مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
التكامل فريضة الوقت! ! !
التكامل فريضة الوقت! ! !
بقلم:أبو عبد الرحمن / نبيل عبد المجيد النشمي
[email protected]


إذا كان من نافلة القول أنّ الاختلاف في قدرات وإمكانيات ومواهب الأفراد أمرٌ طبيعي ومُسَلّمة من المُسلَّمَات، ولا غُبار عليها، بَل هي الأصل وخلافها الشاذ، وأن هذا الاختلاف هو طريق القوة ، إذ كل فردٍ يُكمّل نقص الأخر ويقوي ضَعفه، وليس أدل على ذلك من ميدان الصحابة- رضوان الله عليهم – فقد كان مَلِيئا بالمواهب الفردية الفذة لكنها مع اجتماعها وتكاملها أوجدت قوة ومكانة لجماعة ولمجتمع لم يصل إليه جيل من قبل ولا من بعد، فقد استطاع هذا الجيل أن يصل إلى أعلى ما وصل إليه جيل في بُلوغ الكمال، فقد التقتْ المواهب والقدرات العلمية مع العسكرية مع الاجتماعية مع الوجدانية مع الأدبية مع مع ... لِتُشكل قوة واحدة متكاملة .
إذا كان هذا من نافلة القول (وهو الاعتراف بالتخصصات الفردية وتنوع القدرات) فان من فرضيّة القول أنّه في الجماعات أمرٌ طبيعي ومُتوقَع ولا غبار على وجوده أيضا، بل قد يكون السبب والمبرر لوجود الجماعات وتنوعها إذ أن الأصل أن تقوم كل جماعة على ثغرة .
وبناء على هذا وذاك ومما ظهر من أثر تكامل جيل الصحابة فشكّل منهم تلك القوة، فإن قوة الجماعات العاملة في الساحة ومكانتها ووزنها يظهر في تكاملها وتعاونها إذ التخالف داعية وسبب للتكامل لتلتقي في خدمة هدف أو أهداف واحدة .
ولاشك أن هذا الأمر مقبول نظريا إن لم يكن عند الجميع فعند الأغلب والأعم من قيادات ورموز الجماعات الإسلامية – هذا ظننا بهم- لكنّ المحزن والمؤسف في هذا الأمر أنه لم يَظهر ولو بنسبة بسيطة في الواقع العملي، وإن وُجِدَ ففي حالات نادرة وفي صورة فردية لا تُعبّر عن الجماعة ومنهجها .
ولاشك أيضا أن الجماعات تعترف – ولو نظريا – أنها جماعة من جماعات المسلمين وليست جماعة المسلمين الوحيدة ، أو التي لا يجوز الخروج عنها، وهذا أيضا داعي مهم من دواعي التكامل .
وإلى جانب هذا وذاك تبرز بوضوح الحاجة إلى التكامل في مواجهة الهجمة الشّرسة على العمل الإسلامي – أفرادا ومؤسسات- والتي تُوجب التكامل إذ - والواقع يشهد - تَعجز جماعة بمفردها أن تقف في وجه هجمة شاملة على كل الثوابت والخُصوصيات ، ومن جميع الجهات ، إذ أن الهدف لهذه الهجمة هو الإسلام، وليس جماعة بعينها أو جانب من جوانب الإسلام فحسب .
فلما كانت الهجمة شاملة وجب أن يكون التكامل شاملا ويكفي أن يكون هذا داعيا للتكامل ولو كمرحلة، ولا عذر لأحدٍ بأن ينفرد بالدفاع مع ظهور عجزه ونقصه وعدم قدرته إذ هو أصلا يمثل جزءًا من أمة وجزئية من قاموس الإسلام ، ومع أن القول بالحاجة بل بالضرورة للتكامل أمرٌ مُسلمٌ بِهِ في أدبيات ونظريات الجماعات الإسلامية، فالمطلوب إذن أن تنتقل هذه المُسلّمات إلى الميدان والواقع وأن تبدأ الجماعات بالبرامج العملية الواعية الصادقة في تحقيق مبدأ التكامل قبل أن تذهب واحدة تلو الأخرى كسبحة انفرَطَ عِقدُها .
فالجماعات الإسلامية مُطالبة – شرعا وعقلا وواقعا- ولو في هذه المرحلة بالتّحرك الجاد والعمل نحو التكامل الحقيقي ، ولن تُعذر أمام الله أولا، ثم أمام التاريخ ، مهما قدّمت من معاذير ، ومهما بررت برفض الأخر للتكامل فإننا على يقين أن في كل جماعة نماذج صادقة راغبة في التكامل ’’ ومَن يصدق الله يصدقه ’’ وحتى يُؤتي التكامل ثماره ويمكن تطبيقه هناك أمور ينبغي التنبيه عليها،منها:
1- نشر فكر التكامل:
إن تغيير ظاهرة ما يحتاج إلى تغيير المفاهيم أولاً في أذهان وأفكار المجموعة المقصودة بالتغيير، فمَنْ رّبى أفراده ورجاله على أن جماعتهم جماعة تحمل الإسلام وتدعو إليه بشموليته، وأنها لا تحتاج للأخر، بل الأخر قد يكون حجر عثرة في طريقها، وهذا للأسف هو الموجود حالا أو مقالا في واقع الجماعات، مَن رُبّيَ هكذا ليس من السهل نقله إلى الاقتناع بالتكامل، وإن حصل هذا فلن يكون التكامل كاملا، إن لم يكن مُحاطاً بالشك والرّيبة .
وعليه فإن الذي ينبغي البدء به هو نشر فكر ومفهوم التكامل وتعميم ذلك على أفرد بل ومجتمعات الجماعات الإسلامية، والإكثار من الحديث عنه وعن أهميته، وخاصة في مثل هذه المرحلة الحرجة في عمْرِ الأمة والعمل الإسلامي، وقد يكون هذا الأمر مطلوبا وواجباً عينياً على قيادات ورموز العمل الإسلامي الدعوية والتربوية من خلال وضع البرامج والخطط والسعي إلى تنفيذها من أجل نشر وإشاعة مفهوم التكامل .


2- تقديم نماذج صادقة:
هذه قرينة الأولى ومُكَمِّلة لها، فلن تتغيّر المفاهيم بمجرد الطرح النظري، إذ لابد من أمثلة ونماذج تُساند الحقيقة النظرية وتثبت صدقها وصلاحيتها للتطبيق، وهذا هو أبرز ما حصل من جيل الصحابة – رضوان الله عليهم – إذ قامت الدعوة إلى مفاهيم جديدة ووجدت على أرض الواقع أمثلة ونماذج لتلك المفاهيم فكان التغيير قويا وشاملا .
والمطلوب تقديم نماذج صادقة في قضيتنا – التكامل – يظهر بجلاء صدقها في الدعوة إلى التكامل من خلال ممارستها وبرامجها وأعمالها، وسواء كان ذلك على مستوى أفراد الجماعات أو على مستوى برامج الجماعات، فلا داعي لتسييس القضية والمتاجرة بهذه الورقة، وذلك بتبني الدعوة إلى التكامل والدندنة حولها، والوقائع والممار سات أبعد ، بل ضد هذه الدعوة، إذ المرحلة والحالة لا تحتمل أن يتلاعب بمثل هذه الأماني السامية، ولا أظننا في تَرف وفي نُزهة دعوية حتى أننا نستغل هذه الفكرة لاستقطاب أو احتواء الآخرين، بل نخرجها دعوة صادقة بأدلة عملية ونماذج حية.
3 – لا داعي للخوف:
أكثر ما يُخيف البعض أن الأخر يسعى لاحتوائه أو إلغائه أو احتواء بعضا من أفراده، وهذا الشك والحس قد يكون له مبرره مما يظهر من تصرفات فردية وأحيانا جماعية – في مرحلة أو حالة ما – لكن فيما نحن فيه الآن وفى وضعيتنا اليوم أستطيع أن أقول لا داعي للخوف، وذلك لأمرين :
الأول : أن الشعور بالاستقلالية والظهور بها وتشبّع الأفراد بالانتماء ، كلٌ لجماعته ، قد بلغ مرحلة يَصعب – عموما – معها الاندماج أو الاحتواء أو الذوبان، بل يحرص الجميع على أن يبقى كل كما هو .
الثاني: طبيعة المرحلة ونوعية المعركة أكبر من أن نشغل أنفسنا بأن يأكل بعضنا بعضا، فلا وقت – أصلا – للتفكير فى ذلك والغزو الشامل جيوشه ووسائله تطرق غرف نومنا، وإن حصل شيء من ذلك فهو من جهة فردي ، ومن جهة أخرى دليل على أنانية التفكير وسطحية التربية عند أفراد الجماعات الإسلامية، وعلى نفسها جنت براقش ، ويداك أوكتا وفوك نفخ .
وأخيرا: مَن أرد السير فلن يعدم الطريق والوسيلة ، ومن صدَقَ في الحرص على تحقيق التكامل فلن يعدم الرفيق والسبيل إلى ذلك، فعوامل الالتقاء أكبر وأقوى من عوامل الافتراق، فها هي أُمم الشرق والغرب تسعى للتجمعات والاتحادات ليكمل بعضها بعضا، وعوامل الالتقاء عندها أضعف وأقل مما عندنا أمة الإسلام .
وأختم كلامي بكلمة ذهبية وهي أخر كلمة في كتاب ’’ الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر ’’ لمؤلفه الدكتور صلاح الصاوي – حفظه الله تعالى – فقد قال: ( أيّتُها الجماعات الإسلامية‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ! التكامل ، أو عدم الشرعية )، وأرجو أن تُقرأ الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب– على الأقل – فهي حول هذا الموضوع تُدَنْدن ‍‍‍‍! ! ! ! !


أضافة تعليق