مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
تقرير جولدستون وعلاقته بالوضع العربي الراهن
تقرير جولدستون وعلاقته
بالوضع العربي الراهن


عبدالباسط الحبيشي

لأول مرة ينتصر الشارع الفلسطيني والعربي في إعادة الأمور إلى نصابها
لينقذ تقرير جولدستون من التيه والضياع للحقوق العربية في الأدراج
المتعفنة لسياسة الأنظمة الرسمية فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على
غزة. ولأول مرة تنتصرفيه الإرادة الشعبية والضغط الشعبي على التواطؤ
والإنبطاح الرسمي وتعيد توجيه المطالبات الحقوقية إلى مساراتها الصحيحة.

هذا التراجع السريع والغير متوقع ، حتى من كبار خبراء السياسية العربية ،
لم يأتي من فراغ كما أنه لم يكن ضربة حظ هبطت من السماء على الشارع
العربي ، بل هو نتاج ردة فعل الشارع العربي من ناحية والتطور في السياسة
الدولية من ناحية أخرى التي ينبغي على الأمة العربية ، المتمثلة بشارعها
العربي الشعبي ونخبها المدنية السياسية والثقافية ، إدراكها وإستيعابها
وإلتقاطها والإستفادة منها في إعادة ترميم وهيكلة البنية السياسية
العربية.

لم تشأ الأنظمة العربية الإستفادة من التحول الحاصل في السياسة الدولية
بل سعت على العكس من ذلك وأستمرأت وضعها الراهن كما عاصرنا في مواقف
كثيرة كان آخرها تقرير جولدستون وذلك لأن رياح هذا التحول جاء على عكس
مصالحها التي تربربت وأزدادت توحشا وتغولاً ضد شعوبها في زمن الرئيس
الأمريكي السابق جورج بوش ، الذي أستحلت العيش تحت ظله وفي رحابه لتستمر
في إبتزاز وسحق هذه الشعوب بعد أن أطمأنت وأستوثقت بوظيفتها
الكومبرادورية التابعة للرأسمال المسروق أو ما يسمى بالنظام العالمي
الجديد.

محمود عباس وسياساته المنهجية المُتسِمة بالإستسلام للعدو الصهيوني لم
يكن إلا تعبيراً وإنعكاساً لمصالح هذه الأنظمة المنسجمة مع طموحات هذا
العدو وبالتالي فإن إضطراره التراجع والإنحناء لتقرير جولدستون
والإستجابة للمصالحة الفلسطينية بكل هذا الإندفاع والإصرار والتنازل لكل
ماجاء في الورقة المصرية والتوقيع عليها سلفاً بما لم يسبق له مثيل ،
هدفه الأول إسعاف محمود عباس نفسه إلى غرفة الإنعاش المصرية قبل أن يفارق
الحياة السياسية. كما أنه إنعكاساً لطأطأة رؤوس الأنظمة العربية وخوفها
من رياح التغيير المفروضة عليها دولياً وليس عملاً وطنياً إرادياً.
وبالمقابل ، حتى لا نُتهم بالمبالغة ،ماحدث يعتبر مؤشر واضح وقوي لوجود
سياسات مختلفة أو على الأقل إستدراكية أو صحوة ضميرإنسانية على الساحة
الدولية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس الشاب باراك
أوباما. الإنكار والمكابرة ضد وجود هذا التطور ، لاسيما من قبل النخب
الثقافية والنشطاء السياسيين العرب خارج الأنظمة العربية ، لا شك أن فيه
كثير من الإجحاف والتكلس السياسي والجهل بالتركيب البنيوي والتاريخ
السياسي والدينى للولايات المتحدة الذي لا يمكن زحزحته في ليلةِ وضُحاها
مالم تكن هناك صحوة وإرادة شعبية قوية كما جاءت في عمليات إنتخاب الرئيس
أوباما ، مما قد يؤدي هذا الجهل إلى ضياع هذه الفرصة الذهبية وعدم
الإستفادة من هذا المنعطف التاريخي الهام الذي لن يجود الزمان بمثله.

إزاحة عباس ومعاونيه من على رأس السلطة الفلسطينية بسبب فضيحة تأجيل
تقرير جولدستون المدوية لابد أن يكون من أولويات العمل العربي الشعبى
المشترك ، الذي سيشكل المنعطف التاريخي الحقيقي ومقياس رختر لنجاح
الإرادة الشعبية الفلسطينية العربية على طريق إعادة ألإمساك بزمام دفة
المحرك السياسي لمصير الأمة العربية ولو بنسبة مبدئية أرجوا أن لا تضيع
هذه المرة ، لأنها الفرصة الأخيرة. أما الجلوس مع عباس على نفس الطاولة
مرةُ أخرى سيعتبر فشل إستراتيجي مرعب وإهانة ماحقة وسيكون مثل العرب كمثل
الذي كشف عن عورته وأعترف بأنه لا يستحق الإحترام ، ولن يجد بعد ذلك من
يقف معه من قوى الخير وأحرار العالم. تقرير جولدستون ليس وراءنا كما
تحاول أن تروج له السلطة الفلسطينية وأعوانها من الأنظمة الرذيلة
والتابعة. لا .... وألف ..لا .... تقرير جولدستون ما يزال أمامنا وينبغي
ان يتخطى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى أن يتم وضعه على
طاولة أوكامبو في المحكمة الجنائية الدولية. لا نتوقع أن تقف معنا
أمريكا أو أوروبا أو فينزويلا أو الصين إذا لم نقف نحن أولاً ونثبت
للعالم أننا جديرين بالدفاع عن أنفسنا. لابد من تنظيم المظاهرات السلمية
والندوات والإعتصامات على مستوى الوطن العربي كله وفي بقية مدن العالم
دون إسترخاء أو هوادة. أعدكم بأنه لن يتم إستخدام الفيتو الأمريكي هذه
المرة إذا تنادينا وتداعينا كشعوب تطالب بالعدالة وبحقوقها المشروعة.
فليكن تقرير جولدستون هو خطوة البداية لخارطة الطريق الصحيحة نحو
الإنعتاق من الظلم والإستبداد والتسلط والديكتاتورية وحكم التوريث.

المصالحة الفلسطينية شئ أساسي لابد منها ، بيد أن منظمة التحرير
الفلسطينية ليست عباس أو دحلان أو فياض الذين أفتضحوا مراراً بتواطئهم مع
العدو الصهيوني. منظمة التحرير الفلسطينية هم المناضلون الشرفاء وأبناء
وأسر الشهداء الفلسطينين الذين ضحوا بأبنائهم ودمائهم في سبيل إستعادة
الإراضي العربية المحتلة وعاصمتها القدس الشريف. هؤلاء من ينبغي الجلوس
معهم لإنجاز المصالحة الفلسطينية وليس غيرهم. المصالحة مع عباس وشلة
الأنس تعني الإستسلام لكل شروط العدو لا سيما في هذه المرحلة الحرجة وفي
ظل هذا الإنفراج الدولي النادر. بقاء الملف الفلسطيني للتعاطي معه من قبل
المخابرات المصرية يعني الإستنقاص والإستهتار والتقزيم والتلاعب بالقضية
العربية الفلسطينية التي ينبغي الإهتمام بها على أعلى مستوى من قبل الدول
العربية والإسلامية جميعها دون أي تلكؤ. التعامل مع الشعب الفلسطيني
بإعتباره شلة من الجواسيس والمارقين وقطاع الطرق لا يجوز بل أنه يضعف من
مشروعيته وقدسيته. والتعاطي مع القضية الفلسطينية بأعتبارها قضية
فلسطينية منفصلة عن محيطها العربي والإسلامي والتعامل معها بمعزل عن
عمقها التاريخي والثقافي والجغرافي يعتبر مؤامرة بإمتياز ترتكبها
الحكومات العربية.

ومثالاً لا حصراً على تآمر الأنظمة العربية على شعوبها ، هاكم الحاكم علي
عبدالله صالح الذي يرتكب أبشع الجرائم ضد الإنسانية في صعدة وفي الجنوب
اليمني ومع ذلك نشهد بأن أوروبا وأمريكا ترفع مساعدتها المالية لسلطته
مما قد يوحي لكل المناهضين لحكمه بان الغرب يقف معه ، وهو لا يتوانى من
إستغلال هذا المفهوم الساذج في التبجح أمام الشعب اليمني بالمساندة
الأوروبية والإقليمية لتوجهاته الإجرامية ، بيد أن الحقيقة هي أن الزيادة
في المساعدات ليست من أجل سواد عينيه ، بل أنها في إطار محاولات دولية
لتخفيف الضغط على المواطن اليمني لتأجيل مرحلة الإنفجار لحرب أهلية طاحنة
ستنسحب تداعياتها على الساحة الإقليمية والدولية قبل أوانها بعد أن تمكن
صالح من تدمير أنسجة المجتمع اليمني والعبث بكل أواصر التلاحم المناطقي
والقبلي والسلالي والطائفي والعنصري والأسري والتخلص من كل العقلاء
والقيادات الوطنية ليُشكل وطن لا يمتلك بديل للحكم غيره سوى الشيطان أو
الطوفان ، ومالم تفيق كل القوى الوطنية والنخب السياسية والثقافية في
اليمن لأخذ المبادرة في قيادة الشارع والنهوض به مجدداً للتخلص من هذه
السلطة الباغية وبناء نظام حكم مؤسسي ديمقراطي يقوم على العدالة
والمساواة بين المواطنين وحفظ الأمن الداخلي بما يساعد على الإستقرار
الإقليمي والدولي فإن الحرب الأهلية الشاملة تلوح في الأفق لا محالة.


تتداعى كل الشعوب العربية والإسلامية مع كل حادثة تمس كرامة أمتها
وتقوم الأنظمة العربية بالقضاء على هذا التداعي والإلتفاف بكل قوة
والتواطؤ مع المجرمين والقتلة تلبية لمآربهم. هاهي ذي الأحداث تتفاقم في
العراق والسودان والصومال واليمن ولبنان فضلاً عن فلسطين. وكأن كل ما
يجري في كل بلد من هذه البلدان وغيرها شأن داخلي معنياً فقط بقوى
الشرالمتسلطة عليها المتمثلة بحاكمها الغير شرعي المغتصب لها وتؤازره في
ذلك سلالة الشرالسعودية مندوبة الشيطان في وطننا العربي والإسلامي الكبير
المهمش المغترب عن تاريخه وجغرافيته وثقافته العربية الأصيلة.
[email protected]
أضافة تعليق