أ. عائشة الحكمي
السؤال
كيف أكون قائدًا فعَّالاً، وداعيًا إلى الله ناجِحًا؟
جزاكم الله خيرًا
الجواب
أخي الكريم، جَعَلَكَ الله كالنَّجم الثاقب في سماء بلادك.
أولاً: كيف أكون قائدًا فعَّالاً؟
من الضَّرورة بمكان التعرُّفُ على نظريَّات القيادة، قبل الوصول إلى مرتبة القيادة الفَعَّالة، سأستعرضها سريعًا مع ضرْب مثال قرآني لفَهْم كل نظرية على حِدة، وبالله التوفيق:
1- نظرية الرجل العظيم The Great Man Theory:
من أقدم النظريات التي تفسِّر مفهوم القيادة على أسس وراثية، حيث تفترض أنَّ القائدَ يُولَد بخصائص وراثية مُعَيَّنة، ومواهب وقدرات غير عادية، تُمَكِّنه من السيطرة على الآخرين، وتمكنه من التأثير على البيئة المحيطة به، فيُحدِث فيها أية تغييرات يراها.
المثال القرآني: النبي سليمان - عليه السلام - هو مثال للقائد العظيم، الذي كانتْ تَخْشاه جبابرة الجن والإنس والطير؛ لعظمته ولقدراته المعجزة التي وهبه الله إياها.
قال - تعالى -: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [النمل: 16، 17].
2- نظرية سمات الشَّخصية Personality Traist Theory:
تفسر مفهوم القيادة على أساس وراثي أيضًا، غير أنها ركزتْ على الخصائص الشخصية التي تُمَيِّز القائد عن غيرِه من البشر؛ كالمظهر الشخْصي، والذكاء، والحيوية والنشاط، والثبات الانفعالي، والبنيان الجسمي، والعمليات العقلية المعرفية، وبعض القدرات الخاصة، وقد وجد ستوجديل - حسب هذه النظرية - أن القادة أطول قامة - إلى حد ما - عن غيرهم، وأضخم حجمًا، وأصحّ بدنًا، وأحسن مظهرًا، وأذكى - إلى حد ما - عن باقي الأفراد.
المثال القرآني: طالوت؛ أحد ملوك بني إسرائيل؛ قال - تعالى -: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247].
3- النظرية الموقفية The Situational Theory:
تستند إلى الأسس البيئية في تفسير مفهوم القيادة؛ حيث تفترض أهمية الظروف والمواقف المُتاحة في البيئة؛ لإظهار وإنْجاب القائد الكُفْء في عملِه، وقد افترضت هذه النظرية أنه يمكن لأيِّ فردٍ كان أن يتولَّى قيادة أية جماعة إذا سمحتْ له الظروف بذلك، ومكَّنته من اكتشاف مواهبه وقدراته واستعداداته التي يستثمرها في عمله القيادي.
المثال القرآني: النملة في قصة سليمان - عليه السلام – أجل، النَّمْلة، فقد أصبحتْ قائدة نتيجة لظرفٍ طارئ هو مُرُور جيش سليمان - عليه السلام - مِن وادِيهم؛ كما جاء في سورة النمل؛ قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 18].
4- النظرية التفاعلية The Interactional Theory:
تَبَنَّت الجمعَ بين كل المتغيِّرات الوراثية والبيئيَّة في تفسير مفهوم القيادة؛ حيث افترضتْ أن القيادة الناجحة تكون مبنيَّة على أساس منَ التفاعل الإيجابي بين القائد، وما تَتَمَيَّز به شخصيته من سمات موروثة، وما يقدمه من أنشطة متباينة داخل الجماعة وبين الأعضاء وما يتبعونه من اتجاهات، وما يعانون منه من مشكلات في إطار العلاقات الاجتماعية التي تربطهم جميعًا ببعضهم.
المثال القرآني: النبي يوسف - عليه السلام - في مصر بعد قصة تفسير حلم الملك، ووضع الحلول لتلك المشكلة.
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 54 - 56].
وظائف القائد:
1- القائد كإداري منفذ: مسؤول مباشرة عن التنفيذ، ومتابعة تحقيق الأهداف.
2- القائد كنموذج أو بديل للأب: على القائد أن يكون دائمًا في مستوى توقُّعات الأعضاء؛ حيث يحتل صورة إيجابية في خيالاتهم.
3- القائد كصانع سياسة: والمقصود بصُنْع السياسة هو سلطة إصدار القرارات، وتحديد الأهداف.
4- القائد والتمثيل الخارجي للجماعة: فهو المتحدِّث باسم الجماعة وجميع اتصالاتها بالخارج تمُر من خلاله، وكذلك جميع الاتصالات الآتية من الخارج تمُر إليها من خلاله.
5- القائد كمنظّم للعلاقات الداخلية: فهو يمْنع تداخُل الأدوار، واستلاب المسؤوليات.
6- القائد كمصدر للثواب والعقاب: فله سلطة المكافأة أو إيقاع العقاب؛ لتحقيق الانضباط والانتظام.
7- القائد كقاضٍ أو وسيط: من خلال حلِّ الصراعات، وتسوية المنازعات، ومنْع تجاوُز السلطات والمسؤوليات.
8- القائد كرافع شعارات الجماعة: فهو المسؤول عن حماية الشعارات التي ترفعها الجماعة.
9- القائد مسؤول بديل: أشار فروم إلى أن الناس لديهم الاستعداد لإسناد المسؤوليات الخطيرة لقادتهم؛ كمُحاولة للتهرُّب من المسؤولية الفردية.
10- القائد كمخطط: فهو غالبًا ما يُقرر الطرق والوسائل التي بها تُحقق الجماعة أهدافها.
11- القائد كخبير: فهو مصْدر المعرفة، والخبْرة الفنيَّة والإدارية للجماعة.
12- القائد كرَمْز للجماعة: يقف القائد كمثال حي، ورمْز قائم؛ لاستمرار الجماعة في أداء مهمتها.
13- القائد كأيديولوجي: فهو يعمل كمصدر لمعتقدات وقِيم الأفراد.
صفات القائد الناجح:
وليس في الدنيا قُدوة أفضل وأنجح من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القيادة الناجحة؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
1- كمال الأخلاق: قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
2- توفُّر الدافعية للعمل والطموح.
3- اللياقة البدنية وسلامة الجسم: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ’’ما رأيتُ شيئًا أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنَّ الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدًا أسرع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنَّما الأرض تطوى له، إنَّا لَنُجهد أنفسنا وإنَّه غير مكترث’’؛ رواه الترمذي.
4- المظْهر الشخصي اللائق والمهندم.
5- القُدرة على الإقناع.
6- الرَّغبة في مساعدة الآخرين.
7- القُدرة على التعليم.
8- المبادأة (المبادرة)؛ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قِبل الصوت فاستقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: ((لن تراعوا، لن تراعوا))، وهو على فرس لأبي طلحة عري، ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: ((لقد وجدته بحرًا))، أو ((إنه لبحر))؛ رواه البخاري.
9- الاستبْصار والانتباه المركز إلى تفاصيل العمل: كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقبوله شروط صلح الحديبية.
10- التعاون: كمثل تعاونه - صلى الله عليه وسلم - مع صحابته في حفْر الخندق، وترديده الأهازيج معهم:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وكان يمد بها صوته بآخرها، ويرتجز المسلمون، وهم يعملون:
نَحْنُ الَّذِينَ عَاهَدُوا مُحَمَّدًا
عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
فيجيبهم بقوله:
اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ
فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ
11- توفُّر الذَّكاء العام (القدرة على حل المشكلات)، والذكاء العملي (القدرة على التصرُّف في المواقف الطارئة).
12- الطلاقة في التعبير الشفهي والكتابي.
13- امتلاك زِمام النفس والاتِّزان الانفعالي؛ كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أهْلِ قُريش يوم فتح مكة، فقال لهم: ((يا معشر قريش، ما ترون أنِّي فاعل بكم؟))، قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ((فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
طرق التدريب على القيادة:
أ- الطرق الرسمية:
كالمحاضرات، والمناقشات، والندوات، والرحلات الميدانية، والمساعدة المباشرة من قبل المختصِّين، والتدريب الجماعي، والمعينات السمعية والبصرية.
ب- الطرق غير الرسمية:
عن طريق الملاحَظة الشخصية، والتحدُّث مع القادة الآخرين، وكذلك القراءة والاطِّلاع على المطبوعات المتعلقة بأدبيات القيادة، ومن تلك الكتب:
1- كتاب ’’مفهوم القيادة في إطار العقيدة الإسلامية’’؛ تأليف د.سيد عبدالحميد مرسي من سلسلة (دعوة الحق) العدد 51 - مارس 1986.
2- كتاب ’’القائد الفعال’’؛ تأليف: طارق السويدان، ومحمد العدلوني، من سلسلة (القيادة في القرن الحادي والعشرين) 2005.
ثانيًا: كيف أصبح داعية ناجحًا؟
إليك هذه القواعدَ المهمة لتكون داعية ناجحًا:
أولاً: التزوُّد بالعِلْم الشرعي:
لن تستطيع المحاوَرة والمجاراة والرد بدون خلفية شرعية متمكنة، وقد أوجز الإمام ابن الجوزي العلوم التي على الداعية الإلمام بها بقوله: ’’فينبغي للواعظ أن يكون حافظًا لحديث رسول الله، عارفًا لأخبار الزُّهَّاد، فقيهًا في دين الله، عالمًا بالعربيَّة، فصيح اللسان، ومدار ذلك كله على تقوى الله - عز وجل - وأنه بقدر تقْواه يقع كلامه في القلوب’’.
أخبرتْني إحدى صديقاتي عن حوار جرى بين طالبات الطب في الكلية، حول غطاء الوجه، وكانت الأكثرية ممن يغطين وجوههن، ومع ذلك لم يكنّ مستندات إلى الأدلة جهلاً بها، في حين قامت طالبة واحدة ممن يحملن لواء كشْف الوجه بإفحام صف كامل ممن يحملن لواء غطاء الوجه، وهي تسرد عليهنَّ الأدلة الواحد تلو الآخر.
والعبرة هنا ليست في أيهن قد كان على صواب؛ بل العبرة هنا: إن كنتَ تؤمن بفكرة أو عقيدة، فعليك أن تقوي خلفيتك حولها، وتحفظ أدلتك عليها؛ كي لا يهزم الباطل الحق لقصور فينا، لا في الحق الذي نحمله.
ثانيًا: الإلْمام بفِقْه المذاهب الأرْبعة:
نحن نحترم المذاهب الأربعة؛ لكنَّنا نجهل الاختلافات الفقهية فيما بينها، فيحدث الخلاف مع أصحاب المذاهب الأخرى بسبب هذا الجهل، أذكر أن إحدى صديقاتي سألتْني: كيف تنصح عاملة تعمل في بيتهم كمدبرة منزل عن كيفية الصلاة الصحيحة، فسألتُها: وكيف تصلِّي؟ فقالت: تسدل يديها في الصلاة، فقلت لها: أهي مغربية؟ قالت: أجل، كيف عرفتِ؟ فأخبرتها أن المالكية هو مذهب أهل المغرب العربي؛ حيث اشتهر عن مالك كراهة القبْض في صلاة الفرض.
روى الخطيب البغدادي عن الإمام سفيان الثوري قوله: ’’ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحدًا من إخواني أن يأخذ به’’.
ثالثًا: الأخْذ بفِقْه الأولويَّات:
مسائل العقيدة اليوم في أول سلم الأولويات، لكن ما أُلاحظه على بعْض الدعاة هو صَبُّ اهتمامهم بالصغائر والمسائل الخلافية، تاركين الناس يتخبَّطُون في عقائدهم الخاطئة، ويؤثرون على غيرهم.
حقيقةً، ومن واقع خبرة صغيرة، تَبَيَّنَ لي أن هناك ثلاث فرق مخالِفة تقف في حرب ضروس مع أهل السنة والجماعة، وهم: (الرافضة، وهم على رأس القائمة - الأشاعرة - الصوفية بفروعها).
رابعًا: الأخْذ بفقه المنكر:
على الداعية الإلمام بأُصُول الإنكار على أصحاب المنكرات، راجع كتاب ’’فقه الدعوة في إنكار المنكر’’؛ لعبدالحميد البلالي؛ لمزيد من الفائدة.
خامسًا: عدم الخَوْض في المسائل الخلافية:
من المتعب النِّقاش حول الأمور المختلف فيها، وفي رأيي الشخصي أنَّ على الداعية الاطلاع الكافي على الاختلافات المذهبية؛ ليَتَجَنَّبَ الجَدَل حولها، وليس ليخوض فيها، وليتذكر أن أصحاب المذاهب الأربعة قد اختلفوا مع بعضهم بعضًا، ومع ذلك لم يؤثر ذلك الاختلاف فيما بينهم من احترام بعضهم لبعض، لكن أين نحن من أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد؟
حين نصبح مثلهم علمًا وخلقًا واحترامًا، فلنبدأ عند ذلك بفتْح حوار ناضج حول الأمور المختلف فيها، أما ونحن بهذه العقليات وتلك الأخلاق، فرجاء، ليترك الدعاة هذه النقطة، ولينتقلوا إلى النقطة التي تليها.
سادسًا: الدَّعوة إلى الله، والجدال بالتي هي أحسن:
قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، وقال: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 46].
سابعًا: حُسن الخُلُق:
الداعية الناجح هو الذي يتحلَّى بأخلاق الرسول - صلى اله عليه وسلم - في رحمته وتواضعه وأسلوبه في الدعوة؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، فإن كان هذا الخطاب قد وجِّه إلى الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي عُرف بأخلاقه الكريمة حتى قبل أن يبعث نبيًّا، فحَرِي بنا نحن أن نطأطئ لتلك التوجيهات القرآنية خَجَلاً.
ثامنًا: حسْن السَّمْت والهِنْدام:
قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
تاسعًا: لا تحقرنّ من المعروف شيئًا:
تذكَّر أن الدَّعوة إلى الله ليستْ فقط في الأمر بالمعروف، والنهْي عن المُنكر، فالداعية إنسان وأخ وصديق وزوج، فلا تترك بر والدتك لتتفرَّغ للجدال مع المخالفين، ولا تترك زوجتك حزينة وحيدة لتهتم بشؤون الدعوة، كل هذه الأمور لا تتعارض مع بعضها بعضًا، وكلها من المعروف؛ بحيث لا يطغى شيء على شيء، فلا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقَ أخاك بوجْه طلق؛ كما جاء في الحديث الصحيح.
عاشرًا: التعرُّف على مذْهب المخالفين:
لقد أدرك المخالفون أهمية معرفة عقيدة من يناظرونهم، فنجدهم على اطلاع واسع بكل بما في أيدينا من كتب علْم وتشريعات، ومع الأسف يقومون باستقطاع الأحاديث التي تصب في مصلحتهم بصورة قد تنطلي على السنِّي، الذي لا يتفَقَّه أمْر دينه، أذكر مرة أنني قرأت في إحدى المنتديات الإسلامية التي تتيح الحوار بين أهل السنة ومن خالفهم موضوعًا لرافضي، كَتَبَ عنوانًا ما معناه: ’’الأدلة على جواز زواج المتعة من صحيح البخاري’’، وكما تعلم فإن زواج المتعة قد أبيح ثم حرِّم، فاستقطع هذا الرافضي الأحاديث التي تبيح زواج المتعة، وقام بعرْضها في صورة شككتِ الكثيرين لقوة أدلته كونها برواية البخاري، وأظن أن أفضل رد على هذه الشبهة هو ما وَرَدَ في صحيح مسلم باب ’’نكاح المتعة وبيان أنه أبيح، ثم نسخ، ثم أبيح، ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة’’.
وقد أحسن الفاروق عمر - رضي الله عنه وأرضاه - قولاً حين قال: ’’إنما تنتقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا وُلِد في الإسلام مَن لا يعرف الجاهلية’’.
حادي عشر: مخاطبة الناس على قدْر عقولهم:
إذ ليس من الحكمة أن نخاطب الصغير بنفس خطابنا للكبير، ولا أن نخاطب العامة كخطابنا للمثقفين، أليس كذلك؟
ثاني عشر: اختيار الوقت والمكان المناسبَيْن:
من الأهمية بمكان اختيار الوقت والمكان المناسبَيْن للدعوة وإنكار المنكر، مع الاهتمام بتوجيه النصيحة بين الناصح والمنصوح سرًّا، وعلى انفراد؛ عملاً بنصيحة الإمام الشافعي:
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادٍ
وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ
مِنَ التَّوْبِيخِ لاَ أَرْضَى اسْتِمَاعَهْ
وَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصْيَتَ قَوْلِي
فَلاَ تَجْزَعْ إِذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَهْ
ثالث عشر: استثمار المواقف:
على الداعية الناجح أن يستثمر المواقف التي يستطيع من خلالها الدَّعوة إلى الله، ومثال على ذلك: أتذكر أنه كانت لإحدى معلماتي خادمة نصرانية، أصيبت بالإمساك (الإخراج الصعب للبراز)، وكان الإمساك شديدًا إلى درجة أنها رغبت في تناول أي علاج، ولو كان علاجها كفرًا بيسوع!
ففالت لها معلمتي: ’’قولي: لا إله إلا الله’’، وجعلتْ تُرَدِّد عليها هذه الكلمة، فرددتها الخادمة بدون وعْي منها إلى أنْ كتب الله لها اليُسر، وتمكَّنت من إفراغ بطنها، في اليوم التالي سألت الخادمة معلمتي قائلة لها: ما معنى لا إله إلا الله؟ فشرحت لها المعلمة معنى الكلمة، وربطت لها موضوع الشفاء بقدرة الله على الشفاء، ولم تلبثْ كثيرًا حتى أعلنت تلك الخادمة إسلامها.
رابع عشر: كسر حاجز اللغة:
كثيرًا ما تقف اللغة حاجزًا بين الداعية وغيره من أصحاب الملل والعقائد الأخرى؛ لهذا عليك تعلُّم لغة القوم الذين ترغب في دعوتهم إلى الله، وبما أنك من بنغلادش أو ممن يعيش فيها، فمن المهم إجادة العربية والبنغالية معًا.
خامس عشر: تقبُّل النَّقْد:
كان عمر - رضي الله عنه - يقول: ’’رحم الله امرأ أهدى إليَّ عيوبي’’، هكذا يقول عمر أحد المبشرين بالجنة، فما الذي يتعيَّن علينا نحن أن نقوله؟!
سادس عشر: الصبر:
لقد ضرب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أروع المثل في الصبر في سبيل الدَّعوة إلى الله، ومن ذلك ما رواه البخاري بسندِه عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: ((لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبدياليل بن عبدكلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني فنظرت، فإذا جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، ثم قال: يا محمد، فقال: إن شئتَ أن أطبق عليهم الأخشبَيْن؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بل أرجو أن يخرجَ الله مِن أصْلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا))، فعند ذلك قال له ملك الجبال: أنت كما سماك ربك رؤوف رحيم.
سابع عشر: الالتحاق بمعاهد لإعداد الدعاة:
تنتشر في بعض الدول الإسلامية عدة مراكز ومعاهد؛ لتدريب الدعاة وإعدادهم، فإن وجدت في بلدك معهدًا للتدريب، فلا تَتَرَدَّد في الالتِحاق به، وإذا أتيحتْ لك زيارة موفّقة لأم الدنيا مصر الحبيبة، فاسأل هناك عن الشيخ الداعية خالد بن عبدالمنعم الرفاعي - حفظه الله - فقد كان مديرًا لمعهد إعداد الدعاة بالمركز الإسلامي لدعاة التوحيد (العزيز بالله)، سيفيدك كثيرًا بخصوص هذا الموضوع، ولا تنسَ أن تبلغه منَّا السلام.
دمت بخير، ولا تنسنا من صالح دعائك.