مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الشرائع والتمدن
الشرائع والتمدن

د. محمد العبدة

يقال أن أعظم مااشتمل عليه خلق الإنسان قبوله التمدن الذي أعظمه وضع الشرائع له ، والتي هي في مصلحته في العاجل والآجل ، ولكن كيف يكون حال هذا الإنسان عندما يعيش المجتمع والحكومة التي تهيمن على مقدراته دون شرائع بل دون قوانين تسري على الجميع ، مسؤولين ومحكومين ، ألا يدل ذلك على الإنحطاط والإنحلال وفشو الظلم وترب اليأس الى الناس ؟ وكيف إذا وصل الأمر الى القضاء ونخر الفساد فيه فهنا الطامة الكبرى بل الفتنة الكبرى

جاء في (نشوار المحاضرة) للتنوخي: ’’وكان أول ماانحل في نظام سياسة الملك ماشاهدناه في أيام بني العباس القضاء ، فإن ابن الفرات ( الوزير) وضع منه وأدخل قوما بالضمانات (1) لاعلم لهم ، فما مضت سنوات حتى ابتدأت الوزارة تتضع ويتقلدها كل من ليس لها بأهل ،وتلا سقوط الوزارة اتضاع الخلافة ’’ (2) تسلسل منطقي وصحيح ، فعندما يفسد نظام القضاء سيأتي الخراب الى باقي الدولة

جاءت شريعة الإسلام لما فيه صلاح البشر ، والفرق بينها وبين القانون هو أن الأخير هو مداواة دون تشخيص ومعالجة مع الإبقاء على جرثومة الفساد ،فالشريعة من عند الله الخبير بمن خلق ،والعلاج هو ترويض الإنسان بالايمان والخلق الحسن قبل أن يصل الأمر الى القضاء .

العمران في الأرض لايتم دون شريعة جاء في كتابها : ’’ وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لايحب الظالمين ، ولمن انتصربعد ظلمه فأولئك ماعليهم من سبيل ’’ (الشورى / 40 -41) ومع ذلك فإن مجتمعات تدار بقانون يسري على الجميع خيرمن مجتمعات لاتداربشريعة ولا قانون كما هو الواقع في بعض البلاد العربية ، حيث لانرى مجتمعات بل أشتات متفرقة من مجتمعات . والترتيب الإصطلاحي كما يعبر الإمام الطرطوشي خير من الفوضى حين يعيش الناس دون شريعة أو قانون يقول رحمه الله : ’’ إن درهما يؤخذ من الرعية على وجه الإهمال والخرق – وإن كان عدلا – أفسد لقلوبهم من عشرة تؤخذ منهم بسياسة على زمام معروف ورسم مألوف وإن كان جورا ، فلا يقوم السلطان ( الحكم ) لأهل الايمان ولا لأهل الكفر إلا بإقامة العدل النبوي أومايشبه العدل من الترتيب الإصطلاحي ’’ (3)

إن عشرة دراهم تؤخذ من الجميع بقوانين معلومة ودون محاباة ثريح الناس ولايشعرون بالغبن ، وعندما يتوفر هذا الذي يطلبه الطرطوشي من عدل وقضاء مستقل هنا يمكن أن نقول أن عندنا ( دولة ) لأنها هي المؤشر على التمدن

إن الأرض والنجوم والحيوانات محكومة بقوانين كونية ، ألا يحتاج الإنسان إلى شريعة تضبط تصرفاته وتساعد على تقدمه وتمدنه .

1- 1- أي أن القاضي يتسلم عمله لقاء مال يدفعه للحكومة، وهذا تخريب للقضاء، وابن الفرات هذا مدخول في عقيدته.

2- 2- طريف الخالدي: فكرة التاريخ/ 172 .

3- 3- سراج الملوك/174 ت. جعفر البيّاتي
أضافة تعليق