أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
السَّلام عليْكم.
بم تنصح الشَّخص الَّذي قد تزوَّج من بنتٍ مشهودٍ لها بحسن الخُلُق والأدب، وبعد سنةٍ من زواجهما انتقل الزَّوج للعمل في مكانٍ بعيدٍ نوعًا ما عن محلّ إقامتِهم حيث يغيب بالأسابيع، في هذه الأثناء استغلَّ أحد ضعفاء القلوب واستطاع التَّأثير عليها وأدْخلها في علاقة موهومة بالحب، اندفعت البنت عاطفيًّا اتجاه هذا الشَّخص، رغْم أنَّ زوجها قد وفَّر لها الرَّاحة المعنويَّة في الحبّ والعاطفة والمزاح اللَّطيف، وكلّ ما تشتهيه المرْأة من الزَّوج، كما وفَّر لها الرَّاحة المادّيَّة بكل ما تحتاجه المرأة، وذلك باعتِراف الزَّوجة والأهل المحيطين، ولكنَّ الشَّخص الدخيل أغواها بِخبثه في الحديث وزيَّن لها الشيطان ما كان يصدر منْه؛ ممَّا أدَّى إلى ميلِها العاطفي اتّجاهه، لم تتجاوز علاقتُهما المكالمات الهاتفيَّة إلاَّ لقاء واحدًا في خلوة لم تزد على بضع دقائق.
عندما علم الزَّوج وسألها اعترفت بكلّ شيء، وأقْسمت بالله أنَّ هذا الرَّجُل لم يلمسها ولم يلْمس حتَّى شعرة واحدة منها، قرَّر الزَّوج طلاقَها لعدم صونِها غيابه وعدم مصارحته، فاستخار الزَّوج ربَّه سبْع مرَّات في أمر طلاقِها، كان هدف الزَّوج إصلاحها، فبدأ معها بالتَّأنيب الحادّ الجارح، ثمَّ بالموعظة.
ولكي يتمَّ إصلاحه لها ذهب بها إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة في العشر الأواخر، واستوقفها هناك ليتبيَّن صدقَها فيما اعترفت عن حجْم علاقتها مع الشَّخص، فاطمأنَّ قلبُه بعد ما أقسمت بصدْق ما ذكرتْ بأنَّه لم يلْمسْها، ثمَّ استمرَّ مع الزَّوجة بالموعظة والمعاتبة إلى أن استبان لها حجْم خطئها.
ولكنَّ الزَّوج لم يستطع تحمل النَّظر إليها، وقد كره ما بدر منها؛ لذا طلَّقها ثمَّ أرْجعها قبل انقضاء العدَّة بشهر، بعد ما شعر بصِدْق ندمِها وصلاحها، ورغْبتها الشَّديدة في تعويضه عما بدر منها.
الآن وبعد ما أرجعها، لا يزال في تذبذُب في شأْن المسامحة ونسيان ما حصل، فتارةً يحاول نسيان ما حصل والاستِمْرار في العيْش معها بالمعروف، وفتح صفحة جديدة، وتارة يقتله الوسواس ويغضب على ما بدر من زوجتِه الَّتي وفَّر لها كلَّ ما يلزم، بيْنهما طفل لَم يتجاوزْ عمرُه السَّنة، وتُحاول الزَّوجة إقناعَه بتوبتِها وندمِها على ما بدر منها من إغْواء الشَّيطان، وتطلُب منه الإبقاء عليْها في ذمته؛ لأجْل ابنِها على أقلّ تقدير؛ لأنَّ الزَّوج يفكِّر في طلاقِها طلاقًا غير رجعي والزَّواج من امرأةٍ غيرِها فيما بعد؟
أرجو تقديم النَّصيحة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أذكِّرك بدايةً أنَّنا في زمن أصبحت فيه الرذيلة يطوف بها شرار النَّاس، وكأنَّهم يحملونها على كواهلِهم.
يطلبون لها نفسًا متهالكة، يبثُّونها فيها، ويبحثون عن ثغرات النُّفوس فيهرقونَها داخلها، ولا يجدون خيرًا من ضِعاف الخلق، ومن لا يحسن الذياد عن نفسه، ومن لا يجد له ناصرًا أو معينًا، فيتشرَّب تلك الرذائل على خير ما يتمنَّون، وعلى أحسن ما يوافق أهواءهم الخبيثة ورغباتهم الدنيئة.
ولهم من الأساليب والحيل ما لا يكاد يخطر لنا على بال، ولا تتوقَّعه عقولنا، ولا نقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
أخي الفاضل، أعلم كم هي مؤلمة الخيانة! وأدرك مرارة تجرع كؤوس حسراتها، وأشعر بما يعاني ذلك الزَّوج من الحزن والضيق؛ بعد أن تذبذبتْ ثقته فيمن يحب، وفيمَن استرعاها على بيتِه وماله ونفسِها، لكن إن أردْنا الإنصاف فلا بدَّ لنا من وقفات مع الزَّوجين.
قد أكرمها الزوج، وبالغ في التلطف بها، وأحسن إليها بالمال، والخُلق الحسن والأدب، وكان لها نعم الزَّوج، ثم ماذا؟
تركها بالأسابيع تقاسي الوحدة، وتعاني ألم الفراق، وتأكلها نار الشوق، ويهفو قلبها لتلك الأيام الجميلة، وتشتاق أذناها لسماع كلماته العذبة، فلا تجد ريحها ولا تحس أثرها!
يا أخي، هذه المرأة قد أخطأتْ بلا شكّ، لكن هل تظنّ أنَّها وذلك الخبيث السَّبب الوحيد في حدوث هذا الخطأ العظيم، وارتكاب ذلك الجرم الشنيع؟
حقيقة، لا أبرئ الزَّوج من الخطأ.
كيف يتركها مدَّة طويلة، بعد أن كان لها نعم الصَّاحب المعين وخير الصَّديق الأمين؟!
أيكتفي بالتَّواصل معها من خلال الهاتِف أو المسنجر، أو أيّ وسيلة لا تزيدُها إلاَّ شوقًا إليه؟
لم تخبرني عن حالهما دينيًّا؟!
استمرَّ زواجهما عامًا أو عامين، فهل كان الزَّوج يحرص على تثقيفِها الثَّقافة الدينيَّة الصَّحيحة، ويعلِّمها من العلم الشَّرعي ما يكون لها كالحصن المنيع في وجْه كلِّ فتنة؟
هل عمِل على توعِيتها، وتحذيرها من الوقوع في المنكَر قبل سفره أو بعْده؟
هل كان عونًا لها على طاعة الله، وطلب منها أن تكون له كذلك؟
هل أمرها بالمعروف ونهاها عن المنكر، ودعاها لتتقرَّب إلى الله؟
فمن أين لها الثبات؟
بل من أين لنا جميعًا أن نتصدَّى لتلك الفتن المحيطة، إلاَّ أن يكون لنا عقيدة راسخة؛ نلوذ بها كلَّما عثرت خطواتنا، ونستروِح من نسماتها رائحة الجنَّة كلما طاف بنا طائف شيطاني؟!
أليس الله - تعالى - يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201، 202].
يقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسير هذه الآيات:
’’ولمَّا كان العبد لا بدَّ أن يغفل وينال منْه الشَّيطان، الذي لا يزال مرابطًا ينتظِر غِرَّته وغفلته، ذكر - تعالى - علامة المتَّقين من الغاوين، وأنَّ المتَّقي إذا أحسَّ بذنب، ومسَّه طائف من الشَّيطان، فأذنبَ بِفِعْل محرَّم أو ترك واجب، تذكَّر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكَّر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتَّوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فردَّ شيطانه خاسئًا حسيرًا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأمَّا إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنَّهم إذا وقعوا في الذّنوب، لا يزالون يمدونَهم في الغيّ ذنبًا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغْواء؛ لأنَّها طمعت فيهم، حين رأتْهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر’’؛ تفسير السعدي (ج1 /ص 313).
فالثبات ليس بالأمر الهين كما يظنّ بعضُنا.
ولو تأملنا في أنفُسنا، ووضعناها نفس الموضع الذي وضِع فيه الآخرون، لكان ذلك خيرَ معين لنا على الغفران، ونِسْيان الغدْر والصفح عن أخطائهم.
كما أنَّ تذكُّر أجْر الصَّفح عن الأحبَّة، بل عن جميع مَن أخطأ في حقِّنا من المسلمين، من شأنِه أن يهدئ النّفوس، ويقيها شرَّ الوسواس؛ ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[النور: 22].
أفلا نقول كما قال أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه -: ’’بلى يا رب، إني أحبّ أن يُغفَر لي’’.
من أجمل ما قرأتُ للكاتب الأديب/ مصطفى لطفي المنفلوطي - رحِمه الله - في الغفران:
’’ليس الحقد واحتمال الضغينة غريزةً من الغرائز اللاَّزمة للإنسان، فإنَّ الرَّجل قد يصفح عن سيِّئات الأطفال؛ لأنَّهم لا يملكون الخيار لأنفسهم، ويذكر لأصحاب السيئات من الموتى حسناتِهم؛ لأنَّ الزَّمن الذي ذهب بخيرِهم وشرهم لن يعود، فلم لا نغفر ذنوب أولئِك الذين ما أذنبوا، إلاَّ بعد معركة مستمرَّة قامت بين عقولهم وقلوبهم، ثمَّ سقطوا على إثرها صرعى لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا؟!’’
تقول: ’’كان هدف الزَّوج إصلاحها، فبدأ معها بالتَّأنيب الحاد الجارح ثمَّ بالموعظة’’.
لا أدري: هل عكست أم هذا ما فعله الزوج؟
هل يبدأ بالتَّأنيب الحادّ الجارح؟
ثم تأتي من بعده الموعظة؟
أين هو من قول الله: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
ما كان ينبغي أن يبدأ بهذا أبدًا، بل كان عليه أن يبدأ بالوعظ الحسَن والنصح بالمعروف، ثمَّ لينظر بعد ذلك ماذا يجب عليه فعله.
تقول: ’’لا يزال في تذبذُب في شأْن المسامحة ونسيان ما حصل، فتارةً يحاول نسيان ما حصل والاستِمْرار في العيْش معها بالمعروف، وفتح صفحة جديدة، وتارة يقتله الوسواس ويغضب على ما بدر من زوجتِه الَّتي وفَّر لها كلَّ ما يلزم’’.
نعم، لا بدَّ أن يحدث هذا، وهل تظنّ أنَّ الشَّيطان سيضيِّع فرصة كهذه؟!
سيأتيك ليوسوس، ويهوّل الأمر عليك، وكلَّما عفوت وطابت نفسُك واطمأنَّت للحال سيعاود، فعُد أنت إلى المسامحة والمغفِرة، واستشْعِر الشَّفقة عليْها، وتذكَّر حسناتِها السَّابقة، وتذكَّر ضعْفَها وحقَّها عليك.
يا أخي، اسمع ماذا يقول الله القويّ العزيز، الَّذي يملك أن يخسف بالمذنب في لمح البصر، انظُر ماذا قضى فيمن ارتكب الفاحشة وفعل من الموبقات ما فعل:﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 68 - 71].
ما أحلم الله!
لا يغفر له فقط، بل يبدل سيئاته حسنات!
أقول لهذا الزَّوج: اعتصِم بالله، وأحسِن الظَّنَّ بزوجِك، وتعهَّدها بالرّعاية وأعِنْها على القرب من الله، ولن يلبث الأمر معك إلاَّ قليلاً حتَّى يزول، بعد أن ييْئس الشَّيطان منك، وأكثر من الاستِعاذة، وكلَّما مرَّ عليك هذا الطَّائف فردّد بصوتٍ مسموع: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وتذكَّر أنَّ الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة، وكم مرَّةٍ سمعنا من أُناس يستعْظِمون ما فعل غيرُهم ويُقِرّون أنَّهم لا يمكن أن يقعوا في مثله، فإذا ما تعرَّضوا لفتنة مثلها، أو أقلَّ منها، يسقُطون سقطة أشدَّ ممَّن سخروا منهم واستنكروا عليهم!
فالمعصوم من عصمه الله، ولا ينبغي أن يكون أحدُنا عونًا للشَّيطان على أخيه، فإذا ما أمسَكْتَ زوجك، فإيَّاك أن تبدل العهد، وتغير الخُلق معها، بل عُد إلى ما كنتَ عليه من حسن الخُلق وطيب العشرة.
وتذكَّر أنَّ هذا من نبل النَّفس الأصيلة، ومن شِيَم الرّجال الصَّالحين، فلا تُشعِرْها أنَّ لها ذنبًا الآن قد وضَعَها موضِع الذّلّ والصَّغار، فلا حقَّ لها في مالِك أو طيّب كلماتك، بل أشعِرْها بالثقة وأعْطِها الأمان؛ لتسكن نفسها ويطمئن قلبها، فإنَّك إن لم تفعل أوغرت صدرَها، وزرعْتَ في نفسها أنَّه لا سبيل لها إلى التوبة مهما فعلت وكفَّرت عن خطيئَتِها وجُرمها، فإنَّ شعورها بأنَّ الثقة لن تعود، وأيَّامكما الأولى ولَّى عهدُها، قد يكون من أقْوى الأسباب الَّتي تُعينُها على الرّجوع إلى المعصية.
تقول: ’’بيْنهما طفل لَم يتجاوزْ عمرُه السَّنة، وتُحاول الزَّوجة إقناعَه بتوبتِها وندمِها على ما بدر منها من إغْواء الشَّيطان، وتطلُب منه الإبقاء عليْها في ذمته؛ لأجْل ابنِها على أقلّ تقدير؛ لأنَّ الزَّوج يفكِّر في طلاقِها طلاقًا غير رجعي، والزَّواج من امرأةٍ غيرِها فيما بعد’’.
ورد في ’’صحيح مسلم’’: عن جابر - رضِي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ إبليس يضَع عرْشَه على الماء، ثمَّ يبعث سراياه، فأدْناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يَجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ثمَّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتَّى فرَّقت بينه وبين امرأتِه، قال: فيُدنيه منه ويقول: نعم أنت)).
لم يُدنِ مَن يُغوي السَّارق أو الكاذب، بل أدنى مَن فرَّق بين الزَّوجين، أتدري لماذا؟
لأنَّ آثار الطلاق المدمّرة يظلّ المجتمع بأكمله يعانيها ويقاسي آلامها؛ فالأبناء يخرجون إلى الدنيا وقد زُرع في نفوسهم الشعور بالرعب والحيرة، وفقدان الثقة في كلّ شيء من حولهم، ومنهم مَن يعزف عن الزَّواج، وقد أثبتت الدّراسات أنَّ أبناء المطلَّقين يعانون أمراضًا نفسيَّة تفوق غيرهم من الأطفال بمراحل.
والله لقد سمعت وقرأت عن معاناة أولئِك الأطفال ما يَبكي له القلب قبل العين!
سأختصِر لك الآن ما أقترحه على هذا الزَّوج وما أنصحُه به:
- تقوية الوازع الديني لدى الزَّوجة، وتعليمها وغرْس مراقبة الله وخشْيته في نفسها، وليكُن بمشاركتها الاطِّلاع على بعض كتب الفقه وكتب الرقائق، والتأمل في حال السلف وما كانوا عليه، وقراءة سيرة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومناقشتها في بعْض المواقف المهمَّة بالنسبة لها.
- إقامة صداقات مع أخوات صالحات، والأفضل ألا تكون من خلال الإنترنت، بل نريد صديقات على أرض الواقع، فتتبادل معهنَّ الزيارات وتتعلَّم منهنَّ ما ينفعها ويحضّها على الخير بإذن الله.
- القضاء على الوسيلة التي استخدمتْها في المعصية إن تيسَّر ذلك، فإن كان عن طريق الإنترنت فالأولى التخلُّص منه في الوقْت الحالي على الأقل، وإن كان عن طريق الهاتف فالتخلُّص منه قد يكون صعبًا، لكن إن تيسَّر له الاتّفاق معها على التَّعامل معه بأسلوب مختلف كتغْيير الرَّقم وجعله للاستِقْبال فقط.
- شغْل وقتها بالدراسة أو نحوها، فشغل الوقْت بالتعلم أو ممارسة ما يُفيد من الهوايات قد يَحول دون الوقوع في مثل هذه العلاقات، فالفراغ وإن كان نعمة يتمنَّاها الكثير، إلاَّ أنَّ أغلب مَن أنعم الله عليه به لا يعرف قدرَها، ويستخدمها في الشّرّ.
- الدَّعم النفسي والعاطفي، فلا يتغير معها ولا يبدل عهده، ولا يزيدُها إلا مودَّة ومعاشرة حسنة، فالخلق الحسن يذيب الصَّخر ويقضي على الرَّغبات السيئة والنزعات الشيطانيَّة.
- مرافقتها للزوج في سفره – إن تيسَّر ذلك - من أفضل ما يعينها على الثبات ويعينه على استشعار الثقة من جديد؛ فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وما أجمل أن تجد الزَّوجة بجانبها دائمًا زوجًا حنونًا، يقويها ويذكرها، ويأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر! فليحاول أن يصحبها معه، ويؤثث لهما مسكنًا ولو صغيرًا أو غير مناسب؛ لتبقى معه في حلّه وترْحاله.
- تجنّب السخرية أو التذكير بالذنب، فليس هذا من خُلق المسلم، وليس من حسن العشرة في شيء، وإن أراد أن يجدِّد التذكِرة لها فلا يكون بالحديث عن الذَّنب، بل بالوعظ الحسن دون تلميح أو همز ولمز.
- الدعاء:
ما أجمل أن يتعلق الإنسان بربه، ويتوكَّل عليه ويلجأ إليه في كل نائبة وضائقة! فليردّد كثيرًا: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
وليدعُ الله موقنًا بالإجابة؛ فهو الحافظ وهو القادر، وهو المصرف وهو المالك سبحانه.
أخيرًا: أطلب من هذا الزَّوج أن يعقد مقارنة بين حالِه إذا ما طلَّق زوجته، وحالِه إذا ما استبقاها، ويتذكَّر إيجابيات وسلبيات الحالتين:
فعند إمساكها:
- سيكسب أجر الستر على مسلمة.
- سيعمل على حفظها من الرجوع إلى المعصية.
- سيحفظ ولده من التشتُّت بينهما، أو الحياة مع زوج أم، أو زوجة أب.
- سيكسب قلبها من جديد ومحبَّتها بصدق.
- سيكفي نفسَه عناء الطلاق والبحث عن زوجة أخرى قد يتسرَّب إلى نفسه الشعور بعدم الثقة فيها أيضًا، فما يُدريه أن تكون مثلها أو أسوأ؟
وأما الشيء الوحيد الذي قد يزعجه، فهو ذلك الشعور المؤلم الَّذي يأتيه بين فينة وأخرى، وقد يتمكَّن من التغلُّب عليه ونسيانه - بإذن الله - إذا ما توكَّل على الله، وعمل على إصلاحها؛ فالنسيان نعمة عظيمة من نعم الله.
وأمَّا عند طلاقها:
- فسيهدم البيت.
- وسيدفع ولده الثَّمن الأكبر.
- ربَّما تعود الزَّوجة إلى المعصية أو تتزوَّج بذلك الخبيث.
والبقية في عكس ما سلف من إيجابيات.
ولا أرى إيجابيَّة لهذا الخيار إلاَّ أنَّه ربَّما يتخلَّص من الشعور ببغضِها، لكن قد يتكرَّر مع غيرها.
وفَّقهما الله وحفظهما من كلّ سوء، وصرف الشيطان عنهما، والله ولي التوفيق.
السؤال
السَّلام عليْكم.
بم تنصح الشَّخص الَّذي قد تزوَّج من بنتٍ مشهودٍ لها بحسن الخُلُق والأدب، وبعد سنةٍ من زواجهما انتقل الزَّوج للعمل في مكانٍ بعيدٍ نوعًا ما عن محلّ إقامتِهم حيث يغيب بالأسابيع، في هذه الأثناء استغلَّ أحد ضعفاء القلوب واستطاع التَّأثير عليها وأدْخلها في علاقة موهومة بالحب، اندفعت البنت عاطفيًّا اتجاه هذا الشَّخص، رغْم أنَّ زوجها قد وفَّر لها الرَّاحة المعنويَّة في الحبّ والعاطفة والمزاح اللَّطيف، وكلّ ما تشتهيه المرْأة من الزَّوج، كما وفَّر لها الرَّاحة المادّيَّة بكل ما تحتاجه المرأة، وذلك باعتِراف الزَّوجة والأهل المحيطين، ولكنَّ الشَّخص الدخيل أغواها بِخبثه في الحديث وزيَّن لها الشيطان ما كان يصدر منْه؛ ممَّا أدَّى إلى ميلِها العاطفي اتّجاهه، لم تتجاوز علاقتُهما المكالمات الهاتفيَّة إلاَّ لقاء واحدًا في خلوة لم تزد على بضع دقائق.
عندما علم الزَّوج وسألها اعترفت بكلّ شيء، وأقْسمت بالله أنَّ هذا الرَّجُل لم يلمسها ولم يلْمس حتَّى شعرة واحدة منها، قرَّر الزَّوج طلاقَها لعدم صونِها غيابه وعدم مصارحته، فاستخار الزَّوج ربَّه سبْع مرَّات في أمر طلاقِها، كان هدف الزَّوج إصلاحها، فبدأ معها بالتَّأنيب الحادّ الجارح، ثمَّ بالموعظة.
ولكي يتمَّ إصلاحه لها ذهب بها إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة في العشر الأواخر، واستوقفها هناك ليتبيَّن صدقَها فيما اعترفت عن حجْم علاقتها مع الشَّخص، فاطمأنَّ قلبُه بعد ما أقسمت بصدْق ما ذكرتْ بأنَّه لم يلْمسْها، ثمَّ استمرَّ مع الزَّوجة بالموعظة والمعاتبة إلى أن استبان لها حجْم خطئها.
ولكنَّ الزَّوج لم يستطع تحمل النَّظر إليها، وقد كره ما بدر منها؛ لذا طلَّقها ثمَّ أرْجعها قبل انقضاء العدَّة بشهر، بعد ما شعر بصِدْق ندمِها وصلاحها، ورغْبتها الشَّديدة في تعويضه عما بدر منها.
الآن وبعد ما أرجعها، لا يزال في تذبذُب في شأْن المسامحة ونسيان ما حصل، فتارةً يحاول نسيان ما حصل والاستِمْرار في العيْش معها بالمعروف، وفتح صفحة جديدة، وتارة يقتله الوسواس ويغضب على ما بدر من زوجتِه الَّتي وفَّر لها كلَّ ما يلزم، بيْنهما طفل لَم يتجاوزْ عمرُه السَّنة، وتُحاول الزَّوجة إقناعَه بتوبتِها وندمِها على ما بدر منها من إغْواء الشَّيطان، وتطلُب منه الإبقاء عليْها في ذمته؛ لأجْل ابنِها على أقلّ تقدير؛ لأنَّ الزَّوج يفكِّر في طلاقِها طلاقًا غير رجعي والزَّواج من امرأةٍ غيرِها فيما بعد؟
أرجو تقديم النَّصيحة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أذكِّرك بدايةً أنَّنا في زمن أصبحت فيه الرذيلة يطوف بها شرار النَّاس، وكأنَّهم يحملونها على كواهلِهم.
يطلبون لها نفسًا متهالكة، يبثُّونها فيها، ويبحثون عن ثغرات النُّفوس فيهرقونَها داخلها، ولا يجدون خيرًا من ضِعاف الخلق، ومن لا يحسن الذياد عن نفسه، ومن لا يجد له ناصرًا أو معينًا، فيتشرَّب تلك الرذائل على خير ما يتمنَّون، وعلى أحسن ما يوافق أهواءهم الخبيثة ورغباتهم الدنيئة.
ولهم من الأساليب والحيل ما لا يكاد يخطر لنا على بال، ولا تتوقَّعه عقولنا، ولا نقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
أخي الفاضل، أعلم كم هي مؤلمة الخيانة! وأدرك مرارة تجرع كؤوس حسراتها، وأشعر بما يعاني ذلك الزَّوج من الحزن والضيق؛ بعد أن تذبذبتْ ثقته فيمن يحب، وفيمَن استرعاها على بيتِه وماله ونفسِها، لكن إن أردْنا الإنصاف فلا بدَّ لنا من وقفات مع الزَّوجين.
قد أكرمها الزوج، وبالغ في التلطف بها، وأحسن إليها بالمال، والخُلق الحسن والأدب، وكان لها نعم الزَّوج، ثم ماذا؟
تركها بالأسابيع تقاسي الوحدة، وتعاني ألم الفراق، وتأكلها نار الشوق، ويهفو قلبها لتلك الأيام الجميلة، وتشتاق أذناها لسماع كلماته العذبة، فلا تجد ريحها ولا تحس أثرها!
يا أخي، هذه المرأة قد أخطأتْ بلا شكّ، لكن هل تظنّ أنَّها وذلك الخبيث السَّبب الوحيد في حدوث هذا الخطأ العظيم، وارتكاب ذلك الجرم الشنيع؟
حقيقة، لا أبرئ الزَّوج من الخطأ.
كيف يتركها مدَّة طويلة، بعد أن كان لها نعم الصَّاحب المعين وخير الصَّديق الأمين؟!
أيكتفي بالتَّواصل معها من خلال الهاتِف أو المسنجر، أو أيّ وسيلة لا تزيدُها إلاَّ شوقًا إليه؟
لم تخبرني عن حالهما دينيًّا؟!
استمرَّ زواجهما عامًا أو عامين، فهل كان الزَّوج يحرص على تثقيفِها الثَّقافة الدينيَّة الصَّحيحة، ويعلِّمها من العلم الشَّرعي ما يكون لها كالحصن المنيع في وجْه كلِّ فتنة؟
هل عمِل على توعِيتها، وتحذيرها من الوقوع في المنكَر قبل سفره أو بعْده؟
هل كان عونًا لها على طاعة الله، وطلب منها أن تكون له كذلك؟
هل أمرها بالمعروف ونهاها عن المنكر، ودعاها لتتقرَّب إلى الله؟
فمن أين لها الثبات؟
بل من أين لنا جميعًا أن نتصدَّى لتلك الفتن المحيطة، إلاَّ أن يكون لنا عقيدة راسخة؛ نلوذ بها كلَّما عثرت خطواتنا، ونستروِح من نسماتها رائحة الجنَّة كلما طاف بنا طائف شيطاني؟!
أليس الله - تعالى - يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201، 202].
يقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسير هذه الآيات:
’’ولمَّا كان العبد لا بدَّ أن يغفل وينال منْه الشَّيطان، الذي لا يزال مرابطًا ينتظِر غِرَّته وغفلته، ذكر - تعالى - علامة المتَّقين من الغاوين، وأنَّ المتَّقي إذا أحسَّ بذنب، ومسَّه طائف من الشَّيطان، فأذنبَ بِفِعْل محرَّم أو ترك واجب، تذكَّر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكَّر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتَّوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فردَّ شيطانه خاسئًا حسيرًا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأمَّا إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنَّهم إذا وقعوا في الذّنوب، لا يزالون يمدونَهم في الغيّ ذنبًا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغْواء؛ لأنَّها طمعت فيهم، حين رأتْهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر’’؛ تفسير السعدي (ج1 /ص 313).
فالثبات ليس بالأمر الهين كما يظنّ بعضُنا.
ولو تأملنا في أنفُسنا، ووضعناها نفس الموضع الذي وضِع فيه الآخرون، لكان ذلك خيرَ معين لنا على الغفران، ونِسْيان الغدْر والصفح عن أخطائهم.
كما أنَّ تذكُّر أجْر الصَّفح عن الأحبَّة، بل عن جميع مَن أخطأ في حقِّنا من المسلمين، من شأنِه أن يهدئ النّفوس، ويقيها شرَّ الوسواس؛ ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[النور: 22].
أفلا نقول كما قال أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه -: ’’بلى يا رب، إني أحبّ أن يُغفَر لي’’.
من أجمل ما قرأتُ للكاتب الأديب/ مصطفى لطفي المنفلوطي - رحِمه الله - في الغفران:
’’ليس الحقد واحتمال الضغينة غريزةً من الغرائز اللاَّزمة للإنسان، فإنَّ الرَّجل قد يصفح عن سيِّئات الأطفال؛ لأنَّهم لا يملكون الخيار لأنفسهم، ويذكر لأصحاب السيئات من الموتى حسناتِهم؛ لأنَّ الزَّمن الذي ذهب بخيرِهم وشرهم لن يعود، فلم لا نغفر ذنوب أولئِك الذين ما أذنبوا، إلاَّ بعد معركة مستمرَّة قامت بين عقولهم وقلوبهم، ثمَّ سقطوا على إثرها صرعى لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا؟!’’
تقول: ’’كان هدف الزَّوج إصلاحها، فبدأ معها بالتَّأنيب الحاد الجارح ثمَّ بالموعظة’’.
لا أدري: هل عكست أم هذا ما فعله الزوج؟
هل يبدأ بالتَّأنيب الحادّ الجارح؟
ثم تأتي من بعده الموعظة؟
أين هو من قول الله: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
ما كان ينبغي أن يبدأ بهذا أبدًا، بل كان عليه أن يبدأ بالوعظ الحسَن والنصح بالمعروف، ثمَّ لينظر بعد ذلك ماذا يجب عليه فعله.
تقول: ’’لا يزال في تذبذُب في شأْن المسامحة ونسيان ما حصل، فتارةً يحاول نسيان ما حصل والاستِمْرار في العيْش معها بالمعروف، وفتح صفحة جديدة، وتارة يقتله الوسواس ويغضب على ما بدر من زوجتِه الَّتي وفَّر لها كلَّ ما يلزم’’.
نعم، لا بدَّ أن يحدث هذا، وهل تظنّ أنَّ الشَّيطان سيضيِّع فرصة كهذه؟!
سيأتيك ليوسوس، ويهوّل الأمر عليك، وكلَّما عفوت وطابت نفسُك واطمأنَّت للحال سيعاود، فعُد أنت إلى المسامحة والمغفِرة، واستشْعِر الشَّفقة عليْها، وتذكَّر حسناتِها السَّابقة، وتذكَّر ضعْفَها وحقَّها عليك.
يا أخي، اسمع ماذا يقول الله القويّ العزيز، الَّذي يملك أن يخسف بالمذنب في لمح البصر، انظُر ماذا قضى فيمن ارتكب الفاحشة وفعل من الموبقات ما فعل:﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 68 - 71].
ما أحلم الله!
لا يغفر له فقط، بل يبدل سيئاته حسنات!
أقول لهذا الزَّوج: اعتصِم بالله، وأحسِن الظَّنَّ بزوجِك، وتعهَّدها بالرّعاية وأعِنْها على القرب من الله، ولن يلبث الأمر معك إلاَّ قليلاً حتَّى يزول، بعد أن ييْئس الشَّيطان منك، وأكثر من الاستِعاذة، وكلَّما مرَّ عليك هذا الطَّائف فردّد بصوتٍ مسموع: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وتذكَّر أنَّ الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة، وكم مرَّةٍ سمعنا من أُناس يستعْظِمون ما فعل غيرُهم ويُقِرّون أنَّهم لا يمكن أن يقعوا في مثله، فإذا ما تعرَّضوا لفتنة مثلها، أو أقلَّ منها، يسقُطون سقطة أشدَّ ممَّن سخروا منهم واستنكروا عليهم!
فالمعصوم من عصمه الله، ولا ينبغي أن يكون أحدُنا عونًا للشَّيطان على أخيه، فإذا ما أمسَكْتَ زوجك، فإيَّاك أن تبدل العهد، وتغير الخُلق معها، بل عُد إلى ما كنتَ عليه من حسن الخُلق وطيب العشرة.
وتذكَّر أنَّ هذا من نبل النَّفس الأصيلة، ومن شِيَم الرّجال الصَّالحين، فلا تُشعِرْها أنَّ لها ذنبًا الآن قد وضَعَها موضِع الذّلّ والصَّغار، فلا حقَّ لها في مالِك أو طيّب كلماتك، بل أشعِرْها بالثقة وأعْطِها الأمان؛ لتسكن نفسها ويطمئن قلبها، فإنَّك إن لم تفعل أوغرت صدرَها، وزرعْتَ في نفسها أنَّه لا سبيل لها إلى التوبة مهما فعلت وكفَّرت عن خطيئَتِها وجُرمها، فإنَّ شعورها بأنَّ الثقة لن تعود، وأيَّامكما الأولى ولَّى عهدُها، قد يكون من أقْوى الأسباب الَّتي تُعينُها على الرّجوع إلى المعصية.
تقول: ’’بيْنهما طفل لَم يتجاوزْ عمرُه السَّنة، وتُحاول الزَّوجة إقناعَه بتوبتِها وندمِها على ما بدر منها من إغْواء الشَّيطان، وتطلُب منه الإبقاء عليْها في ذمته؛ لأجْل ابنِها على أقلّ تقدير؛ لأنَّ الزَّوج يفكِّر في طلاقِها طلاقًا غير رجعي، والزَّواج من امرأةٍ غيرِها فيما بعد’’.
ورد في ’’صحيح مسلم’’: عن جابر - رضِي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ إبليس يضَع عرْشَه على الماء، ثمَّ يبعث سراياه، فأدْناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يَجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ثمَّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتَّى فرَّقت بينه وبين امرأتِه، قال: فيُدنيه منه ويقول: نعم أنت)).
لم يُدنِ مَن يُغوي السَّارق أو الكاذب، بل أدنى مَن فرَّق بين الزَّوجين، أتدري لماذا؟
لأنَّ آثار الطلاق المدمّرة يظلّ المجتمع بأكمله يعانيها ويقاسي آلامها؛ فالأبناء يخرجون إلى الدنيا وقد زُرع في نفوسهم الشعور بالرعب والحيرة، وفقدان الثقة في كلّ شيء من حولهم، ومنهم مَن يعزف عن الزَّواج، وقد أثبتت الدّراسات أنَّ أبناء المطلَّقين يعانون أمراضًا نفسيَّة تفوق غيرهم من الأطفال بمراحل.
والله لقد سمعت وقرأت عن معاناة أولئِك الأطفال ما يَبكي له القلب قبل العين!
سأختصِر لك الآن ما أقترحه على هذا الزَّوج وما أنصحُه به:
- تقوية الوازع الديني لدى الزَّوجة، وتعليمها وغرْس مراقبة الله وخشْيته في نفسها، وليكُن بمشاركتها الاطِّلاع على بعض كتب الفقه وكتب الرقائق، والتأمل في حال السلف وما كانوا عليه، وقراءة سيرة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومناقشتها في بعْض المواقف المهمَّة بالنسبة لها.
- إقامة صداقات مع أخوات صالحات، والأفضل ألا تكون من خلال الإنترنت، بل نريد صديقات على أرض الواقع، فتتبادل معهنَّ الزيارات وتتعلَّم منهنَّ ما ينفعها ويحضّها على الخير بإذن الله.
- القضاء على الوسيلة التي استخدمتْها في المعصية إن تيسَّر ذلك، فإن كان عن طريق الإنترنت فالأولى التخلُّص منه في الوقْت الحالي على الأقل، وإن كان عن طريق الهاتف فالتخلُّص منه قد يكون صعبًا، لكن إن تيسَّر له الاتّفاق معها على التَّعامل معه بأسلوب مختلف كتغْيير الرَّقم وجعله للاستِقْبال فقط.
- شغْل وقتها بالدراسة أو نحوها، فشغل الوقْت بالتعلم أو ممارسة ما يُفيد من الهوايات قد يَحول دون الوقوع في مثل هذه العلاقات، فالفراغ وإن كان نعمة يتمنَّاها الكثير، إلاَّ أنَّ أغلب مَن أنعم الله عليه به لا يعرف قدرَها، ويستخدمها في الشّرّ.
- الدَّعم النفسي والعاطفي، فلا يتغير معها ولا يبدل عهده، ولا يزيدُها إلا مودَّة ومعاشرة حسنة، فالخلق الحسن يذيب الصَّخر ويقضي على الرَّغبات السيئة والنزعات الشيطانيَّة.
- مرافقتها للزوج في سفره – إن تيسَّر ذلك - من أفضل ما يعينها على الثبات ويعينه على استشعار الثقة من جديد؛ فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وما أجمل أن تجد الزَّوجة بجانبها دائمًا زوجًا حنونًا، يقويها ويذكرها، ويأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر! فليحاول أن يصحبها معه، ويؤثث لهما مسكنًا ولو صغيرًا أو غير مناسب؛ لتبقى معه في حلّه وترْحاله.
- تجنّب السخرية أو التذكير بالذنب، فليس هذا من خُلق المسلم، وليس من حسن العشرة في شيء، وإن أراد أن يجدِّد التذكِرة لها فلا يكون بالحديث عن الذَّنب، بل بالوعظ الحسن دون تلميح أو همز ولمز.
- الدعاء:
ما أجمل أن يتعلق الإنسان بربه، ويتوكَّل عليه ويلجأ إليه في كل نائبة وضائقة! فليردّد كثيرًا: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
وليدعُ الله موقنًا بالإجابة؛ فهو الحافظ وهو القادر، وهو المصرف وهو المالك سبحانه.
أخيرًا: أطلب من هذا الزَّوج أن يعقد مقارنة بين حالِه إذا ما طلَّق زوجته، وحالِه إذا ما استبقاها، ويتذكَّر إيجابيات وسلبيات الحالتين:
فعند إمساكها:
- سيكسب أجر الستر على مسلمة.
- سيعمل على حفظها من الرجوع إلى المعصية.
- سيحفظ ولده من التشتُّت بينهما، أو الحياة مع زوج أم، أو زوجة أب.
- سيكسب قلبها من جديد ومحبَّتها بصدق.
- سيكفي نفسَه عناء الطلاق والبحث عن زوجة أخرى قد يتسرَّب إلى نفسه الشعور بعدم الثقة فيها أيضًا، فما يُدريه أن تكون مثلها أو أسوأ؟
وأما الشيء الوحيد الذي قد يزعجه، فهو ذلك الشعور المؤلم الَّذي يأتيه بين فينة وأخرى، وقد يتمكَّن من التغلُّب عليه ونسيانه - بإذن الله - إذا ما توكَّل على الله، وعمل على إصلاحها؛ فالنسيان نعمة عظيمة من نعم الله.
وأمَّا عند طلاقها:
- فسيهدم البيت.
- وسيدفع ولده الثَّمن الأكبر.
- ربَّما تعود الزَّوجة إلى المعصية أو تتزوَّج بذلك الخبيث.
والبقية في عكس ما سلف من إيجابيات.
ولا أرى إيجابيَّة لهذا الخيار إلاَّ أنَّه ربَّما يتخلَّص من الشعور ببغضِها، لكن قد يتكرَّر مع غيرها.
وفَّقهما الله وحفظهما من كلّ سوء، وصرف الشيطان عنهما، والله ولي التوفيق.