شعب العلم في حياة المسلمين
الحقيقة أن الخيط الذي يربطنا بالعلم رقيق جدا يكاد ينحصر- في الغالب- في الإحالة على تنويه القرآن والسنة به حتى صرنا نحفظ الكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة والواهية التي تحث على العلم وتشيد بأهله دون أن ينقلنا ذلك إلى تحصيله فضلاً عن إشاعته ، وهكذا استغرقتنا فضائل العلم ولم نأخذ به، وهل تعني المناقب شيئا طالما هي شعارات تردد فقط؟
وقد ركز أقطاب النهضة الإسلامية القدامى والمحدثون على ضرورة انطلاقها من العلم باعتباره دليل الإيمان ودليل العمل ينفع من يطلب الدنيا ومن يطلب الآخرة ويعد ضياعه مؤذنا بخراب الحياة، وبدونه لن تقوم للمسلمين قائمة ولن ترتفع للإسلام راية.
وعلينا أن نحدد معنى العلم الذي نريده لكل مسلم ومسلمة، ذلك أنه إذا اتفق الجميع على فرضيته فقد اختلفوا حول ماهيته، والمتفحص في القرآن الكريم يجد أن للعلم ثلاث شعب:
أ- فهناك أولاً العلم الشرعي
( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) ( سورة التوبة 122) فالآية تدعو إلى تخصص بعض المسلمين في العلم الديني المحض أي علوم التفسير والحديث والفقه والسيرة والأصول ونحوها ، فهذه الشعبة هي النظر في الكتاب والسنة وتعتبر فرعاً ضرورياً ولازماً في حركة المسلم ووظيفة الأمة لا تكتمل بدونه حضارة إنسانية، لكن الاقتصار عليها وحدها خلل في الفهم ينعكس سلباً على شمولية المشروع الذي يحمله المسلمون للعالمين
ب- وهناك ثانياً العلم الكوني
(سنريهم آياتنا في الآفاق ) ( سورة فصلت 53 ) (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض)(سورة يونس 110) (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) (سورة لقمان 20) هذه الآيات وغيرها تدعو الإنسان المستخلف في الأرض إلى استكشاف أسرار الكون واستخراج السنن والخيرات التي أودعها الله فيه، وهذا يتم بوساطة مختلف العلوم المادية والتكنولوجية من رياضيات وفيزياء وعلم طبقات الأرض وعلم البحار والزراعة والفلك وما إليها، وكل تقصير في هذه الشعبة جريمة في حق الإسلام وفي حق البشرية وكل تزهيد فيها باسم الدين بلادة تنحي صاحبها إلى هامش الحياة وتقصيه من موكب الربانيين ، وما وجود أمتنا اليوم في الذيل إلا بسبب غفلتها الطويلة عن كتاب الله المجلو وآياته الكونية.
ج- وهناك ثالثاً العلوم الإنسانية
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق< ) (سورة فصلت 53 )
(وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ( سورة الذاريات 21 ) (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل) ( سورة الروم 42)
هذه الشعبة تتناول دراسة الإنسان ككائن فرد وجماعة و وربما ينبغي تصنيفها في الدرجة الثانية بعد العلوم الشرعية، ولم تعد خطورة العلوم الإنسانية تخفي على الناس عموماً وعلى المسلمين بصفة خاصة باعتبارها مفتاح الحضارة بما تتيحه من فحص للنفس الإنسانية ووقوف على سنن الله فيها لاستخدامها في الرقي بالإنسان وتغليب جانب الخير على جانب الشر فيه وتفجير طاقاته وتوجيهها نحو الاستقامة في التعامل مع الله ومع الكون ومع البشرية، وما تتيحه كذلك من دراسة للتجمع البشري والعلاقات الإنسانية في الماضي والحاضر لاستخراج العبر وتوظيفها في العمل المستقبلي والامتداد الأفقي إلى جانب دراسة حياة المجتمع ومشاكله وأمراضه وإنجازاته وأخلاقه وإقامة بنيانه على العدل والمساواة، فهل يستغني عاقل عن علوم الاجتماع والتاريخ والسياسة والقانون والاقتصاد والفن والفلسفة ونحوها؟
هذا هو العلم:
علم شرعي وعلم كوني وعلم إنساني ، ولا تقوم حضارة ربانية ولا يكون المسلم أهلاً لقيادة الإنسانية إلا باجتماع هذه الشعب بشكل متقن في المجتمع ، وكل تفريط في إحداها يصيب المسيرة الحضارية بعطب قاتل ويصيب المسلمين بشلل جزئي، وها هي الحضارة الغربية تربعت على عرش العلوم التجريبية وأبدعت في مناهج العلوم الإنسانية ( خلافاً لما يعتقد كثير من المسلمين، وهو ما سنبنيه بإذن الله في مقال منفصل) لكن انقطاعها عن العلوم الشرعية أصابها بالعرج والعمى فعجزت عن إسعاد الإنسان رغم امتلاكها الأسباب المادية، وهاهم المسلمون يتباهون بثروة علمية شرعية هائلة لم تمتلكها أمة أخرى لكنها لم تجدهم عندما أهملوا ما تدعو إليه هذه الثروة ذاتها من اقتحام لعلوم الكون وعلوم الإنسان.
إن وظيفة المسلم أن يعرّف الناس بالله واليوم الآخر ومبدئهم ومعادهم وحكمة ذلك، ويقوّم سلوكهم ليعمروا الأرض ويقوموا بمهمة الخلافة و لن يتأت لهم ذلك إلا بشرط أساسي يتمثل- بعد الإيمان العميق المبصر- في امتلاك ناصية العلم الذي يشرح الصدور بحجته ويغذي العقول وينشط الجوارح ويشحذ الهمم ويسخر الطبيعة ويعبّد الخلائق لربهم.
لكن هل تنفع الجهود الفردية لبناء صرح العلم؟ إن العلم المنشود يحتاج إلى مؤسسات قوية فاعلة تتولى الأمر جديا وتتخصص في البحث وإسلامية المعرفة ونشرها .
ينابيع
الحقيقة أن الخيط الذي يربطنا بالعلم رقيق جدا يكاد ينحصر- في الغالب- في الإحالة على تنويه القرآن والسنة به حتى صرنا نحفظ الكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة والواهية التي تحث على العلم وتشيد بأهله دون أن ينقلنا ذلك إلى تحصيله فضلاً عن إشاعته ، وهكذا استغرقتنا فضائل العلم ولم نأخذ به، وهل تعني المناقب شيئا طالما هي شعارات تردد فقط؟
وقد ركز أقطاب النهضة الإسلامية القدامى والمحدثون على ضرورة انطلاقها من العلم باعتباره دليل الإيمان ودليل العمل ينفع من يطلب الدنيا ومن يطلب الآخرة ويعد ضياعه مؤذنا بخراب الحياة، وبدونه لن تقوم للمسلمين قائمة ولن ترتفع للإسلام راية.
وعلينا أن نحدد معنى العلم الذي نريده لكل مسلم ومسلمة، ذلك أنه إذا اتفق الجميع على فرضيته فقد اختلفوا حول ماهيته، والمتفحص في القرآن الكريم يجد أن للعلم ثلاث شعب:
أ- فهناك أولاً العلم الشرعي
( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) ( سورة التوبة 122) فالآية تدعو إلى تخصص بعض المسلمين في العلم الديني المحض أي علوم التفسير والحديث والفقه والسيرة والأصول ونحوها ، فهذه الشعبة هي النظر في الكتاب والسنة وتعتبر فرعاً ضرورياً ولازماً في حركة المسلم ووظيفة الأمة لا تكتمل بدونه حضارة إنسانية، لكن الاقتصار عليها وحدها خلل في الفهم ينعكس سلباً على شمولية المشروع الذي يحمله المسلمون للعالمين
ب- وهناك ثانياً العلم الكوني
(سنريهم آياتنا في الآفاق ) ( سورة فصلت 53 ) (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض)(سورة يونس 110) (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) (سورة لقمان 20) هذه الآيات وغيرها تدعو الإنسان المستخلف في الأرض إلى استكشاف أسرار الكون واستخراج السنن والخيرات التي أودعها الله فيه، وهذا يتم بوساطة مختلف العلوم المادية والتكنولوجية من رياضيات وفيزياء وعلم طبقات الأرض وعلم البحار والزراعة والفلك وما إليها، وكل تقصير في هذه الشعبة جريمة في حق الإسلام وفي حق البشرية وكل تزهيد فيها باسم الدين بلادة تنحي صاحبها إلى هامش الحياة وتقصيه من موكب الربانيين ، وما وجود أمتنا اليوم في الذيل إلا بسبب غفلتها الطويلة عن كتاب الله المجلو وآياته الكونية.
ج- وهناك ثالثاً العلوم الإنسانية
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق< ) (سورة فصلت 53 )
(وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ( سورة الذاريات 21 ) (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل) ( سورة الروم 42)
هذه الشعبة تتناول دراسة الإنسان ككائن فرد وجماعة و وربما ينبغي تصنيفها في الدرجة الثانية بعد العلوم الشرعية، ولم تعد خطورة العلوم الإنسانية تخفي على الناس عموماً وعلى المسلمين بصفة خاصة باعتبارها مفتاح الحضارة بما تتيحه من فحص للنفس الإنسانية ووقوف على سنن الله فيها لاستخدامها في الرقي بالإنسان وتغليب جانب الخير على جانب الشر فيه وتفجير طاقاته وتوجيهها نحو الاستقامة في التعامل مع الله ومع الكون ومع البشرية، وما تتيحه كذلك من دراسة للتجمع البشري والعلاقات الإنسانية في الماضي والحاضر لاستخراج العبر وتوظيفها في العمل المستقبلي والامتداد الأفقي إلى جانب دراسة حياة المجتمع ومشاكله وأمراضه وإنجازاته وأخلاقه وإقامة بنيانه على العدل والمساواة، فهل يستغني عاقل عن علوم الاجتماع والتاريخ والسياسة والقانون والاقتصاد والفن والفلسفة ونحوها؟
هذا هو العلم:
علم شرعي وعلم كوني وعلم إنساني ، ولا تقوم حضارة ربانية ولا يكون المسلم أهلاً لقيادة الإنسانية إلا باجتماع هذه الشعب بشكل متقن في المجتمع ، وكل تفريط في إحداها يصيب المسيرة الحضارية بعطب قاتل ويصيب المسلمين بشلل جزئي، وها هي الحضارة الغربية تربعت على عرش العلوم التجريبية وأبدعت في مناهج العلوم الإنسانية ( خلافاً لما يعتقد كثير من المسلمين، وهو ما سنبنيه بإذن الله في مقال منفصل) لكن انقطاعها عن العلوم الشرعية أصابها بالعرج والعمى فعجزت عن إسعاد الإنسان رغم امتلاكها الأسباب المادية، وهاهم المسلمون يتباهون بثروة علمية شرعية هائلة لم تمتلكها أمة أخرى لكنها لم تجدهم عندما أهملوا ما تدعو إليه هذه الثروة ذاتها من اقتحام لعلوم الكون وعلوم الإنسان.
إن وظيفة المسلم أن يعرّف الناس بالله واليوم الآخر ومبدئهم ومعادهم وحكمة ذلك، ويقوّم سلوكهم ليعمروا الأرض ويقوموا بمهمة الخلافة و لن يتأت لهم ذلك إلا بشرط أساسي يتمثل- بعد الإيمان العميق المبصر- في امتلاك ناصية العلم الذي يشرح الصدور بحجته ويغذي العقول وينشط الجوارح ويشحذ الهمم ويسخر الطبيعة ويعبّد الخلائق لربهم.
لكن هل تنفع الجهود الفردية لبناء صرح العلم؟ إن العلم المنشود يحتاج إلى مؤسسات قوية فاعلة تتولى الأمر جديا وتتخصص في البحث وإسلامية المعرفة ونشرها .
ينابيع