هويدي 5-5-2003
سنحتاج إلى معجزة للحيلولة دون وقوع حرب أهلية فلسطينية، ذلك أن كل الشواهد تدل على أن تلك الحرب آتية لاريب، وأن المواجهة بين حكومة أبو مازن وبين فصائل المقاومة الفلسطينية لامفر منها، فحكومته جاءت أساساً لوقف الانتفاضة التي سبق أن أعلن مراراً أنه يعارضها. وهو صاحب مصطلح «عسكرة الانتفاضة»، الذي تضمن انكاراً لحق المقاومة في التصدي للاحتلال بما تملك من سلاح متواضع. والمسؤول الأمني في تلك الحكومة محمد دحلان، له مع المقاومة خصومة عميقة، ويكفي في تقييم دوره أن اسرائيل أعلنت أكثر من مرة «تمسكها» بتوليه حقيبة الداخلية في حكومة أبو مازن، وغني عن البيان أن الحفاوة الأميركية والأوروبية والاسرائيلية بالحكومة الجديدة إذا كانت لها أسباب عدة، فالقدر المتيقن أن السبب الأول هو أن الأمل معقود عليها في انهاء الانتفاضة وتجريد منظمات المقاومة من أسلحتها.
ليس في شيء من ذلك سر، فاللعب أصبح على المكشوف، حيث سقطت أغلب الأقنعة خصوصاً بعد احتلال العراق، ولم يعد الاسرائيليون ولا الأميركيون مضطرين إلى اللف والدوران أو استخدام أسلوب التورية في الحديث عن الأهداف والمقاصد. واذا كنت في شك من ذلك فاقرأ نص مانشرته الصحف العربية اللندنية يوم السبت قبل الماضي (4/26)، التي كان أحد عناوينها الكبيرة يقول: اسرائيل تكافح الارهاب الفلسطيني بخطة عمل يضعها أبو مازن. هكذا بمنتهى الصراحة ومرة واحدة! ـ الأمر الذي يعني أن ماقيل عن أن تشكيل الحكومة الجديدة واستحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني يمثلان خطوة على طريق تحقيق «الاصلاحات الفلسطينية»، هذا الكلام كان مكذوباً من أساسه، ومنسوباً إلى مرحلة ماقبل احتلال العراق. ومادام اللعب صار على المكشوف، فلا بأس من تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية. والاعلان صراحة عن أن السيد أبو مازن وجماعته قادمون لغرض آخر مختلف تماماً، هو ذلك الذي أشار إليه عنوان الصحيفة اللندنية. بكلام آخر فإن تلك الحكومة في النظر الاسرائيلي ليست أكثر من جهاز أمني فلسطيني جديد مكلف بقمع الانتفاضة واراحة اسرائيل مما تمثله تلك الانتفاضة لها من أوجاع وتحديات.
هذا المعنى ردده المحلل السياسي في صحيفة «هاآرتس» الوف بن، الذي كتب يقول ان النهج الذي ستعتمده اسرائيل في محاربة «الارهاب الفلسطيني» هو الاعتماد على «خطة عمل» يضعها أبومازن، وتشارك اسرائيل فيها. وهي التي ستساعده على اعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وقف الانتفاضة وسحق منظمات المقاومة وتخليص اسرائيل من الكابوس المرعب الذي أوجعها وحزمها في العمق، المتمثل في العمليات الاستشهادية، هذه هي تكليفات الحكومة الجديدة، وهو برنامجها الذي تصر اسرائيل على تنفيذه على وجه السرعة، بل ان ذلك هو حجر الزاوية في «خريطة الطريق»، وكل ما عداه حواش وفرعيات، وعناصر أريد بها اخراج حفلة استئصال المقاومة ووقف الانتفاضة. وحتى ماهو مهم في تلك الحواشي، مثل تطبيع العلاقات مع كل الدول العربية، فإنه أتى في ترتيب متأخر في خريطة الطريق، حيث تحتل مسألة «الوقف الفوري للانتفاضة المسلحة وكافة أشكال العنف ضد الاسرائيليين في كل مكان» المحطة الأولى في المرحلة الأولى التي يتعين تطبيقها اليوم قبل الغد، أما التطبيع الكامل فدوره يأتي في المرحلة الثالثة، بين عامي 2004 و2005.
لقد شكلت الانتفاضة، والعمليات الاستشهادية الباسلة، أول تهديد عربي حقيقي للمشروع الصهيوني منذ تأسيس دولة اسرائيل. وهذا الكلام ليس من عندي ولكن ذلك ماعبر عنه آخرون، في المقدمة منهم الكاتب الأميركي توماس فريدمان، ليس ذلك فحسب، وانما شكلت الانتفاضة أيضاً احراجاً كبيراً للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية، ولرئيس الوزراء ارييل شارون شخصياً. اذ بعد الحرب الشرسة التي شنتها اسرائيل ضد الفلسطينيين، تحت شعار «دع الجيش ينتصر» وبعدما وعد شارون ناخبيه بأنه سيقضي على الانتفاضة خلال مائة يوم، ودخل العام الثاني عليه دون أن ينجح في الوفاء بما وعد، بعد ذلك كله لم تجد الحكومة الاسرائيلية حلاً للاشكال سوى أن تعهد بالمهمة إلى الطرف الفلسطيني، عله ينجح فيما فشلت هي فيه. أيضاً ليس هذا الكلام من عندي، لأن هذا المعنى عبر عنه أحد كتاب صحيفة «معاريف» ـ حيمي شاليف» (عدد 4/28)، الذي قال في تحليله لموقف الحكومة الاسرائيلية من حكومة أبومازن أنه «بمجرد استعدادها لتمكين الحكومة الفلسطينية الجديدة الآن في معالجة «الارهاب» بنفسها، تعترف اسرائيل عملياً وفي طرف واحد، بالفشل النهائي لأسلوب «الضربة القاضية» .. وها هي حكومة ارييل شارون اليمينية الصرف، تعترف بأن الفلسطينيين وحدهم هم القادرون على القيام بمهمة التخلص من الانتفاضة.
من أسف أن السيد أبو مازن لم يقصّر في طمأنة الاسرائيليين والأميركيين إلى أنه سيكون عند حسن ظنهم. ذلك ما أن فازت حكومته بثقة المجلس التشريعي الفلسطيني، حتى أعلن أمام المجلس رفض «الارهاب» أياً كان مصدره، وأن المسألة الأمنية تحتل رأس جدول أعمال حكومته، التي ستسعى إلى وقف «التحريض» وانهاء فوضى حيازة الأسلحة، حيث لن يكون هناك وجود إلا للسلاح «الشرعي».
لم أصدق عيني حين قرأت كلامه الذي نشرته «الشرق الأوسط» يوم الأربعاء الماضي (4/30)، حتى ظننت لأول وهلة أن ثمة خطأ مطبعياً، وضع اسم أبومازن مكان اسم ارييل شارون، الذي منذ جاء إلى الحكم وهو يضع ذات المسألة الأمنية على رأس سهام حكومته. وبعدما تأكدت من أن هذا كلام أبومازن وليس غيره، قلت أن ما يتوقعه المواطن العادي من رئيس الحكومة الفلسطينية ان يتحدث عن انهاء الاحتلال وتخفيف معاناة الناس واعادة اعمار البلاد التي دمر الجيش الاسرائيلي بنيتها الأساسية، ومكافحة الفساد والمطالبة باطلاق سراح آلاف الفلسطينيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية... إلخ. أما مسألة الأمن التي هي في الحقيقة أمن اسرائيل بجنودها ومستوطنيها . فليست من مهام الحكومة الفلسطينية التي لديها مايكفيها من مشكلات وهموم.
من المفارقات أنه بينما كانت تلك أولى كلمات رئيس الوزراء الفلسطيني، فإن رئيس الوزراء الاسرائيلي بعث إليه بحزمة رسائل مجللة بالدم الفلسطيني، فقتلت في نفس اليوم مسؤولاً بارزاً في الجبهة الشعبية، كما قتلت اثنين من قادة شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، ويوم تسلمه خريطة الطريق ارتكبت اسرائيل مذبحة في غزة قتلت فيها 15 فلسطينياً، وفي نفس الوقت تراجعت اسرائيل عن وعدها بالانسحاب من المدن الفلسطينية، وهو الوعد الذي أطلقته وقالت إنها ستفي به بعد اقرار حكومة أبومازن، كما أن المحكمة العليا الاسرائيلية أقرت السماح لجيش الاحتلال باستعمال القذائف المسماة «فلاشط» المحرمة دولياً، ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
حين تلاحقت تلك الأحداث خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت منح الثقة لحكومة أبو مازن فان رسالتها كانت جزءاً من سياسة اللعب على المكشوف، وبمقتضاها تطلق يد حكومة اسرائيل في سحق الفلسطينيين، بينما تتولى الحكومة الفلسطينية تكبيلهم وتجريدهم مما يمكن أن يدافعوا به عن أنفسهم، لتمهيد الطريق أمام مهمة الحكومة الاسرائيلية، التي لايمكن لها أن تقدم عليه إلا إذا كان مفروشاً بالدم الفلسطيني، ومحاطاً على الجانبين بالأشلاء الفلسطينية.
لقد تلاحقت تلك المشاهد بعد احتلال العراق، وبعدما اطمأنت اسرائيل إلى أن ميزان القوة اختل لصالحها في المنطقة، وأن الساحة قد خلت تماماً لها، فكان ابتزاز سورية ومطالبتها باغلاق مكاتب المقاومة، ووقف تأييدها أو مساندتها لحزب الله في لبنان، وتقليص علاقاتها مع ايران. وكان تشكيل الحكومة الفلسطينية واعطاؤها الأولوية لحماية أمن اسرائيل، وكانت «خريطة الطريق» التي جاءت لكي تقنن وقف الانتفاضة واستئصالها.
بكلام آخر فإن اسرائيل أرادت أن تجني في فلسطين وبسرعة ثمار احتلال العراق، وكانت أولى تلك الثمرات هي نصب مذبحة المقاومة، بأيد فلسطينية. وهو ما ردت عليه حماس باعلانها أنها ستقطع الأيدي التي ستحاول مصادرة سلاحها. واذا ما أراد أبومازن أن ينجح في مهمته فإن الحرب الأهلية الفلسطينية ستكون حتمية، وستكون اسرائيل هي الرابح الأول بامتياز. وفي كل الأحوال فإن نجاحه اسرائيلياً سيكون انتحاراً فلسطينياً له. أما فشله ففيه نجاته، وهو السبيل الوحيد لابعاد شبح الحرب الأهلية عن الساحة الفلسطينية. ادعو الله له أن يمنحه البصيرة التي تدفعه إلى الحرص على الفشل!
سنحتاج إلى معجزة للحيلولة دون وقوع حرب أهلية فلسطينية، ذلك أن كل الشواهد تدل على أن تلك الحرب آتية لاريب، وأن المواجهة بين حكومة أبو مازن وبين فصائل المقاومة الفلسطينية لامفر منها، فحكومته جاءت أساساً لوقف الانتفاضة التي سبق أن أعلن مراراً أنه يعارضها. وهو صاحب مصطلح «عسكرة الانتفاضة»، الذي تضمن انكاراً لحق المقاومة في التصدي للاحتلال بما تملك من سلاح متواضع. والمسؤول الأمني في تلك الحكومة محمد دحلان، له مع المقاومة خصومة عميقة، ويكفي في تقييم دوره أن اسرائيل أعلنت أكثر من مرة «تمسكها» بتوليه حقيبة الداخلية في حكومة أبو مازن، وغني عن البيان أن الحفاوة الأميركية والأوروبية والاسرائيلية بالحكومة الجديدة إذا كانت لها أسباب عدة، فالقدر المتيقن أن السبب الأول هو أن الأمل معقود عليها في انهاء الانتفاضة وتجريد منظمات المقاومة من أسلحتها.
ليس في شيء من ذلك سر، فاللعب أصبح على المكشوف، حيث سقطت أغلب الأقنعة خصوصاً بعد احتلال العراق، ولم يعد الاسرائيليون ولا الأميركيون مضطرين إلى اللف والدوران أو استخدام أسلوب التورية في الحديث عن الأهداف والمقاصد. واذا كنت في شك من ذلك فاقرأ نص مانشرته الصحف العربية اللندنية يوم السبت قبل الماضي (4/26)، التي كان أحد عناوينها الكبيرة يقول: اسرائيل تكافح الارهاب الفلسطيني بخطة عمل يضعها أبو مازن. هكذا بمنتهى الصراحة ومرة واحدة! ـ الأمر الذي يعني أن ماقيل عن أن تشكيل الحكومة الجديدة واستحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني يمثلان خطوة على طريق تحقيق «الاصلاحات الفلسطينية»، هذا الكلام كان مكذوباً من أساسه، ومنسوباً إلى مرحلة ماقبل احتلال العراق. ومادام اللعب صار على المكشوف، فلا بأس من تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية. والاعلان صراحة عن أن السيد أبو مازن وجماعته قادمون لغرض آخر مختلف تماماً، هو ذلك الذي أشار إليه عنوان الصحيفة اللندنية. بكلام آخر فإن تلك الحكومة في النظر الاسرائيلي ليست أكثر من جهاز أمني فلسطيني جديد مكلف بقمع الانتفاضة واراحة اسرائيل مما تمثله تلك الانتفاضة لها من أوجاع وتحديات.
هذا المعنى ردده المحلل السياسي في صحيفة «هاآرتس» الوف بن، الذي كتب يقول ان النهج الذي ستعتمده اسرائيل في محاربة «الارهاب الفلسطيني» هو الاعتماد على «خطة عمل» يضعها أبومازن، وتشارك اسرائيل فيها. وهي التي ستساعده على اعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وقف الانتفاضة وسحق منظمات المقاومة وتخليص اسرائيل من الكابوس المرعب الذي أوجعها وحزمها في العمق، المتمثل في العمليات الاستشهادية، هذه هي تكليفات الحكومة الجديدة، وهو برنامجها الذي تصر اسرائيل على تنفيذه على وجه السرعة، بل ان ذلك هو حجر الزاوية في «خريطة الطريق»، وكل ما عداه حواش وفرعيات، وعناصر أريد بها اخراج حفلة استئصال المقاومة ووقف الانتفاضة. وحتى ماهو مهم في تلك الحواشي، مثل تطبيع العلاقات مع كل الدول العربية، فإنه أتى في ترتيب متأخر في خريطة الطريق، حيث تحتل مسألة «الوقف الفوري للانتفاضة المسلحة وكافة أشكال العنف ضد الاسرائيليين في كل مكان» المحطة الأولى في المرحلة الأولى التي يتعين تطبيقها اليوم قبل الغد، أما التطبيع الكامل فدوره يأتي في المرحلة الثالثة، بين عامي 2004 و2005.
لقد شكلت الانتفاضة، والعمليات الاستشهادية الباسلة، أول تهديد عربي حقيقي للمشروع الصهيوني منذ تأسيس دولة اسرائيل. وهذا الكلام ليس من عندي ولكن ذلك ماعبر عنه آخرون، في المقدمة منهم الكاتب الأميركي توماس فريدمان، ليس ذلك فحسب، وانما شكلت الانتفاضة أيضاً احراجاً كبيراً للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية، ولرئيس الوزراء ارييل شارون شخصياً. اذ بعد الحرب الشرسة التي شنتها اسرائيل ضد الفلسطينيين، تحت شعار «دع الجيش ينتصر» وبعدما وعد شارون ناخبيه بأنه سيقضي على الانتفاضة خلال مائة يوم، ودخل العام الثاني عليه دون أن ينجح في الوفاء بما وعد، بعد ذلك كله لم تجد الحكومة الاسرائيلية حلاً للاشكال سوى أن تعهد بالمهمة إلى الطرف الفلسطيني، عله ينجح فيما فشلت هي فيه. أيضاً ليس هذا الكلام من عندي، لأن هذا المعنى عبر عنه أحد كتاب صحيفة «معاريف» ـ حيمي شاليف» (عدد 4/28)، الذي قال في تحليله لموقف الحكومة الاسرائيلية من حكومة أبومازن أنه «بمجرد استعدادها لتمكين الحكومة الفلسطينية الجديدة الآن في معالجة «الارهاب» بنفسها، تعترف اسرائيل عملياً وفي طرف واحد، بالفشل النهائي لأسلوب «الضربة القاضية» .. وها هي حكومة ارييل شارون اليمينية الصرف، تعترف بأن الفلسطينيين وحدهم هم القادرون على القيام بمهمة التخلص من الانتفاضة.
من أسف أن السيد أبو مازن لم يقصّر في طمأنة الاسرائيليين والأميركيين إلى أنه سيكون عند حسن ظنهم. ذلك ما أن فازت حكومته بثقة المجلس التشريعي الفلسطيني، حتى أعلن أمام المجلس رفض «الارهاب» أياً كان مصدره، وأن المسألة الأمنية تحتل رأس جدول أعمال حكومته، التي ستسعى إلى وقف «التحريض» وانهاء فوضى حيازة الأسلحة، حيث لن يكون هناك وجود إلا للسلاح «الشرعي».
لم أصدق عيني حين قرأت كلامه الذي نشرته «الشرق الأوسط» يوم الأربعاء الماضي (4/30)، حتى ظننت لأول وهلة أن ثمة خطأ مطبعياً، وضع اسم أبومازن مكان اسم ارييل شارون، الذي منذ جاء إلى الحكم وهو يضع ذات المسألة الأمنية على رأس سهام حكومته. وبعدما تأكدت من أن هذا كلام أبومازن وليس غيره، قلت أن ما يتوقعه المواطن العادي من رئيس الحكومة الفلسطينية ان يتحدث عن انهاء الاحتلال وتخفيف معاناة الناس واعادة اعمار البلاد التي دمر الجيش الاسرائيلي بنيتها الأساسية، ومكافحة الفساد والمطالبة باطلاق سراح آلاف الفلسطينيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية... إلخ. أما مسألة الأمن التي هي في الحقيقة أمن اسرائيل بجنودها ومستوطنيها . فليست من مهام الحكومة الفلسطينية التي لديها مايكفيها من مشكلات وهموم.
من المفارقات أنه بينما كانت تلك أولى كلمات رئيس الوزراء الفلسطيني، فإن رئيس الوزراء الاسرائيلي بعث إليه بحزمة رسائل مجللة بالدم الفلسطيني، فقتلت في نفس اليوم مسؤولاً بارزاً في الجبهة الشعبية، كما قتلت اثنين من قادة شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، ويوم تسلمه خريطة الطريق ارتكبت اسرائيل مذبحة في غزة قتلت فيها 15 فلسطينياً، وفي نفس الوقت تراجعت اسرائيل عن وعدها بالانسحاب من المدن الفلسطينية، وهو الوعد الذي أطلقته وقالت إنها ستفي به بعد اقرار حكومة أبومازن، كما أن المحكمة العليا الاسرائيلية أقرت السماح لجيش الاحتلال باستعمال القذائف المسماة «فلاشط» المحرمة دولياً، ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
حين تلاحقت تلك الأحداث خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت منح الثقة لحكومة أبو مازن فان رسالتها كانت جزءاً من سياسة اللعب على المكشوف، وبمقتضاها تطلق يد حكومة اسرائيل في سحق الفلسطينيين، بينما تتولى الحكومة الفلسطينية تكبيلهم وتجريدهم مما يمكن أن يدافعوا به عن أنفسهم، لتمهيد الطريق أمام مهمة الحكومة الاسرائيلية، التي لايمكن لها أن تقدم عليه إلا إذا كان مفروشاً بالدم الفلسطيني، ومحاطاً على الجانبين بالأشلاء الفلسطينية.
لقد تلاحقت تلك المشاهد بعد احتلال العراق، وبعدما اطمأنت اسرائيل إلى أن ميزان القوة اختل لصالحها في المنطقة، وأن الساحة قد خلت تماماً لها، فكان ابتزاز سورية ومطالبتها باغلاق مكاتب المقاومة، ووقف تأييدها أو مساندتها لحزب الله في لبنان، وتقليص علاقاتها مع ايران. وكان تشكيل الحكومة الفلسطينية واعطاؤها الأولوية لحماية أمن اسرائيل، وكانت «خريطة الطريق» التي جاءت لكي تقنن وقف الانتفاضة واستئصالها.
بكلام آخر فإن اسرائيل أرادت أن تجني في فلسطين وبسرعة ثمار احتلال العراق، وكانت أولى تلك الثمرات هي نصب مذبحة المقاومة، بأيد فلسطينية. وهو ما ردت عليه حماس باعلانها أنها ستقطع الأيدي التي ستحاول مصادرة سلاحها. واذا ما أراد أبومازن أن ينجح في مهمته فإن الحرب الأهلية الفلسطينية ستكون حتمية، وستكون اسرائيل هي الرابح الأول بامتياز. وفي كل الأحوال فإن نجاحه اسرائيلياً سيكون انتحاراً فلسطينياً له. أما فشله ففيه نجاته، وهو السبيل الوحيد لابعاد شبح الحرب الأهلية عن الساحة الفلسطينية. ادعو الله له أن يمنحه البصيرة التي تدفعه إلى الحرص على الفشل!