هل الدماء التي تجري في جسد غالاوي فيها عروبة وإسلام أكثر من حكوماتنا وشعوبنا ومسؤولينا ومثقفينا وسياسيينا، حتى يتجشم الرجل ومعه مئات الشخصيات والأطفال عناء طريق طويل وشاق ومخاطر لا تخفى، ليوصل الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية إلى غزة؟!.. ماذا تريد الحكومات العربية من إسرائيل أكثر مما قامت به حتى نجد موقفاً عربياً مغايراً أو على الأقل يحفظ ماء الوجه أمام العالم، أم أنّ العدو الاستراتيجي اليوم هو حماس، وليست إسرائيل، وعلى أهل غزة أن يدفعوا ثمن هذا الموقف العربي، حتى لو وصل الأمر إلى الإبادة الكاملة؟!
أحسن رئيس الوزراء الأردني صنعاً، بأن أمر بتسهيل مرور قافلة شريان الحياة من الأراضي الأردنية إلى نويبع فغزة، وكذلك بأن أرسل رئيس الهيئة الهاشمية الخيرية لاستقبالها والترحيب بها. ولعلّ ذلك أضعف الإيمان، من الجانب الرسمي العربي تجاه كارثة غزة.
ذلك، لا يمسح العار الذي نتحسسه على رؤوسنا وشعورنا بالخزي من الموقف الرسمي العربي. وهل نريد أكثر من أن يستعطف النائب البريطاني جورج غالاوي، ويرجو الرئيس المصري السماح بمرور القافلة وعدم إعاقتها حتى تصل إلى غزة!
هل الدماء التي تجري في جسد غالاوي فيها عروبة وإسلام أكثر من حكوماتنا وشعوبنا ومسؤولينا ومثقفينا وسياسيينا، حتى يتجشم الرجل ومعه مئات الشخصيات والأطفال عناء طريق طويل وشاق ومخاطر لا تخفى، ليوصل الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية إلى غزة؟!
هل أصاب العربَ اليوم تبلد كامل في مشاعر العروبة والإخوة والإنسانية حتى أصبح غالاوي والنواب الأوروبيون والعالم يشعرون بغزة وما تتعرض له من إبادة أكثر منا!
أي تبرير يمكن أن نواجه به التاريخ غداً أو الأجيال المقبلة أو حتى أنفسنا في لحظة صدق، بعيداً عن التزلف والكذب، عندما يصدر أمر قضائي في بريطانيا بإلقاء القبض على تسيبي ليفني لارتكابها جرائم حرب في غزة، وقبل ذلك تقوم جامعاتها بوقف التبادل العلمي مع الجامعات الإسرائيلية، وهي الدولة التي منحت إسرائيل وعد بلفور، وتحمل إرثاً استعمارياً، بينما لم يصدر أي قرار مثل هذا في أي دولة عربية، بل ولم يسمح حتى لبرلمانيين وسياسيين بملاحقة إسرائيل قضائياً أمام المجتمع الدولي!
ماذا تريد الحكومات العربية أكثر من رفض إسرائيل وقف المستوطنات، تهويد القدس بصورة متسارعة، بناء الجدار العازل، الاستهتار بالمطالب العربية كافة، إعلان الكنيست الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، وأن تعترف إسرائيل بصفاقة بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، التخطيط لهدم المسجد الأقصى، جرائم حرب بربرية في غزة.
هل ثمة جريمة أكبر مما يرتكبه العرب اليوم بحق غزة، من حصار وتجويع وسجن جماعي، ومنع للمساعدات المالية أن تصل للناس. لمصلحة من يريد العرب تركيع غزة؟!
بأي منطق يمكن أن نفهم اليوم قيام مصر ببناء جدار فولاذي تحت الأرض وفوقها لقطع الأنفاق، التي تمثل شريان الحياة الوحيد لأهل غزة، الذي يصلهم بباقي أجزاء الكرة الأرضية، أي سيادة (هذه) التي يتحدث عنها المسؤولون المصريون؟!
ألم يقف العرب، ولو قليلاً، وتقشعر أبدانهم وتخفق قلوبهم ألماً وكمداً من التقارير التي تتحدث عن زيادة نسبة التشوهات في مواليد غزة خلال الأشهر الأخيرة بنسبة 8%، نتيجة الأسلحة المحرمة المستخدمة من قبل إسرائيل!
ماذا تريد الحكومات العربية من إسرائيل أكثر مما قامت به حتى نجد موقفاً عربياً مغايراً أو على الأقل يحفظ ماء الوجه أمام العالم، أم أنّ العدو الاستراتيجي اليوم هو حماس، وليست إسرائيل، وعلى أهل غزة أن يدفعوا ثمن هذا الموقف العربي، حتى لو وصل الأمر إلى الإبادة الكاملة؟!
*العصر