مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
وحدها الجماهير العربية تستطيع منع ضرب العراق
هويدي 12-8-2002


الاعداد لضرب العراق يجري الآن على قدم وساق. اذ بعد ان قرأنا عن تأييد قادة الجيوش الامريكية لعملية الضرب، طالعتنا الصحف باخبار تجهيز الطائرات الامريكية واعداد قاعدة «العديد» القطرية باضافة مدارج جديدة بطول 13 ألف قدم، لكي تكون مركز انطلاق العمليات العسكرية المرتقبة. وتواترت انباء أخرى عن الانتهاء من وضع اللمسات الاخيرة في خطة الغزو، التي قيل ان ما بين 50 إلى 80 ألف جندي امريكي سيشتركون فيها، الى جانب القوات الجوية، التي يفترض ان تقوم بالدور الاساسي للتمهيد لزحف المشاة، على غرار ما حدث في افغانستان.
والى جانب الاستعدادات العسكرية، هناك استعدادات اخرى سياسية، تمثلت في محاولة ترتيب الامر مع ممثلي المعارضة العراقية، الى جانب الاكراد، وهناك تعبئة اعلامية ما برحت تروج لمقولات من قبيل ان اسقاط النظام في العراق يمثل «دفاعا عن الحضارة» ـ (الرئيس جورج بوش) ـ أو انه خطوة في حملة القضاء على ما لديه من اسلحة الدمار الشامل (هنري كيسنجر) أو ان النظام العراق يؤوي عناصر من تنظيم «القاعدة»، التي اصبحت رمزا للارهاب الذي يهدد الغرب تارة والجنس البشري تارة اخرى، (وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد).
الى جانب الحملة الاعلامية التي تستهدف تسويغ ضرب العراق، فان هناك حملة اخرى موازية ـ اعلامية وسياسية ـ تستهدف الدول المجاورة التي عارضت العملية ورفضت استخدام اراضيها لهذا الغرض. ولعل تسريب تقرير الهيئة الاستشارية الدفاعية الامريكية (مؤسسة راند) الذي وصف السعودية بأنها «دولة عدوة وتدعم الارهاب» يعد نموذجا لمثل تلك الضغوط، ولا استبعد ان تكون الحملة الاعلامية على مصر التي تصاعدت في الآونة الاخيرة ساعية الى تحقيق ذات الهدف، الذي يستخدم لي الذراع بهدف التطويع والترويض.
الامر جد اذن وليس فيه شيء من الهزل، لذلك فانه ما لم تحدث معجزة، علينا ان نتوقع هجوما مفاجئا على العراق بين يوم وآخر، حيث لا اظن ان الرئيس الامريكي يمكن ان يعدل عن رأيه بهذا الخصوص، وهو الذي لم يعد يترك فرصة للحديث في الشأن العام الا واعلن فيها عزمه وتأكيده على ضرب العراق واسقاط نظام الرئيس صدام حسين. ذلك الالحاح من جانب الرئيس بوش يجعله في موقف حرج للغاية اذا لم يواصل مسيرته صوب الهدف الذي عبأ الناس لضربه، وهو الذي لم يحاول ان يخفف من لهجته في الحديث عن ضرب العراق أو يهيئ الجمهور الامريكي لاحتمال آخر، بل ان العكس هو الصحيح، حيث دأب على تصعيد لهجته في كل مرة على نحو لا يحتمل التراجع.
هناك عوامل متعددة اسهمت في حدة موقفه تجاه نظام بغداد، بعضها يتعلق بتنامي قوة اليمين في ادارة الرئيس بوش، ودعاة اقامة الامبراطورية الامريكية وترهيب كل «العصاة»، والبعض الاخر يتصل بتأثيرات اسرائيل وقوى الضغط الموالية لها على القرار السياسي الامريكي، الذي اصبح في كثير من الحالات يجند لصالح خدمة الاهداف الاسرائيلية. وضرب العراق، وبعدها ايران اذا امكن، يحقق هذه الخدمة بامتياز.
هناك عاملان آخران يبرزان فكرة ضرب العراق في وجهة نظر الادارة الامريكية، الاول ان تجربة تغيير النظام الافغاني والقضاء على حركة طالبان لم تحققا النتائج المرجوة، الامر الذي يشكك كثيرا في سر نجاح العملية العسكرية، فالوضع في افغانستان لم يستقر بعد، وسقوط نظام طالبان لم يجلب الاستقرار الى افغانستان، التي تخرج فيها كل يوم اخبار عن تجليات التوتر ومظانه (أحدثها تصاعد حدة الخلاف بين رئيس الوزراء حميد قرضاي وبين القائد الطاجيكي القوي الجنرال محمد فهيم وزير الدفاع).
السبب الثاني هو تردي الاوضاع الاقتصادية داخل الولايات المتحدة، خصوصا بعد اشهار افلاس بعض الشركات العملاقة، التي ثبت بحقها التلاعب والاحتيال في ميزانياتها، الامر الذي ادى الى تدهور اسهمها في البورصة. مما ترتب عليه خسائر هائلة اصابت مئات الآلاف من الامريكيين حملة الاسهم.
ازاء ذلك فثمة شبه اتفاق بين المحللين على ان الرئيس الامريكي وجد في ضرب العراق واسقاط نظامه مخرجا من ازمته متعددة الأوجه، ومن ثم سبيلا إلى استعادة شعبية في مجتمع يقدس القوة وتبهره فكرة (الامبراطورية الامريكية) التي تتسيد العالم، وبوسعها ان تسقط من تشاء وتحيي من تشاء، وهذه الشعبية مطلوبة لكي يكسب الحزب الجمهوري معركة التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، التي تمهد لانتخابات تجديد ولاية الرئيس بوش نفسه بعد سنتين.
صحيح ان بعض العقلاء في الولايات المتحدة يثيرون اسئلة عديدة حول خطط الرئيس بوش بعد اسقاط نظام بغداد، وينبهون إلى ان العراق ليس افغانستان، ولا فرق بين البلدين كبيراً من ألف وجه، وحتى اذا ظن صقور البيت الأبيض ان تجربة افغانستان يمكن تكرارها في العراق، فان نتائج تلك التجربة في كابول ليست مبشرة بأي حال. وهناك عقلاء آخرون ذكروا الرئيس الامريكي بأن اطروحاته بعد 11 سبتمبر اختلفت كلية عن الأطروحات التي تبناها في حملته الانتخابية، ودعا فيها الى دور محدود جدا للولايات المتحدة في الخارج، لكنه انقلب على ذلك الموقف بعد 11 سبتمبر، حيث تبنى رؤية اكثر تطرفاً من رؤية الرئيس الأسبق هاري ترومان بعد الحرب العالمية الثانية.
هذه الاصوات لم تلق صدى يذكر لدى الادارة الامريكية، التي اصمت أذنيها عن كل نقد في الداخل، بل لم تأبه بالتحفظات الاوروبية بصدد الحملة العسكرية ضد العراق، ويبدو ان الاصرار الامريكي اقنع العواصم الاوروبية بأنه لا جدوى من المعارضة أو اسداء النصح. بل ان بعض المحللين اصبحوا لا يستبعدون اشتراك بريطانيا وفرنسا في الحملة العسكرية، لا لانهما مقتنعتان بجدواها، وإنما لانهما تخشيان ان تقوم الولايات المتحدة بالعملية وحدها، تاركة اوروبا مهمشة وخارج اللعبة، وهي التي كانت لاعبا رئيسيا ان لم يكن وحيدا في المنطقة من قبل، وفي ظن بعض السياسيين الاوروبيين ان مشاركة عدد من العواصم الاوروبية في الحملة ـ اذا كان لا بد منها ـ قد يكون من شأنه كبح الجماح الامريكي والحد من تهورها، لان اوروبا المتفرجة لن تستطيع ان تفعل شيئا من الخارج في حين ان اوروبا الشريكة قد تكون اقدر على التأثير وضبط الامور.
وازاء اندفاع القطار الامريكي على ذلك النحو باتجاه اتمام الحملة العسكرية واسقاط نظام بغداد، فانني ازعم ان الولايات المتحدة بهذه الحماقة تسدي اكبر خدمة للرئيس صدام حسين، كما انني ازعم ان العرب هم الطرف الوحيد خارج الولايات المتحدة الذي لا يزال قادرا على وقف الحملة واجبار واشنطن على اعادة النظر في موقفها والتراجع عنه.
وقبل أن أعرض وجهة نظري في هاتين النقطتين ألفت النظر الى انني احد الذين تمنوا ان يختفي النظام العراقي اليوم قبل الغد، ليس وحده، وانما ايضا كل الأنظمة «الصدامية» الاخرى التي أذلت الشعوب العربية، وكرست تخلفها ودمرت مقومات الحياة المدنية فيها، لكنني ما تمنيت ان يتحقق ذلك بواسطة الدبابات والطائرات الامريكية، وأضع نفسي ضمن الصف الاول من المعارضين للحملة العسكرية، التي لا اشك في ان لها اهدافا شريرة اخرى تصب في خدمة اسرائيل ومصالح الهيمنة الامريكية على العالم العربي، وهو ما يدعوني الى القول بأننا لن نستفيد شيئا، عراقيا أو قوميا، اذا استبدلنا بنظام شرير آخر من جنسه، واذا كان النظام الحالي في بغداد قد اذل الشعب العراقي واهدر كرامته، فان الحملة العسكرية الامريكية سيكون من شأنها اذلال الأمة العربية كلها، والتمهيد لاعادة رسم خريطة المنطقة على النحو الذي يستجيب للهوى الامريكي والمصالح الاسرائيلية.
اذا عدت الى تحرير النقطتين اللتين اشرت اليهما توا، مبتدئا بأولاهما، فانني احسب ان العقلاء لا يختلفون على ان الحملة العسكرية الامريكية اذا قدر لها ان تسقط نظام بغداد فانها ستجعل من الرئيس صدام بطلا تاريخيا في كل احواله، وستضاعف من دائرة المؤيدين له والمعجبين به، حيث سيصبح في هذه الحالة رمزا لمظلومية العرب في مواجهة الامريكيين، وسيكون الشهيد الذي اغتالته يد الهيمنة الامريكية الباطشة، والخصم العنيد الذي تآلبت عليه الدول الكبرى، حتى لقي مصير الحسين عليه السلام، ومن ثم فان انهاء نظامه أو حياته سيدخل تاريخ المنطقة بحسبانه «كربلاء جديدة»، بطلها صدام حسين.
فيما يخص النقطة الثانية، فانه ازاء التعبئة المجنونة في الولايات المتحدة، والحرج الذي تستشعره الحكومات الغربية، وربما بعض الحكومات العربية، فان الجماهير العربية تصبح الوحيدة المؤهلة لايقاف الحملة الامريكية والزام الرئيس الامريكي على اعادة النظر في موقفه. كيف؟
اذا خرجت جماهيرنا المليونية في العواصم، العربية ـ ولو في مسيرات صامتة ـ معربة عن احتجاجها ورفضها، أو اعتصم البعض امام السفارات الامريكية في تلك العواصم أو اضربوا عن الطعام وهم يعلنون عن ذلك الرفض، وتمسكوا بألا يغادروا مواقعهم قبل ان يعلن الرئيس الامريكي عن تراجعه وايقاف الحملة. اذا حدث ذلك فانني أجازف بالتأكيد على ان الادارة الامريكية لن تصمد وسوف تستجيب للضغط الشعبي العربي، ولن تجرؤ على مواصلة الحملة.
الشيء الوحيد الذي يقلقني ويحز في نفسي ليس ما يمكن ان يحدث في واشنطن، وانما استحي ان اقول انه ما قد يحدث في عواصمنا العربية، إذ لن يسمح اغلب الانظمة للجماهير بأن تخرج الى الشارع وتمضي في مسيراتها السلمية والاستنكارية صوب السفارات الامريكية.
ان المشكلة الحقيقية ليست في واشنطن، لكنها ـ بالدقة ـ في داخل بيتنا وعمقه، صدق أو لا تصدق!
أضافة تعليق