مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
آليات الهيمنة على الإعلام في الغرب
آليات الهيمنة على الإعلام في الغرب

جمال سلطان

لعل أبرز ملامح الحريات العامة في المجتمع الغربي، والتي تبهرنا جميعاً، هي تلك المتصلة بالحرية الإعلامية المطلقة، أو التي نتصور أنها مطلقة، و كذلك حرية تداول المعلومات، والتعبير عن الرأي.

إلاّ أن بعض المظاهر الإعلامية -خاصة في أوقات الحروب أو الصراعات السياسية الحادة أو الصدامات المتعلقة بمصالح حيوية لهذه الدولة أو تلك، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية- كشفت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الحرية مشكوك فيها، ومطعون في جديتها، ولعل الحرب على أفغانستان، ثم الحرب على العراق ثم الحرب على غزة تمثل أحد أبرز مظاهر هذا التحيز في الإعلام الغربي وقت الحروب.

يكشف كتاب ’’الإعلام والمؤسسة العسكرية’’*، الذي وضعه باحثون وخبراء أمريكيون يرصدون فيه بدأب وإحصاء دقيق ووقائع محددة عملية الهيمنة التي تمارسها المؤسسة العسكرية الأمريكية بأذرعها المختلفة، الاستخبارية والأمنية بشكل خاص، على وسائل الإعلام، سواء داخل الولايات المتحدة أو المناطق الأخرى التي تملك فيها نفوذاً جيداً؛ إذ يؤكد هؤلاء الخبراء على أن حرب فيتنام كانت فاصلة في هذه المسألة؛ لأن المؤسسة العسكرية اعتبرت أن الهزيمة في فيتنام كانت بسبب الانفلات المطلق للإعلام الأمريكي وتأثيره السلبي على الرأي العام الأمريكي والعالمي، ومن يومها بدأت الأفكار والبرامج لوضع آليات احتواء النشاط الإعلامي أوقات الحروب والمواجهات والصدامات السياسية الحاسمة.

نكتشف مع الكتاب أن الصلة بين المؤسسة العسكرية وأذرعها الأمنية والاستخبارية الغربية أكبر مما نتصور في السيطرة على توجهات الإعلام الغربي، وتتمحور هذه الآليات حول ثلاثة محاور أساسية:

أولها: وأهمها هو تبادل المنفعة بين رغبات المؤسسات الإعلامية في التغطية الحية والسريعة وجذب الجمهور، وبين تلبية رغبات المؤسسة العسكرية ومشروعاتها في نشر ما تريد أن تنشره سواء كانت تقارير ميدانية أو صور أو تغطيات إخبارية بأي صورة.

والمحور الثاني: هو التمويل المباشر لبعض الأنشطة الإعلامية من خلال أفراد أو من خلال جهات الإدارة مباشرة.

المحور الثالث: هو محور الردع والعقاب المهني لمن يحاول اختراق هذه الهيمنة، ويشير المؤلفون إلى واقعة إهانة بعض الصحفيين الأمريكيين الذين حاولوا الوصول إلى الواقع الميداني في كوبا أثناء أزمة خليج الخنازير، حيث تم اعتقال بعضهم بداعي الاشتباه ووقوفهم عرايا أمام لجان تحقيق، ويتتبع الكتاب نماذج عديدة من الحروب الحديثة مثل: حرب فيتنام، وحرب الفوكلاند، وحرب العراق الأخيرة وغيرها.

الحقيقة أن هذه المعلومات المثيرة تلفت انتباهنا إلى أمر مهم، وهو تحجيم ثقتنا المبالغ فيها في الأخبار والتقارير والمقالات التي تُنشر في الإعلام الغربي أو تُذاع فيه، والتي يتلقاها البعض منا وكأنها من صحيح البخاري، ولعل هذا المطلب أصبح أكثر إلحاحاً الآن بعد صدور القرار الخطير من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير؛ لأن الحملة الإعلامية واسعة النطاق التي تروج الآن ومنذ ثلاث سنوات، عبر آلة الدعاية الغربية الهائلة، مصحوبة بصور ومشاهد، هي في النهاية مزورة تماماً، وأفلام ترقى إلى مستوى التمثيل المحترف، وإن دُعمت ببعض مشاهد من الواقع، وتم إنتاجها خصيصا للتمهيد لمثل هذا القرار وصناعة رأي عام عالمي متفهم؛ لأن هناك جرائم إبادة جماعية، وأن هناك مئات الآلاف من القتلى وأن الجيش السوداني هو المسؤول عن تلك المأساة، وليس أن المعضلة أساس في صراع قبلي بين أبناء إقليم دارفور أنفسهم.

تبقى المسؤولية الأخلاقية والقومية ملحة على المؤسسات الإعلامية العربية أن تتعفف عن أن تكون ساحة خلفية لمثل هذه ’’الغارة الإعلامية’’ الغربية على السودان، وأن يكون لها دورها الإيجابي في الكشف عن أبعاد هذا الحصار القانوني والسياسي الجديد الذي يريدون فرضه على السودان، خاصة وأن القضية ليست قضية شخص الرئيس في هذه الحالة، وإنما سياق الأحداث في السنوات الأخيرة كله يشير إلى أن المستهدف هو ’’وجود’’ السودان نفسه، كدولة ومجتمع وهوية وانتماء عربي إسلامي.

* الكتاب من تأليف: بيتر يونج، وبيتر جيسر

ترجمه ونشره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية
.نوافذ
أضافة تعليق