مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
انتصار الإصلاحيين عظيم وخطر!
هويدي 11-6-2001

النصر الذي حققه الرئيس محمد خاتمي في انتخابات الرئاسة الايرانية عظيم وخطر في آن واحد. هو عظيم لأنه تجاوز كل ما كان متوقعاً، حتى عند أكثر المتفائلين والمؤيدين له. بل إن رئيس مكتبه السيد محمد ابطحي، قال لي في بيته قبل 48 ساعة من انتهاء الحملة الانتخابية إن غاية ما يطمح فريق السيد خاتمي عليه هو أن يحصل على ذات النسبة التي توفرت له قبل أربع سنوات (حوالي 70%). وأعرب الرجل عن تخوفه من تراجع نسبة الاقبال على صناديق الانتخاب، أولاً لاقتناع الجميع بأن فوز الرئيس خاتمي مؤكد، وأن معركته سهلة لا تحتاج الى احتشاد كبير من حوله، وثانياً بسبب توقيت موعد اجراء الانتخابات، الذي وقع بين أيام العطلات، الأمر الذي من شأنه أن يدفع كثيرين الى الاسترخاء والتكاسل، ومغادرة المدن الى المنتجعات والمصايف في الشمال. فقد تم التصويت يوم الجمعة 6/8، بينما كانت البلاد في عطلة رسمية يومي الاثنين 6/4 بسبب ذكرى رحيل الامام الخميني، والثلاثاء 6/5 وهي ذكرى وفاة الامام الرضا، وبعده عطلة الجمعة هناك عطلة أخرى يوم الأحد 10/6، بمناسبة ذكرى المولد النبوي. وهناك كثيرون في طهران يتشككون في دوافع تحديد موعد الانتخابات وسط العطلات، ويرون أن تلك الدوافع لم تكن بريئه، وأن الموعد الأصلي كان محدداً قبل ذلك بأسبوعين، ولكن مجلس صيانة الدستور اختار يوم 8/6 متعمداً، بأمل أن يؤدي ذلك الى تراجع نسبة الاقبال على التصويت، ومن ثم الى اضعاف موقف الرئيس خاتمي في ولايتة الثانية. وما كان لذلك الاحتمال أن يطرح الا بعدما توفرت قرائن عدة دلت على أن العناصر المحافظة والتقليدية في المجلس عملت جاهدة على تحقيق ذلك الهدف.
حين يمدد وقت التصويت ثلاث مرات، بحيث تظل لجان التصويت تعمل خمس ساعات اضافية، وحين تتجاوز نسبة التصويت الـ70%، وتقترب من 80%، كما دلت النتائج التي توفرت حتى موعد كتابة هذا المقال (ظهر السبت)، فان ذلك يفوق بامتياز تقديرات فريق الرئيس خاتمي، ناهيك من أنه يدل على أمور ثلاثة أخرى هي:
* ان حملة تشويه سنوات الولاية الأولى للرئيس خاتمي لم تحقق المراد منها، علماً بأن هذه الحملة المنظمة ركزت على عنصرين هما: اتهام خاتمي بالفشل في سياسته الاقتصادية، واتهامه بالضعف وعدم القدرة على اتخاذ القرارات ليس فقط لحسم القضايا المتعلقة بوفائه ببرنامجه الديمقراطي، ولكن أيضاً فيما خص انصاره المقربين الذين اضطر الى التخلص من بعضهم (مهاجراني وزير الثقافة)، بينما قدم آخرون الى المحاكمة، وحكم عليهم بالسجن (عبد الله نوري وزير الداخلية السابق والصحافيون من أنصاره وفي مقدمتهم محمود شمس وأكبر كنجي وعماد باقي). بل ان البعض اتهمه بأنه عجز عن حماية الطلاب الذين قمعتهم الشرطة في العام الماضي، وهم في الصدارة من الجيل الذي أيده بقوة.
* ان الخط الاصلاحي لايزال يحظى بتأييد واسع في الشارع الايراني، رغم أن الخطوات والحقائق التي تمت على أرض الواقع في سنوات الولاية الأولى لم تحقق الكثير. ويكفي في هذا الصدد أن نذكر باغلاق حوالي 40 صحيفة ومجلة، وتدخل القائد (السيد خامنئي) لتقييد حركة مجلس الشورى في صدد تعديلات قانون الصحافة، وبعد ترصد السلطة القضائية للاصلاحيين ومحاكمتهم وسجن بعضهم، ورغم حملة الاعتقالات التي تمت قبل أسابيع من الانتخابات وشملت حوالي 40 من المثقفين والناشطين الاصلاحيين ـ أقول رغم هذه الاحباطات وغيرها فان المساندة الجماهيرية للسياسة الاصلاحية تزايدت، ذلك أن السيد خاتمي وان لم يحقق الكثير على صعيد تغيير الحقائق، الا أن القدر المتيقن انه أحدث انقلاباً كبيراً في الأجواء السائدة بايران، كان من شأنه أن ارتفع كثيراً سقف المناقشة ومستوى الجرأة في التعامل مع كافة الملفات. وهي الأجواء التي استدعت قطاعات عريضة من الجماهير الى ساحة المشاركة السياسية، بعد طول قطيعة وانفصال، ومنحت تلك الجماهير أملاً في امكانية التغيير من خلال صناديق الانتخاب والممارسة الديمقراطية. ولا نستطيع أن نغمط القائد السيد خامنئي حقه في هذا الشق الأخير. ذلك انه ظل متمسكاً بضرورة الحفاظ على نزاهة الانتخابات، حتى وان كانت نتائجها على غير هواه، الأمر الذي عزز من مكانته كمرشد وقائد، ورفع من رصيد تجربة الثورة الاسلامية بطبيعة الحال.
* أما الأمر الثالث الذي دلت عليه النسبة العالية للاقبال على التصويت، والتأييد بعيد المدى الذي حظي به السيد خاتمي، فهو أن الشعب الايراني يتمتع بحس سياسي عال، ثم انه شعب المفاجآت التي تتجاوز التوقعات كلها. فحين تقبل الجماهير بتلك الدرجة على التصويت لصالح السيد خاتمي، رغم ملاحقة الصوت الاصلاحي في الصحف (اغلاق 40 صحيفة ومجلة أكثرها للاصلاحيين، وتجاهل الاذاعة والتلفزيون اللذين يسيطر عليهما المحافظون للعملية الانتخابية، باستثناء الـ13 ساعة التي أعطيت لكل واحد من المرشحين) ـ حين يحدث ذلك فمعناه أن الناس فهموا اللعبة جيداً، ولم تنطل عليهم محاولات المحافظين حصار الاصلاحيين واغلاق صحفهم وقطع ألسنة كتابهم بالقائهم في السجون ومنعهم من ممارسة المهنة. من ناحية أخرى فلا مفر من الاعتراف بأن استطلاعات الرأي جميعها عجزت عن أن ترصد الحجم الحقيقي لتأييد الجماهير للسيد خاتمي. فأكثرها تفاؤلاً اعطاه 65% من الأصوات، والذين تحدثوا عن 70% اعتبروا مسرفين وغير واقعيين. صحيح ان استطلاعات الرأي في كثير من البلدان تعجز عن قياس النبض الحقيقي للجماهير في الانتخابات التشريعية خاصة، لكن هناك عنصراً اضافياً يتوفر للايرانيين ويصِّعب من مهمة القياس، وهي أن المجتمع عادة ما يختزن مشاعره الحقيقية ولا يفصح عنها الا في اللحظة الأخيرة، وأياً كانت الملابسات التاريخية التي شكلت هذا الادراك، فالمشاهد أنه تحول الى عقبة تحول دون تمكين استطلاعات الرأي من اختراق حاجز الحذر والتوجس، ومن ثم قياس الرأي على نحو دقيق في الأمور السياسية خاصة.
قلت ان الانتصار خطر فضلاً عن كونه عظيماً. وسيكون خطراً حقاً اذا ما وظفه الاصلاحيون في الانفراد بالساحة السياسية، وعدم المبالاة أو الاكتراث بالمحافظين. واذا دفعهم الانتصار الى التهوين من شأن المحافظين الذين لا يزالون يهيمنون على مواقع مهمة في مؤسسات الدولة، من مجالس صيانة الدستور والخبراء وتشخيص المصلحة، الى السلطة القضائية، والمؤسسات الاقتصادية الكبيرة، وقيادة الحوزة العلمية في كل من قم ومشهد. وسيتحول الخطر الى كارثة محققة اذا ما وسع الاصلاحيون من نطاق مواجهتهم فتحدوا القائد أو اصطدموا به. وهو الاتجاه الذي يتبناه بعض غلاتهم، من دعاة حرق المراحل، الذين يشجعون مواجهة التحدي بالتحدي، وليس بالعقل والسياسة والموازنة بين الأضرار والمصالح التي ينعكس أثرها على مسيرة الجمهورية الاسلامية ومشروعها.
باختصار فان الخطورة تكمن في تحويل الانتصار الساحق الى ثقة مفرطة تفقد الاصلاحيين قدرتهم على رؤية حقيقة الخريطة السياسية الايرانية، بتضاريسها المعقدة وتوازناتها المفترضة خصوصاً أن ثمة تياراً داخل المربع الاصلاحي يضغط بذلك الاتجاه.
صحيح ان الانتصار وضع السيد خاتمي في موقع أكثر قوة، ومنحه تأييداً شعبياً يفوق أي رمز سياسي آخر في ايران، الا أن تلك القوة اذا وظفت في الاتجاه الصحيح، الذي يفتح الباب للتعاون مع الآخرين، ويحفظ للاصلاحيين خطوط اتصال ايجابية مع القوى الأخرى في المجتمع، من القائد الى عقلاء المحافظين، اذا تم ذلك فان ايران تكون مقبلة على مرحلة من النضج السياسي التي تقدم بحق نموذجاً للحكومة الاسلامية الديمقراطية.
غير أن أخشى ما أخشاه أن يصاب الاصلاحيون بالغرور، وان ترجح كفة الغلاة فيهم، وان يستنفر ذلك غلاة المحافظين الجاهزين للاشتباك و«الجهاد» ضد من يعتبرونهم «اعداء الثورة والاسلام».. مما يؤدي في النهاية الى فتح الباب واسعا لاحتمالات الحرب الأهلية، التي تختلف أساليبها وأدواتها، ولكن نتيجتها معروفة سلفاً، اذ من شأنها أن تحرق الجميع وتزلزل بنيان الجمهورية الاسلامية ذاتها.
ما زلت واثقاً من أن للعقلاء دوراً في ايران لم يستقيلوا منه، ولايزال الأمل معقوداً على دور للسيد علي خامنئي لكي يكون عنصر توازن يحفظ لمسيرة الديمقراطية في ايران التقدم، ويحفظ للنظام الاسلامي هويته وثباته واستمراره. والديمقراطية والاسلام هما الركيزتان اللتان يقوم عليهما مشروع السيد خاتمي من الأساس. وقد أثبتت التجربة أن نجاح ذلك المشروع مرهون بكفاءة القيادة السياسية في الجمع بين عقلاء الاصلاحيين والمحافظين، واشراكهما معاً في ادارة دفة الحكم، والا فان السفينة كلها تصبح معرضة للغرق.
أضافة تعليق