مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
هل أقبله زوجا ؟
2014/08/17 20:16
أ. عائشة الحكمي
السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.

سعادة الدكتورة - حفظك الرحمن.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



وبعد، أنا فتاة أبلغ من العمر 20 سنة، حافظة لكِتاب الله، وطالبة في دورة إعداد الداعيات، أحبُّ أن أوسع مداركي، وأن أستَفِيد من مهاراتي، وأحبُّ أن أطوِّر ذاتي بالاطِّلاع على الكتب والبرامج، عصبيَّة، غير اجتماعيَّة، مع العلم أنِّي ذكرت كلَّ هذا عنِّي ليس من باب الرِّياء، ولكن هذا يتعلَّق بما بعده.



أستاذتي: أنا كأيِّ فتاة في هذه الدنيا تُرِيد الزواج، ولا سيَّما في هذا الزمان الذي كَثُرت فيه الفتن والمغريات، لكن لا أجد الشخص المناسب، فهل ذلك يَعنِي أنَّ مواصفات الزوج الذي أريده تعجيزيَّة؟ فأنا أريد زوجًا يَخاف الله وحافِظًا للقرآن، أو فقط لديه معرفة واسعة عن الدين، وأيضًا ألاَّ يقل راتبه الشهري عن 7000 ريال، وأيضًا يحبُّ السفر وإنسان مرح، ومتفهِّم، وأهمُّ شيءٍ أن يُجِيد التعامُل مع الزوجة، وقادِر على أن يكون مربيًا وأبًا صالحًا لأولاده، ويُلبِّي جميع رغبات المرأة وخاصَّة العاطفيَّة، فهل لي أن أجد هذا الرجل؟



معلمتي: من قبل فترة وَجِيزة تقدَّم لخطبتي ابن خالتي، ويبلغ من العمر 25 سنة، وصفاته: مُواظب على الصلوات، ومُطِيع لوالديه، ويحبُّ القراءة، وهادئ، ولا يحبُّ الاختِلاط مع الرجال كثيرًا إلا مَن يُوافِقه في الطِّباع، وتفكيره مثل شباب هذا العصر من حيث الانفِتاح، قليل الأصحاب لكنَّ أصحابه من خِيرَة الشباب، قليل الكلام، ولا يحبُّ الجدال ولا النِّقاش، ولا يسمع الأغاني، ويحبُّ الشِّعر، فما رأيك؟ هل أقبله؟ وهل ترَيْنَه زوجًا صالحًا وقادِرًا على أن يكون ربًّا لأسرة؟



وأخيرًا: أرجو من فضيلتك مساعدتي بعد مقارنة صفاتي وصفاته، وهل أستطيع العيش معه، أم أنتَظِر إلى أن يرزقني الله برجلٍ يُعِينني على طاعته؟ وإذا كان جوابُك لي بأنْ أوافق عليه فما هي الشروط التي يُمكِنني اشتِراطُها لأنعَمَ بحياةٍ سعيدة؟ وهل يُمكِن الاشتِرط عليه أن يحفَظ بعضًا من أجزاء القرآن أو يسجِّل في معهدٍ لتعليم القرآن والسنَّة، أو يسجِّل في دورات للمُقبِلين على الزواج أو في التربية؟



وهل هناك مجالٌ أن أُغَيِّر من طِباعه؟ وأجعَل همَّه هذا الدين؟



نفَع الله بك هذه الأمة، وأنار طريقك، وجعَل الفردوس الأعلى مسكنك.



ملحوظة: أحد أقاربي ينتَقِده كثيرًا لأنَّه كان يُطِيل شعره ويسمع الأغاني ولا يجالس الرجال، حتى قال لي مرَّة: إنَّ الذي لا يُجالِس الرجال ليس برجل، فهل هذا صحيح؟ مع العلم أنَّ هؤلاء الرجال - إلا مَن رحم الله - مَن هم مجالسهم كلُّها في القيل والقال وانتقاد الناس، ولا ينادون مَن أقلُّ منهم سِنًّا إلاَّ بالسبِّ والشتْم، وأنا في نظري أنَّ هؤلاء الرِّجال ليسوا رجالاً إلا بالاسم، وأنَّ مَن ابتَعَد عن مجالسهم فهو الرجل حقًّا! وأيضًا أمي تقول: إنَّ الذي تقدَّم لي ليس قادرًا على تحمُّل المسؤوليَّة، وتقول: إن هذا مجرَّد إحساس فقط.



وجزاك الله خيرًا.
الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.



لستُ أدري مَن المقصود في خِطابِك! فمرَّة تقولين: دكتورة، ومرَّة: أستاذة، ومرَّة: معلِّمة، وكلُّ هذه الألقاب الرَّفِيعة لا تخصُّني، إنَّما احتِرامًا لرغبة ’’الألوكة’’ في إرسالها استِشارتك إلى بريدي، ولتأخُّري غير المقصود في الردِّ عليها أو تحويلها في حينها، أجد نفسي مضطرَّة الآن للإجابة نيابةً عن المستَشار الذي عنيته في استشارتك، متمنِّية ألاَّ تعتَبِري ذلك تطفُّلاً منِّي! لكِ مِنِّي ومن ’’الألوكة’’ كلُّ الشكر والتقدير على الثقة الغالية.



عزيزتي، لكلِّ شخصٍ أحلامُه الفريدة، ثَمَّة أحلام لم تُولَد لتَعِيش بل لتُشَيَّع، وأحلام تنتظر ’’كن’’ لتكون ولو بعد حين، وأحلام أخرى نتمنَّى لو أنَّنا ما تمنَّيناها متى ما تحقَّقت على أرض الواقع!


قَدْ يَضُرُّ الشَّيْءُ تَرْجُو نَفْعَهُ
رُبَّ ظَمْآنَ بِصَفْوِ الْمَاءِ غَصّْ



والشخص العاقل لا يُعانِد القَضاء والقدر، بل يكيِّف أحلامَه مع واقعه، فيقصر منها ما يستَطِيع التقصير فيه، ويُطِيل منها ما يَقوَى على التطويل، ويتقبَّل برضا ما لا يَقبَل التقصير والتطويل!



ولو انتظرتِ رجلاً كما تُرِيدين فلن تجديه، إنما هناك دائمًا رجلٌ كما يُرِيده الله ويختار، فإن كنتِ تَثِقين بالاستخارة بيقينٍ فستَقنَعِين بنصيبك، سواء كان مناسبًا لك أم لم يكن! وما دام أنَّ الله هو مَن اختارَه لك فثِقِي أنَّ هذا هو الخير، والخير ليس في السعادة، بل في الرضا بالقضاء خيره وشره.



إنَّني أُؤمِن بالاستِخارة وأَثِق بها إلى أبعد حدود الثقة، على الرغم من أنها قد ترَكت لي الطريق مُوحِشًا، لكنَّها غرست في قلبي وعلى طول الطريق أشجارًا من الرِّضا واليقين بأنَّ مَن نفقدهم بصلاة الاستخارة ليس فيه أيُّ خسارة؛ بل بفقدهم نربَح ربحًا مضاعفًا تثقل به موازين الأعمال بالحسنات والأجور!



بالنسبة لارتِباطك بابن خالتك، فليس والله لديَّ أيُّ ضماناتٍ على أنَّ هذا الرجل سيكون الرجل المثالي لشخصيتك؛ ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾ [الأعراف: 188]، لكنَّني أرى بعينٍ قاصرة أنَّكما مُتَوافِقان إلى حدٍّ ما، والأهمُّ أنَّ كليكما على خُلُقٍ ودين، وهذا هو مِقياس الصَّلاح في الزواج الإسلامي.



والحقيقة أنَّني تَلمَّستُ بين سُطُورك ميلَك إليه، فإنْ كنتِ حقًّا تَشعُرِين بالارتِياح والميل الرُّوحي والأدمة فتوكَّلي على الله، وارتَبِطَا بعقدٍ شرعي لتتعرَّفي عليه عن قرب؛ لأنَّ كلَّ ما عرفته عنه لا يتجاوَز وجهات نظَر مُتَبايِنة قد تُخطِئ وقد تُصِيب، كما أنَّ الاعتِماد على أحاسيس الناس في أمورٍ مَصِيريَّة تخصُّنا شخصيًّا هو برأيي ضربٌ من الجنون!



طبعًا فترة عقد القران (الملكة) فترة حسَّاسة جدًّا مثلما هي أيضًا جميلة جدًّا، قد تتكشَّف فيها الأقنعة سريعًا فيَسهُل التراجُع خِلالها، وقد تَكثُر فيها المجاملات والمثاليَّات، فنقنَع منها مستقبلاً بحلو الذكريات، إنما يبقَى الحل المفضَّل لاستِصدار الأحكام الصائبة، ولتقرِّري بنفسك إنْ كان مُناسِبًا لكِ ومُتوافِقًا مع شخصيَّتك ومنسجمًا مع طريقة تفكيرك أم لا، ثم يمكنك بعد ذلك مكاتبتنا إذا تطلَّب الأمر، وفَّقكِ الله وكتَب لك السعادة في الدنيا والآخِرة مع مَن تُحِبِّين.



ما هي الشُّروط التي يُمكِنني اشتِراطها لأنعَمَ بحياةٍ سعيدة؟



أولاً: على مستوى الشروط في النكاح:

لك أنْ تشتَرِطي بعض الشروط التي يُمكِن كتابتها أثناءَ عقد النكاح؛ كأنْ يكون لكِ سكنٌ بمفردك، أو ألا يتزوَّج عليك مثلاً، وغير ذلك من الشُّروط الصحيحة التي لا تُنافِي مقتضى العقد.



ثانيًا: على مستوى التثقيف الزواجي:

أنصَحك وشريكَ حياتك بقراءة الكتب التالية:

1 - ’’تحفة العروس’’؛ تأليف: الشيخ محمود مهدي إستانبولي.



2 - ’’الرجال من المريخ، النساء من الزهرة’’؛ تأليف: جون غراي.



3 - ’’افهمني يا شريك حياتي’’؛ تأليف: مصطفى إسماعيل.



4 - ’’حياتنا الزوجية، أسئلة يجيب عليها الطبيب’’؛ تأليف أبراهام ستون وهانا ستون؛ ترجمة: طارق كمال.



ثالثًا: على مستوى العلاقة الزوجية:

1 - تجنُّب وجود أسرار شخصيَّة بين الشريكين، مع الحِفاظ على الأسرار الزوجيَّة والأسريَّة مهما كانت صغيرة وبسيطة.



2 - الابتِعاد عن المُقارنات أيًّا ما تكن.



3 - الحِفاظ على الحوار الهادئ والمناقشة الإيجابيَّة، والتواصُل الكلامي، والمصارحة بين الزوجين.



4 - التفاهُم والاتِّفاق المسبق على الأمور التالية:

• موضوع الحمل والإنجاب وأسماء الأبناء.



• المستقبل الوظيفي.



• علاقات كلِّ شريكٍ بأهل الشريك الآخَر وأقاربه.



• الأسلوب الأمثَل الذي يُفضِّله كلُّ طرفٍ للتعامُل مع الغضب.



• الأساليب التربوية للتعامُل مع الأبناء.



• الوضع الاقتصادي والمالي.



• السفر وكيفيَّة قضاء الإجازات.



• إدارة الشؤون المنزلية.



5 - الإشباع العاطفي والجنسي الذي يفضِّله كلُّ شريك.



6 - مراعاة اهتمامات الآخَر وهواياته وتفضيلاته ورغباته واحتياجاته.



7 - إدارة الصِّراع والخلافات والمشكلات الزوجيَّة.



8 - طرح التوقُّعات الخاطئة جانبًا؛ كاستمرار اتِّقاد الرغبة الجنسيَّة طيلة الوقت، أو مثاليَّة الشريك، أو تأجُّج الحب... ونحو ذلك.



9 - النظافة الشخصيَّة والتجديد والتجمُّل.



10 - الحِفاظ على الاحتِرام والثقة المتبادَلة والتسامُح والتعاون والمودَّة والرحمة، مع تجنُّب الازدِراء والشك والغيرة المُفرِطة والنبرة العدائيَّة والعنف الجسدي.



’’هل يمكن الاشتِراط عليه أن يحفظ بعضًا من أجزاء القرآن أو يسجِّل في معهد لتعليم القرآن والسنة؟ أو يسجل في دورات للمُقبِلين على الزواج أو في التربية؟’’.



احرِصِي على ألاَّ تظهَرِي أمامَه بمظهر القدِّيسة أو الملاك، بل كوني على طبيعتك البشرية، فكلُّنا نملِك جوانب ضعف وقصور ونحتاج دائمًا إلى مَن يشجِّعنا للتقدُّم وإلى تلافي الأخطاء؛ لهذا أُفضِّل أن تطلبي منه أن يُشجِّعك أنتِ على مراجعة حفظك للقرآن بدلاً من أن تُطالِبيه بحفظ أجزاء من القرآن.



لا أحبِّذ وضعَ مثل هذه المطالب كشروطٍ للمُوافَقة، إنما أفضِّل طرحها على طاولة النِّقاش والحوار كأفكار وأحلام ورغبات تتمنَّين أن تجِدِيها في فارس أحلامك، أمَّا دورات الزواج فجميلٌ لو أنَّكما التحقتُما بدورةٍ مشتركة معًا بدلاً من أن تطلُبِي منه الالتِحاق بدورة زواج بمفرده.



الرجل حسَّاس تجاه مثلِ هذه المطالب من المرأة، فكوني ذكيَّة وواعِيَة ومُحِبَّة لتكسبي زوجك مستقبلاً.



’’هل هناك مجالٌ أن أغيِّر من طباعه؟ وأجعل همَّه هذا الدين؟’’.



تقبَّليه كما هو بمحاسنه وعيوبِه، فالقبول شرط أساس للألفة والمودَّة، يقول د. خالد المنيف: ’’أوَّل ما أُوصِيك به - وهو مفتاح سعادتك الزوجيَّة - أن تقبَلِي زوجَك على ما هو عليه، بمنحِه شعورًا بالحب المطلَق وغمرِه بالوُدِّ؛ فالرجل عندما لا يشعر بحبِّك فسيتولَّد لديه شعور بمواصلة سلوكه الذي اعتَرضتِ عليه وحاولتِ تغييره’’.



إنما فكرة قبول الزوج لا تَتعارَض كليًّا مع فكرة التطوير والتغيير نحو الأفضل، لو أنكِ تعامَلت مع زوجك مستقبلاً كصديقٍ تضَعِين يدك بيده على طريق العلياء والرُّقيِّ والالتِزام الخلقي والديني، وليس كطفلٍ تسعَيْن لتربيته كأنما قد جاءَك بلا تربية!



ختامًا:

يقول د. محمد الحجار: ’’إذا أردت زواجًا سعيدًا أَظهِر الاهتِمامَ بشريك حياتك، والمحبَّة، وعنايتك به، ورعايتك له وتقديرك، وحارِب لزَواج بَنَّاء، وإذا خاصَمت خاصِم من أجل إزالة السلوك الذي يُعِيقك من استمراريَّة الودِّ والمحبَّة، وليس من أجل تَقوِيض الزوج الخصم والنيل من كرامته’’.



دمتِ بألف خيرٍ، ولا تنسيني من صالح دعائك.
استشر الان