حركة حماس وسهام العلمانيين المسمومة.
الطاهر إبراهيم -
مع أنه يقف على الضفة الفكرية الأخرى، إلا أني لا أكاد أعثر على مقال للزميل المهندس ’’محمد علي الأتاسي’’ إلا قرأته فورا أو أحتفظ به لأقرأه في أقرب فرصة. فهو ـ في قلة من الكتاب السوريين العلمانيين ـ ما يزال يتتبع ذنوب التيار الإسلامي، بعد أن غادر أكثرهم مواقع الستينيات والسبعينيات حيث كان الخلاف العقائدي على أشده بين الطرفين. ليس هذا فحسب، بل إن مؤتمرات عدة أصبحت الآن تجمع العلمانيين والقوميين والإسلاميين جنبا إلى جنب، بعد أن تأكد للجميع أن الشرق العربي كله مستهدفا، وليس الإسلاميين وحدهم.
كعادته لم يتخلف الأستاذ ’’الأتاسي’’ هذه المرة عن انتقاد الإسلاميين، لكنه طرق قضية قد ملها القارئ من كثرة ما كتب فيها على مدى قرن كامل، وهي الحجاب والسفور عند المرأة المسلمة.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فقد جعل الحجاب محور انتقاده حركة حماس وحكومتها في غزة. وكأن ’’حماس’’ أنهت حصار إسرائيل لها وعدوانها المتكرر على غزة. أو أن حكومة الحكم الذاتي المنقوص في رام الله، أوقفت مناكفاتها لحكومة حماس واعتقالها المتكرر لناشطيها في الضفة الغربية. وما عاد ينقص حماس إلا التفرغ إلى لباس المحاميات أثناء الترافع في القضايا أمام المحاكم، أو الانشغال في نوع لباس الطالبات في مدارس غزة اللاتي لا يجد أهلوهن ثمن ’’الزي’’ المدرسي مع بداية العام الدراسي الحالي.
غير أن ما يجهله الأستاذ ’’الأتاسي’’ أن قضية غطاء وجه المرأة هو في آخر أولويات حركة حماس، لسبب هام هو أن فقهاء الحديث النبوي الشريف ذكروا أن غطاء وجه المرأة لم يثبت فيه حديث صحيح. وبالتالي فقد اعتبر الأمر قضية خلافية.
استطرادا، فقد تبنى قادة حركات الإخوان المسلمين في البلدان العربية هذه النتيجة، وتركوا لإخوانهم الحرية في أن تلتزم نساؤهم وبناتهم بغطاء الوجه أو تتركه. ولأن ’’حماس’’ جزء من الإخوان المسلمين فكريا، فقد وسعها ما وسع باقي إخوانهم في الأقطار العربية. لذا لم يجد قادة ’’حماس’’ عندما صارت إليهم السلطة في ’’غزة’’، أي مشكلة في تغطية وجوه النساء أو كشفها، وقد تكالبت عليهم التحديات من كل حدب وصوب، وليس عندهم متسع لمثل هذه المشكلة.
وكأنه لم يكف حماس أنها غدت مرمى سهلا، بعد أن وقفت أمريكا وأوروبا ومعظم الدول العربية ضدها، فقد قرأنا في أقل من شهر في النهار البيروتية ـ وفي غيرها ـ مقالين للأستاذ ’’محمد علي الأتاسي’’ حاول فيهما أن يجد، من خلال موقف ’’حماس’’ من المرأة وحجابها ثغرة يمكنه النفاذ منها على الإسلاميين بصورة عامة.
ففي مقاله الأول الذي نشر في عدة مواقع، كما نشرته النهار في 5 أغسطس الماضي تحت عنوان: ’’حماس تقاوم … ثقافة العري’’، يؤكد الأستاذ الأتاسي: (إذا كانت حكومة “حماس” تحرص إلى يومنا هذا على تجنب سن القوانين الصريحة التي تفرض الحجاب على نساء غزة، فإنها مع ذلك لم تألُ جهداً للدفع في اتجاه إلغاء أي مظهر من مظاهر السفور داخل المجتمع الغزاوي).
يستطرد الأتاسي بعد ذلك: (ففي مطلع الصيف الحالي، وتحديداً بتاريخ 12/6/2009 أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة الفلسطينية المقالة برئاسة’’إسماعيل هنية’’ حملة دعوية بعنوان “نعم للفضيلة” شملت جميع أرجاء قطاع غزة المحاصر الذي لا يزال يعاني من آثار العدوان الإسرائيلي). ونحن بدورنا نتساءل: أين الخطأ في أن تطلق وزارة الشئون الإسلامية حملة تحت عنوان ’’نعم للفضيلة’’؟ طالما أن حكومة ’’إسماعيل هنية’’ لم تسن قانونا يفرض الحجاب حتى الآن، كما أكد ذلك الأتاسي؟ وهل كان عليها ـ في نظر الأتاسي ـ أن تقول: ’’نعم للرذيلة’’؟ وعلى أي أساس إذن، يخرج علينا الأتاسي باستنتاجاته التي لا يدعمها أي قرار سنته حكومة ’’إسماعيل هنية’’؟ أم لعله شق على قلوب حكومة حماس؟
وفي مقاله آنفا، حشد كل ما يخطر بالبال أن يلصقه بحكومة حماس حول تعليمات زعم أنه تم الطلب إلى من بيده الأمر ـ من دون قرارات ـ أن يدققوا في نظافة المجتمع الغزي من الشوائب، ولكن من دون أن يأتي ’’الأتاسي’’ بقرار واحد أصدرته حكومة ’’هنية’’.
ما جاء في مقال ’’الأتاسي’’ يحدث مثله وأكثر في البلدان العربية. فمنع الاختلاط بين النساء والرجال في الأعراس سمة موجودة في معظم البلاد العربية. حتى في بريطانيا، فإن وزير الزراعة ’’فيتز باتريك’’ في20 أغسطس 2009 خرج من حفل زفاف إسلامي دعي إليه لأن زوجته فصلت عنه وأخذت إلى حفل النساء. وقيل أنه فعل ذلك لأسباب انتخابية مستقبلية.
أما في مقاله الثاني الذي نشرته النهار في 2 سبتمبر تحت عنوان: (غزة: الطرق الملتوية للحجاب)، يؤكد ’’الأتاسي’’ أن ’’حماس’’ تريد فرض الحجاب ولكن من دون أن تسن قوانين.
مع ذلك، فلم يأت بمقولة يقينية تثبت زعمه. فهو يقول في مقدمة مقاله: (تواردت الأخبار المتضاربة من غزة: ’’حماس’’ فرضت الحجاب على الطالبات في غزة! ’’حماس’’ لم تفرض الحجاب على الطالبات في غزة! ’’حماس’’ أنّثت مدارس البنات ونقلت الأساتذة الذكور منها؟ ’’حماس’’ لم تفرغ مدارس الإناث من الأساتذة الرجال! نفى مسئول في وزارة التربية في غزة أن تكون حكومة ’’حماس’’ بصدد فرض الحجاب وتأنيث المدراس، في حين أكد مسئول آخر في الوزارة ذاتها أنها ألزمت الطالبات بارتداء الزي الشرعي مطالبا جميع الطالبات بالتزام الزي الفضفاض).
وفي مكان آخر من المقال يقول الأتاسي: (ورداً على اللغط الذي أثاره تقرير ’’وكالة الصحافة الفرنسية’’ من غزة حول فرض الحجاب على طالبات المدارس، فإن وزارة التربية والتعليم في غزة أصدرت بياناً ’’ملتبساً’’ نفت فيه وجود قرار صريح من قبلها بفرض الحجاب على طالبات الثانوية العام. لكنها أوردت ـ الكلام للأتاسي ـ في الوقت ذاته العبارة الآتية: ’’إن فتيات قطاع غزة لسن بحاجة إلى قرارات تلزمهن بلبس الحجاب والجلباب تحت التهديد، فالمجتمع الفلسطيني بشرائحه كافة مجتمع ملتزم، وإن الالتزام أصل وجزء من عقيدتنا’’).
وتعليقا على ما أوردته وزارة التربية من ’’إن فتيات غزة لسن بحاجة إلى قرارات تلزمهن بلبس الحجاب والجلباب تحت التهديد، فالمجتمع الفلسطيني بشرائحه كافة مجتمع ملتزم’’ نلفت الانتباه إلى أن انتشار الحجاب ليس خاصا في غزة وحدها بل في معظم المدن العربية مثل دمشق وحلب وعمان والقاهرة، وبشكل لافت للنظر.
وإذا كان الجدال مجديا في مثل هذا الموضوع في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، فإنه ما عاد مجديا في العشر الأول من هذا القرن. وكلنا رأينا يوم الجمعة 4 سبتمبر مظاهرة الاحتجاج التي قامت بها طالبات مدرسة في بلجيكا احتجاجا على محاولة إدارة المدرسة إرغامهن على خلع الحجاب. ويبقى أن من حق الأستاذ ’’محمد علي الأتاسي’’ أن يفرض السفور على زوجته أو بناته، هذا إذا قبلن منه ذلك. لكن ليس له أن يحاول ذلك مع تيار ’’الحجاب’’ الكاسح في مجتمعنا العربي.
والنتيجة التي يخرج بها القارئ مما ساقه الأتاسي في مقاله آنفا واقتبسنا بعضا منه، أنه لم يستطع أن يأت فيه بقرار يقيني يؤكد ما جاء في عنوان المقال. وأقصى ما استطاع أن يأتي به بعد أن اضطر لإيراد بيانات حكومة تنفي ما يزعمه، أن يلجأ إلى الاتكاء على توجيهات شفوية، وكلها لا يستطيع المتابع أن يتأكد من صحتها.
ولنفرض جدلا أن نساء غزة ارتدين الحجاب باندفاع ذاتي فأين الخطأ؟ وما ذنب حكومة حماس إذن؟ هناك قضية يعرفها القاصي والداني في شرقنا المسلم، أنه من الصعب بمكان أن يفرض زوج على زوجته الحجاب وهي ترفض ذلك، وغالبا فإن الحياة لا تستمر بشكل طبيعي، وفي أغلب الحالات يتم الانفصال بينهما.
على أننا ننقل هنا من مقال للصحفي ’’ياسر أبو هلالة’’، نشرته صحيفة ’’الغد’’ الأردنية تحت عنوان: ’’الحجاب والعري دينا وثقافة وسياسة’’ في27 أغسطس الماضي قال فيه:(في تحقيق ’’للغد’’ يكشف أن وزارة التربية والتعليم في ’’غزة’’ لم تفرض الحجاب. إلا أن الحملة على حماس مستمرة كما الحصار).
وكم كان ’’ياسر أبو هلالة’’ موفقا في مقاله عندما قال: (القضية أكبر من ’’حماس’’، هي موقف أخلاقي إنساني أن تسمح للناس باختيار نمط حياتهم حجابا أم سفورا، وفرنسا التي تمنع الحجاب مثل السودان الذي يفرضه. إن كان الإسلاميون تطوروا، فإن أدعياء ’’العلمانية’’ ما يزالون جامدين على أيديولوجيا مغلقة لا تعترف بالتنوع وتحتقر الآخر، ولا دليل على ذلك أكثر من صمتهم المريب على الطعنات التي أودت بحياة ’’مروة الشربيني’’ وصراخهم على ’’وَهْم’’ فرض الحجاب في غزة).
*لجينيات
الطاهر إبراهيم -
مع أنه يقف على الضفة الفكرية الأخرى، إلا أني لا أكاد أعثر على مقال للزميل المهندس ’’محمد علي الأتاسي’’ إلا قرأته فورا أو أحتفظ به لأقرأه في أقرب فرصة. فهو ـ في قلة من الكتاب السوريين العلمانيين ـ ما يزال يتتبع ذنوب التيار الإسلامي، بعد أن غادر أكثرهم مواقع الستينيات والسبعينيات حيث كان الخلاف العقائدي على أشده بين الطرفين. ليس هذا فحسب، بل إن مؤتمرات عدة أصبحت الآن تجمع العلمانيين والقوميين والإسلاميين جنبا إلى جنب، بعد أن تأكد للجميع أن الشرق العربي كله مستهدفا، وليس الإسلاميين وحدهم.
كعادته لم يتخلف الأستاذ ’’الأتاسي’’ هذه المرة عن انتقاد الإسلاميين، لكنه طرق قضية قد ملها القارئ من كثرة ما كتب فيها على مدى قرن كامل، وهي الحجاب والسفور عند المرأة المسلمة.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فقد جعل الحجاب محور انتقاده حركة حماس وحكومتها في غزة. وكأن ’’حماس’’ أنهت حصار إسرائيل لها وعدوانها المتكرر على غزة. أو أن حكومة الحكم الذاتي المنقوص في رام الله، أوقفت مناكفاتها لحكومة حماس واعتقالها المتكرر لناشطيها في الضفة الغربية. وما عاد ينقص حماس إلا التفرغ إلى لباس المحاميات أثناء الترافع في القضايا أمام المحاكم، أو الانشغال في نوع لباس الطالبات في مدارس غزة اللاتي لا يجد أهلوهن ثمن ’’الزي’’ المدرسي مع بداية العام الدراسي الحالي.
غير أن ما يجهله الأستاذ ’’الأتاسي’’ أن قضية غطاء وجه المرأة هو في آخر أولويات حركة حماس، لسبب هام هو أن فقهاء الحديث النبوي الشريف ذكروا أن غطاء وجه المرأة لم يثبت فيه حديث صحيح. وبالتالي فقد اعتبر الأمر قضية خلافية.
استطرادا، فقد تبنى قادة حركات الإخوان المسلمين في البلدان العربية هذه النتيجة، وتركوا لإخوانهم الحرية في أن تلتزم نساؤهم وبناتهم بغطاء الوجه أو تتركه. ولأن ’’حماس’’ جزء من الإخوان المسلمين فكريا، فقد وسعها ما وسع باقي إخوانهم في الأقطار العربية. لذا لم يجد قادة ’’حماس’’ عندما صارت إليهم السلطة في ’’غزة’’، أي مشكلة في تغطية وجوه النساء أو كشفها، وقد تكالبت عليهم التحديات من كل حدب وصوب، وليس عندهم متسع لمثل هذه المشكلة.
وكأنه لم يكف حماس أنها غدت مرمى سهلا، بعد أن وقفت أمريكا وأوروبا ومعظم الدول العربية ضدها، فقد قرأنا في أقل من شهر في النهار البيروتية ـ وفي غيرها ـ مقالين للأستاذ ’’محمد علي الأتاسي’’ حاول فيهما أن يجد، من خلال موقف ’’حماس’’ من المرأة وحجابها ثغرة يمكنه النفاذ منها على الإسلاميين بصورة عامة.
ففي مقاله الأول الذي نشر في عدة مواقع، كما نشرته النهار في 5 أغسطس الماضي تحت عنوان: ’’حماس تقاوم … ثقافة العري’’، يؤكد الأستاذ الأتاسي: (إذا كانت حكومة “حماس” تحرص إلى يومنا هذا على تجنب سن القوانين الصريحة التي تفرض الحجاب على نساء غزة، فإنها مع ذلك لم تألُ جهداً للدفع في اتجاه إلغاء أي مظهر من مظاهر السفور داخل المجتمع الغزاوي).
يستطرد الأتاسي بعد ذلك: (ففي مطلع الصيف الحالي، وتحديداً بتاريخ 12/6/2009 أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة الفلسطينية المقالة برئاسة’’إسماعيل هنية’’ حملة دعوية بعنوان “نعم للفضيلة” شملت جميع أرجاء قطاع غزة المحاصر الذي لا يزال يعاني من آثار العدوان الإسرائيلي). ونحن بدورنا نتساءل: أين الخطأ في أن تطلق وزارة الشئون الإسلامية حملة تحت عنوان ’’نعم للفضيلة’’؟ طالما أن حكومة ’’إسماعيل هنية’’ لم تسن قانونا يفرض الحجاب حتى الآن، كما أكد ذلك الأتاسي؟ وهل كان عليها ـ في نظر الأتاسي ـ أن تقول: ’’نعم للرذيلة’’؟ وعلى أي أساس إذن، يخرج علينا الأتاسي باستنتاجاته التي لا يدعمها أي قرار سنته حكومة ’’إسماعيل هنية’’؟ أم لعله شق على قلوب حكومة حماس؟
وفي مقاله آنفا، حشد كل ما يخطر بالبال أن يلصقه بحكومة حماس حول تعليمات زعم أنه تم الطلب إلى من بيده الأمر ـ من دون قرارات ـ أن يدققوا في نظافة المجتمع الغزي من الشوائب، ولكن من دون أن يأتي ’’الأتاسي’’ بقرار واحد أصدرته حكومة ’’هنية’’.
ما جاء في مقال ’’الأتاسي’’ يحدث مثله وأكثر في البلدان العربية. فمنع الاختلاط بين النساء والرجال في الأعراس سمة موجودة في معظم البلاد العربية. حتى في بريطانيا، فإن وزير الزراعة ’’فيتز باتريك’’ في20 أغسطس 2009 خرج من حفل زفاف إسلامي دعي إليه لأن زوجته فصلت عنه وأخذت إلى حفل النساء. وقيل أنه فعل ذلك لأسباب انتخابية مستقبلية.
أما في مقاله الثاني الذي نشرته النهار في 2 سبتمبر تحت عنوان: (غزة: الطرق الملتوية للحجاب)، يؤكد ’’الأتاسي’’ أن ’’حماس’’ تريد فرض الحجاب ولكن من دون أن تسن قوانين.
مع ذلك، فلم يأت بمقولة يقينية تثبت زعمه. فهو يقول في مقدمة مقاله: (تواردت الأخبار المتضاربة من غزة: ’’حماس’’ فرضت الحجاب على الطالبات في غزة! ’’حماس’’ لم تفرض الحجاب على الطالبات في غزة! ’’حماس’’ أنّثت مدارس البنات ونقلت الأساتذة الذكور منها؟ ’’حماس’’ لم تفرغ مدارس الإناث من الأساتذة الرجال! نفى مسئول في وزارة التربية في غزة أن تكون حكومة ’’حماس’’ بصدد فرض الحجاب وتأنيث المدراس، في حين أكد مسئول آخر في الوزارة ذاتها أنها ألزمت الطالبات بارتداء الزي الشرعي مطالبا جميع الطالبات بالتزام الزي الفضفاض).
وفي مكان آخر من المقال يقول الأتاسي: (ورداً على اللغط الذي أثاره تقرير ’’وكالة الصحافة الفرنسية’’ من غزة حول فرض الحجاب على طالبات المدارس، فإن وزارة التربية والتعليم في غزة أصدرت بياناً ’’ملتبساً’’ نفت فيه وجود قرار صريح من قبلها بفرض الحجاب على طالبات الثانوية العام. لكنها أوردت ـ الكلام للأتاسي ـ في الوقت ذاته العبارة الآتية: ’’إن فتيات قطاع غزة لسن بحاجة إلى قرارات تلزمهن بلبس الحجاب والجلباب تحت التهديد، فالمجتمع الفلسطيني بشرائحه كافة مجتمع ملتزم، وإن الالتزام أصل وجزء من عقيدتنا’’).
وتعليقا على ما أوردته وزارة التربية من ’’إن فتيات غزة لسن بحاجة إلى قرارات تلزمهن بلبس الحجاب والجلباب تحت التهديد، فالمجتمع الفلسطيني بشرائحه كافة مجتمع ملتزم’’ نلفت الانتباه إلى أن انتشار الحجاب ليس خاصا في غزة وحدها بل في معظم المدن العربية مثل دمشق وحلب وعمان والقاهرة، وبشكل لافت للنظر.
وإذا كان الجدال مجديا في مثل هذا الموضوع في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، فإنه ما عاد مجديا في العشر الأول من هذا القرن. وكلنا رأينا يوم الجمعة 4 سبتمبر مظاهرة الاحتجاج التي قامت بها طالبات مدرسة في بلجيكا احتجاجا على محاولة إدارة المدرسة إرغامهن على خلع الحجاب. ويبقى أن من حق الأستاذ ’’محمد علي الأتاسي’’ أن يفرض السفور على زوجته أو بناته، هذا إذا قبلن منه ذلك. لكن ليس له أن يحاول ذلك مع تيار ’’الحجاب’’ الكاسح في مجتمعنا العربي.
والنتيجة التي يخرج بها القارئ مما ساقه الأتاسي في مقاله آنفا واقتبسنا بعضا منه، أنه لم يستطع أن يأت فيه بقرار يقيني يؤكد ما جاء في عنوان المقال. وأقصى ما استطاع أن يأتي به بعد أن اضطر لإيراد بيانات حكومة تنفي ما يزعمه، أن يلجأ إلى الاتكاء على توجيهات شفوية، وكلها لا يستطيع المتابع أن يتأكد من صحتها.
ولنفرض جدلا أن نساء غزة ارتدين الحجاب باندفاع ذاتي فأين الخطأ؟ وما ذنب حكومة حماس إذن؟ هناك قضية يعرفها القاصي والداني في شرقنا المسلم، أنه من الصعب بمكان أن يفرض زوج على زوجته الحجاب وهي ترفض ذلك، وغالبا فإن الحياة لا تستمر بشكل طبيعي، وفي أغلب الحالات يتم الانفصال بينهما.
على أننا ننقل هنا من مقال للصحفي ’’ياسر أبو هلالة’’، نشرته صحيفة ’’الغد’’ الأردنية تحت عنوان: ’’الحجاب والعري دينا وثقافة وسياسة’’ في27 أغسطس الماضي قال فيه:(في تحقيق ’’للغد’’ يكشف أن وزارة التربية والتعليم في ’’غزة’’ لم تفرض الحجاب. إلا أن الحملة على حماس مستمرة كما الحصار).
وكم كان ’’ياسر أبو هلالة’’ موفقا في مقاله عندما قال: (القضية أكبر من ’’حماس’’، هي موقف أخلاقي إنساني أن تسمح للناس باختيار نمط حياتهم حجابا أم سفورا، وفرنسا التي تمنع الحجاب مثل السودان الذي يفرضه. إن كان الإسلاميون تطوروا، فإن أدعياء ’’العلمانية’’ ما يزالون جامدين على أيديولوجيا مغلقة لا تعترف بالتنوع وتحتقر الآخر، ولا دليل على ذلك أكثر من صمتهم المريب على الطعنات التي أودت بحياة ’’مروة الشربيني’’ وصراخهم على ’’وَهْم’’ فرض الحجاب في غزة).
*لجينيات