حماس بين إسلامية الفكر وليبرالية السياسة
كريم خشبه
هنا تظهر إحدى صور الصراع بين الفكر الإسلامي متمثلاًً في (حماس)، وبين الفكر الغربي متمثلاًً في (القيادات السياسية في الولايات المتحدة وحلفائها من الاتحاد الأوروبي والدولة الصهيونية). وساحة الصراع هي الملعب السياسي الفلسطيني بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص؛ ذلك الفكر الغربي الذي يتحرك وفقاً لما تمليه عليه النظرية الليبرالية في حُكم الدول؛ فوَفقَاً لهذه النظرية تكون الديمقراطية (حكم الشعب) هي السبيل الوحيد للوصول للحكم. أما على الضفة الأخرى؛ فكان الفكر الإسلامي لحماس التي تمتلك رؤية سياسية مغايرة تماماً لتلك الرؤية الغربية؛ فرغم أنها قد وصلت للحكم عَبْرَ الديمقراطية الغربية (أبرز سمات الليبرالية الغربية)؛ إلا أنها قوبلت باستهجانٍ شديدٍ من معظم القوى المحيطة (حركة فتح، الدولة الصهيونية، الأنظمة العربية، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي). فتلك مقدمة نظرية للبِّ الصراع القائم بين حماس المتبنِّية للنظرية الإسلامية في معالجة الداخل الفلسطيني، وبين الغرب (ومؤيديه) المتبني للنظرية الليبرالية. ويكمن الصراع في مدى قابلية الليبرالية كأيديولوجية سياسية لحل الأزمة الفلسطينية، ومدى صِدْق ِالنوايا والأفعال الغربية في تطبيق تلك الليبرالية. وسيبدو ذلك في تحليلي لواقع التعامل مع القطاع وقياداته.
غزة التي تقع تحت الإدارة المباشِرة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ يونيو2007، تُعَد قطاعا يُشهَد له بالصمود على مدار التاريخ الحديث للدولة الفلسطينية.
سيطـــرت حمـــاس على القطـــاع – بصورة مباشــرة – بعدما رُفضت من قِبَل الغرب أن تكون الحكومة الممثلة (للكيان) الفلسطيني، رغم تشكيلها للأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني بعد انتخابات شهد لها الغرب أنفسهم بنزاهتها. إلا أن الغرب - متمثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالأساس، ثم الدولة الصهيونية بالتبعية - أبى إلا أن يضعها في عِداد المنظَّمات الإرهابية المحظور التعامل معها؛ كأنهم (الغرب) يَصِفُون ضمنياً الشعب الفلسطيني بأنه صاحب فكر متطرِّفٍ إرهابي؛ لأنه كان السبب في أن أغلبهم اجتمع على أن تكون حركة إرهابية (حماس) هي ممثلهم الشرعي، غير آخذين في الاعتبار أن الشعب الفلسطيني لم يلجأ إلا للمنهج الغربي الذي يبدو أنه قد ولَّد نتائج غير مرجوَّة.
لعل من أبرز الأسباب التي يبرر بها الغرب (إرهابية) حماس؛ هي كونها تستخدم (العنف ضد الصهاينة)؛ وذلك على أساس أن الصهاينة هم أصحاب النهج السِّلمي لحل قضية الصراع الفلسطيني - الصهيوني.
ومن تلك الكلمات القليلة نستنتج تناقضين عند الغرب:
- أولهما: معايير الغرب المزدوَجة بخصوص «الديمقراطية»، فلو أنهم يسعون بحق لإصلاح الشرق الأوسط والمنطقة العربية لتَقبَّلوا الديمقراطية التي جاءت بحكومة حماس. ولكن يبدو أن حماس – كغيرها من الأنظمة التي جــاءت بـ (الديمقراطية) ورفضها الغرب - كانت لها أجندة تتعارض مع المصالح الغربية بشكل عام والإسرائيلية بشكل خاص.
- ثانيهما: إن كانت حماس تنتهج (العنف) في الصراع، فمن ذا الذي يستخدم السِّلم؟! أهي الولايات المتحدة - صاحبة السنوات الست من الاحتلال في العراق، أم الدولة الصهيونية صاحبة الباع الطويل في الاحتلال للأراضي الإسلامية العربية منذ عام 1948م؟!
نتج عن ذلك، أن الحصار الدولي على الحكومة الشرعية المنتخَبة بدأ (سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً). فاشتد الحصار حتى وصل إلى التآمر (الأمريكي/ الصهيوني) لاقتلاع الحكومة الجديدة من جذورها؛ فتعاونوا في ذلك مع السلطة الفلسطينية متمثلة في محمود عباس (أبو مازن). ورغم أن طَرَفي النــزاع الداخلـي فـي فلسطيــن - فتح وحماس- كادا أن يتوصَّلا لحكومة وحدة وطنية نتيجة لاتفاق مكة، إلا أن أطرافاً خارجية تدخلت لتقويض هذا الاتفاق لِما رأت فيه من تعارضٍ مع مصالحها. فاشتد الخلاف مَرة أخرى بينهما (بين فتح وحماس) لمن تكون السيطرة على السلطات الأمنية، حتى إذا ما سقطت في أيدي فتح بقيادة (محمد دحلان). خشيت حماس أن يكون في ذلك بداية للقضاء على شرعيتها باستخدام القوة، فهُرعت إلى قطاع غزة وأحكمت سيطرتها عليه؛ وهنا بدأت معاناة، بل ثبات غزة وأهلها.
ذلك القطاع - الذي أَجبر شارون من قَبْلُ على الانسحاب؛ رغم أنه كان يَعدُّه ومستـوطنـاته من أهم أهدافـه التوسُّـعية - هو ذاته القطاع الذي أجبر أولمرت وحكومته للتوصل إلى تهدئة مع حكومة حماس. فكان غريباً أن يتحول الصهاينة وأعوانهم من حصارهم الصارم للقطاع – بغية التضييق على أهله لينقلبوا على حكومته، وتفشل الحكومة في سد حاجات وضرورات القطـاع – إلى أن يطلبوا هم (ومصر) وليـس أهل القطاع – هدنةً تمتد إلى 6 شهور، وكأن الذي يعاني لم يكن المحصور، بل المُحاصِر. وسنرى كيف؟
دفعت الأوضاع المزرية في القطاع إلى أن يصبح سجناً كبيراً يفتقد أساسيات الحياة؛ وهو ما أدَّى إلى نتائج لم تكن في حسبان الكيان الصهيوني ولا أيٍّ من دول الجوار ولا حتى الدول العربية كافة.
على الصعيد المصري، اضطُر أهل القطاع إلى التدفق على الحدود المصرية طالبين العون، حتى قاموا بهدم الأسوار الحدودية مقتحمين بذلك الحدود المصرية، وأخذوا يبحثون عن العلاج والغذاء. ولما كانت مصر تقع على حدود غزة فما كان منها إلا أن شعرت بجزء من تلك المعاناة، لمعاناتها هي نفسها من مشاكل أمنية. وقد دفع هذا إلى أن تكون مصر طرفاً في الهدنة التي توصَّل إليها الطرفان (حماس والدولة الصهيونية).
على الصعيد الصهيوني، عانت الحكومة الصهيونية وشعبها[1] من كتائب القسام؛ بسبب أعمالهم الاستشهادية وصـواريخهم التي تلحق بالصهاينة. إضافةً إلى عدم جدوى الأساليب (الصهيونية/ الأمريكية) في إيقاف الدعم المادي أو المعنوي الذي تتلقاه حماس من الخارج سواء أكانت إيران – الـدولة المـارقة وفـقاً للـرؤية الأمريكية – التي تتفق وحماس في التوجه المعادي للصهاينة، والأهداف المشتركة؛ وهي القضاء على الدولة العبرية، أو سورية التي تحتضن بعض القيادات في حماس[2]، أو بعض الدول العربية التي تتبنى مؤتمرات المصالحة (الفلسطينية/ الفلسطينية) أمثال اليمن والسعودية ومصر؛ فهي حكومات وإن كانت تساعد على التخفيف من وطأة الأزمة الفلسطينية إلا أنها تتعامل مع حكومة حماس بحذر لعلاقتها مع الولايات المتحدة أو الدولة العبرية.
فلسطينياً، لم تنجح مساعي حكومة رام الله والسلطة الفلسطينية للتضييق على القطاع وحكومة حماس، نظراً لما ذهب إليه عدد من الفلسطينيين والمنظمات الدولية من تواطؤ حكومة رام الله مع الصهاينة للقضاء على حماس[3].
أما داخل حركة حماس نفسها، فقد تميزت الحركة بالثبات على مواقفها، فقد أيقنت حماس أن السبيل الوحيد للحصول على مكاسب من العدو الصهيوني هو سبيل المقاومة. فقد أثبتت الصراعات (الحروب) مع العدو الصهيوني ذلك؛ فهي لم تنسحب في حرب 73 ولا في حرب لبنان الأخيرة إلا باستخدام خِيار المقاومة؛ لأن اتباع نهج المفاوضات لم يولد إلا أوضاعاً مثل تلك التي في الضفة الغربية.
تمكُّن حماس من توطيد علاقتها بعدد من الدول العربية الكبرى إضافة إلى عدة قوى إقليمية (إيران، وروسيا) جعل لها سنداً ترتكز عليه وقتما تشتد أزمتها.
أيضاً، هناك سبب أخر من ضمن ثبات مبادئ حماس - التى دفعت الصهاينة لقبول التهدئة - هو يقينها باستحالة أن تقوم دولة فلسطينية وفقاً للرؤية الصهيونية - الأمريكية، وأنه أبداً لن تلتقي المتطلبات الأساسية لقيام دولة فلسطينية عند حماس بنظيرتها عند الدولة الصهيونية؛ ذلك لأنــها تُصرُّ علـى (لاءات) أربعــة واستحالة أن تتخلى حماس عن واحدة منهـا؛ وهي: «لا لإيقاف الاستيطان، لا لحق العودة، لا للعودة لحدود 67، لا للقدس».
لذلك، كان الحل الأمثل في الأمد المنظور هوالتوصل إلى تهدئةٍ، يعيد كلاهما ترتيب أوراقهما فيها. فيتمكن قطاع غزة أن يتمتع لبرهة من الزمن بتدفق المعونات والبضائع عليه، وأن تنتعش حركة التجارة شيئاً فشيئاً، وأن تستعد المقاومة لخوض جولةٍ أخرى من الصراع. أما إسرائيل فتعيد النظر في استراتيجيتها للتخلص من حماس وحكومتها، وأن تُفضي نفسها للمسار (السوري/ الصهيوني).
ولكن نقض الصهاينة لهذه التهدئة بدأ بعدة مخالفات ظاهرة – كإعادة الحصار على القطاع – الذي تبعه نقض حماس لها؛ لذلك لا تزال المحاولات جارية لرأب الصدع في علاقة الصهاينة بالقطاع (أو حماس)، والصدع في الداخل الفلسطيني – من خلال الدور المصري – لما في ذلك من تأثير على القطاع.
[1] وفقاً لإحصائية أجريت أن 96% منهم لا يشعرون بالأمن.
[2] أبرزهم (خالد مشعل) رئيس المكتب السياسي لحماس.
[3] من خلال عدة طرق مثل قطعها الرواتب عن 20 ألف موظف بالقطاع، ومنعها حركة الاستيراد والتصدير من وإلى القطاع، إضافة إلى خطة دايتون التي كان للسلطة فيها دور كبير.
.مجلة البيان
كريم خشبه
هنا تظهر إحدى صور الصراع بين الفكر الإسلامي متمثلاًً في (حماس)، وبين الفكر الغربي متمثلاًً في (القيادات السياسية في الولايات المتحدة وحلفائها من الاتحاد الأوروبي والدولة الصهيونية). وساحة الصراع هي الملعب السياسي الفلسطيني بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص؛ ذلك الفكر الغربي الذي يتحرك وفقاً لما تمليه عليه النظرية الليبرالية في حُكم الدول؛ فوَفقَاً لهذه النظرية تكون الديمقراطية (حكم الشعب) هي السبيل الوحيد للوصول للحكم. أما على الضفة الأخرى؛ فكان الفكر الإسلامي لحماس التي تمتلك رؤية سياسية مغايرة تماماً لتلك الرؤية الغربية؛ فرغم أنها قد وصلت للحكم عَبْرَ الديمقراطية الغربية (أبرز سمات الليبرالية الغربية)؛ إلا أنها قوبلت باستهجانٍ شديدٍ من معظم القوى المحيطة (حركة فتح، الدولة الصهيونية، الأنظمة العربية، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي). فتلك مقدمة نظرية للبِّ الصراع القائم بين حماس المتبنِّية للنظرية الإسلامية في معالجة الداخل الفلسطيني، وبين الغرب (ومؤيديه) المتبني للنظرية الليبرالية. ويكمن الصراع في مدى قابلية الليبرالية كأيديولوجية سياسية لحل الأزمة الفلسطينية، ومدى صِدْق ِالنوايا والأفعال الغربية في تطبيق تلك الليبرالية. وسيبدو ذلك في تحليلي لواقع التعامل مع القطاع وقياداته.
غزة التي تقع تحت الإدارة المباشِرة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ يونيو2007، تُعَد قطاعا يُشهَد له بالصمود على مدار التاريخ الحديث للدولة الفلسطينية.
سيطـــرت حمـــاس على القطـــاع – بصورة مباشــرة – بعدما رُفضت من قِبَل الغرب أن تكون الحكومة الممثلة (للكيان) الفلسطيني، رغم تشكيلها للأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني بعد انتخابات شهد لها الغرب أنفسهم بنزاهتها. إلا أن الغرب - متمثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالأساس، ثم الدولة الصهيونية بالتبعية - أبى إلا أن يضعها في عِداد المنظَّمات الإرهابية المحظور التعامل معها؛ كأنهم (الغرب) يَصِفُون ضمنياً الشعب الفلسطيني بأنه صاحب فكر متطرِّفٍ إرهابي؛ لأنه كان السبب في أن أغلبهم اجتمع على أن تكون حركة إرهابية (حماس) هي ممثلهم الشرعي، غير آخذين في الاعتبار أن الشعب الفلسطيني لم يلجأ إلا للمنهج الغربي الذي يبدو أنه قد ولَّد نتائج غير مرجوَّة.
لعل من أبرز الأسباب التي يبرر بها الغرب (إرهابية) حماس؛ هي كونها تستخدم (العنف ضد الصهاينة)؛ وذلك على أساس أن الصهاينة هم أصحاب النهج السِّلمي لحل قضية الصراع الفلسطيني - الصهيوني.
ومن تلك الكلمات القليلة نستنتج تناقضين عند الغرب:
- أولهما: معايير الغرب المزدوَجة بخصوص «الديمقراطية»، فلو أنهم يسعون بحق لإصلاح الشرق الأوسط والمنطقة العربية لتَقبَّلوا الديمقراطية التي جاءت بحكومة حماس. ولكن يبدو أن حماس – كغيرها من الأنظمة التي جــاءت بـ (الديمقراطية) ورفضها الغرب - كانت لها أجندة تتعارض مع المصالح الغربية بشكل عام والإسرائيلية بشكل خاص.
- ثانيهما: إن كانت حماس تنتهج (العنف) في الصراع، فمن ذا الذي يستخدم السِّلم؟! أهي الولايات المتحدة - صاحبة السنوات الست من الاحتلال في العراق، أم الدولة الصهيونية صاحبة الباع الطويل في الاحتلال للأراضي الإسلامية العربية منذ عام 1948م؟!
نتج عن ذلك، أن الحصار الدولي على الحكومة الشرعية المنتخَبة بدأ (سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً). فاشتد الحصار حتى وصل إلى التآمر (الأمريكي/ الصهيوني) لاقتلاع الحكومة الجديدة من جذورها؛ فتعاونوا في ذلك مع السلطة الفلسطينية متمثلة في محمود عباس (أبو مازن). ورغم أن طَرَفي النــزاع الداخلـي فـي فلسطيــن - فتح وحماس- كادا أن يتوصَّلا لحكومة وحدة وطنية نتيجة لاتفاق مكة، إلا أن أطرافاً خارجية تدخلت لتقويض هذا الاتفاق لِما رأت فيه من تعارضٍ مع مصالحها. فاشتد الخلاف مَرة أخرى بينهما (بين فتح وحماس) لمن تكون السيطرة على السلطات الأمنية، حتى إذا ما سقطت في أيدي فتح بقيادة (محمد دحلان). خشيت حماس أن يكون في ذلك بداية للقضاء على شرعيتها باستخدام القوة، فهُرعت إلى قطاع غزة وأحكمت سيطرتها عليه؛ وهنا بدأت معاناة، بل ثبات غزة وأهلها.
ذلك القطاع - الذي أَجبر شارون من قَبْلُ على الانسحاب؛ رغم أنه كان يَعدُّه ومستـوطنـاته من أهم أهدافـه التوسُّـعية - هو ذاته القطاع الذي أجبر أولمرت وحكومته للتوصل إلى تهدئة مع حكومة حماس. فكان غريباً أن يتحول الصهاينة وأعوانهم من حصارهم الصارم للقطاع – بغية التضييق على أهله لينقلبوا على حكومته، وتفشل الحكومة في سد حاجات وضرورات القطـاع – إلى أن يطلبوا هم (ومصر) وليـس أهل القطاع – هدنةً تمتد إلى 6 شهور، وكأن الذي يعاني لم يكن المحصور، بل المُحاصِر. وسنرى كيف؟
دفعت الأوضاع المزرية في القطاع إلى أن يصبح سجناً كبيراً يفتقد أساسيات الحياة؛ وهو ما أدَّى إلى نتائج لم تكن في حسبان الكيان الصهيوني ولا أيٍّ من دول الجوار ولا حتى الدول العربية كافة.
على الصعيد المصري، اضطُر أهل القطاع إلى التدفق على الحدود المصرية طالبين العون، حتى قاموا بهدم الأسوار الحدودية مقتحمين بذلك الحدود المصرية، وأخذوا يبحثون عن العلاج والغذاء. ولما كانت مصر تقع على حدود غزة فما كان منها إلا أن شعرت بجزء من تلك المعاناة، لمعاناتها هي نفسها من مشاكل أمنية. وقد دفع هذا إلى أن تكون مصر طرفاً في الهدنة التي توصَّل إليها الطرفان (حماس والدولة الصهيونية).
على الصعيد الصهيوني، عانت الحكومة الصهيونية وشعبها[1] من كتائب القسام؛ بسبب أعمالهم الاستشهادية وصـواريخهم التي تلحق بالصهاينة. إضافةً إلى عدم جدوى الأساليب (الصهيونية/ الأمريكية) في إيقاف الدعم المادي أو المعنوي الذي تتلقاه حماس من الخارج سواء أكانت إيران – الـدولة المـارقة وفـقاً للـرؤية الأمريكية – التي تتفق وحماس في التوجه المعادي للصهاينة، والأهداف المشتركة؛ وهي القضاء على الدولة العبرية، أو سورية التي تحتضن بعض القيادات في حماس[2]، أو بعض الدول العربية التي تتبنى مؤتمرات المصالحة (الفلسطينية/ الفلسطينية) أمثال اليمن والسعودية ومصر؛ فهي حكومات وإن كانت تساعد على التخفيف من وطأة الأزمة الفلسطينية إلا أنها تتعامل مع حكومة حماس بحذر لعلاقتها مع الولايات المتحدة أو الدولة العبرية.
فلسطينياً، لم تنجح مساعي حكومة رام الله والسلطة الفلسطينية للتضييق على القطاع وحكومة حماس، نظراً لما ذهب إليه عدد من الفلسطينيين والمنظمات الدولية من تواطؤ حكومة رام الله مع الصهاينة للقضاء على حماس[3].
أما داخل حركة حماس نفسها، فقد تميزت الحركة بالثبات على مواقفها، فقد أيقنت حماس أن السبيل الوحيد للحصول على مكاسب من العدو الصهيوني هو سبيل المقاومة. فقد أثبتت الصراعات (الحروب) مع العدو الصهيوني ذلك؛ فهي لم تنسحب في حرب 73 ولا في حرب لبنان الأخيرة إلا باستخدام خِيار المقاومة؛ لأن اتباع نهج المفاوضات لم يولد إلا أوضاعاً مثل تلك التي في الضفة الغربية.
تمكُّن حماس من توطيد علاقتها بعدد من الدول العربية الكبرى إضافة إلى عدة قوى إقليمية (إيران، وروسيا) جعل لها سنداً ترتكز عليه وقتما تشتد أزمتها.
أيضاً، هناك سبب أخر من ضمن ثبات مبادئ حماس - التى دفعت الصهاينة لقبول التهدئة - هو يقينها باستحالة أن تقوم دولة فلسطينية وفقاً للرؤية الصهيونية - الأمريكية، وأنه أبداً لن تلتقي المتطلبات الأساسية لقيام دولة فلسطينية عند حماس بنظيرتها عند الدولة الصهيونية؛ ذلك لأنــها تُصرُّ علـى (لاءات) أربعــة واستحالة أن تتخلى حماس عن واحدة منهـا؛ وهي: «لا لإيقاف الاستيطان، لا لحق العودة، لا للعودة لحدود 67، لا للقدس».
لذلك، كان الحل الأمثل في الأمد المنظور هوالتوصل إلى تهدئةٍ، يعيد كلاهما ترتيب أوراقهما فيها. فيتمكن قطاع غزة أن يتمتع لبرهة من الزمن بتدفق المعونات والبضائع عليه، وأن تنتعش حركة التجارة شيئاً فشيئاً، وأن تستعد المقاومة لخوض جولةٍ أخرى من الصراع. أما إسرائيل فتعيد النظر في استراتيجيتها للتخلص من حماس وحكومتها، وأن تُفضي نفسها للمسار (السوري/ الصهيوني).
ولكن نقض الصهاينة لهذه التهدئة بدأ بعدة مخالفات ظاهرة – كإعادة الحصار على القطاع – الذي تبعه نقض حماس لها؛ لذلك لا تزال المحاولات جارية لرأب الصدع في علاقة الصهاينة بالقطاع (أو حماس)، والصدع في الداخل الفلسطيني – من خلال الدور المصري – لما في ذلك من تأثير على القطاع.
[1] وفقاً لإحصائية أجريت أن 96% منهم لا يشعرون بالأمن.
[2] أبرزهم (خالد مشعل) رئيس المكتب السياسي لحماس.
[3] من خلال عدة طرق مثل قطعها الرواتب عن 20 ألف موظف بالقطاع، ومنعها حركة الاستيراد والتصدير من وإلى القطاع، إضافة إلى خطة دايتون التي كان للسلطة فيها دور كبير.
.مجلة البيان