هويدي 6-5-2002
وسط أجواء الاحباط المخيمة على العالم العربي، يلمح المرء ضوءاً آتياً من فرنسا، يبعث فينا بعض الأمل في قدرة المسلمين على التأثير، ونجاحهم في تحدي مراكز القوى الصهيونية. ذلك أن الهزيمة التي ألحقها المسلمون الفرنسيون بـ«اللوبي» الصهيوني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ـ التي تحسم نهائياً اليوم ـ تذكرنا بتلك الهزيمة التي أنزلها «حزب الله» بالجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان. اذ القاسم المشترك بين الهزيمتين ـ رغم الاختلاف بينها في الدرجة ـ انهما اتسمتا بقدر ملحوظ من التصميم والعزم من جانب المسلمين، ثم انهما ظهرتا في الأفق من حيث لا نحتسب! ليس عندي تفسير لتجاهل الاعلام العربي وممثليه في العاصمة الفرنسية للانجاز الذي حققه المسلمون في تلك الجولة من الانتخابات التي تقدم الصفوف بين مرشحيها الثلاثي شيراك وجوسبان ولوبان. ويبدو أن مفاجأة فوز المرشح اليميني العنصري لوبان على الاشتراكي جوسبان، التي اعتبرتها الصحف الفرنسية والأوروبية بمثابة «زلزال» ضرب الحياة السياسية في فرنسا، هذه المفاجأة أذهلت الجميع عما عداها من خلفيات المعركة الانتخابية، الأمر الذي صرف انتباه المراسلين العرب عن حقيقة الدور الذي لعبه المسلمون في اسقاط جوسبان على ذلك النحو المهين، الذي دفعه الى الانسحاب من الحياة السياسية تماماً.
لقد كانت كل التوقعات، بما في ذلك استطلاعات الرأي العام، تشير الى أن المنافسة الحقيقية ستكون بين شيراك الديجولي اليميني المعتدل، وبين جوسبان الاشتراكي واليساري، الأمر الذي أوقع المسلمين في بعض الحيرة، لأنهم اعتبروا أن الوضع الأفضل لهم أن تظل رئاسة الجمهورية ديجولية، لموقفها المتوازن نسبياً من القضية الفلسطينية والعالم العربي، بينما تظل رئاسة الحكومة اشتراكية يسارية، لأنها قدمت الكثير من التيسيرات للمهاجرين والمقيمين العرب والمسلمين، سواء في ما خص الاقامة والتجنيس، أو المساعدات التي يقدمها صندوق العائلات، أو حتى اجازة رخص بناء المساجد والمراكز الاسلامية. وبعد أن عانى المسلمون كثيرا من وزير الداخلية الديجولي الأسبق شارل باسكوا، فانهم استشعروا انفراجاً وارتياحاً في تعاملهم مع وزير الحكومة الاشتراكية الحالي. غير أن المسلمين واجهتهم مشكلة معقدة تمثلت في انحياز جوسبان الى جانب اسرائيل، على نحو دفعه الى اتهام مناضلي حزب الله بممارسة الارهاب. وهو مسلك اثار ضده غضب الفلسطينيين ودفعهم الى التظاهر ضده أثناء زيارته لرام الله قبل أكثر من عام. ليس ذلك فحسب، وانما شكل جوسبان مع ثلاثة من وزراء حكومته اليهود ما وصفته قيادات الجالية الاسلامية بـ«عصابة الأربعة»، التي شكلت سنداً قوياً لاسرائيل، اثار غضب المسلمين واستياءهم.
والوزراء الثلاثة هم ستروسكان وزير المالية، ولوران فابيوس وزير الاقتصاد ورئيس الوزراء الأسبق، وجاك لانج وزير التعليم. وزوجتا الوزيرين الأولين هما اللتان قادتا الدعوة في فرنسا الى مساندة الجيش الاسرائيلي.
كان ذلك الموقف المنحاز لاسرائيل السبب الرئيسي الذي دفع الجالية الاسلامية الى اختيار موقف الامتناع عن التصويت له، والعمل على اسقاطه. وكانت تلك هي الرسالة التي جرى تعميمها على تجمعات المسلمين في أنحاء فرنسا، وفي المقدمة منها الأماكن التي يقيمون فيها صلواتهم (1700 محل) اضافة الى المساجد بطبيعة الحال (20 مسجداً) وذهب بعض أئمة المساجد الى حد الفتوى بعدم جواز التصويت للرجل الذي يناصر الاسرائيليين ويؤيد ممارساتهم الوحشية تجاه الفلسطينيين.
الملاحظة المهمة في هذا الصدد أن مسلمي فرنسا وهم يحجبون أصواتهم عن جوسبان اختاروا أن يضحوا بالمصالح والمكتسبات التي وفرها الاشتراكيون لهم، وقدموا ما اعتبروه نصرة للقضية الفلسطينية ومصالح الأمة العربية والاسلامية، واذ اعتبروا أن مواقف الرئيس شيراك أفضل بوجه عام من سياسة جوسبان، فان نسبة غير قليلة منهم صوتت لصالح شيراك، وان ظل الموقف الأساسي هو عدم التصويت لجوسبان، واسقاطه ما أمكن، ثم اعطاء الأصوات بعد ذلك لأي مرشح آخر عداه، بكلام آخر، فان الرسالة التي عممت على المراكز كانت تدعو الى عدم التصويت لجوسبان (كان رفض لوبان أمراً مفروغاً منه)، ولم تكن تحدد لمن يفضل أن تعطى الأصوات.
عند فرز الأصوات تبين أن 25% من المسلمين صوتوا لصالح الرئيس شيراك، والباقون توزعوا على مرشحين آخرين، وان كان مرشح حزب «الخضر» نوئيل مامير قد حصل على نسبة معتبرة أيضاً من أصوات المسلمين، شجعهم على ذلك ان الرجل من مناصري القضية الفلسطينية، وكان دائم التواجد في صدارة المظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في باريس ضد الاجتياح الاسرائيلي للضفة الغربية، كما أن أحد الأعضاء البارزين في الحزب كان ضمن المجموعة التي سافرت الى رام الله معربة عن تضامنها مع الرئيس عرفات في محبسه.
لأسباب مفهومة فان القوى المؤيدة لاسرائيل القت بكل ثقلها الى جانب جوسبان، باعتباره المرشح الأفضل لخدمة المصالح الاسرائيلية. واذ نشط المسلمون في الدعوة الى مقاطعته، بينما عبأ الموالون لاسرائيل تجمعاتهم واستنفروها لتأييده، فان المعركة التي كانت في ظاهرها بين شيراك وجوسبان، أصبحت في أحد أبعادها صراعاً بين الجالية الاسلامية واللوبي الصهيوني. ولذلك فان سقوط جوسبان اعتبر انتصاراً للجالية الاسلامية، وانتكاسة قوية لنفوذ اللوبي الصهيوني. وهو أمر له تداعياته المهمة في الأوساط السياسية الفرنسية، التي أصبحت تتعامل مع الصوت الاسلامي باعتباره ورقة ترجيح ينبغي الحرص عليها وعدم التفريط فيها.
هذا التطور ليس جديداً تماماً، وانما الجديد فيه هو تأثيره على الانتخابات الرئاسية على ذلك النحو الملحوظ لأول مرة. ذلك أن السنوات الأخيرة شهدت تنامياً في دور الجالية الاسلامية التي يبلغ تعددها ستة ملايين نسمة، منهم عدد يتراوح بين مليون و800 ألف، ومليونين لهم حق التصويت. وهذه الجالية يمثلها الآن حوالي 600 مستشار للبلديات (بين نصف مليون) كما أن البرلمان الأوروبي الذي يضم 87 نائباً فرنسياً، من بين أعضائه خمسة مسلمين. والاستعدادات تجرى الآن على قدم وساق في مختلف الأحزاب الفرنسية لوضع قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية التي يفترض أن تجرى في أوائل شهر يونيو (حزيران) المقبل. ولهذا السبب فان اتصالات الأحزاب مع الجالية الاسلامية مستمرة لوضع بعض المسلمين على قوائمها لتحقيق هدفين، أولهما كسب أصوات أبناء الجالية، وثانيهما التأكيد على اعتدال الحزب ورفضه للموقف العنصري الذي تعبر عنه بعض الأحزاب اليمينية. ويأمل المسلمون في أن ينجح عشرة منهم في دخول الجمعية الوطنية (البرلمان) في تلك الانتخابات.
شهدت في الأسبوع الماضي احدى جلسات منتدى الاعلام في دبي، وسمعت أحد المتحدثين وهو ينتقد العرب والمسلمين المقيمين في الغرب، وينسب اليهم العزلة والتقوقع والعيش في داخل «جيتوهات» أقاموها لأنفسهم في داخل تلك المجتمعات. وكان تقديري أن هذا الكلام فيه الكثير من المبالغة، فضلاً عن التعميم الظالم. لأن هناك تنامياً ملحوظاً في حضور المسلمين الحاملين لجنسيات تلك الدول في المجالات العامة. وقد ادرك أغلبيتهم أهميته بعدما جرى في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حين وجدت تلك الجاليات انها أصبحت هدفاً للاتهام والتحامل، وانتبهت الى أن مشاركتها وقوتها الانتخابية يمكن أن تشكل بعض الدروع التي يحتمون بها لصد الهجمات والدفاع عن الحقوق. صحيح ان ذلك الحضور لم يأخذ شكله المرجو بعد، لأنه في بداياته النسبية، لكنه أثبت وجوده في الولايات المتحدة وفي العديد من الدول الأوروبية، ونموذج فرنسا بين أيدينا شاهد على ذلك. ودون أن أبالغ، فانني أزعم أن حضور الجاليات الاسلامية في المحيط السياسي لتلك البلدان يظل أفضل كثيراً من حضور الدول العربية والاسلامية ذاتها، التي هي شبه غائبة عن ذلك المحيط. كان ما سمعت نوعاً من جلد الذات الذي يستعذبه البعض، في أنكار غير مبرر لجهود الآخرين، أو بسبب القصور في متابعة مايجري من تطورات في أوساط الجاليات الاسلامية بالغرب، في حين يبذل المسلمون جهوداً محمودة للمشاركة في الحياة العامة، حيث يدافعون بذلك عن أنفسهم، وعنا اذا لزم الأمر. واحسب انهم ليسوا بحاجة لأن نساعدهم، وربما كان غاية ما يريدونه منا الا نتدخل في شؤونهم، وأن نكف عن انتقادهم والانتقاص من جهودهم، هذا اذا بخلنا عليهم بعبارات التشجيع والتقدير.
وسط أجواء الاحباط المخيمة على العالم العربي، يلمح المرء ضوءاً آتياً من فرنسا، يبعث فينا بعض الأمل في قدرة المسلمين على التأثير، ونجاحهم في تحدي مراكز القوى الصهيونية. ذلك أن الهزيمة التي ألحقها المسلمون الفرنسيون بـ«اللوبي» الصهيوني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ـ التي تحسم نهائياً اليوم ـ تذكرنا بتلك الهزيمة التي أنزلها «حزب الله» بالجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان. اذ القاسم المشترك بين الهزيمتين ـ رغم الاختلاف بينها في الدرجة ـ انهما اتسمتا بقدر ملحوظ من التصميم والعزم من جانب المسلمين، ثم انهما ظهرتا في الأفق من حيث لا نحتسب! ليس عندي تفسير لتجاهل الاعلام العربي وممثليه في العاصمة الفرنسية للانجاز الذي حققه المسلمون في تلك الجولة من الانتخابات التي تقدم الصفوف بين مرشحيها الثلاثي شيراك وجوسبان ولوبان. ويبدو أن مفاجأة فوز المرشح اليميني العنصري لوبان على الاشتراكي جوسبان، التي اعتبرتها الصحف الفرنسية والأوروبية بمثابة «زلزال» ضرب الحياة السياسية في فرنسا، هذه المفاجأة أذهلت الجميع عما عداها من خلفيات المعركة الانتخابية، الأمر الذي صرف انتباه المراسلين العرب عن حقيقة الدور الذي لعبه المسلمون في اسقاط جوسبان على ذلك النحو المهين، الذي دفعه الى الانسحاب من الحياة السياسية تماماً.
لقد كانت كل التوقعات، بما في ذلك استطلاعات الرأي العام، تشير الى أن المنافسة الحقيقية ستكون بين شيراك الديجولي اليميني المعتدل، وبين جوسبان الاشتراكي واليساري، الأمر الذي أوقع المسلمين في بعض الحيرة، لأنهم اعتبروا أن الوضع الأفضل لهم أن تظل رئاسة الجمهورية ديجولية، لموقفها المتوازن نسبياً من القضية الفلسطينية والعالم العربي، بينما تظل رئاسة الحكومة اشتراكية يسارية، لأنها قدمت الكثير من التيسيرات للمهاجرين والمقيمين العرب والمسلمين، سواء في ما خص الاقامة والتجنيس، أو المساعدات التي يقدمها صندوق العائلات، أو حتى اجازة رخص بناء المساجد والمراكز الاسلامية. وبعد أن عانى المسلمون كثيرا من وزير الداخلية الديجولي الأسبق شارل باسكوا، فانهم استشعروا انفراجاً وارتياحاً في تعاملهم مع وزير الحكومة الاشتراكية الحالي. غير أن المسلمين واجهتهم مشكلة معقدة تمثلت في انحياز جوسبان الى جانب اسرائيل، على نحو دفعه الى اتهام مناضلي حزب الله بممارسة الارهاب. وهو مسلك اثار ضده غضب الفلسطينيين ودفعهم الى التظاهر ضده أثناء زيارته لرام الله قبل أكثر من عام. ليس ذلك فحسب، وانما شكل جوسبان مع ثلاثة من وزراء حكومته اليهود ما وصفته قيادات الجالية الاسلامية بـ«عصابة الأربعة»، التي شكلت سنداً قوياً لاسرائيل، اثار غضب المسلمين واستياءهم.
والوزراء الثلاثة هم ستروسكان وزير المالية، ولوران فابيوس وزير الاقتصاد ورئيس الوزراء الأسبق، وجاك لانج وزير التعليم. وزوجتا الوزيرين الأولين هما اللتان قادتا الدعوة في فرنسا الى مساندة الجيش الاسرائيلي.
كان ذلك الموقف المنحاز لاسرائيل السبب الرئيسي الذي دفع الجالية الاسلامية الى اختيار موقف الامتناع عن التصويت له، والعمل على اسقاطه. وكانت تلك هي الرسالة التي جرى تعميمها على تجمعات المسلمين في أنحاء فرنسا، وفي المقدمة منها الأماكن التي يقيمون فيها صلواتهم (1700 محل) اضافة الى المساجد بطبيعة الحال (20 مسجداً) وذهب بعض أئمة المساجد الى حد الفتوى بعدم جواز التصويت للرجل الذي يناصر الاسرائيليين ويؤيد ممارساتهم الوحشية تجاه الفلسطينيين.
الملاحظة المهمة في هذا الصدد أن مسلمي فرنسا وهم يحجبون أصواتهم عن جوسبان اختاروا أن يضحوا بالمصالح والمكتسبات التي وفرها الاشتراكيون لهم، وقدموا ما اعتبروه نصرة للقضية الفلسطينية ومصالح الأمة العربية والاسلامية، واذ اعتبروا أن مواقف الرئيس شيراك أفضل بوجه عام من سياسة جوسبان، فان نسبة غير قليلة منهم صوتت لصالح شيراك، وان ظل الموقف الأساسي هو عدم التصويت لجوسبان، واسقاطه ما أمكن، ثم اعطاء الأصوات بعد ذلك لأي مرشح آخر عداه، بكلام آخر، فان الرسالة التي عممت على المراكز كانت تدعو الى عدم التصويت لجوسبان (كان رفض لوبان أمراً مفروغاً منه)، ولم تكن تحدد لمن يفضل أن تعطى الأصوات.
عند فرز الأصوات تبين أن 25% من المسلمين صوتوا لصالح الرئيس شيراك، والباقون توزعوا على مرشحين آخرين، وان كان مرشح حزب «الخضر» نوئيل مامير قد حصل على نسبة معتبرة أيضاً من أصوات المسلمين، شجعهم على ذلك ان الرجل من مناصري القضية الفلسطينية، وكان دائم التواجد في صدارة المظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في باريس ضد الاجتياح الاسرائيلي للضفة الغربية، كما أن أحد الأعضاء البارزين في الحزب كان ضمن المجموعة التي سافرت الى رام الله معربة عن تضامنها مع الرئيس عرفات في محبسه.
لأسباب مفهومة فان القوى المؤيدة لاسرائيل القت بكل ثقلها الى جانب جوسبان، باعتباره المرشح الأفضل لخدمة المصالح الاسرائيلية. واذ نشط المسلمون في الدعوة الى مقاطعته، بينما عبأ الموالون لاسرائيل تجمعاتهم واستنفروها لتأييده، فان المعركة التي كانت في ظاهرها بين شيراك وجوسبان، أصبحت في أحد أبعادها صراعاً بين الجالية الاسلامية واللوبي الصهيوني. ولذلك فان سقوط جوسبان اعتبر انتصاراً للجالية الاسلامية، وانتكاسة قوية لنفوذ اللوبي الصهيوني. وهو أمر له تداعياته المهمة في الأوساط السياسية الفرنسية، التي أصبحت تتعامل مع الصوت الاسلامي باعتباره ورقة ترجيح ينبغي الحرص عليها وعدم التفريط فيها.
هذا التطور ليس جديداً تماماً، وانما الجديد فيه هو تأثيره على الانتخابات الرئاسية على ذلك النحو الملحوظ لأول مرة. ذلك أن السنوات الأخيرة شهدت تنامياً في دور الجالية الاسلامية التي يبلغ تعددها ستة ملايين نسمة، منهم عدد يتراوح بين مليون و800 ألف، ومليونين لهم حق التصويت. وهذه الجالية يمثلها الآن حوالي 600 مستشار للبلديات (بين نصف مليون) كما أن البرلمان الأوروبي الذي يضم 87 نائباً فرنسياً، من بين أعضائه خمسة مسلمين. والاستعدادات تجرى الآن على قدم وساق في مختلف الأحزاب الفرنسية لوضع قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية التي يفترض أن تجرى في أوائل شهر يونيو (حزيران) المقبل. ولهذا السبب فان اتصالات الأحزاب مع الجالية الاسلامية مستمرة لوضع بعض المسلمين على قوائمها لتحقيق هدفين، أولهما كسب أصوات أبناء الجالية، وثانيهما التأكيد على اعتدال الحزب ورفضه للموقف العنصري الذي تعبر عنه بعض الأحزاب اليمينية. ويأمل المسلمون في أن ينجح عشرة منهم في دخول الجمعية الوطنية (البرلمان) في تلك الانتخابات.
شهدت في الأسبوع الماضي احدى جلسات منتدى الاعلام في دبي، وسمعت أحد المتحدثين وهو ينتقد العرب والمسلمين المقيمين في الغرب، وينسب اليهم العزلة والتقوقع والعيش في داخل «جيتوهات» أقاموها لأنفسهم في داخل تلك المجتمعات. وكان تقديري أن هذا الكلام فيه الكثير من المبالغة، فضلاً عن التعميم الظالم. لأن هناك تنامياً ملحوظاً في حضور المسلمين الحاملين لجنسيات تلك الدول في المجالات العامة. وقد ادرك أغلبيتهم أهميته بعدما جرى في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حين وجدت تلك الجاليات انها أصبحت هدفاً للاتهام والتحامل، وانتبهت الى أن مشاركتها وقوتها الانتخابية يمكن أن تشكل بعض الدروع التي يحتمون بها لصد الهجمات والدفاع عن الحقوق. صحيح ان ذلك الحضور لم يأخذ شكله المرجو بعد، لأنه في بداياته النسبية، لكنه أثبت وجوده في الولايات المتحدة وفي العديد من الدول الأوروبية، ونموذج فرنسا بين أيدينا شاهد على ذلك. ودون أن أبالغ، فانني أزعم أن حضور الجاليات الاسلامية في المحيط السياسي لتلك البلدان يظل أفضل كثيراً من حضور الدول العربية والاسلامية ذاتها، التي هي شبه غائبة عن ذلك المحيط. كان ما سمعت نوعاً من جلد الذات الذي يستعذبه البعض، في أنكار غير مبرر لجهود الآخرين، أو بسبب القصور في متابعة مايجري من تطورات في أوساط الجاليات الاسلامية بالغرب، في حين يبذل المسلمون جهوداً محمودة للمشاركة في الحياة العامة، حيث يدافعون بذلك عن أنفسهم، وعنا اذا لزم الأمر. واحسب انهم ليسوا بحاجة لأن نساعدهم، وربما كان غاية ما يريدونه منا الا نتدخل في شؤونهم، وأن نكف عن انتقادهم والانتقاص من جهودهم، هذا اذا بخلنا عليهم بعبارات التشجيع والتقدير.