مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ثمن الاندفاع الأمريكي للأمام
هويدي 11-3-2002

اللوثة الأمريكية ضد العرب والمسلمين لم تهدأ، رغم مضي ستة اشهر على فاجعة 11 سبتمبر (أيلول)، وتشير شواهد عدة الى انها مرشحة للازدياد على الاقل حتى تنتهي الادارة الأمريكية من تحقيق هدفها في اسقاط النظام العراقي، والى ان يتم ذلك، ولكي تجرى تغطية الاعداد لتلك الخطوة العبثية، فالمطلوب فيما يبدو استمرار التسخين ومواصلة دق طبول الحرب. ورفع معدلات توجس الشعب الأمريكي ازاء العرب والمسلمين، والتخويف مما يمثلونه من «خطر» وما يعدون له من عمليات «ارهابية» في مختلف انحاء الكرة الارضية، وفي الولايات المتحدة وأوروبا بوجه اخص.
يجري التخويف من «الارهابيين» العرب والمسلمين للحفاظ على وتيرة استنفار الرأي العام وتعبئته، بحسبانه نوعا من الاحتشاد الضروري الذي يتم بالتوازي مع الترتيبات العسكرية التي تجرى في السر والعلن لتحقيق الهدف المنشود. وفي هذه «المياه العكرة» يتنافس الصائدون من المتعصبين والصهاينة، باختلاف مواقعهم ودوافعهم، ويظل العرب والمسلمون هم الضحية التي تدفع الثمن من امنها واستقرارها وكرامتها.
العائدون من الولايات المتحدة في الاونة الاخيرة لاحظوا ان وتيرة الحديث عن الآخرين «الاشرار» متصاعدة بشكل لافت للنظر، حتى انها طالت كثيرين من الاجانب الملونين، لمجرد انهم غير أمريكيين وينتمون في اصولهم الى دول العالم الثالث. قرأت ان امرأة بريطانية آسيوية الأصل تبلغ من العمر خمسين عاما واجهت موقفا من ذلك القبيل، اذ سافرت الى نيويورك لزيارة شقيقتها المصابة بمرض السرطان هناك. وفي المطار اكتشف مسؤولو الهجرة انها كانت قد تجاوزت في زيارة سابقة الفترة التي سمحت تأشيرة الدخول لها بالبقاء في البلاد. وحين سئلت في ذلك أوضحت المرأة للمسؤولين انها بقيت في الولايات المتحدة للعناية بشقيقتها المريضة وطلبت حينها تمديد تأشيرتها، غير ان المسؤولين في المطار اصروا على اعادتها من حيث أتت. وافقت المرأة على ذلك الا انها طلبت ان يسمح لها بالتحدث مع مندوب من السفارة البريطانية في الولايات المتحدة. للدهشة رفض المسؤولون تلبية طلبها لكنهم قالوا لها ان بامكانها الاتصال بالسفارة الباكستانية اذا ارادت ذلك. وحاولت المرأة ان تفسر لهم ان جنسيتها بريطانية وليست باكستانية وانها تعيش في بريطانيا. بدأ المسؤولون عندها التحقيق مع المرأة واستجوابها حول عدد اللغات التي تستطيع التحدث بها والدول التي سكنت فيها في السابق وحطموا الاقفال على حقائب سفرها وفتشوا محتوياتها، ثم اخذوا بصمتها وقيدوها ورافقوها وسط نظرات استغراب المسافرين الآخرين في المطار الى غرفة لتنتظر الطائرة التي اعادتها الى بريطانيا.
في التقرير الذي نشرته حول الموضوع صحيفة «القدس» العربي اللندنية بتاريخ 3/6 ذكرت ان احد الصحافيين البريطانيين العاملين في صحيفة «التايمز» وجد 30 رجلا وامرأة مقيمين في فندق وسط العاصمة الصومالية مقديشو وجميعهم كانوا امريكيين من اصل صومالي. وقد وصل غالبيتهم الى الولايات المتحدة عندما كانوا اطفالا وسكنوا ودرسوا وعملوا في الولايات المتحدة لسنوات طويلة، وفي شهر يناير (كانون الثاني) قامت السلطات الامريكية باعتقالهم من بيوتهم وضربهم وتهديدهم ومنعهم من الاتصال بأهاليهم أو بمحامين. وقبل اسبوعين قامت سلطات الهجرة الامريكية بترحيلهم الى الصومال دون توجيه أي اتهامات لهم أو اعطاء تفسير لتلك الخطوة ولا يزال هؤلاء يمكثون في بلد اصبحوا غرباء فيه من دون مال ولا جوازات سفر ولا عمل ثم انهم لا يعرفون ما اذا كان بامكانهم العودة الى بيوتهم واهاليهم أم لا.
وعقب الصحافي والكاتب البريطاني جورج مونبيوت في صحيفة «ذي جارديان» البريطانية قائلا: جميع هؤلاء هم ضحايا نوع جديد من التصنيف العرقي الذي تطبقه الحكومة الأمريكية رغم نفيها لذلك. واشار في هذا السياق الى ان المدعي العام الأمريكي بعدما امر باستجواب خمسة آلاف شخص من اصول عربية يقيمون بالولايات المتحدة فقد تم احتجاز الف منهم الى زمن غير محدد لمجرد اتهامهم بمخالفة قوانين الهجرة «وهي تهمة لم تكن تستدعي الاحتجاز في أي وقت سابق».
لفت الانتباه الى أن مجلس العلاقات الأمريكية الاسلامية سجل مئات الحالات التي اتهم فيها مؤسسات حكومية بالتمييز ضد مسلمين حيث تم تفتيش نساء مسلمات مع خلع ملابسهن في مطارات أمريكية وتم اعتقال رجال من بيوتهم في منتصف الليل كما لا يتم منحهم نفس الحقوق التي تمنح للمعتقلين الآخرين الذين يتم التحقيق معهم في السجون الأمريكية.
اضاف مونبيوت: في الولايات المتحدة ينظر الى جميع الناس ذوي الأصول العربية أو الآسيوية كمشبوهين ارهابيين. يبدو ان بعض المسؤولين الحكوميين يعتبرونهم مذنبين الى حين تبرئتهم وليس العكس... ليس ذلك وحسب، وانما ذهبت الحكومة الأمريكية الى ابعد، حيث اصبحت تعامل غير البيض وكأن عداءهم للولايات المتحدة كامن في جيناتهم الوراثية.
هذه الرؤية عبر عنها الدكتور ادوارد سعيد في شهادته التي اوردها مؤخرا في صحيفة «الحياة» بتاريخ 3/7، وعبر فيها عن درجة عالية من الاستياء ازاء تصاعد الحملة ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة حين قال «لا اعرف أمريكيا عربيا أو مسلما واحدا لا يشعر بأنه (اصبح) ينتمي الى معسكر «الاعداء». اذ يتيح الوجود في الولايات المتحدة في اللحظة الراهنة ان يلمس على نحو مزعج تماما الاغتراب والعداء واسع الانتشار الموجه الى اهداف محددة. فعلى رغم التصريحات الرسمية التي تصدر بين حين واخر مؤكدة ان الاسلام والمسلمين والعرب ليسوا اعداء الولايات المتحدة يدل كل شيء عدا ذلك الى العكس تماما، فقد جرى التحقيق مع المئات من الشبان العرب والمسلمين، وفي حالات كثيرة احتجزوا من جانب الشرطة او مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي أي) ويتعين عادة على كل من يحمل اسما عربيا أو مسلما ان يقف جانبا ويولي اهتماما خاصا خلال عمليات التفتيش الأمني في المطارات. وافيد عن حالات كثيرة من السلوك التمييزي ضد العرب، حتى ان التحدث باللغة العربية او مجرد قراءة وثيقة عربية في العلن يمكن ان يثير ردود فعل سلبية، كما ان وسائل الاعلام قدمت سيلا من «الخبراء والمعلقين» حول الارهاب والاسلام والعرب، ودأب هؤلاء على ترديد موقف تبسيطي بلغ من العداء والتشويه لتاريخنا ومجتمعنا وتراثنا حدا لم تعد معه وسائل الاعلام سوى احد اسلحة الحرب على الارهاب في أفغانستان واماكن اخرى.
هذا التصعيد بما فيه من تحامل غير مبرر على المسلمين كافة يكشف في جانب كبير منه عن عمق المأزق الذي تواجهه ادارة الرئيس بوش في الوقت الراهن، والذي لا ترى سبيلا لتجاوزه فيما يبدو الا باستمرار توتر الاجواء على ذلك النحو، وشغل الرأي العام بالخطر المحدق، وحكاية ضرب العراق باعتبارها خطوة باتجاه تصفية «محور الشر» الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي.
معالم المأزق تتمثل فيما يلي:
* كون الولايات المتحدة لم تحقق في أفغانستان الانتصار الكاسح الذي تمنته، اذ لا يزال أسامة بن لادن والملا عمر طليقين، ثم ان الاخبار تشير بين الحين والآخر الى ان قوات طالبان والقاعدة تحاول تجميع نفسها لمقاومة النظام الجديد والقوات الاجنبية، والعمليات التي تمت خلال الايام الاخيرة دالة على ذلك ناهيك من ان الصراعات بين قوى التحالف الشمالي ذاتها ما زالت مستمرة، احيانا بين التاجيك والاوزبك واحيانا بين البنشيريين (وهم تاجيك اصلا) وبين غيرهم من قبائل التاجيك الاخرى، ذلك غير الحساسية القائمة اصلا بين البشتون وهم الكتلة السكانية الاكبر، وبين التاجيك الذين هيمنوا على السلطة في كابل.
* ان الرئيس الأمريكي ونائبه تشيني وبعض اعوانهما مهددون بفضيحة شركة «انرون» للطاقة التي دلت التحريات على انها استثمرت علاقات خاصة مع الرئيس بوش وتشيني، ودفعت لهما مبالغ طائلة، قبل انهيارها بسبب الاحتيال والفساد، وقد تولى خبراؤها رسم سياسة الطاقة للادارة الأمريكية في عهدها الجديد، على نحو يخدم مصالحها، وهو الملف المعروض الآن على الكونجرس، ولا يزال موضع شد وجذب بين بعض النواب الذين يطالبون بالاطلاع على تفاصيل اللقاءات مع ممثلي انرون، وبين ادارة الرئيس بوش التي تتمسك بالاحتفاظ بسرية محاضر بعض تلك اللقاءات. وليس من شك ان هذه القضية يمكن ان تؤثر على موقف الرئيس بوش واحتمالات تجديد رئاسته لفترة ثانية، اذا اسفرت التحقيقات عن وجود اية مخالفة قانونية في علاقته ونائبه بشركة انرون.
* يريد الرئيس بوش ان يحقق انجازا كبيرا يدعم موقفه وحزبه الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي تجري في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، خصوصا ان الاوضاع الاقتصادية في البلاد ما زالت على سوئها، كما ان بوش لم يف ببعض الوعود التي كان قد قطعها على نفسه اثناء حملته، التي تعلق بعضها بالبيئة والاوضاع الصحية والاخلاقية.
في مواجهة ملابسات من ذلك القبيل فان ما يمكن ان يسمى بسياسة «الاندفاع الى الامام» التي تحدث عنها وزير الدفاع الأمريكي رونالد رامسفيلد، قد تكون حلا لتجنب مختلف مصادر الحرج ولتحقيق الانجاز المنشود، اذ من شأن تلك السياسة ان تضيف نقاطا الى رصيد الرئيس بوش تعزز موقفه امام الرأي العام خصوصا امام الناخبين خلال الاشهر القادمة. وهذا الاندفاع يقتضي استمرار التسخين في الداخل لتهيئة الرأي العام وتهييجه، ثم العمل على اسقاط نظام بغداد، لتحقيق الانجاز الكبير الذي يحتاجه الرئيس الأمريكي.
وما من شك ان سكون العالم العربي واكتفاءه بموقف المتفرج ازاء السياسات الأمريكية سوف يكون عنصرا مشجعا على المضي في سياسة الاندفاع الى الامام الى نهاياتها التي اصبحت مفتوحة لمختلف الاحتمالات ذلك انها اذا طالت العراق غدا وايران بعد غد، فمن الطبيعي ان تنفتح الشهية الأمريكية لما هو ابعد، ويومئذ قد نعض اصابع الندم مرددين قول من قال: اكلت يوم اكل الثور الابيض!
أضافة تعليق