د.محمد بن عبد الرحمان الحفظاوي
أحكام استثمار أموال الزكاة وتطبيقاته
ملخصالحمد لله مالك الملك، الذي استخلف الإنسان لعمارة الأرض بفضائل الخيرات ، ومنها فضيلة الإنفاق ، التي قال فيها عز وجل :﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ... {الحديد/7})،﴾،وجعل جزاء من يجمع بين الإنفاق والإيمان الأجر الكبير بقوله سبحانه وتعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ {الحديد/7}). والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيئين وإمام المرسلين ، القائل فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه :" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا "[1]، وعلى آله وأصحابه المهتدين وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد ،فإن التشريع الإسلامي عامة ، بما فيه التشريع المالي ، إنما جاء ليسعد الناس ويضبط حياتهم بنظام يقوم على العدل والرشاد ، ويجلب لهم المصالح ويدرأ عنهم المفاسد ، لذلك قال ابن عبد السلام :" والشريعة كلها مصالح إما تدرأ مفاسد ، أو تجلب مصالح ، فإذا سمعت الله يقول (يأيها الذين آمنوا ) ، فتأمل وصيته بعد ندائه ،فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه ، أو شرا يزجرك عنه ،أو جمعا بين الحث والزجر ،وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد حثا على اجتناب المفاسد ، وما في بعض الأحكام من المصالح حثا على إتيان المصالح "[2]. ومن الخير الذي حث عليه سبحانه ، الإنفاق، كما قال عز من قائل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ {البقرة/267}﴾.
ذلك أن الإسلام اعتنى بالثروة المالية للأمة، فجعلها من مقاصده الشرعية وكلياته الضرورية الخمس، التي بها قوام الأمة ، وهي : حفظ الدين ، والنفس، والعقل ، والنسل، والمال. فكان المقصد الأول للشارع إقامتها ودوامها ، فهي مفاهيم قطعية كبرى يتجه التشريع كله إلى تحقيقها في واقع حياة الناس ، ورعايتها وصونها ، وتنميتها بتشريعات خاصة ، كزكاة الأموال التي تعد ثالثة قواعد الإسلام وفريضة من فرائضه ، أوجبها اله تعالى شكرا للنعمة على الأغنياء وسدا لخلة الفقراء ،وطهرة وزكاة ، وتقوية لنظام الأمة .
فهي بهذا الوصف ذات حقين ، حق رباني وحق إنساني : فالحق الرباني هو جانب التعبد الذي هو الصلة بين العبد وربه ، والحق الإنساني هو عون الأقوياء للضعفاء على القيام بمطالب العيش ولوازم الحياة ، على أساس مبادئ الأخوة والتضامن والمحبة .
ولئن كان الإنفاق في جميع وجوه الخير وسبل الإحسان بما فيه الزكاة ، مطلبا من مطالب الإسلام، حضت عليه آيات جمة من الكتاب العزيز ، وتظافرت على العناية به أحاديث الرسول ، فإن الزكاة وهي على رأس ضروب الإنفاق المأمور به ، كفريضة وركن ، لم تعط حقها من الاهتمام باعتبارها إحدى وشائج النسيج الاجتماعي المتآلف في الاجتماع الإسلامي ، منذ توقف العمل بها بالعالم الإسلامي عامة وببلدنا خاصة ، حيث كان هذا الركن من شعائر الإسلام معمولا به ، فقد " بدأ تطبيق الزكاة بالمغرب مع الفتح الإسلامي ، وبداية النصف الثاني من القرن الأول الهجري ، وظلت الدولة تجمعها وتوزعها حتى سنة 1319 هـ / 1901 م ، عندما أعطى التغريب بالعالم الإسلامي إحدى نتائجه "[3].
لكن يبدو أن الرجعة لذلك الحلم أضحت أملا يداعب نفوس المؤمنين ، خاصة بعد مبادرة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، بتعيين لجنة تحضيرية لتطبيق نظام الزكاة[4]، لكن مشروع الزكاة تم تأجيله ولم يتم إدراج مشروع قانون تفعيل صندوق الزكاة في المخطط التشريعي للحكومة المغربية، ربما –نظرا لأنه- لم يتم إيجاد صيغة "لتأميمه" من طرف الدولة التي تتحفظ على إنشاء صندوق للزكاة لعدم رغبتها في أن يكون قطاعا مستقلا كما صرح بذلك الخبير الاقتصادي عمرالكتاني[5]، لكن الأمل مازال قائما مع الجهود العلمية المبذولة للعناية بالزكاة مثل قيام هيآت ومؤسسات بالتخصص في هذا الموضوع نظريا وتطبيقيا، كجمعية الدراسات والبحوث في ركن الزكاة، التي تصدر مجلة شؤون الزكاة بالمغرب ، وبيت الزكاة الكويتي وغيرها . لكن البحث النظري والتطبيق العملي مازالا يظهران الكثير من القضايا المعاصرة المشكلة، التي تحتاج إلى اجتهاد شرعي مستنير، يلبي حاجات المسلمين في حلها، وفي إبقاء تطبيق الزكاة ملتزما بأصول الشرع وقواعده، ومن هذه القضايا مشكلة : استثمار أموال الزكاة .
[1]-أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب قوله تعالى:(فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى)،اللهم أعط منفق مال خلفا.( فتح الباري بشرح صحيح البخاري : 3/ 372 حديث رقم 1442 ).
[2] -قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبد السلام:1/11.
[3] - تطبيقات الزكاة بالمغرب ،التاريخ والآفاق ،للأستاذ محمد الحبيب التجكاني ،منشور ضمن كتاب (الزكاة وانعكاساتها في المجالين الاقتصادي والاجتمماعي ):137 .
[4] - في ليلة القدر من عام 1998 ،برحاب القصر الملكي ،ووسط علماء المسلمين ،قرر جلالته تطبيق قانون الزكاة :ينظر نص الكلمة بمجلة دعوة الحق ،العدد :333 ،السنة التاسعة والثلاثون ،ذو القعدة 1418هـ -1988 م ، ص :25 – 27 . وفي ليلة القدر من سنة1999م، تلقى دليلا للمقتضيات العامة والتفصيلية لقانون الزكاة التي تعاونت عليه المجالس العلمية ووزارة الاوقاف ووزارة المالية .
-جريدة التجديد،العدد3096،ص:1.