مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
فوضى الإفتاء في العالم الإسلامي تبحث عن حل
هويدي 9-4-2001

بعد فتوى هدم التماثيل في أفغانستان، وفتوى تكفير المطرب الكويتي عبد الله الرويشد والدعوة الى قتله من دون استتابته، نقلت وكالات الانباء اخيرا ان انصار الرئيس الاندونيسي عبد الرحمن واحد يبحثون في امكانية اهدار دم خصومه المتمردين على نظامه، الامر الذي يثير تساؤلا حول كيفية وضع حد لمثل ذلك العبث الفقهي، الذي يلحق اذى لا حدود له بصورة الاسلام والمسلمين في كل مكان.
حيث يدقق المرء في ملابسات تلك الفتاوى يجد ان اطلاقها تأثر باحد عوامل ثلاثة: قلة المعرفة بالدين، أو قلة المعرفة بالواقع، أو التسرع في الحكم، وازعم ان تلك العوامل الثلاثة اجتمعت في حالة الفتوى بهدم التماثيل في افغانستان، حيث لم يدرك من اصدروا تلك الفتوى الفرق بين التماثيل والاصنام، وتجاهلوا خبرة المسلمين في السماح لاصحاب العقائد والملل الاخرى بالتعبد على النحو الذي يرتأونه، في الوقت ذاته فانهم لم يستوعبوا واقع بلادهم الذي استمر فيه الاسلام قرونا طويلة، من دون ان تمس التماثيل بسوء، ولا اعتبروا من تجارب المسلمين الاولين الذين صادفوا التماثيل في مصر والهند وبلاد فارس، وابقوا عليها كما هي، واهم من ذلك انهم افتقدوا القدرة على الموازنة التي ابرزها القرآن الكريم في نهيه المسلمين عن ان يسبوا الاصنام حتى لا يدفع ذلك المشركين الى سب الله سبحانه وتعالى (سورة الانعام الآية 108)، الامر الذي يدفع أي عاقل الى القول بأنه اذا كان السب منهيا عنه، فان هدم الاصنام اولى بالنهي، كذلك فانهم لم يلقوا بالا لصدى تلك الخطوة على مصالح الاقليات الاسلامية في آسيا خاصة.
وبعضها يعيش في مجتمعات بوذية وهندوسية ولا هم احدثوا أية موازنة لترتيب اولويات مسؤولية اعمار بلدهم الذي خربته الحروب. واذ لم يراعوا تلك الاعتبارات ولا درسوا المسألة على مهل، فإنهم تسرعوا ولم يسألوا أو يستشيروا احدا من علماء المسلمين المعتبرين، ناهيك عن المجامع الفقهية الموجودة في العالم الاسلامي.
ولا اعرف ما الذي كان يمكن ان يحدث لولا ان بعضا من علماء السعودية والكويت نفوا ما نسب الى الرويشد، ولم يروا فيما فعله ازدراء ولا سخرية، ومن ثم برئت ساحته من تهمة الزندقة، وهدأت الزوبعة التي استمرت تفاعلاتها مدة اسبوع تقريبا، وعاد الرجل الى بيته الذي ظل فيه تحت الحراسة الامنية كما ذكرت الصحف.
حالة اندونيسيا اشد تعقيدا من حيث انها اسوأ وافدح بكثير، اذا ما تحول الخبر الى فعل وعمل، اذ المعروف ان اندونيسيا منذ سقوط الرئيس سوهارتو تتعرض لاضطرابات متعددة تراوحت بين دعوات الانفصال التي استخدم فيها السلاح، وبين الصراع السياسي الذي تشهده العاصمة منذ تولي الرئيس عبد الرحمن واحد للسلطة في عام 99، خصوصا ازاء عجز الرئيس عن ادائه مهمته بسبب حالته الصحية الصعبة، ونسبة بعض وقائع الفساد اليه وفي مقدمتها فضيحتان ماليتان، وقد دفع ذلك احدى الكتل البرلمانية الرئيسية التي ضمت ممثلين لجمعيات دينية واجتماعية وشخصيات سياسية، الى الاجتماع بالرئيس الاندونيســـي ودعوته الى تقديم الاستقالة، حفظا لماء الوجه بدلا من مواجهة العزل بتهمة الفـــساد، في الوقت ذاته طالب اخرون بأن يتنازل الرئيس عن بعض سلطاته لنائبته ميجاواتي سوكارنو، كحل اخر لاشكاله، لكنه مصر على الاستمرار في منصبه متحديا تلك الدعوات.
في مواجهة الضغوط والتحديات التي واجهت الرئيس، قالت وسائل الاعلام المحلية ان جماعة «نهضة العلماء» التي يعتبر الرئيس واحد زعيمها الروحي، بدأت تدرس خياراتها للتعامل مع الموقف، فقالت صحيفة «جاكرتا بوست» ان أحمد بقجه نائب رئيس الجماعة قال ان بعض الاعضاء طلبوا بحث «الموقف الشرعي» واجب الاتباع في هذه الظروف، وقالت وكالتا رويتر واسوشييتد برس (في4/3) ان مئات من اعضاء «نهضة العلماء» ابدوا استعدادهم للانضمام الى فرق انتحارية تسمى «حركة الشجعان للموت» تقوم بمهمة الدفاع عن الرئيس الاندونيسي وقد وافقت الجمعية على تشكيل تلك الحركة بصورة غير رسمية.
وبينما نسبت الوكالتان الى السيد بقجة قوله ان بعض اركان حركة نهضة العلماء يعتقدون ان المساعي الرامية الى الاطاحة بالرئيس عبد الرحمن واحد بمثابة تمرد على النظام الشرعي، فان نائب الامين العام للحركة مصدوقي بيدلاوي قال ان الشريعة تبيح قتل من يتورطون في التمرد على النظام الشرعي، واضاف: ان دمهم حلال! زعمت ان ما يحدث في اندونيسيا اسوأ مما فعلته طالبان في افغانستان، رغم اشتراك الطرفين في قلة المعرفة بالدين، وقلة المعرفة بالواقع والتسرع في الحكم، لماذا؟
لأنهم في افغانستان يدعون انهم بطبقون الشريعة الاسلامية، واحسبهم مخلصون فيما يفعلون ولكن عدم احاطتهم الواعية بالدين ومقاصده وقلة خبرتهم بالدنيا، يورطهم في اخطاء جسيمة، كانت ومازالت بين اهم عوامل تشويه صورة الاسلام والمسلمين، اما في اندونيسيا فانهم لم يدعوا تطبيق الشريعة، بل ان غالبية النخبة المثقفة هناك تفزع حيثما يشار الى تلك الفكرة، لانهم لقنوا ثقافة اقنعتهم بأن تطبيق الشريعة من شأنه اضطهاد الاقليات واثارتهم، ومن ثم اثارة الفتنة في البلاد والتهديد بتفتيت وحدتها وانفراط عقدها، ليس هذا فحسب، وانما يعد الرئيس واحد نفسه في مقدمة المعارضين والناقدين لفكرة تطبيق الشريعة.
خلاصة ما اعنيه في هذه النقطة ان في افغانستان تطبيقا للشريعة قاصرا وجاهلا احيانا، بينما التلويح بالشريعة في اندونيسيا هو من قبيل الانتهازية، التي بمقتضاها يحاول البعض انتزاع فكرة من الشريعة وتوظيفها لحماية استمرار الرئيس واحد فــي منصبه وهي محاولة تتداخل فيهـــا الانتهــــازية مـــع قلة العلم بالدين. فالنظام في اندونيسيـــا علمــــاني وليس اسلاميا، وحتى اذا كـــان اسلاميـــا، ونصب السيد عبد الرحمن واحد خليفة المسلمين، وكان الرجل سليما معافى، وطـــاهر اليد ونقي السيرة، فان معارضته السياسية لا تعد جريمة، ناهيك من ان تعد خروجا يستوجب اهدار الدم. فالمعارضة السياسية في المفهوم الاسلامي نوع من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتعين على كل مسلم اداؤه ـ في ظل شروط وضوابط معينة ـ يثاب عليه المرء في الاخرة ولا يجرم بسببه في الدنيا، واذا انضاف الى ذلك ان الرئيس عاجز عن اداء مهمته، الامر الذي يفقده شرط «القدرة» وهو اول الشروط الواجب توافرها في الحاكم في المفهوم الاسلامي، ثم انه متهم في فضائح مالية ترجح معها ادانته، فان ذلك يفقده شرطا اخر هو «العدالة» الامر الذي يبرر عزله، وبذلك تكون الدعوة الى عزله هي الاكثر اتساقا مع الموقف الشرعي، ويصبح اتهام معارضيه بالخروج على الامام أو الخليفة(!) والدعوة الى اهدار دمهم من جراء ذلك، عدوانا على الشريعة ينبغي رده وانكاره بكل قوة.
اما حكاية اهدار دم شخص أو اشخاص بسبب معارضتهم للحاكم أو خروجهم عليه فذلك امر لا يعرفه الاسلام، بل ينكره ويحض على نقيضه، وقد قلت توا ان المعارضة السياسية هي من قبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تكليف فهمه علماء المسلمين بحسبانه سبيلا الى رد الظلم ومقاومة المستبدين والفاسدين من الحكام.
واضيف ان الخروج على الحاكم الظالم مقنن في الاسلام، بخلاف ما هو شائع في القوانين الوضعية، وهذا مبحث كبير وفاه حقه الدكتور محمد طه بدوي رحمه الله الذي كان استاذا للعلوم السياسية بجامعة الاسكندرية، في بحث نفيس له حول النظام السياسي الاسلامي، اما اذا كان المقصود باهدار الدم عقوبة «الحرابة» المعروفة في الحدود الاسلامية، فهي لا علاقة لها بالمعارضة السياسية، ولكنها تنصب على الجرائم الجنائية التي تتضمن قطعا للطرق ونهبا لاموال المسلمين وترويعهم باستخدام السلاح.
هذه الفوضى المسكونة بالتخليط والعبث ناشئة الى حد كبير عن غياب المرجعية الاسلامية المعتبرة، القادرة على تحديد المواقف وضبط الاجتهاد على نحو مسؤول، يجنبنا مزالق الاساءة والتشويه للاسلام التي نعاني منها بين الحين والاخر، ولهذا حديث استأذن في تأجيله الى الاسبوع القادم.
أضافة تعليق