينيين وهدم بيوتهم وابادة زروعهم، فيما تصر على تكريس الاحتلال والاستيطان، فكيف تتوقع ان يظل شعبها محصنا ضد ردود الفعل الفلسطينية، ثم كيف يحدث هذا كله من جانبها، ويعبر البعض منا عن استنكارهم حين يرد الفلسطينيون، ضاربين اسرائيل في العمق، تماما كما ان الاسرائيليين يضربون في العمق الفلسطيني.
ولئن قيل ان الشجب والادانة مرسلان الى واشنطن وتل ابيب، أو قيل ان قيادة السلطة الفلسطينية ارادت ان تغسل يديها من العملية، وتثبت انها ملتزمة بسياسة التهدئة ووقف اطلاق النار وصولا الى ما يسمى بمسيرة السلام، فإن ذلك لن يغير شيئا من موقف واشنطن، كما انه لن يثني حكومة تل ابيب عن اتهامها لعرفات بالتقصير في كبح جماح الغضب الفلسطيني ووقف الانتفاضة، وهي التي اصرت في اتفاق اوسلو، على تحميله مسؤولية حماية المستوطنات ومطالبته بسحق المقاومة.
لا يقف الأمر عند مجرد عدم جدوى أو فاعلية الشجب والادانة في حين تستمر اسرائيل في القتل والقصف، وانما من شأن ذلك الموقف ان يعزل القيادات العربية عن شعوبها، بحيث يصنفها من جانب، ويصنف الأمة في جانب آخر، فالشعوب العربية تدرك جيدا ان المسألة ليست قتل مدنيين، بقدر ما هي تعبير عن الاصرار الفلسطيني على ازالة الاحتلال ومقاومته، من ثم فعلى من يريد حقا ان يوقف كل تجليات دوامة العنف، ان يتصدى لأصله ومنبعه المتمثل في الاحتلال.
فضلا عن ذلك، تعرف شعوبنا ايضا انه لا يوجد في اسرائيل مدنيون بالمعنى الحرفي للكلمة حيث كل اسرائيلي مغتصب، وكل مواطن، رجلا كان أم امرأة، إما جندي عامل وإما جندي في الاحتياط، وعند الطوارئ يلتقي الاثنان ويلتحمان، بحيث يتحول الجميع الى كتلة قتالية واحدة.
كيف يتوقع الاسرائيليون ان يفعلوا كل ما فعلوه من فظائع بالفلسطينيين العزل الكبار والصغار منهم والرجال، والنساء، ثم يطالبون الفلسطينيين بالهدوء والتروي وضبط النفس، وعدم المساس بما يسمونه أهدافا مدنية.
شعوبنا تعرف ان في فلسطين حربا حقيقية، استخدمت فيها طائرات إف 16 وطائرات اباتشي الاميركية، وهي حرب تحرير من جانب الفلسطينيين وتركيع وترويع من جانب الاسرائيليين، وكل حرب لها لغتها وثمنها الذي يتعين على كل طرف دفعه واذا كان الأمر كذلك، فلماذا يطالب الفلسطينيون وحدهم بدفع الثمن، بينما يخوض الاسرائىليون الحرب بالمجان.
في الوقت الراهن بوجه أخص، وبعدما وصل الصراع الى مرحلة كسر العظام فإن المواجهة تمتعت بدرجة من الصراحة والوضوح لم تبلغها منذ أوسلو على الأقل، فحدود اللاءات الاسرائىلية مشهورة ومعروفة، حيث لا عودة لحدود عام 67 ولا ازالة للمستوطنات ولا عودة للاجئين، والقدس يراد لها أن تظل مصادرة لحساب الاسرائيليين، ليس ذلك فحسب وانما المسجد الأقصى ايضا يراد له أن يخضع للمصادرة، وبعدما قاموا بتقسيم الأراضي المحتلة الى معازل محكمة الاغلاق، 12 كانتونا كبيرا و64 كانتونا صغيرا، بعد ذلك كله لم يعد في اللعبة السلمية المزعومة سر، وباتت خيارات الشعب الفلسطيني محسومة وواضحة، فإما القبول بذلك كله والانخراط في اللعبة حتى آخرها، بما يستصحبه ذلك من اذلال وتبعية وعبودية لاسرائىل، وإما مقاومة ذلك كله بكل الوسائل المتاحة، دونما حدود أو قيود، ولكل خيار ثمنه.
ان أي قارئ مبتدئ للمشهد السياسي، يستطيع ان يدرك ان الشعب الفلسطيني قد اختار منذ البداية ان يرفض الاذلال والاستعباد، وانما ابدى استعدادا مذهلا لدفع ثمن ذلك الرفض، مهما بلغ، وهو خبر عدنا نقرأ عناوينه مكتوبة بالدم، ونشاهد الصور الدالة على صدقه صبيحة كل يوم.
ان بطولة من هذا القبيل جديرة بالتأييد والحفاوة والتقدير، وليس بالشجب أو الاستنكار. صحيح ان ذلك التأييد والتقدير، وبوجه أخص على الصعيد الرسمي، قد يكون له ثمنه ايضا، المتمثل بالدرجة الأولى في سحب غطاء الرضى الاميركي، وهو ثمن قد لا يحتمله البعض لأسباب مفهومة ومرصودة، والبديل الذي يعبر عن الحد الأدنى من الكرامة في هذه الحالة ربما كان التزام الصمت الذي قد يكون أفيد للقضية نسبيا في هذه الحالة، وقد يكون البديل الآخر هو اتخاذ موقف الحياد الموضوعي المتمثل في التذكير بأن الاحتلال هو أصل المشكلة وبيت الداء، أو الاشارة الى أن اقرار العدل في فلسطين هو المدخل الوحيد الى اقرار السلام.
مواقف من هذا القبيل تؤدي الغرض وتحفظ ماء الوجه، ولكن مواقف الادانة والاستنكار كثيرة علينا جدا، من حيث انها تهبط بالحد الأدنى، وتصدم الشعور العربي عامة والفلسطيني خاصة، وهو شعور لم يوضع في الاعتبار في الأغلب، لما اشرنا اليه قبل قليل من أن رسائل الادانة موجهة الى واشنطن وتل ابيب، وتلك كارثة أخرى، من حيث انها تعبر عن موقف بائس يعكس تجاهلا مدهشا لمشاعر الرأي العام العربي، ومحاولة ارضاء مبالغا فيها للولايات المتحدة، تدوس على تلك المشاعر وتتحداها.
واذا كنا نأسى لكل ذلك، فإن اسانا يظل أكبر ونحن نراقب موقف قيادة السلطة الفلسطينية، المتسم بالتردد والمراوحة. صحيح ان السلطة تخلت عمليا عن الموقف الذي أعلنه الرئيس عرفات في جنيف عام 88، وادان فيه «الارهاب» وكانت المقاومة هي المقصودة بذلك، وهو ما تبدى في مشاركة حركة «فتح» في الانتفاضة، واستهدف بعض قياداتها من جانب الاسرائيليين، مع ذلك فإن قيادة السلطة التي ادانت بدورها عملية القدس، ما زالت تتحرك تحت سقف أوسلو وتتعلق بأمل العودة الى طاولة المفاوضات، رغم كل ما جرى، ورغم كل الدم الذي أريق والثمن الذي دفع.
ان شارن يهدم كل ما بني منذ أوسلو، ويتخلى عن كل الالتزامات التي فرضتها الاتفاقيات على بؤسها منذ ذلك الحين، وحتى تقرير ميتشل وتفاهمات تينيت، وهو يفعل ذلك بكل جرأة وصلافة، في حين ان قيادة السلطة الفلسطينية ما زالت تتعلق بذلك البنيان المنهار، معتبرة ان العودة الى المفاوضات هي منتهى الأمل وغاية المراد، وكان طبيعيا ازاء ذلك ان تتسع الفجوة بين المجتمع الفلسطيني وبين قيادته، الأول يسعى الى التحرير بينما سقف القيادة لا يتجاوز حدود التحريك.
ان الأزمة عميقة على الجبهتين العربية والفلسطينية.
ليس مفهوما لماذا هرولة بعض الزعماء في العالم العربي ومسارعتهم الى ادانة العملية الاستشهادية التي تمت في القدس، لماذا الشعور بالذنب ازاء مصرع 19 إسرائيليا واصابة أكثر من مائة بجروح، علما بأن الذي حدث لم يكن سوى رد على مسلسل الجرائم الاسرائىلية وعلى رأسها جريمة الاحتلال المستمرة، وتوابعها المتمثلة في عمليات القنص والقتل بالصواريخ والطائرات والدبابات، الى غير ذلك من مشاهد المسلسل الدموي الذي بدأته اسرائىل، وما زالت ماضية فيه، في غير ما ادانة أو اعتذار، وانما بدرجة عالية من الصلافة والاستكبار والاحتقار.
ان حكومة اسرائيل اعلنت على الملأ انها مستمرة في قتل من اشتبهت فيهم أو ادانتهم من الفلسطينيين، ونفذت ما عزمت عليه بجرأة ووقاحة لا مثيل لها، وهي في ذلك تصرفت كعصابة من القتلة استباحت كل شيء وسكت عنها الجميع وسوغت وباركت جهودها الادارة الاميركية (لا تنس انها تستخدم في جرائمها اسلحة اميركية مهداة اليها لاذلال من حولها)، وحين تلجأ حكومة الى هذا الاسلوب، وتتمادى في تصفية الفلسطينيين وهدم بيوتهم وابادة زروعهم، فيما تصر على تكريس الاحتلال والاستيطان، فكيف تتوقع ان يظل شعبها محصنا ضد ردود الفعل الفلسطينية، ثم كيف يحدث هذا كله من جانبها، ويعبر البعض منا عن استنكارهم حين يرد الفلسطينيون، ضاربين اسرائيل في العمق، تماما كما ان الاسرائيليين يضربون في العمق الفلسطيني.
ولئن قيل ان الشجب والادانة مرسلان الى واشنطن وتل ابيب، أو قيل ان قيادة السلطة الفلسطينية ارادت ان تغسل يديها من العملية، وتثبت انها ملتزمة بسياسة التهدئة ووقف اطلاق النار وصولا الى ما يسمى بمسيرة السلام، فإن ذلك لن يغير شيئا من موقف واشنطن، كما انه لن يثني حكومة تل ابيب عن اتهامها لعرفات بالتقصير في كبح جماح الغضب الفلسطيني ووقف الانتفاضة، وهي التي اصرت في اتفاق اوسلو، على تحميله مسؤولية حماية المستوطنات ومطالبته بسحق المقاومة.
لا يقف الأمر عند مجرد عدم جدوى أو فاعلية الشجب والادانة في حين تستمر اسرائيل في القتل والقصف، وانما من شأن ذلك الموقف ان يعزل القيادات العربية عن شعوبها، بحيث يصنفها من جانب، ويصنف الأمة في جانب آخر، فالشعوب العربية تدرك جيدا ان المسألة ليست قتل مدنيين، بقدر ما هي تعبير عن الاصرار الفلسطيني على ازالة الاحتلال ومقاومته، من ثم فعلى من يريد حقا ان يوقف كل تجليات دوامة العنف، ان يتصدى لأصله ومنبعه المتمثل في الاحتلال.
فضلا عن ذلك، تعرف شعوبنا ايضا انه لا يوجد في اسرائيل مدنيون بالمعنى الحرفي للكلمة حيث كل اسرائيلي مغتصب، وكل مواطن، رجلا كان أم امرأة، إما جندي عامل وإما جندي في الاحتياط، وعند الطوارئ يلتقي الاثنان ويلتحمان، بحيث يتحول الجميع الى كتلة قتالية واحدة.
كيف يتوقع الاسرائيليون ان يفعلوا كل ما فعلوه من فظائع بالفلسطينيين العزل الكبار والصغار منهم والرجال، والنساء، ثم يطالبون الفلسطينيين بالهدوء والتروي وضبط النفس، وعدم المساس بما يسمونه أهدافا مدنية.
شعوبنا تعرف ان في فلسطين حربا حقيقية، استخدمت فيها طائرات إف 16 وطائرات اباتشي الاميركية، وهي حرب تحرير من جانب الفلسطينيين وتركيع وترويع من جانب الاسرائيليين، وكل حرب لها لغتها وثمنها الذي يتعين على كل طرف دفعه واذا كان الأمر كذلك، فلماذا يطالب الفلسطينيون وحدهم بدفع الثمن، بينما يخوض الاسرائىليون الحرب بالمجان.
في الوقت الراهن بوجه أخص، وبعدما وصل الصراع الى مرحلة كسر العظام فإن المواجهة تمتعت بدرجة من الصراحة والوضوح لم تبلغها منذ أوسلو على الأقل، فحدود اللاءات الاسرائىلية مشهورة ومعروفة، حيث لا عودة لحدود عام 67 ولا ازالة للمستوطنات ولا عودة للاجئين، والقدس يراد لها أن تظل مصادرة لحساب الاسرائيليين، ليس ذلك فحسب وانما المسجد الأقصى ايضا يراد له أن يخضع للمصادرة، وبعدما قاموا بتقسيم الأراضي المحتلة الى معازل محكمة الاغلاق، 12 كانتونا كبيرا و64 كانتونا صغيرا، بعد ذلك كله لم يعد في اللعبة السلمية المزعومة سر، وباتت خيارات الشعب الفلسطيني محسومة وواضحة، فإما القبول بذلك كله والانخراط في اللعبة حتى آخرها، بما يستصحبه ذلك من اذلال وتبعية وعبودية لاسرائىل، وإما مقاومة ذلك كله بكل الوسائل المتاحة، دونما حدود أو قيود، ولكل خيار ثمنه.
ان أي قارئ مبتدئ للمشهد السياسي، يستطيع ان يدرك ان الشعب الفلسطيني قد اختار منذ البداية ان يرفض الاذلال والاستعباد، وانما ابدى استعدادا مذهلا لدفع ثمن ذلك الرفض، مهما بلغ، وهو خبر عدنا نقرأ عناوينه مكتوبة بالدم، ونشاهد الصور الدالة على صدقه صبيحة كل يوم.
ان بطولة من هذا القبيل جديرة بالتأييد والحفاوة والتقدير، وليس بالشجب أو الاستنكار. صحيح ان ذلك التأييد والتقدير، وبوجه أخص على الصعيد الرسمي، قد يكون له ثمنه ايضا، المتمثل بالدرجة الأولى في سحب غطاء الرضى الاميركي، وهو ثمن قد لا يحتمله البعض لأسباب مفهومة ومرصودة، والبديل الذي يعبر عن الحد الأدنى من الكرامة في هذه الحالة ربما كان التزام الصمت الذي قد يكون أفيد للقضية نسبيا في هذه الحالة، وقد يكون البديل الآخر هو اتخاذ موقف الحياد الموضوعي المتمثل في التذكير بأن الاحتلال هو أصل المشكلة وبيت الداء، أو الاشارة الى أن اقرار العدل في فلسطين هو المدخل الوحيد الى اقرار السلام.
مواقف من هذا القبيل تؤدي الغرض وتحفظ ماء الوجه، ولكن مواقف الادانة والاستنكار كثيرة علينا جدا، من حيث انها تهبط بالحد الأدنى، وتصدم الشعور العربي عامة والفلسطيني خاصة، وهو شعور لم يوضع في الاعتبار في الأغلب، لما اشرنا اليه قبل قليل من أن رسائل الادانة موجهة الى واشنطن وتل ابيب، وتلك كارثة أخرى، من حيث انها تعبر عن موقف بائس يعكس تجاهلا مدهشا لمشاعر الرأي العام العربي، ومحاولة ارضاء مبالغا فيها للولايات المتحدة، تدوس على تلك المشاعر وتتحداها.
واذا كنا نأسى لكل ذلك، فإن اسانا يظل أكبر ونحن نراقب موقف قيادة السلطة الفلسطينية، المتسم بالتردد والمراوحة. صحيح ان السلطة تخلت عمليا عن الموقف الذي أعلنه الرئيس عرفات في جنيف عام 88، وادان فيه «الارهاب» وكانت المقاومة هي المقصودة بذلك، وهو ما تبدى في مشاركة حركة «فتح» في الانتفاضة، واستهدف بعض قياداتها من جانب الاسرائيليين، مع ذلك فإن قيادة السلطة التي ادانت بدورها عملية القدس، ما زالت تتحرك تحت سقف أوسلو وتتعلق بأمل العودة الى طاولة المفاوضات، رغم كل ما جرى، ورغم كل الدم الذي أريق والثمن الذي دفع.
ان شارن يهدم كل ما بني منذ أوسلو، ويتخلى عن كل الالتزامات التي فرضتها الاتفاقيات على بؤسها منذ ذلك الحين، وحتى تقرير ميتشل وتفاهمات تينيت، وهو يفعل ذلك بكل جرأة وصلافة، في حين ان قيادة السلطة الفلسطينية ما زالت تتعلق بذلك البنيان المنهار، معتبرة ان العودة الى المفاوضات هي منتهى الأمل وغاية المراد، وكان طبيعيا ازاء ذلك ان تتسع الفجوة بين المجتمع الفلسطيني وبين قيادته، الأول يسعى الى التحرير بينما سقف القيادة لا يتجاوز حدود التحريك.
ان الأزمة عميقة على الجبهتين العربية والفلسطينية.