هويدي 7-10-2002
تطل علينا هذه الايام كتابات عدة تتبنى خطاب التثبيط والتيئيس واحتقار الذات، الامر الذي يلفت النظر، ويثير تساؤلات عدة عن مغزى اجتماع تلك الكتابات في اللحظة التاريخية الراهنة، التي تشتد فيها الحملة من كل صوب على الأمة العربية والاسلامية، وهو ما لا تفاجأ به وتستغربه ممن يقفون في معسكر «الآخر»، الذي لا يكن لنا درا ولا يتمنى لنا خيرا. ولكن حين تنضم الى الحملة اصوات من داخل البيت العربي والاسلامي، في ذات التوقيت لكي تصب في ذات الوعاء، فان الامر يحتاج الى وقفة، لاثبات الحالة اولا، وللبحث عما وراءها ثانيا.
من الملاحظ ايضا ان ذلك الخطاب تزامن مع تعدد الاصوات والتحليلات الامريكية التي اصبحت تحتل مكانة بارزة بصفة يومية في الصحف العربية، ولا تكف عن بث الدعايات الامريكية والدفاع عن موقف الادارة الامريكية، كأنما اصبحت منابرنا الاعلامية بمثابة منصات استخدمت في قصف الاهداف التي يحددها المخطط الاستراتيجي الامريكي. وقد الفنا في السابق ان تستخدم الدعاية الامريكية ابواقا خاصة تنشئها لهذا الغرض منسوبة اليها ومعروفا للكافة ـ او للنخبة على الاقل ـ انها ناطقة باسمها ـ وقد لا تكون منسوبة اليها صراحة. وانما اطلت علينا من خلال لافتات وعناوين تخفي هويتها الحقيقية، لكنها في كل الاحوال تظل محسوبة على الجهد الاعلامي الامريكي. وهو ما فصّل فيه وكشف النقاب عنه كتاب «الحرب الباردة الثقافية» الذي ألفه فرانسيس سولدز، ونشر في القاهرة مترجما الى العربية هذا العام. هذا ما الفناه وعهدناه، لكن الامر ذهب الى ابعد في الآونة الاخيرة، بحيث اصبحت المنابر العربية توظف ـ للاسف ـ لنقل وجهات النظر والرؤى الأمريكية، حتى ما كان منها مهددا للمصالح العربية او متجنيا عليها.
ولست واثقا، وليس عندي دليل على ان لهذا التطور علاقة بالجهد الأمريكي المكثف الذي اصبح يبذل بعد 11 سبتمبر لاختراق العقل العربي واعادة صياغته، من خلال بث الاخبار والتحليلات المضللة والمغلوطه، أو تلك التي تخدم الاستراتيجية الأمريكية وهي العملية التي تسربت اخبارها الى الصحف في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واضطرت وزارة الدفاع الامريكية الى الاعتراف بالحقيقة، والاعلان عن أن فكرة انشاء مكتب لذلك الغرض قد الغيت (مهمة التضليل الاعلامي اصبحت تقوم بها ادارة واجهزة اخرى). مع ذلك فالقدر المتيقن ان كل هذه القنوات تصب في هدف تشويه الادراك العربي على نحو يخدم المصالح الامريكية بالدرجة الاولى.
وقبل ان اتعرض لتحرير الظاهرة التي تحدثت عنها في البداية، أود تسجيل ثلاث ملاحظات:
ـ الاولى ان تزامن او تتابع تلك الكتابات في المنابر الاعلامية العربية قد يكون محض مصادفة، كان توارد الخواطر هو القاسم المشترك الاعظم بينها.
ـ الثانية انني اذ اسجل تقديرا واحتراما لاصحاب تلك الكتابات، فانني لا استطيع الزعم بأن ما قرأناه في هذا السياق هو جزء من مؤامرة على الادراك العربي، لكنني اكاد اقطع بأن نشرها لا يخدم تصويب ذلك الادراك وتقريره.
ـ الملاحظة الثالثة انني لست في معرض الدفاع عن الوضع العربي العام، وارى ان ظروفنا بائسة من اوجه عديدة وما استنفرني واستفزني ان الكتابات التي اعنيها تذهب بكثير الى ابعد من نقد تلك الاوضاع، اذ فضلا عن الاخطاء الجسيمة التي تشوب تشخيصها للواقع، فانها لا تفعل شيئا اكثر من جلد الذات العربية واشاعة الاحباط واليأس في كل ما هو عربي.
ان ثمة نقدا يبني ويصلح ويسعى الى تجديد الثقة والعافية، وهناك نقد آخر مدمر يستهدف تثبيط الهمم وكسر الارادة، وتيئيس القارئ من كل ما هو موجود، وظني ـ وارجو ان اكون مخطئا ـ ان الكتابات التي اعنيها من ذلك الصنف الاخير.
استطرد من هنا الى ملاحظة اخرى اضافية، وهي ان ملاءمة التوقيت مهمة للغاية في توجيه الخطاب الاعلامي فضلا عن السياسي. اعني ان المواطن العربي في ظروفه الراهنة يحتاج فضلا عن صواب التنوير الى التثبيت والصمود واستنهاض الهمم، وليس الى التفريج وجلد الذات وتثبيط الهمة والشعور بالعار. لست ادعو لا الى السكوت عن الاخطاء ولا الى تبني خطاب الوعظ والارشاد، لكني اتحدث عن نقد شجاع وبناء ومسؤول، يضع في الاعتبار ظروف التلقي والاجواء العامة التي تحيط به، والمصلحة العليا للأمة.
لقد شاع بيننا مؤخرا ما وصفه احد زملائنا بخطاب «هجاء الانتفاضة»، الذي عبر عن الامتعاض والاستياء ازاء العمليات الاستشهادية والاشتباكية التي تمت مع العدو الاسرائيلي، وهو ما آثر البعض ـ وهو ممتعض ـ ان ينتقده بحسبانه من قبيل «عسكرة الانتفاضة» وكأنه كان على الفلسطينيين ان يردوا على الاقتحامات وقتل المدنيين والقصف بطائرات اف 16 والاباتشي باصدار البيانات وتعليقها على الجدران، او بالتلويح باغصان الزيتون وحمائم السلام، والصلاة والصوم من اجل العودة الى مائدة المفاوضات.
انه شيء مخز ومهين حقا، ان يعبر البعض عن ذلك الامتعاض والاستياء، بينما شلال الدم الفلسطيني لا يزال يتدفق بصورة يومية في مدن الارض المحتلة وقراها، وفي حين سقط 2500 شهيد فلسطيني وجرح 39 ألفا بينهم خمسة آلاف اصيبوا باعاقات دائمة.
ان لم يكن اهتماما للذات ولقيمة النضال والاستشهاد فعلى الاقل احتراما للشهداء والمعاقين واهليهم، الذين يظنون انهم قدموا شيئا لوطنهم، ما كان ينبغي ان تتنافس ثلة من عناصر السلطة ورموزها على تدبيج عبارات الهجاء، والتلاعب بالألفاظ لاثبات براءتهم والتعبير عن حسن نواياهم، امام الاسرائيليين والأمريكيين.
لقد تناهت الى اسماعنا خلال السنوات الاخيرة امثال تلك الاصوات في الساحة الفلسطينية وغيرها، لكن الذي جد في فصل الهجاء والامتعاض هو تلك الكتابات التي تنعت الامة كلها بكل نقيصة، ولا ترى في جنس العرب خيرا او املا.
سأتحدث عن بعض وليس كل المقالات التي نشرت في الاطار الذي اتحدث عنه خلال الاسابيع الخمسة الاخيرة فقط، ومن اسف ان الحيز المتاح لا يسمح الا بتلخيص اهم الافكار التي تبنتها وبثتها تلك المقالات، التي كانت كالتالي:
احد الكتاب حاول ان يقنعنا بأن الأمة العربية ليست حقيقة، وانما هي شيء في خيال
الناس وارحامهم، متجاهلا كل ما هو مشترك بين العرب، ومحملا الشعوب مسؤولية الخلافات بين انظمتهم، ومدللا على غياب فكرة الأمة بحجة ان بعض العرب سالم اسرائيل بينما خاصمها اخرون، ولم يذكر ان الشعوب لم تكن لا في هذا ولا ذاك، والخلافات او حتى الصراعات هي بين الانظمة وليس الشعوب.
كاتب آخر تخصص في التعبير عن احتقار الأمة العربية كتب مرة يقول ان كل ما يصدر عن نخبتهم هو مجرد «شخبطة» ـ كلام عبثي وبلا قيمة ـ وعزز كلامه بقوله انه لقي واحدا من المفكرين المنافقين قال له ذات مرة انه لا يستطيع ان يقول شيئا خارج الاجماع الشعبي، ولذلك فلا بد ان يتحدث دائما عن «المؤامرة» (!)، وفي مرة اخرى كتب لنا مقالا سفه فيه كل العرب مدعيا انه ليس فيهم رجل جاد، وانهم جميعا يمارسون ما أسماه «استراتيجية الفهلوة» وما قيل من كلام مسطح جاء علي سبيل التعميم الذي لا يدع الفرصة لأي أمل في الحاضر او المستقبل.
كاتب ثالث قال «ان الشعب العربي حالة نادرة في التاريخ»، وتساءل: هل يدلنا أحدكم على عهود النور في تاريخنا وما أنجزناه منذ ألف عام للبشرية؟ واعتبر ان «المعممين» هم مشكلة الأمة وأصل البلاء فيها، وان على المثقفين ان يستعيدوا الساحة منهم، لأنهم يقودون الشعوب الى نكبة جديدة. هكذا في تبسيط مذهل يدهش المرء ويعقد لسانه، ويدل على تغيب تام للمعرفة بالتاريخ أو بالواقع الذي لا نكاد نرى فيه احدا من المعممين يحكم في العالم الاسلامي أو العربي، باستثناء ايران.
كاتب رابع لم يعجبه ما قاله المخرج الامريكي فرانسيس كوبولا عن حزنه لأن الولايات المتحدة لا تملك معرفة كافية بالحضارة العربية، واصر على أن اللوم الكبير ينبغي ان يوجه الى العرب انفسهم، الذين قصروا في تقديم انفسهم الى الغرب، زاعما في هذا الصدد ان الغربيين ـ حماهم الله! ـ ما قصروا في فهم العالم العربي والاسلامي، ولكن العرب هم الذين خابوا وانصرفوا عن ذلك «الواجب المقدس». ايضا في تبسيط مخل، اعفى الغربيين من كل مسؤولية، وانحى باللائمة على كل العرب.
كاتب خامس شن هجوما على ما أسماه «اليقظة الاسلامية» التي اصر على انها بدأت بحركة طالبان، وبعد أن حدد لها هذه البداية، انهال عليها بالتقريع والتسفيه واتهمها بخدمة مصالح الاستعمار وبأنها قامت بدور يؤدي الي دمار البشرية، ويعد عارا على الانسانية، كما اعتبر ان الفهم الطالباني للاسلام يقدمه للعالم دينا ضد الحرية وضد الانسان، وضد التقدم. وبعد هذه المقدمة الطويلة، طالب الكاتب المسلمين بأن يتخلوا عن ذلك الفهم الطالباني، لكي يصححوا صورتهم امام العالم الخارجي.
حين قرأت هذا الكلام حمدت الله ان الكاتب لم يقل ان الاسلام جاء مع تسلم حركة طالبان للسلطة في كابول عام 1996، وقلت: حين يقول قائل ان اليقظة الاسلامية بدأت بحركة طالبان، فإن ذلك يدفعنا الى الشك في أمور كثيرة، اقلها معلوماته العامة.
تصورت قارئا بريئا وقع على مقالات من هذا القبيل وتأثر او اقتنع بها، ثم لم استطع ان اقاوم سؤالا ألح عليَّ هو: ترى من سلط هؤلاء الكتاب علينا؟
تطل علينا هذه الايام كتابات عدة تتبنى خطاب التثبيط والتيئيس واحتقار الذات، الامر الذي يلفت النظر، ويثير تساؤلات عدة عن مغزى اجتماع تلك الكتابات في اللحظة التاريخية الراهنة، التي تشتد فيها الحملة من كل صوب على الأمة العربية والاسلامية، وهو ما لا تفاجأ به وتستغربه ممن يقفون في معسكر «الآخر»، الذي لا يكن لنا درا ولا يتمنى لنا خيرا. ولكن حين تنضم الى الحملة اصوات من داخل البيت العربي والاسلامي، في ذات التوقيت لكي تصب في ذات الوعاء، فان الامر يحتاج الى وقفة، لاثبات الحالة اولا، وللبحث عما وراءها ثانيا.
من الملاحظ ايضا ان ذلك الخطاب تزامن مع تعدد الاصوات والتحليلات الامريكية التي اصبحت تحتل مكانة بارزة بصفة يومية في الصحف العربية، ولا تكف عن بث الدعايات الامريكية والدفاع عن موقف الادارة الامريكية، كأنما اصبحت منابرنا الاعلامية بمثابة منصات استخدمت في قصف الاهداف التي يحددها المخطط الاستراتيجي الامريكي. وقد الفنا في السابق ان تستخدم الدعاية الامريكية ابواقا خاصة تنشئها لهذا الغرض منسوبة اليها ومعروفا للكافة ـ او للنخبة على الاقل ـ انها ناطقة باسمها ـ وقد لا تكون منسوبة اليها صراحة. وانما اطلت علينا من خلال لافتات وعناوين تخفي هويتها الحقيقية، لكنها في كل الاحوال تظل محسوبة على الجهد الاعلامي الامريكي. وهو ما فصّل فيه وكشف النقاب عنه كتاب «الحرب الباردة الثقافية» الذي ألفه فرانسيس سولدز، ونشر في القاهرة مترجما الى العربية هذا العام. هذا ما الفناه وعهدناه، لكن الامر ذهب الى ابعد في الآونة الاخيرة، بحيث اصبحت المنابر العربية توظف ـ للاسف ـ لنقل وجهات النظر والرؤى الأمريكية، حتى ما كان منها مهددا للمصالح العربية او متجنيا عليها.
ولست واثقا، وليس عندي دليل على ان لهذا التطور علاقة بالجهد الأمريكي المكثف الذي اصبح يبذل بعد 11 سبتمبر لاختراق العقل العربي واعادة صياغته، من خلال بث الاخبار والتحليلات المضللة والمغلوطه، أو تلك التي تخدم الاستراتيجية الأمريكية وهي العملية التي تسربت اخبارها الى الصحف في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واضطرت وزارة الدفاع الامريكية الى الاعتراف بالحقيقة، والاعلان عن أن فكرة انشاء مكتب لذلك الغرض قد الغيت (مهمة التضليل الاعلامي اصبحت تقوم بها ادارة واجهزة اخرى). مع ذلك فالقدر المتيقن ان كل هذه القنوات تصب في هدف تشويه الادراك العربي على نحو يخدم المصالح الامريكية بالدرجة الاولى.
وقبل ان اتعرض لتحرير الظاهرة التي تحدثت عنها في البداية، أود تسجيل ثلاث ملاحظات:
ـ الاولى ان تزامن او تتابع تلك الكتابات في المنابر الاعلامية العربية قد يكون محض مصادفة، كان توارد الخواطر هو القاسم المشترك الاعظم بينها.
ـ الثانية انني اذ اسجل تقديرا واحتراما لاصحاب تلك الكتابات، فانني لا استطيع الزعم بأن ما قرأناه في هذا السياق هو جزء من مؤامرة على الادراك العربي، لكنني اكاد اقطع بأن نشرها لا يخدم تصويب ذلك الادراك وتقريره.
ـ الملاحظة الثالثة انني لست في معرض الدفاع عن الوضع العربي العام، وارى ان ظروفنا بائسة من اوجه عديدة وما استنفرني واستفزني ان الكتابات التي اعنيها تذهب بكثير الى ابعد من نقد تلك الاوضاع، اذ فضلا عن الاخطاء الجسيمة التي تشوب تشخيصها للواقع، فانها لا تفعل شيئا اكثر من جلد الذات العربية واشاعة الاحباط واليأس في كل ما هو عربي.
ان ثمة نقدا يبني ويصلح ويسعى الى تجديد الثقة والعافية، وهناك نقد آخر مدمر يستهدف تثبيط الهمم وكسر الارادة، وتيئيس القارئ من كل ما هو موجود، وظني ـ وارجو ان اكون مخطئا ـ ان الكتابات التي اعنيها من ذلك الصنف الاخير.
استطرد من هنا الى ملاحظة اخرى اضافية، وهي ان ملاءمة التوقيت مهمة للغاية في توجيه الخطاب الاعلامي فضلا عن السياسي. اعني ان المواطن العربي في ظروفه الراهنة يحتاج فضلا عن صواب التنوير الى التثبيت والصمود واستنهاض الهمم، وليس الى التفريج وجلد الذات وتثبيط الهمة والشعور بالعار. لست ادعو لا الى السكوت عن الاخطاء ولا الى تبني خطاب الوعظ والارشاد، لكني اتحدث عن نقد شجاع وبناء ومسؤول، يضع في الاعتبار ظروف التلقي والاجواء العامة التي تحيط به، والمصلحة العليا للأمة.
لقد شاع بيننا مؤخرا ما وصفه احد زملائنا بخطاب «هجاء الانتفاضة»، الذي عبر عن الامتعاض والاستياء ازاء العمليات الاستشهادية والاشتباكية التي تمت مع العدو الاسرائيلي، وهو ما آثر البعض ـ وهو ممتعض ـ ان ينتقده بحسبانه من قبيل «عسكرة الانتفاضة» وكأنه كان على الفلسطينيين ان يردوا على الاقتحامات وقتل المدنيين والقصف بطائرات اف 16 والاباتشي باصدار البيانات وتعليقها على الجدران، او بالتلويح باغصان الزيتون وحمائم السلام، والصلاة والصوم من اجل العودة الى مائدة المفاوضات.
انه شيء مخز ومهين حقا، ان يعبر البعض عن ذلك الامتعاض والاستياء، بينما شلال الدم الفلسطيني لا يزال يتدفق بصورة يومية في مدن الارض المحتلة وقراها، وفي حين سقط 2500 شهيد فلسطيني وجرح 39 ألفا بينهم خمسة آلاف اصيبوا باعاقات دائمة.
ان لم يكن اهتماما للذات ولقيمة النضال والاستشهاد فعلى الاقل احتراما للشهداء والمعاقين واهليهم، الذين يظنون انهم قدموا شيئا لوطنهم، ما كان ينبغي ان تتنافس ثلة من عناصر السلطة ورموزها على تدبيج عبارات الهجاء، والتلاعب بالألفاظ لاثبات براءتهم والتعبير عن حسن نواياهم، امام الاسرائيليين والأمريكيين.
لقد تناهت الى اسماعنا خلال السنوات الاخيرة امثال تلك الاصوات في الساحة الفلسطينية وغيرها، لكن الذي جد في فصل الهجاء والامتعاض هو تلك الكتابات التي تنعت الامة كلها بكل نقيصة، ولا ترى في جنس العرب خيرا او املا.
سأتحدث عن بعض وليس كل المقالات التي نشرت في الاطار الذي اتحدث عنه خلال الاسابيع الخمسة الاخيرة فقط، ومن اسف ان الحيز المتاح لا يسمح الا بتلخيص اهم الافكار التي تبنتها وبثتها تلك المقالات، التي كانت كالتالي:
احد الكتاب حاول ان يقنعنا بأن الأمة العربية ليست حقيقة، وانما هي شيء في خيال
الناس وارحامهم، متجاهلا كل ما هو مشترك بين العرب، ومحملا الشعوب مسؤولية الخلافات بين انظمتهم، ومدللا على غياب فكرة الأمة بحجة ان بعض العرب سالم اسرائيل بينما خاصمها اخرون، ولم يذكر ان الشعوب لم تكن لا في هذا ولا ذاك، والخلافات او حتى الصراعات هي بين الانظمة وليس الشعوب.
كاتب آخر تخصص في التعبير عن احتقار الأمة العربية كتب مرة يقول ان كل ما يصدر عن نخبتهم هو مجرد «شخبطة» ـ كلام عبثي وبلا قيمة ـ وعزز كلامه بقوله انه لقي واحدا من المفكرين المنافقين قال له ذات مرة انه لا يستطيع ان يقول شيئا خارج الاجماع الشعبي، ولذلك فلا بد ان يتحدث دائما عن «المؤامرة» (!)، وفي مرة اخرى كتب لنا مقالا سفه فيه كل العرب مدعيا انه ليس فيهم رجل جاد، وانهم جميعا يمارسون ما أسماه «استراتيجية الفهلوة» وما قيل من كلام مسطح جاء علي سبيل التعميم الذي لا يدع الفرصة لأي أمل في الحاضر او المستقبل.
كاتب ثالث قال «ان الشعب العربي حالة نادرة في التاريخ»، وتساءل: هل يدلنا أحدكم على عهود النور في تاريخنا وما أنجزناه منذ ألف عام للبشرية؟ واعتبر ان «المعممين» هم مشكلة الأمة وأصل البلاء فيها، وان على المثقفين ان يستعيدوا الساحة منهم، لأنهم يقودون الشعوب الى نكبة جديدة. هكذا في تبسيط مذهل يدهش المرء ويعقد لسانه، ويدل على تغيب تام للمعرفة بالتاريخ أو بالواقع الذي لا نكاد نرى فيه احدا من المعممين يحكم في العالم الاسلامي أو العربي، باستثناء ايران.
كاتب رابع لم يعجبه ما قاله المخرج الامريكي فرانسيس كوبولا عن حزنه لأن الولايات المتحدة لا تملك معرفة كافية بالحضارة العربية، واصر على أن اللوم الكبير ينبغي ان يوجه الى العرب انفسهم، الذين قصروا في تقديم انفسهم الى الغرب، زاعما في هذا الصدد ان الغربيين ـ حماهم الله! ـ ما قصروا في فهم العالم العربي والاسلامي، ولكن العرب هم الذين خابوا وانصرفوا عن ذلك «الواجب المقدس». ايضا في تبسيط مخل، اعفى الغربيين من كل مسؤولية، وانحى باللائمة على كل العرب.
كاتب خامس شن هجوما على ما أسماه «اليقظة الاسلامية» التي اصر على انها بدأت بحركة طالبان، وبعد أن حدد لها هذه البداية، انهال عليها بالتقريع والتسفيه واتهمها بخدمة مصالح الاستعمار وبأنها قامت بدور يؤدي الي دمار البشرية، ويعد عارا على الانسانية، كما اعتبر ان الفهم الطالباني للاسلام يقدمه للعالم دينا ضد الحرية وضد الانسان، وضد التقدم. وبعد هذه المقدمة الطويلة، طالب الكاتب المسلمين بأن يتخلوا عن ذلك الفهم الطالباني، لكي يصححوا صورتهم امام العالم الخارجي.
حين قرأت هذا الكلام حمدت الله ان الكاتب لم يقل ان الاسلام جاء مع تسلم حركة طالبان للسلطة في كابول عام 1996، وقلت: حين يقول قائل ان اليقظة الاسلامية بدأت بحركة طالبان، فإن ذلك يدفعنا الى الشك في أمور كثيرة، اقلها معلوماته العامة.
تصورت قارئا بريئا وقع على مقالات من هذا القبيل وتأثر او اقتنع بها، ثم لم استطع ان اقاوم سؤالا ألح عليَّ هو: ترى من سلط هؤلاء الكتاب علينا؟